حسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو)، يُزرَع نخيل التمر منذ أكثر من 5 آلاف سنة. وكانت هذه الثمار تعني الأمن الغذائي للسكان الذين يعيشون في الصحارى. كما أن هذا النبات مثّل مصدراً لكثير من الحرف اليدوية والمهن والتقاليد والعادات والممارسات الاجتماعية والثقافية المرتبطة به، وأدى دوراً محورياً في تعزيز العلاقة بين الناس والأرض في المنطقة العربية، ومساعدتهم على مواجهة تحديات البيئة الصحراوية القاسية.
وتوضِّح تحليلات سلسلة الحمض النووي للبكتيريا أن أشجار نخيل التمر المزروعة على امتداد مساحة شاسعة من الصحراء الكبرى التونسية، تجتذب دائماً نوعين من البكتيريا المُعزِزة للنمو إلى جذورها، بغض النظر عن موقع تلك الأشجار. وقد يساعد هذا الاكتشاف على تحسين زراعة المحاصيل في ظلّ مناخٍ آخذ في الاحترار.
وثمة كثير من العوامل التي تؤثر في أنواع البكتيريا المعزّزة للنمو التي تصاحب جذور النباتات، من بينها نوع النبات، وتنوع مجتمعه، والممارسات الزراعية المُتّبعة، ونوع التربة. وأظهرت الأبحاث التي أجريت على النظم الإيكولوجية التي تشمل العناصر الفيزيائية والبيولوجية أن الأنواع المختلفة من النباتات البرية تجتذب أنواعاً مختلفة من البكتيريا المعززة للنمو، وفقاً لاحتياجات تلك النباتات.
وتبيّن الدراسات التي أجريت على النظم الإيكولوجية الزراعية التقليدية أن الارتباطات بين جذور النباتات والبكتيريا تختلف باختلاف نوع التربة والممارسات الزراعية المُتّبعة. وتوصلت دراسة أخرى -أُجريت أخيراً بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)- إلى أن جذور النباتات العشبية التي لها بذور ذات رؤوس حادة مدببة، وتنمو في الصحراء التونسية، ليست انتقائية على الإطلاق، بل تجتذب أي نوعٍ من أنواع البكتيريا المعزّزة للنمو يتسنّى لها إيجاده في الرمال المحيطة فقيرة الموارد.
وتتساءل الدكتورة ماريا موسكويرا -خريجة كاوست- قائلة: «لكن ماذا يحدث في النظم الإيكولوجية التي تلتقي فيها خصائص البيئات الطبيعية والزراعية، كما هو الحال في الواحات الصحراوية؟». وتوضِّح: «من المهم أن نفهم دور الكائنات الدقيقة في النظم الإيكولوجية القاحلة، لا سيَّما في ظل سيناريو تغيّر المناخ».
وأجرت موسكويرا وزملاؤها بالعمل، مع أستاذ العلوم البيولوجية البروفسور دانيال دافونشي، دراسات تحليلية على الكائنات الحيّة الدقيقة المتعايشة مع النبات، لتحديد أنواع البكتيريا المصاحبة لجذور نخيل التمر من صنفِ «دقلة النور» في 7 واحات موزَّعة على امتداد مساحة شاسعة تبلغ 22.200 كيلومتر مربع من الصحراء الكبرى التونسية. وتقع تلك الواحات في بيئات متباينة: أراضٍ ساحلية، وجبال، وكثبان رملية، ومناطق ذات تربة مالحة تقع على الحافة الشمالية للصحراء الكبرى التونسية. كما أُجريت تحليلات لجين الحمض النووي الريبوزي الريبوسومي لاختبار أنواع البكتيريا القابعة في الرمال (التربة) المحيطة.
وقد جد الباحثون أن التربة المحيطة مباشرة بجذور نخيل التمر مرَّت بتغيّرات كبيرة، مقارنة بنظيرتها البعيدة عن الجذور. ورغم أن الأنواع البكتيرية السائدة في التربة البعيدة عن الجذور كانت تختلف من موقعٍ إلى آخر، فإن جذور نخيل التمر كانت دائماً ما تختار الارتباط بنوعي البكتيريا ذاتهما، وهما: «متقلبات جاما» (Gammaproteobacteria) و«متقلبات ألفا» (Alphaproteobacteria). وتُسدي تلك البكتيريا معروفاً مُهمّاً لنخيل التمر، إذ تعزّز من إفراز هرمون نمو مهم للنبات، وتزوّد النبات بتأثير وقائي ضد أنماط الإجهاد، مثل الجفاف.
وتقول موسكويرا: «نأمل في أن تؤدّي دراستنا إلى إجراء مزيد من دراسات علم الأحياء الدقيقة البيئي بخصوص النُظم البيئية بواحات الصحراء التي تُعدّ من بين النظم الإيكولوجية الزراعية الأكثر إنتاجاً، والفريدة من نوعها».
ولدى الفريق البحثي كثير من المشاريع القائمة المعنيّة بدراسة النباتات الصحراوية والميكروبيومات، ومجموع الميكروبات المصاحبة لها. وسينصب التركيز في المستقبل على تعزيز فهم التفاعلات الجزيئية بين جذور النباتات والأحياء الدقيقة، إضافة إلى إيجاد طرق لاستخدام هذه المعرفة في تقديم خدمات وقائية وتغذوية للمحاصيل الزراعية التي تُزرع في المناطق القاحلة.
محاصيل التمر تتحسن رغم الاحتباس الحراري
https://aawsat.com/home/article/2519481/%D9%85%D8%AD%D8%A7%D8%B5%D9%8A%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%85%D8%B1-%D8%AA%D8%AA%D8%AD%D8%B3%D9%86-%D8%B1%D8%BA%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AD%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B3-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%B1%D8%A7%D8%B1%D9%8A
محاصيل التمر تتحسن رغم الاحتباس الحراري
محاصيل التمر تتحسن رغم الاحتباس الحراري
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة