الطوائف اللبنانية تتقاسم الوزارات والوظائف الكبرى وتحتكرها خلافاً للدستور

TT

الطوائف اللبنانية تتقاسم الوزارات والوظائف الكبرى وتحتكرها خلافاً للدستور

يعكس إصرار «الثنائي الشيعي» المتمثل بـ«حركة أمل» و«حزب الله» على أن يتولى حقيبة المال في الحكومة العتيدة وزير من الطائفة الشيعية، الأعراف التي تكرست في الحياة السياسية اللبنانية والمواقع الوزارية والإدارية، بما يتجاوز الدستور، وباتت أمراً واقعاً بعد اتفاق الطائف في العام 1989. ولم يطرأ أي تغيير عليها بغرض المداورة في الحقائب، إلا نادراً.
وأفضت الممارسة السياسية منذ اتفاق الطائف إلى تكريس امتيازات حصرية للطوائف والمذاهب، لم تُثبت في النصوص القانونية، لكنها تحولت إلى أعراف. وتقول مصادر قانونية بأن الأعراف عندما تتواتر، «تصبح لها قوة القاعدة القانونية». فإلى جانب تحديد رئاسة الجمهورية من حصة الموارنة، ورئاسة مجلس النواب من حصة الشيعة، ورئاسة الحكومة من حصة السنة، تتولى شخصيتان من الأرثوذكس موقعي نائب رئيس الحكومة ونائب رئيس البرلمان. ومع أن اتفاق الطائف لم يوزع الوزارات على الطوائف، وأكد مبدأ المناصفة فقط، بحسب ما تقول مصادر قانونية لـ«الشرق الأوسط»، إلا أن الأعراف باتت مفاعيلها بقوة القانون، بموجب التوافق عليها بين معظم الطوائف، مثل تخصيص الوزارات السيادية الأربع (الخارجية والداخلية والمالية والدفاع) للطوائف الأربع الكبرى (الموارنة والسنة والشيعة والأرثوذكس)، وتوزيع الحقائب الوزارية «الوازنة» مثل الاتصالات والطاقة والعدل والتربية والصحة والأشغال العامة والنقل على الطوائف الأربعة وطائفتي الدروز والكاثوليك، عملاً بمبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين.
وخضعت معظم الحقائب للمداورة بين الطوائف مع تسجيل فوارق طفيفة، بينها عدم تولي أي وزير شيعي منذ اتفاق الطائف مثلا حقائب «العدل» و«الداخلية» و«الاتصالات» و«البيئة» و«المهجرين»، كما تشير «الدولية للمعلومات» في أحد منشوراتها.
والى جانب الوزارات، تكرست أعراف أخرى مثل توزيع مدراء الأجهزة الأمنية الأربعة على الطوائف الأربع (قيادة الجيش ومديرية المخابرات للموارنة، قوى الأمن الداخلي للسنة، الأمن العام للشيعة، وأمن الدولة للأرثوذكس)، فضلاً عن أعراف أخرى ثابتة مثل حاكمية مصرف لبنان من حصة الموارنة. وتعد هذه المحاصصة غير قانونية بالنظر إلى غياب أي نص دستوري حولها لكنها تكرست بالعرف. ومع أن الفقرة في الدستور اللبناني التي تتحدث عن الإصلاحات ومن ضمنها «إلغاء الطائفية السياسية» تستثني «إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي» من وظائف الفئة الأولى وما يعادل الفئة الأولى فيها، وأن تكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين»، إلا أنها تؤكد في عبارة «دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة» أن مبدأ المداورة في الوظائف بين الطوائف ينص عليها الدستور. وطالت التقسيمات الطائفية المدراء العامين، إذ لم يخرق العُرف منذ إقرار اتفاق الطائف بمذهب مدير عام وزارة المال، وهو الموقع الذي مُنح للطائفة المارونية، بينما كان موقع مدير عام وزارة الإعلام للطائفة الشيعية، وتكرس في المقابل موقع مدير عام النقل البري والبحري في وزارة النقل للطائفة السنية.
وانسحب التقسيم على المواقع القضائية الأولى. ففيما مُنِحَ الموارنة رئاسة «مجلس القضاء الأعلى»، مُنح السنة موقع «مدعي عام التمييز»، بينما مُنح الشيعة موقع «المدعي المالي»، كما أعطي موقع «مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية» للطائفة المارونية. ويتكرر الأمر لدى الهيئات الرقابية، فقد مُنحت رئاسة مجلس شورى الدولة للطائفة المارونية، بينما مُنحت رئاسة هيئة التفتيش القضائي للطائفة السنية، فيما منحت رئاسة ديوان المحاسبة للطائفة الشيعية، كما منح مدير عام مجلس الخدمة المدنية للطائفة السنية. ويقول الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين لـ«الشرق الأوسط» بأن مذاهب مدراء الفئة الأولى في الدولة «تكرست بعد اتفاق الطائف، حيث لم تكن قبله محتكرة من قبل الطوائف وكانت تخضع للمداورة»، لافتاً إلى أنه «قبل تلك الفترة لم يكن مكرساً إلا موقع مدير عام وزارة المال الذي تم خرقه مرة واحدة بتولي الموقع شخصية أرثوذكسية، أما باقي المواقع فقد تكرست بعد الطائف. ويتوسع التقسيم الطائفي إلى الإدارات الرسمية التي تدر الأموال على الخزينة، فقد خُصص موقع «رئيس مجلس إدارة ومدير عام كازينو لبنان» للطائفة المارونية، بينما خُصص موقع «رئيس مجلس إدارة ومدير عام شركة طيران الشرق الأوسط» (الناقلة الجوية اللبنانية) للطائفة السنية، بينما خُصص موقع رئيس مجلس إدارة «إدارة حصر التبغ والتنباك» (الريجي) للطائفة الشيعية.
الأمر نفسه يطال المرافئ والموانئ في لبنان، حيث يرأس مجلس إدارة مرفأ بيروت شخص من الطائفة السنية، كذلك مرفأ طرابلس ومرفأ صيدا، أما مرفأ صيدا فيتولى رئاسته شيعي، فيما يتولى إدارة مرفأ جبيل مسيحي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.