لبنان على مشارف تأليف الحكومة أو اعتذار أديب

TT

لبنان على مشارف تأليف الحكومة أو اعتذار أديب

قالت مصادر سياسية إن اللبنانيين راهنوا على المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ بلدهم من الانهيار الاقتصادي والمالي، فإذا به يصطدم بحائط مسدود، ما اضطره إلى طلب تمديد المهلة الزمنية التي حددها لتشكيل حكومة ذات مهمة إصلاحية، تلقى الدعم المطلوب دولياً، لانتشاله من الهاوية وتوفر الشروط لتعافيه المالي.
لكن طلب ماكرون تمديد المهلة - كما تقول المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط» - وضعه أمام معادلة جديدة لم تكن في حسبانه، وتقوم على التلازم بين إنقاذ صدقية فرنسا وإعادة الاعتبار لمبادرتها، وبين إيجاد مخرج من الوضع المتأزم في لبنان، والذي لن يكون إلا بتشكيل حكومة مستقلة من اختصاصيين تتبنى خريطة الطريق التي توافق عليها الرئيس الفرنسي مع القيادات اللبنانية، أكانت رسمية أو سياسية.
ورأت المصادر نفسها أن المهلة التي طلبها ماكرون لن تكون مفتوحة، وإنما لا بد من تحديدها زمنياً، وهذا ما يدفعه إلى تكثيف اتصالاته الدولية لعله يتمكن من إقناع واشنطن وطهران بوجوب تحييد لبنان عن دائرة الاشتباك السياسي الذي يتصاعد بينهما من يوم لآخر، وقالت بأن الخيار الآخر الذي يمكن أن يلجأ إليه يكمن في إقناع «الثنائي الشيعي» بتسهيل ولادة الحكومة الجديدة بموافقته على تطبيق مبدأ المداورة في توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف، بدءاً بتخليه عن إلحاق وزارة المالية بوزير شيعي.
وكشفت المصادر السياسية أن اللقاءين اللذين عقدهما ماكرون مع رؤساء الكتل النيابية في قصر الصنوبر لم يتطرقا إلى تطبيق المداورة في توزيع الحقائب أو إلى إسناد وزارة المالية إلى وزير شيعي. ونقلت عن رئيس حكومة سابق فضَّل عدم الكشف عن اسمه قوله بأن اللقاء الوحيد الذي عُقد بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري وبين زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري لم ينتهِ كما تردد إلى موافقة الأخير على أن تكون وزارة المالية من حصة الشيعة.
ولفتت إلى أنهما بحثا في تسهيل مهمة الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة السفير مصطفى أديب، وأن الرئيس بري أبدى كل استعداد للإسراع بولادة الحكومة، وهذا ما عكسه مكتبه الإعلامي في البيان الذي أصدره في اليوم التالي من اللقاء، وفيه أنه لن يشارك في الحكومة؛ لكنه سيقدم لها كل التسهيلات.
ونقلت المصادر - بحسب رئيس الحكومة السابق - أن الحريري ناقش مع بري وضع العقوبات الأميركية المفروضة على معاونه السياسي النائب علي حسن خليل جانباً، والالتفات لإعطاء فرصة للإسراع بتشكيل الحكومة، لأن لديهم إصرار على إنجاح المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان من التأزم.
ولدى سؤال المصادر السياسية عن الأسباب الكامنة وراء إحجام الحريري عن الرد على ما تردد بأنه توافق مع بري على أن تكون وزارة المالية من حصة الشيعة، أجابت بأن الحريري يفضل أن يلوذ بالصمت حتى إشعار آخر وعدم الدخول في سجال؛ لأنه لا يريد الدخول في صدام يقود إلى رفع منسوب الاحتقان بين السنة والشيعة، وأنه يحتفظ لنفسه بتحديد الوقت الذي يسمح له بأن يضع النقاط على الحروف، منعاً للاستمرار في نسب مواقف له يغلب عليها التأويل.
وقالت بأن رؤساء الحكومات السابقين أكدوا في اجتماعهم التشاوري أول من أمس تمسكهم بتطبيق المداورة في توزيع الحقائب، وأن المشكلة ليست بين السنة والشيعة، وإنما مع قوى سياسية رئيسة تصر على المداورة.
واستغربت لجوء فريق من الشيعة إلى حصرها برفض رؤساء الحكومات السابقين إسناد وزارة المالية للشيعة، وسألت: لماذا لا يتوجه هذا الفريق إلى شركائه في الوطن الذين يصرون على المداورة وهم كثر، من رئيس الجمهورية ميشال عون، و«التيار الوطني الحر»، وأحزاب: «التقدمي الاشتراكي»، و«الكتائب»، و«القوات»، والبطريرك الماروني بشارة الراعي؟ وهل لأن السنة باتوا الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية؟ أم أن «حزب الله» ليس في وارد الصدام مع كل هؤلاء، وبالأخص «التيار الوطني» الذي طرح رئيسه النائب جبران باسيل مجموعة من المواقف أقل ما يقال فيها إنها تمهد لانسحابه من «تفاهم مار مخايل»؟
فـ«حزب الله» تجنب الرد على باسيل ولو من باب توجيه اللوم والعتب حيال ما صدر عنه، وهو يراهن على أن توافقه مع بري سيدفع بماكرون لإنقاذ مبادرته للضغط على رؤساء الحكومات السابقين، لانتزاع موافقتهم على أن تكون وزارة المالية من الحصة الشيعية.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن هناك من ينصح ماكرون لإنقاذ مبادرته باسترضاء «الثنائي الشيعي» بالإبقاء على وزارة المالية من حصته، على أن يعود للرئيس المكلف اختيار اسم الوزير الشيعي الذي سيشغل هذه الحقيبة؛ لكن مثل هذا الاقتراح سيلقى حتماً رفضاً ليس من رؤساء الحكومات السابقين فحسب، وإنما من غالبية الأطراف المؤيدة لتطبيق المداورة في توزيع الحقائب، ومن بينهم من هم حلفاء لـ«حزب الله».
ناهيك عن أن مثل هذه «النصيحة» بحسب المصادر السياسية ستؤدي إلى تكريس سابقة يراد منها تثبيت وزارة المالية من الحصة الشيعية وصولاً إلى تشريعها، وإنما بتوقيع ماكرون هذه المرة، وهذا ما يشكل مخالفة للدستور وانقلاباً على اتفاق الطائف.
لذلك فإن الخروج من المأزق بالمعنى السلبي للكلمة في حال اصطدم ماكرون بحائط مسدود، لن يكون إلا باعتذار أديب عن تشكيل الحكومة؛ لأن الأسس التي وُضعت وكانت المدخل لتكليفه غير قابلة للتطبيق.
وعليه، تتوقع المصادر نفسها أن يتصدر اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة الخيارات الأخرى، وقد يتقدم لعون بكتاب في هذا الخصوص مطلع الأسبوع المقبل، إلا إذا تمكن ماكرون من تسجيل اختراق في إقناعه «الثنائي الشيعي» بتعديل موقفه. وأوضحت أن أديب لن يتقدم لعون بتشكيلة وزارية في ظل إصرار «الثنائي الشيعي» على موقفه، وعزت السبب إلى أنه ليس في وارد جر البلد إلى اشتباك سياسي يدفع باتجاه تسعير الاحتقان السني - الشيعي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.