هل ينقذ التراجع تركيا «المعزولة» في شرق المتوسط؟

«ناتو» مهّد الأرضية للحوار بين أنقرة وأثينا... وخفّض حدّة التوتر مؤقتاً

هل ينقذ التراجع تركيا «المعزولة» في شرق المتوسط؟
TT

هل ينقذ التراجع تركيا «المعزولة» في شرق المتوسط؟

هل ينقذ التراجع تركيا «المعزولة» في شرق المتوسط؟

جاء سحب تركيا المفاجئ لسفينة الأبحاث «أوروتش رئيس» من المنطقة المتنازع عليها مع اليونان بمثابة خطوة كاشفة عن «الخواء الدبلوماسي» في السياسة الخارجية التركية، وعن نجاح يوناني في بناء جدار حماية قوي أدى إلى عزل تركيا وأظهر أن البدايات الصاخبة لا تفرض حتماً نهايات ناجحة، وهذا بغض النظر عن احتمال أن تكون تركيا تناور بسحب السفينة من أجل تجنب العقوبات الأوروبية المحتملة خلال القمة الأوروبية المرتقبة في 24 سبتمبر (أيلول) الحالي، كما نبهت أثينا إلى ذلك.
يُذكر أن المسؤولين الأتراك، وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب إردوغان، كانوا قد ذهبوا في التصعيد ضد كل مَن يعارض تحركات أنقرة في شرق المتوسط، بدءاً من اليونان ودول شرق المتوسط، إلى فرنسا والاتحاد الأوروبي، وصولاً إلى الولايات المتحدة. وهذا ما دفع وزير الخارجية رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الذي انشق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وأسس حزباً معارضاً جديداً هو «حزب المستقبل»، لاختصار المشهد بالقول «إنه فشل دبلوماسي أدى إلى العزلة».
خاطب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد ظهر السبت الماضي أمام حشد من أنصاره، الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلهجة شديدة الحدة، وهدده بأنه «سيواجه مشاكل معه شخصياً». واتهمه «بالجهل حتى بتاريخ فرنسا»، وبتحريض اليونان والعبث بمصالح تركيا، وذلك بعدما قال ماكرون إن «منطقة شرق المتوسط خط أحمر أمام تركيا»، وأعلن دعم باريس المفتوح لليونان وقبرص.
أيضاً حذّر إردوغان أثينا من القيام بـ«أعمال خاطئة»، و«السير في هذا الطريق»، متوعداً إياها بـ«العزلة الشديدة»، ومتطرقاً إلى «تمزيق الخرائط» التي ترسمها القوى الإمبريالية من أجل حصر تركيا في شريط ضيق في البحر المتوسط قرب حدودها.
وفي السياق ذاته، دعا وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، اليونانيين إلى تجنب الوقوع في فخ الاستغلال من قِبل دول أخرى «تسعى لتحقيق مصالحها» في إشارة ضمنية إلى فرنسا. وتابع أكار، أن الدول «التي تحيك المكائد لتركيا في مسألة شرق المتوسط، سيكون مصيرها الخسران، كما حدث في التاريخ». وعبّر عن أمله ألا تكون اليونان «طَبقاً على مائدة دول أخرى تريد استغلالها... نحن دائماً نذكّرهم بهذا، وأتمنى أن يعوا هذا الأمر».

تراجع... وسحب
ولكن لم تمض ساعات، حتى تراجعت تركيا عن كلامها الناري الذي أطلقته على مدى أشهر، وسحبت مساء السبت سفينة الأبحاث «أوروتش رئيس» من منطقة متنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط. وجاءت الخطوة هذه وسط تضارب في التصريحات بين مسؤوليها في محاولة لتبريرها. إذ قال وزيرا الخارجية مولود جاويش أوغلو، والطاقة والموارد الطبيعية فاتح دونماز، إن السفينة أعيدت «من أجل إجراء الصيانة وتبديل طاقمها، وإنها ستقوم بمهام لاحقة في منطقة أخرى قريباً». في حين قال وزير الدفاع خلوصي أكار، إنها أعيدت «بعد انتهاء مهامها»، وهذا مع أن الإخطار الصادر عن مهمة السفينة حدّد مدة بقائها في المنطقة من 10 أغسطس (آب) إلى 25 سبتمبر، وفق تأكيد صحف قريبة من الحكومة. وبدوره، ذكر الناطق باسم الرئاسة التركية، أن السفينة عادت من أجل «إفساح المجال للمباحثات التي يرعاها حلف شمال الأطلسي (ناتو) والوساطة الأوروبية لإنهاء التوتر في المنطقة».

ضغوط أميركية
الملاحظ أن سحب السفينة تزامن، في الواقع، مع زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو مساء السبت الماضي إلى قبرص، حيث وجّه رسالة أعرب فيها عن القلق البالغ من تحركات تركيا في المنطقة، ودعاها إلى دعم الطرق الدبلوماسية مع مختلف الأطراف.
رسائل بومبيو الحادة والواضحة إلى تركيا، وُجّهت عقب اجتماعه مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس. وفيها أعرب الوزير الأميركي عن قلق واشنطن البالغ إزاء تصرفات أنقرة في شرق المتوسط، وحث جميع الأطراف إلى دعم الحل الدبلوماسي.
كذلك أعلن بومبيو عن قرب إنشاء مركز جديد للأمن البري والبحري والموانئ، في جنوب قبرص كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز التعاون الأمني في المنطقة بموجب مذكرة تفاهم وقّعها في قبرص.
هذه المذكرة أغضبت أنقرة، التي أعلنت عبر وزارة خارجيتها، أنها تعد في «حكم العدم» بالنسبة لقبرص الشمالية. وهي «لن تخدم السلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط»، بل «ستضر بحل قضية قبرص».
للعلم، بموجب مذكرة التفاهم هذه، ستوفر الولايات المتحدة تدريبات للدعم الفني لليونانيين بشأن أمن الحدود والموانئ والجمارك، كما ستنشئ منصات أمنية في المنطقة وتوفر دعم المعدات والأمن السيبراني. وكانت الولايات المتحدة قد رفعت أخيراً حظر الأسلحة المفروض على الإدارة القبرصية اليونانية منذ عقود، وأدرجت الجانب القبرصي - اليوناني في برنامج التدريب العسكري.
من ناحية أخرى، جاءت زيارة بومبيو لقبرص بعد أيام من زيارة قصيرة مماثلة أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، شدد خلالها على العلاقات الوثيقة بين موسكو ونيقوسيا، وعرض بذل وساطة لتخفيف التوتر بينها وبين أنقرة في النزاع بشأن الحقوق البحرية والطاقة.
عودة إلى بومبيو، فإنه لم يغفل عن تذكير القبارصة بأن واشنطن لا تشعر بالارتياح لرسو سفن حربية روسية في الموانئ القبرصية. وقال «نحن نعلم أن جميع السفن العسكرية من قبرص والرئيس (أناستاسياديس) مراعاة مخاوفنا». وما يجدر ذكره هنا، أنه سبق للسلطات القبرصية أن ادّعت مراراً أنها تقدم تسهيلات للسفن الحربية الروسية «لأسباب تتعلق بالأوضاع الإنسانية في سوريا». وكرر بومبيو، تصريحاته، الثلاثاء، معرباً عن القلق من زيادة الشحن العسكري في شرق المتوسط، حاثاً جميع الأطراف إلى التوجّه إلى الحل الدبلوماسي. ولقد علق وزير الخارجية التركي على تصريحات نظيره الأميركي التي أعرب فيها عن قلق واشنطن من تصرّفات تركيا، متسائلاً «الآن يقولون إنهم قلقون. مَن الذي من حقه أن يقلق؟ مَن الذي يخالف القانون الدولي ويرفع حظر الأسلحة ويتغاضى عن حقوق القبارصة الأتراك؟»...

اختبار الأمر الواقع
في رأي الكثير من المراقبين أن تركيا وجدت نفسها في مأزق. وأنها تقف وحيدة في مواجهة الاتحاد الأوروبي ودول منطقة الشرق المتوسط والولايات المتحدة، وربما روسيا أيضاً، التي ستجري مناورات بالذخيرة الحية قبالة قبرص خلال أيام. كذلك شعرت أن سياسة «الأمر الواقع» التي اختبرتها في شرق المتوسط لن تجدي نفعاً ضد هذا التكتل الذي يحيط بها من كل ناحية. ومن ثم، لعل تصريح إبراهيم كالين، الناطق باسم الرئاسة التركية عن «أوروتش رئيس» سُحبت من منطقة النزاع في شرق المتوسط «من أجل إفساح المجال للجهود المبذولة من أجل الحوار وإنهاء التوتر في المنطقة»، هو التبرير الأكثر منطقية. وفي هذا السياق، نشير إلى جمع «ناتو» خبراء عسكريين من الجانبين التركي واليوناني في مقره ببروكسل في جولتي مباحثات فنية عقدتا يومي 7 و15 سبتمبر الحالي. وعقد الاجتماع الثاني الثلاثاء الماضي بعد أقل من 72 ساعة من سحب تركيا السفينة وإعادتها إلى مياهها في أنطاليا بجنوب البلاد. وفي اليوم ذاته، بحث وزير الخارجية جاويش أوغلو مع نظيره الأميركي بومبيو هاتفيا بعد التطورات الأخير.

الردّ الأوروبي حازم
على صعيد متصل، من المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، لمناقشة التعديات التركية على حقول الطاقة في منطقة شرق المتوسط وانتهاكها سيادة دول المنطقة على مياهها الإقليمية. وعلى الرغم من خطوة التهدئة التركية، حذر جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، الثلاثاء الفائت من خطر نشوب حرب في شرق المتوسط بسبب التوترات المتزايدة في المنطقة الناتجة من إجراء عمليات تنقيب عن الطاقة. وتابع بوريل «ثمة توتر متزايد في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا وقبرص، ومعه خطر نشوب صراع قد يتجاوز الكلمات». وتابع «علاقاتنا (أي الاتحاد الأوروبي) مع تركيا عند منعطف، وحان الوقت ليتخذ مسؤولونا قرارات صعبة».
وتواصلت التحذيرات على لسان أورسولا فون دير لايين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بوم الأربعاء؛ إذ حذّرت من أي محاولة من جانب أنقرة لـ«ترهيب» جيرانها في إطار النزاع على موارد الغاز الذي تتواجه فيه تركيا مع اليونان في شرق المتوسط. وأردفت في كلمتها السنوية حول حال الاتحاد الأوروبي أمام البرلمان الأوروبي «تركيا جارة مهمّة وستبقى كذلك، ولكن رغم القرب الجغرافي يبدو أن المسافة الفاصلة بيننا تتوسع باستمرار. نعم، تقع تركيا في منطقة تشهد اضطرابات.. نعم، تتلقى ملايين اللاجئين ندفع لها لقاء استقبالهم مساعدة مالية كبيرة... إلا أن لا شيء من ذلك يبرّر محاولاتها ترهيب جيرانها». واستطردت في تلميح تحذيري لأنقرة «بإمكان قبرص واليونان الدولتين العضوين في الاتحاد الأوروبي الاعتماد على تضامن أوروبا الكامل لحماية حقوقهما السيادية المشروعة».
تشير هذه التصريحات، في نظر المراقبين، إلى عزم الاتحاد الأوروبي على اتخاذ موقف حازم من تركيا، وأنه لن يتجاهل أي تحرك من أنقرة قد يكون من قبيل المناورة لتفويت الفرصة على الاتحاد لمعاقبتها. وفي حين، ستدرج الأزمة في شرق المتوسط على جدول أعمال القمة الأوروبية يومي 24 و25 سبتمبر في بروكسل، مع احتمال فرض عقوبات على تركيا، استبعد جاويش أوغلو ذلك، لكنه لم يستبعد أن تأتي في صورة عقوبات على شركات وأفراد.
في هذه الأثناء، أبدت اليونان وقبرص استعدادهما للحوار مع تركيا «فوراً»، لكن من دون تهديدات. وترغب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، على وجه الخصوص، في رؤية كل من أنقرة وأثينا منخرطتين في حوار قبل القمة الحاسمة للاتحاد الأوروبي، الذي تتولى ألمانيا رئاسته، وهي قمة ستناقش التطورات الأخيرة في شرق البحر المتوسط.
وبالفعل، تحدثت ميركل هاتفياً، الثلاثاء، مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، ونقلت مصادر أنها وافقت على موقفه الثابت بأن الحوار لا يمكن أن يبدأ إلا إذا توقفت أنقرة عن الاستفزازات واتخذت خطوات عملية لتهدئة التوتر. كما أصر ميتسوتاكيس خلال المكالمة، على أن وقف التصعيد بمغادرة سفينة الأبحاث التركية ليل السبت الماضي يجب ألا يكون مصطنعاً من قِبل أنقرة بهدف تجنّب التهديد بفرض عقوبات أوروبية.
وفي السياق ذاته، كشف موقع «دوار» التركي عن أن سحب أنقرة السفينة «أوروتش رئيس» جاء بعد التوصل إلى مشروع تسوية بين تركيا واليونان بوساطة ألمانيا، بيد أن هذه التسوية لم تدخل حيز التنفيذ بعد. وأورد الموقع بعض البنود التي قال إن التسوية تشملها، منها:
- أن المباحثات الاستكشافية التركية - اليونانية، التي توقفت عام 2016، ستستأنف. وهذه المرة، ستركز أثينا وأنقرة على تدابير جديدة لبناء الثقة وتجنب خطوات نشوء التوتر.
- سيولي الجانبان اهتماماً خاصاً للمناطق المتنازع عليها، ولن تُجرى أبحاث الغاز الطبيعي والنفط في المناطق «المثيرة للجدل».
- ستبدأ أنقرة وأثينا التحضير لوضع الأساس لاجتماع الزعيمين إردوغان وميتسوتاكيس (الذي كان مقرراً أصلاً في إطار اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك في منتصف صيف 2020).
- ستُطلق اليونان وتركيا تحضيرات قمة خماسية جديدة في قبرص.
- تُعد خلق آلية للتوزيع العادل للطاقة في قبرص، وهكذا يمكن ضمان المشاركة المتساوية للقبارصة الأتراك في معادلة الطاقة.
أيضاً، تتضمّن المسوّدة اتخاذ خطوات لرفع تأشيرة دخول الاتحاد الأوروبي عن الأتراك، الامتناع عن فرض عقوبات على تركيا لتحويلها متحف آيا صوفيا في إسطنبول إلى مسجد، ومواصلة تمويل الاتحاد الأوروبي لتركيا من أجل التكفّل باحتياجات طالبي اللجوء.

فشل وعزلة
أما على صعيد السياسة الداخلية التركية، نذكّر بأن إردوغان كان قد قال عقب إرسال سفينة الأبحاث إلى المياه القريبة من اليونان أن «تركيا لن تتراجع ولو خطوة واحدة عن المضي في أعمال البحث والتنقيب في شرق المتوسط». ولذا؛ فتحت المعارضة التركية النار على الحكومة بعد سحب السفينة وتساءلت عن تهديدات إردوغان وكلامه الصاخب. واعتبر مسؤولو حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أن تصريحات إردوغان كلام إلهاء بينما تدفع تركيا الثمن وتبقى في عزلة وقطيعة مع جيرانها ومحيطها. وندّد رئيس الحزب كمال كليتشدار أوغلو بالسياسة الخارجية لحكومة إردوغان، متسائلاً عن أسباب القطيعة مع مصر، التي هي أهم دولة بالنسبة لتركيا في منطقة البحر المتوسط وترتبط معها بعلاقات تاريخية. وأضاف أن «إردوغان يضحّي بعلاقات تركيا مع مصر من أجل تنظيم الإخوان المسلمين... فمن هم هؤلاء؟ وما علاقتهم بالسياسة؟».
كذلك قال تمل كرم الله أوغلو، رئيس حزب السعادة الإسلامي، إن تركيا «فشلت دبلوماسياً اليوم، وستفشل غداً ما بقيت في يد هذه الحكومة». وانتقد رئيس حزب المستقبل التركي رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو سياسة أنقرة وفشلها في حل الخلافات عبر الطرق الدبلوماسية في الوقت الذي «صنعت حولها بحيرة من الأعداء وباتت في عزلة».
وفي تعليق على خطوة تركيا سحب السفينة «أوروتش رئيس» من المنطقة المتنازع عليها، وصف داود أوغلو الدبلوماسية التركية تحت قيادة إردوغان بـ«الفاشلة»، موضحاً «حتى الدول التي تتعارض مصالحها، تجمعت بعضها مع بعض لتقف ضد تركيا، فإذا كنت تقف وحيدا، في قضية حتى لو كنت محقاً، فهذه تعد دبلوماسية فاشلة».
داود أوغلو أشار أيضاً إلى أنه إبان فترته كوزير للخارجية وصل إلى النقطة التي كانت تركيا ستوقع فيها اتفاقية المنطقة الاقتصادية الخالصة مع مصر في 2012 – 2013، قائلاً «كان كل هدفي في ذاك الوقت توقيع الاتفاقية مع مصر؛ لأن توقيع مثل هذه الاتفاقية بين أهم بلدين ساحليين على البحر المتوسط، سيجلب فوائد كبيرة للبلدين. لقد تابعت هذه القضية عن كثب أثناء رئاستي الوزراء، بعد ذلك... لكن للأسف، دبلوماسية الحكومة ضعيفة. وتقوم بملء فراغ الافتقار إلى الدبلوماسية القوية في شرق البحر المتوسط، بالبوارج وقواتنا البحرية».


مقالات ذات صلة

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

حصاد الأسبوع جنود فرنسيون  في مالي (سلاح الجو الأميركي)

إضاءة على تراجع تأثير سياسة فرنسا الخارجية

بعد عقود من الحضور القوي للدبلوماسية الفرنسية في العالم، ورؤية استراتيجية وُصفت «بالتميز» و«الانفرادية»، بدأ الحديث عن تراجع في النفوذ

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع غالانت (رويترز)

أبرز «وزراء الحرب» في تاريخ إسرائيل

برزت طوال تاريخ إسرائيل، منذ تأسيسها عام 1948، أسماء عدد من وزراء الدفاع؛ لارتباطهم بحروب كبيرة في المنطقة، لعلّ أشهرهم في الشارع العربي موشيه ديان

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

يسرائيل كاتس... «البلدوزر» المدني المولج بمهمة استعادة «محتجزي» غزة

راهن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على قدرة وزير دفاعه الجديد يسرائيل كاتس، الذي يصفه بـ«البلدوزر»، في تحقيق ما يراه «انتصاراً حاسماً» في غزة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
حصاد الأسبوع من لقاء الملك عبدالله الثاني والرئيس الإيراني بزشكيان (التلفزيون الأردني)

أمن الأردن يواجه خطر تصعيد المواجهة الإسرائيلية ــ الإيرانية

يحاول الأردن تحييد أجوائه وأراضيه بعيداً عن التصعيد الإسرائيلي - الإيراني، الممتد عبر جبهتي جنوب لبنان وشمال غزة، ليضاعف مستويات القلق الأمني مراقبة خطر الضربات

محمد خير الرواشدة (عمّان)
حصاد الأسبوع إيشيبا

شيغيرو إيشيبا... رئيس وزراء اليابان الجديد يعدّ العدة لتجاوز الهزيمة الانتخابية الأخيرة

الأحداث المتلاحقة والمتسارعة في اليابان شرعت أخيراً الأبواب على كل الاحتمالات، ولا سيما في أعقاب حدوث الهزيمة الانتخابية التي كانت مرتقبة للحزب الديمقراطي

«الشرق الأوسط» (لندن)

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
TT

قمة «بريكس» تسهم في التفاهم على خفض التوتر بين الهند والصين

لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)
لقطة جامعة لحضور قمة "البريكس" في قازان (رويترز)

جاء الإعلان عندما أبلغ وزير الخارجية الهندي فيكرام ميسري وسائل الإعلام أن «الهند والصين توصلتا إلى اتفاق على طول خط السيطرة الفعلية»، ولم يلبث أن أكد لين جيان، الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، إبرام الاتفاق.

يُذكر أن المواجهة على امتداد «خط السيطرة الفعلية» (الحدودي)، بدأت بمناوشات بين القوات الهندية والصينية على ضفاف بحيرة بانغونغ خلال مايو (أيار) 2020. ثم توترت العلاقات بين البلدين بعد اندلاع اشتباكات مميتة في يونيو (حزيران) 2020 – تضمنت استخدام الصخور والقضبان الحديدية وتبادل اللكمات - حول نهر غالوان، الواقع على ارتفاع كبير، وبانغونغ تسو في إقليم لاداخ؛ ما أسفر عن مقتل 20 جندياً هندياً، إلى جانب عدد غير معروف من القوات الصينية، قدّرته وسائل إعلام روسية بما يتجاوز 40. سقوط أول الضحايا على «خط السيطرة الفعلية» منذ 45 سنة دفع العلاقات الثنائية إلى أدنى مستوى لها منذ حرب الحدود عام 1962. وأدّت التدابير المضادة القوية للهند، والوجود العسكري الكثيف لها، إلى مواجهة حدودية استمرت لأكثر من أربع سنوات، مع تمركز أكثر من 50 ألف جندي على الجانبين. ومن ناحيته، أكد الجانب الهندي أن مجمل العلاقات مع الصين «يتعذر تطبيعها من دون إقرار حالة من السلام والهدوء على الحدود» بينهما.

«خط السيطرة الفعلية»... نقطة اشتعال تاريخية

يكمن السبب الجذري للصراع بين الهند والصين، في حدودهما المشتركة الممتدة لمسافة 3440 كيلومتراً، والتي يشار إليها عادةً باسم «خط السيطرة الفعلية». ولطالما كانت هذه الحدود الجبلية غير المحدّدة على نحو واضح، ولا سيما أنها تمر عبر تضاريس وعرة، مصدراً دائماً للتوتر بين القوتين النوويتين. وبعكس الحدود الدولية التقليدية، يشكل «خط السيطرة الفعلية» خط الحدود بين الصين والهند فقط «بحكم الأمر الواقع»؟ ذلك أن ثمة تبايناً كبيراً بين البلدين حيال تصوره وتعريفه.

تاريخياً، لدى كل من الهند والصين وجهة نظر خاصة مختلفة بشأن ترسيم خط السيطرة الفعلية؛ الأمر الذي أدى إلى اشتعال نزاعات متكرّرة حول السيطرة على النقاط الاستراتيجية على طول الحدود. وبناءً عليه؛ ما دفع إذن باتجاه هذا التطور الإيجابي في العلاقات؟

في هذا الصدد، أعرب الصحافي الهندي جواراف ساوانت، الذي يزور روسيا حالياً لتغطية أخبار مجموعة «البريكس»، عن اعتقاده بأن بين العوامل وراء ذوبان الثلوج بين نيودلهي وبكين «انتخابات الشهر المقبل في الولايات المتحدة». وشرح أن «السباق الانتخابي (الأميركي) متقارب، وثمة احتمال واضح لعودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض». وأردف أن تراجع مستوى التوتر بالعلاقات بين البلدين سيخدم كلاً منهما. ومن وجهة نظر الصين، فإن قيادة هندية تسعى إلى سياسة خارجية مستقلة منفصلة عن المصالح الغربية أفضل بالتأكيد لبكين.

أهمية قمة «البريكس»

والآن، لماذا تشكّل قمة «البريكس» السادسة عشرة لحظة مهمة، في الدبلوماسية العالمية؟

في الواقع، للمرة الأولى منذ الحرب بين روسيا وأوكرانيا اجتمع عدد كبير من قادة العالم في روسيا، وهو ما فُسّر بأنه فشل للمحاولات الغربية في عزل موسكو، وهذا أمر قد يؤثر كذلك على توازن القوى العالمي. ثم إنه يدور موضوع قمة هذا العام حول «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين».

معلومٌ أن مجموعة «البريكس» انطلقت، بداية الأمر، من البرازيل، وروسيا، والهند، والصين وجنوب إفريقيا. إلا أنها سرعان ما برزت منصةً رئيسية للتعاون الاقتصادي والسياسي العالمي. وفي عام 2023، انضم أعضاء جدد للمجموعة، بينهم المملكة العربية السعودية، وإيران، ومصر والإمارات العربية المتحدة؛ ما جعلها أكثر شمولاً.

واليوم، مع ناتج محلي إجمالي يبلغ 60 تريليون دولار، تمثل دول «البريكس» 37.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، متجاوزة بذلك «مجموعة الدول السبع». ومع مواصلة «البريكس» توسعها، كبر دورها وازداد وضوحاً على صعيد إعادة تشكيل ديناميكيات القوة العالمية. وهنا أضاف الصحافي الهندي ساوانت أن «هذا النوع من الود الذي يتأمله الهنود والروس والصينيون على الأرض - إلى جانب آخرين داخل (البريكس) - من شأنه أن يثير قلق الغرب»، مشيراً إلى أن مودي وشي سيعقدان لقاءً ثنائياً على هامش القمة.

ولجهة مسألة «العزلة»، تكشف قمة «البريكس» عن أن روسيا بعيدة كل البعد عن العزلة، لدى توجه قادة من مختلف الدول إلى قازان للمشاركة في مناقشات يمكن أن تشكل مستقبل الحكم العالمي. واللافت، طبعاً، أن القمة لم تجتذب حلفاء روسيا المقربين فحسب، بل اجتذبت أيضاً عدداً من الدول التي تتطلع إلى تعزيز العلاقات مع موسكو.

قمة «البريكس» المنعقدة لثلاثة أيام، وسط إجراءات أمنية مشددة، تعد أكبر حدث دولي تستضيفه روسيا منذ أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواته بغزو أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022. وفي حين يسعى بوتين، صراحةً، إلى بناء تحالف من خلال «البريكس» قادر على تحدّي «هيمنة» الغرب، صرّح رئيس الوزراء الهندي مودي أثناء زيارته روسيا بأن زيارتيه إلى روسيا في الأشهر الثلاثة الماضية «تعكسان التنسيق الوثيق والصداقة العميقة بين البلدين». وأضاف: «لقد عزّزت قمتنا السنوية في موسكو في يوليو (تموز)، تعاوننا في كل المجالات... وفي غضون 15 سنة، بنت مجموعة (البريكس) هويتها الخاصة. واليوم، تسعى الكثير من دول العالم للانضمام إليها».

وحول الموضوع الأوكراني، من وجهة نظر هندية، يرى المحلل السياسي سوشانت سارين أنه «على الصعيد الدبلوماسي، سار مودي على حبل مشدود منذ بدء الصراع في أوكرانيا... إذ تعهّدت نيودلهي بتقديم الدعم الإنساني لكييف، لكن مع تجنب الإدانة الصريحة للهجوم الروسي بالوقت ذاته. ثم في يوليو، زار مودي موسكو، أعقب ذلك بزيارة إلى كييف خلال أغسطس (آب)، داعياً إلى عقد مباحثات لإنهاء الصراع. وأثمرت جهوده بالفعل إلى دعوات إلى أن تضطلع الهند بدور وسيط بين الجانبين».

كذلك، مع إعراب مودي عن دعم الهند «حل عاجلاً» للوضع في أوكرانيا، ومعه مختلف جهود إرساء السلام والاستقرار، خاطب الزعيم الهندي نظيره الروسي قائلاً في حديث بينهما: «كنا على اتصال دائم بشأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا، ونعتقد أن النزاعات يجب أن تُحل سلمياً فقط. ونحن ندعم تماماً الجهود الرامية إلى استعادة السلام والاستقرار سريعاً... وكل جهودنا تعطي الأولوية للجوانب الإنسانية».

الرئيس الروسي يلقي كلمته في القمة (رويترز)

من جهتها، أضافت مصادر بوزارة الشؤون الخارجية الهندية، على صلة بمكتب «البريكس» أن «المناقشات حول إقرار عملة للـ(بريكس)، لتحدي هيمنة الدولار الأميركي تكتسب زخماً. كما تقدّم القمة منصّة للدول تعينها على توحيد صفوفها ضد العقوبات التعسفية التي يفرضها الغرب. ومع توسع (البريكس) وتطورها، بات من الواضح أن هذه المجموعة تستطيع أن تلعب دوراً مركزياً في تشكيل نظام عالمي جديد، وتحدي الهيمنة الغربية التقليدية. وسيكون دور الهند في (البريكس)، إلى جانب علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا، أساسياً في تحديد كيفية تطور هذا التوازن الجديد للقوى».

لقاء محتمل بين مودي وشي

وعودة إلى موضوع العلاقات الهندية - الصينية، ذكّر الصحافي مانيش جها، بأنه «لم يعقد الطرفان مباحثات رسمية ثنائية منذ عام 2019؛ ولذا فإن أي تقارب اليوم سيكون تطوّراً محموداً... وسيحظى بمتابعة أميركية من كثب». وأضاف جها: «الواضح أن واشنطن استغلت فتور العلاقات بين مودي وشي للتقرّب من نيودلهي، وتعزيز التجمّعات الإقليمية مثل مجموعة (الكواد «الرباعية»)، التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، مع العمل على الضغط على الهند للانضمام إلى العقوبات ضد روسيا؛ الأمر الذي رفضته نيودلهي حتى الآن». ثم تابع: «لا يمكن تجاهل دور روسيا بصفتها وسيطاً في هذه العملية، ذلك أنها تظل شريكاً استراتيجياً رئيسياً لكل من الهند والصين. ورغم التحديات التي تفرضها الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حافظت الهند على علاقة متوازنة مع روسيا؛ ما يضمن بقاء مكانتها على الساحة العالمية قوية».

في الحقيقة، هذا الوضع مربح لكل من الهند والصين. فبالنسبة للصين، التي تمرّ بفترة ركود اقتصادي، سيكون استئناف النشاط الاقتصادي الطبيعي مع الهند بمثابة مكافأة. وبسبب حروب التعرفات الجمركية مع الولايات المتحدة - التي بدأت مع إدارة دونالد ترمب واستمرت خلال رئاسة جو بايدن - بدت بكين حريصة على استئناف العلاقات الاقتصادية مع نيودلهي، بينما يواصل القادة الميدانيون العسكريون والدبلوماسيون مناقشة وحل السقطات التي وقعت عام 2020، وهذا رغم إصرار نيودلهي على عدم استئناف العلاقات الطبيعية مع بكين إلى حين تسوية القضايا العالقة منذ وقوع المواجهات العسكرية ذلك العام.

في هذه الأثناء، تراقب واشنطن التطوّرات. وفعلاً صرّح ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، بأن واشنطن تتابع هذه التطورات (في العلاقات الهندية – الصينية عن قرب». لكن الوزارة لم تذكر ما إذا كانت نيودلهي قد أبلغت واشنطن - الشريك الجيوسياسي الرئيسي – بالاتفاق.

في هذا السياق، نشير إلى أنه منذ مواجهات عام 2020، عززت نيودلهي علاقاتها مع واشنطن لمواجهة ما تعتبره الدولتان «تحركات بكين العدوانية ضد جيرانها». وجرى تسليط الضوء على هذه العلاقة المتعمقة من خلال توقيع «اتفاقيات التعاون الدفاعي»، بما في ذلك تقارير عن تبادل المعلومات الاستخباراتية.

ومع ذلك، ظهرت مخاوف في واشنطن بشأن التقارب المتزايد بين نيودلهي وموسكو، وخصوصاً في خضم الضغوط الغربية لعزل الرئيس بوتين دولياً، في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا.

من جانب آخر، من وجهة نظر الصين، فإن القضاء على أسباب الانزعاج من الهند قد يجعل الفلبين نقطة الاشتعال الرئيسية بسبب مطالبات إقليمية متضاربة. (إلى جانب تايوان، التي تدّعي الصين أحقية السيادة عليها). أما الهند فترى أن تحقيق انفراج في العلاقات مع الصين، أمر بالغ الأهمية؛ لأنه يتيح لها مساحة أكبر للمناورة التفاوضية مع شركائها الغربيين، خصوصاً واشنطن، في أعقاب التوتر الدبلوماسي مع كندا.