«تركة» السراج... تحالفات شائكة ومصير غامض

تتضمن اتفاقيات أمنية وعسكرية مثيرة للجدل وتعيينات خلافية وديوناً ضخمة

السراج خلال كلمته التي طلب فيها تكليف بديل له قبل نهاية الشهر المقبل (رويترز)
السراج خلال كلمته التي طلب فيها تكليف بديل له قبل نهاية الشهر المقبل (رويترز)
TT

«تركة» السراج... تحالفات شائكة ومصير غامض

السراج خلال كلمته التي طلب فيها تكليف بديل له قبل نهاية الشهر المقبل (رويترز)
السراج خلال كلمته التي طلب فيها تكليف بديل له قبل نهاية الشهر المقبل (رويترز)

يتساءل سياسيون ليبيون عن مصير «تركة» رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج، إذا ما نفذ تعهده ترك منصبه قبل نهاية الشهر المقبل، خصوصاً أنها تتشكل من تحالفات دولية شائكة، تتضمن توقيع اتفاقات أمنية وعسكرية مثيرة للجدل مع تركيا، وتعيين شخصيات خلافية في مناصب حكومية، فضلاً عن فوضى السلاح والميليشيات التي تعزز نفوذها خلال سنوات حكمه.
وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في طبرق طلال الميهوب، لـ«الشرق الأوسط»، «سنطالب المجتمع الدولي بالتأكيد على عدم شرعية هذه الاتفاقيات، وبطلانها، حتى لا تتخذ فيما بعد ذريعة للتدخل في الشأن الليبي من قبل تركيا وأنصارها... هذه الاتفاقيات لا تعني لنا شيئاً لعدم دستوريتها».
وذهب رئيس لجنة الخارجية في مجلس النواب يوسف العقوري، إلى أن «جميع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعتها حكومة (الوفاق) لم يتم إقرارها أو المصادقة عليها من قبل البرلمان بصفته الجسم الوحيد المنتخب في البلاد». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ستتم إعادة النظر في هذه الاتفاقات بما يحقق المصلحة الوطنية لليبيا».
في المقابل، استبعد عضو المجلس الأعلى للدولة بطرابلس عادل كرموس، أن تؤثر استقالة السراج «إذا أقدم عليها» على مصير الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة «الوفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «السراج وقع بصفته وليس بشخصه... من سيأتي بعد السراج سيرث تركة ثقيلة، معالمها الفوضى العارمة في جميع المؤسسات، إضافة إلى تعيينات شخصيات مرفوضة شعبياً». ولفت إلى أن «تردي الأوضاع المعيشية دفع المواطنين إلى الخروج للتظاهر برغم انتهاء الحرب على العاصمة منذ أشهر».
وكلف السراج رئيس ميليشيا «الأمن العام والتمركزات الأمنية» عماد الطرابلسي، بمنصب نائب رئيس جهاز المخابرات، ومساعد رئيس ميليشيا «قوة الردع المشتركة» لطفي الحراري، وعبد الغني الككلي الشهير بـ«غنيوة» نائباً لرئيس جهاز الأمن الداخلي، كما عيّن محمد بعيو المحسوب على نظام معمر القذافي رئيساً للمؤسسة الليبية للإعلام. وتسببت تلك القرارات بموجة غضب عارمة، حتى بين رفاق السراج، في مقدمتهم تنظيم «الإخوان».
ورأى كرموس أن السراج «جمع لأسباب عدة صلاحيات مختلفة مثل رئيس الدولة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع في السابق، وكان من الممكن أن يتحول إلى بطل وطني لا نظير له. لكن سوء الإدارة الذي لازم أغلب قراراته، سواء التي انفرد باتخاذها، أو التي صدرت عن المجلس بما تبقى من أعضائه، حال دون ذلك، وجاءت في أغلبها فاشلة، ولا تنبئ بأن من أصدرها يعيش الواقع». وأضاف: «كانت الحجة المكررة لتبرير الفشل الذريع أن مستشاري السراج هم من يقفون وراء هذه الإخفاقات».
وبالمثل يرى فرج العماري، نائب رئيس حزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، أن «السراج سيترك تركة ثقيلة لمن سيخلفه، وليس فراغاً لا يستطيع أحد سده وتعويضه كما يردد البعض، فهناك العديد من الشخصيات القادرة على إدارة شؤون البلاد».
ويتوقع العماري «مراجعة أغلب قرارات وتعيينات السراج من قبل رئيس الحكومة الجديد، خصوصاً القرارات المتعلقة برئاسة مؤسسة الإعلام وبالقطاع الأمني، فهذه قرارات غير مدروسة». لكنه استبعد «المساس بالاتفاقيات الدولية، في الفترة التمهيدية التي تسبق الانتخابات التشريعية والبرلمانية التي من المنتظر أن يتم إقرارها بمفاوضات الحل السياسي الشامل».
وفيما يتعلق بالقرارات الاقتصادية التي أصدرها السراج مؤخراً عقب التظاهرات التي شهدتها طرابلس، من تعيين للشباب بالقطاع الحكومي، وصرف منحة أرباب الأسر، لا يتوقع أستاذ الاقتصاد في جامعة مصراتة عبد الحميد فضيل، أن ترى النور، سواء استمر السراج في منصبه، أو حل بدلاً منه رئيس جديد للمجلس الرئاسي.
وقال فضيل لـ«الشرق الأوسط»، «إذا رحل السراج عن المجلس فإنه سيخلف تركة كبيرة مثقلة بالديون للمجلس الرئاسي الجديد... هناك دين عام محلي يتجاوز المائة مليار دينار ليبي يتوزع ما بين 50 مليار دينار ديون للمنطقة الشرقية، و63 مليار للغربية، إضافة إلى سوء وتردي القطاعات والمرافق العامة التي تمس احتياجات المواطنين، فضلاً عن قضايا الفساد».



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.