جرائم الخطف بين مدن ليبيا... وجه آخر لغياب الدولة

بني وليد تستعيد أبناءها المحتجزين في زليتن

TT

جرائم الخطف بين مدن ليبيا... وجه آخر لغياب الدولة

جددت عمليات الخطف على الهوية في ليبيا، مخاوف عودة التوتر بين بعض المناطق، خصوصاً في شمال غربي البلاد، في ظل غياب الأجهزة الأمنية وانشغال السلطات التنفيذية بالمعارك السياسية.
وكان أهالي وأعيان قبائل ورفلة في بني وليد (شمال غربي ليبيا) قد شكوا مراراً من تعرض بعض أبنائهم للخطف على الهوية خلال وجودهم في مدينة زليتن (الواقعة على الساحل الغربي)، بسبب ما وصفوه بـ«هشاشة الوضع الأمني» في البلاد، إضافةً إلى «تغوّل المجموعات الخارجة على القانون، وقيامها بعمليات خطف وابتزاز لضيوف بني وليد».
لكن «المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة»، وهو تجمع أهلي، أعلن مساء أول من أمس، عن تطور لافت في قضية خطف أبناء ورفلة، مع تدخل الوساطات بين المدينتين. وقال إنه «بفضل الله وبجهود طيبة من الخيرين من الإخوة أعيان مدينة الزاوية، تم إنهاء وتسوية قضية شبابنا المحتجزين بمدينة زليتن»، من دون الإشارة إلى عدد الشباب الذين عادوا بعد احتجازهم في زليتن.
وتعد جرائم الخطف والابتزاز المنتشرة في ليبيا منذ إسقاط النظام السابق عام 2011 انعكاساً لتفكك الدولة وغياب السيطرة الأمنية بسبب الانقسام السياسي بين شرق البلاد وغربها. ولم تسلم شخصيات سياسية مرموقة من الخطف. وبني وليد من المدن التي كانت موالية لنظام العقيد الراحل معمر القذافي، ولا تزال على عهدها حتى الآن. ومنذ السنوات الأولى لإسقاط النظام تشهد توتراً بين شبانها وآخرين من زليتن، لكن سرعان ما تتم السيطرة على الأوضاع بجهود المشايخ والأعيان هناك.
وقبل عودة الشبان المخطوفين في زليتن، قالت قبائل ورفلة إنه «في مواجهة هذه الهجمات تحتفظ بني وليد بحقها في استدعاء قوة أمنية من خارجها بهدف السيطرة على الأوضاع الأمنية في المدينة في مواجهة الجماعات الخارجة على القانون»، مشيرة إلى أنها فوّضت عميد المجلس البلدي سالم إنوير بالعمل على ذلك.
وتعاني مدينة بني وليد من انتشار واسع للخارجين على القانون ومافيا الاتجار بالبشر على الطرق المؤدية إليها. وفي التاسع من الشهر الحالي، أعلنت مديرية أمن بني وليد «تحرير» ستة عمال مصريين بعد خطفهم على الطريق العام بين منطقتي القريات والشويرف جنوب بني وليد، بواسطة عصابة للاتجار بالبشر. وقال عماد الراشدي الذي ينتمي إلى بني وليد ويعمل في جمعية خيرية لإيواء المهاجرين غير النظاميين إن «عصابات الاتجار بالبشر التي تنشط في بعض المناطق في بني وليد تسببت بتشويه المدينة، ونشرت الذعر بين أبنائها، وجعلت القاصدين لنا يغيرون وجهتهم خوفاً من خطفهم من هذه العصابات التي انتشرت في غيبة الأجهزة الأمنية». وأضاف الراشدي لـ«الشرق الأوسط» أن «كثرة الاعتداءات وخطف شباب بني وليد على أيدي مواطنين من زليتن، باتت أموراً لا يجب السكوت عنها وتحتاج لتدخل أمني بدلاً من تجديد الخلافات بين المدينتين».
وسبق لـ«المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة» احتواء وتسوية خلافات مشابهة مع الجارة الساحلية، وقال حينذاك: «في إطار تأكيد العلاقات الطيبة مع مدن الجوار، تم تسوية الخلاف بين بعض الشباب في بني وليد وزليتن بتسريح الموقوفين والمحتجزين من الجانبين وإنهاء المشكلة بعد تدخل لجنة الصلح المكلفة من المجلس الاجتماعي لقبائل ورفلة في المفاوضات بين أبناء المنطقتين على مدار شهر تخللته ثلاثة اجتماعات أسفرت عن تسوية نهائية للأزمة».
وقال أحد أعيان ورفلة لـ«الشرق الأوسط» إن «أهالي المدينة سيدافعون عنها ضد أي اعتداءات داخلية أو خارجية، وسيعملون على إزالة التشويه الذي ألحقته الجماعات الخارجة على القانون بالمدينة».
وانشغلت ليبيا كثيراً منذ السنوات الأولى لاندلاع انتفاضة 17 فبراير (شباط) 2011، بخلافات حادة بين مدن متجاورة وقبائل متناحرة وصلت إلى حد اشتباكات دامية، وأسفرت عن سقوط قتلى وجرحى بالمئات، ووقوع «أسرى» بين الجانبين أيضاً كان أشهرها خلاف قبائل التبو مع قبيلة أولاد سيلمان في الجنوب.
وتعد قضية الفتاة وصال عبد الحفيظ التي خُطفت في 19 مايو (أيار) الماضي، من منزلها في منطقة الكريمية في طرابلس، شاهداً على تغوّل العصابات الإجرامية في ليبيا. لكن مع مطلع يونيو (حزيران) الماضي، أعلنت وزارة الداخلية التابعة لحكومة «الوفاق» أن قوة أمنية مشتركة من مديرية أمن الجفارة وجهاز المباحث الجنائية وجهاز «قوة الردع الخاصة» قبضت على عدد من الخاطفين.



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.