لبنانيون يختارون «قوارب الموت» هرباً من الفقر

السيدة سعاد محمد تحتضن طفليها وهي تروى قصة زوجها المفقود (أ.ف.ب)
السيدة سعاد محمد تحتضن طفليها وهي تروى قصة زوجها المفقود (أ.ف.ب)
TT

لبنانيون يختارون «قوارب الموت» هرباً من الفقر

السيدة سعاد محمد تحتضن طفليها وهي تروى قصة زوجها المفقود (أ.ف.ب)
السيدة سعاد محمد تحتضن طفليها وهي تروى قصة زوجها المفقود (أ.ف.ب)

لم تتوقع سعاد محمد أن زوجها الذي اختار خوض غمار البحر على متن أحد قوارب الموت، هرباً من فقر مدقع في شمال لبنان، ستبتلعه الأمواج قبل بلوغه قبرص ولن تعود حتى جثته إليها.
وتقول سعاد (27 عاماً)، وهي تحضن رضيعها لوكالة الصحافة الفرنسية بينما تغالبها دموعها: «أنتظر جثة زوجي».
وزوجها شادي رمضان (35 عاماً) السوري الجنسية كان في عداد عشرات فروا على متن قارب انطلق من منطقة عكار شمالاً بعدما دفعوا مبالغ مالية لأحد المهربين، آملين ببلوغ السواحل القبرصية، على بعد 160 كيلومتراً. وانتهى بهم الأمر ضائعين في عرض البحر لأيام قبل أن تعثر عليهم وحدة من قوة الأمم المتّحدة المؤقتة في جنوب لبنان (يونيفل) وتعيدهم الاثنين.

وعلى وقع الانهيار الاقتصادي الأسوأ في تاريخ لبنان، تكررت مؤخراً محاولات الهجرة غير الشرعية. واعترضت السلطات القبرصية واللبنانية خمسة قوارب على الأقل، أقلت وفق الجانب القبرصي أكثر من 150 مهاجراً سورياً ولبنانياً، وبينهم نساء وأطفال.
في منزل والديها في منطقة القبة، في مدينة طرابلس، إحدى أكثر مدن لبنان فقراً، تمر الدقائق على سعاد وكأنّها دهر. وتوضح من دون أن تتمالك نفسها «شادي رجل مسكين يعاني من مرض السكري ونوبات في الرأس، لا أم له ولا أب»، مضيفة: «هرب من لبنان من شدة الفقر لتأمين المال لنا».
في أزقة طرابلس، عمل شادي خلال الأشهر الأخيرة على عربة لبيع المثلجات. ولم يكن مدخوله اليومي يتخطى عشرين ألف ليرة، أي دولارين ونصف وفق سعر الصرف في السوق السوداء، بينما سعر كيس الحفاضات 33 ألف ليرة.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية وتدهور سعر صرف الليرة، فقد السكان قدرتهم الشرائية في ظل ارتفاع جنوني في أسعار السلع على أنواعها. وخسر عشرات الآلاف وظائفهم أو جزءاً من مصادر دخلهم.
وفاقم انشار فيروس كورونا المستجد ثم الانفجار الكارثي الذي وقع في مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الوضع الاقتصادي سوءاً.
وعثرت قوة من «اليونيفيل» الاثنين على القارب وكان على متنه 36 شخصاً وآخر متوفى في المياه الدولية قبالة الشواطئ اللبنانية. وتوزّع الركاب بين 25 سورياً وثمانية لبنانيين وثلاثة من جنسيات أخرى، بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ورافق شادي في الرحلة عدد من أقارب زوجته من آل محمد توفي منهم طفلان صغيران جراء العطش والجوع، مما دفع الركاب إلى رميهما في البحر، وفق ما ينقل زياد البيرة، أحد أفراد العائلة.
ويروي زياد أن القارب انطلق من شاطئ المنية في 7 سبتمبر (أيلول) بعدما دفع كل راكب مبلغ خمسة ملايين ليرة «لأحد المهربين» الذي وصفه بأنه «من تجار البشر».

وينقل عن ناجين أن المهرب «منعهم من حمل أمتعتهم التي تحتوي على الماء والطعام وحليب الأطفال، وطلب منهم وضعها في مركب ثانٍ لثقل الحمولة على أن يلتقوا سوياً في إحدى الجزر، لكنه اختفى عنهم».
وبقي الركاب، وفق قوله: «عالقين في البحر من دون مرشد وانقطع التواصل معهم لأيام إلى أن عثرت عليهم اليونيفل».
وبحسب زياد، بادر شادي، زوج سعاد، إلى السباحة لاستطلاع إمكانية العثور على وسيلة إنقاذ، بعد وفاة الطفلين «لكنّه ذهب ولم يعد».
وأقدم محمد (27 عاماً) على الأمر ذاته ولم يعد أيضاً. ويروي والده خلدون (54 عاماً) لوكالة الصحافة الفرنسية «كان ابني عاطلاً عن العمل، وهرب من دون علمي».

ويضيف بغصّة بينما يعرض صورة لابنه عبر هاتفه: «بقي المهرب يطمئننا أن المركب وصل بخير، إلى أن اكتشفنا بعد ثلاثة أيام أنه يخدعنا ولم نستطع التواصل مع أحد من أولادنا».
ومنذ انكشاف مصير القارب، يحاول أفراد عائلة محمد عبثاً التواصل مع المهرّب، وهو أحد أبناء المنطقة، لكنه متوار عن الأنظار. وتم حتى الآن تقديم ثلاث شكاوى بحقه أمام النيابة العامة التمييزية.
لم يكن هذا القارب الأول الذي يغادر شواطئ الشمال اللبناني باتجاه قبرص خلال الأسابيع الماضية. ورغم أن الرحلة محفوفة بالمخاطر لكن كثراً يفضلون قوارب الموت هذه على العوز.

ومطلع الشهر الحالي، هرب العشرات من منطقة الميناء، بعدما اشتروا قارباً مشتركاً تقاسموا ثمنه بعدما باعوا مقتنيات منازلهم، وفق ما يروي خالد عبدلي (47 عاماً) الذي كان في عدادهم مع صديقه محمد الخانجي (37 عاماً).
وبعد 40 ساعة في البحر، اعترضت البحرية القبرصية قاربهم لتعيدهم لاحقاً مع مجموعة لبنانية أخرى كانت وصلت قبلهم من طرابلس.
ويقول خالد، الذي يعمل حارساً لمدرسة ويجني نحو ثلاثة دولارات يومياً: «ما زلت مصراً على أن أعيد تجربة الهروب بأي ثمن».

أما محمد، بائع الخضراوات المتجول وأب لطفلين صغيرين، فقد اختار الهرب بعدما أصبح «عاجزاً» عن تأمين احتياجات عائلته الأساسية ودفع بدل إيجار منزله.
ويروي: «رأينا الموت بأعيننا، فيما كان الأطفال يبكون طوال الوقت».
وبرغم ذلك، يبدي استعداده لإعادة الكرّة مجدداً، مؤكداً: «سأفعل المستحيل لأطعم أولادي، من سابع المستحيلات أن أبقى في هذه البلاد».
ويقول: «إما أن نصل أو نموت سريعاً بينما في هذا البلد نموت ببطء».



تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
TT

تقرير أممي: تدهور الأراضي الزراعية سيفقد اليمن 90 مليار دولار

اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)
اليمن يخسر سنوياً 5‎ % من أراضيه الزراعية بسبب التصحر (إعلام محلي)

وضع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سيناريو متشائماً لتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن إذا ما استمر الصراع الحالي، وقال إن البلد سيفقد نحو 90 مليار دولار خلال الـ16 عاماً المقبلة، لكنه وفي حال تحقيق السلام توقع العودة إلى ما كان قبل الحرب خلال مدة لا تزيد على عشرة أعوام.

وفي بيان وزعه مكتب البرنامج الأممي في اليمن، ذكر أن هذا البلد واحد من أكثر البلدان «عُرضة لتغير المناخ على وجه الأرض»، ولديه أعلى معدلات سوء التغذية في العالم بين النساء والأطفال. ولهذا فإنه، وفي حال استمر سيناريو تدهور الأراضي، سيفقد بحلول عام 2040 نحو 90 مليار دولار من الناتج المحلي الإجمالي التراكمي، وسيعاني 2.6 مليون شخص آخر من نقص التغذية.

اليمن من أكثر البلدان عرضة لتغير المناخ على وجه الأرض (إعلام محلي)

وتوقع التقرير الخاص بتأثير تدهور الأراضي الزراعية في اليمن أن تعود البلاد إلى مستويات ما قبل الصراع من التنمية البشرية في غضون عشر سنوات فقط، إذا ما تم إنهاء الصراع، وتحسين الحكم وتنفيذ تدابير التنمية البشرية المستهدفة.

وفي إطار هذا السيناريو، يذكر البرنامج الأممي أنه، بحلول عام 2060 سيتم انتشال 33 مليون شخص من براثن الفقر، ولن يعاني 16 مليون شخص من سوء التغذية، وسيتم إنتاج أكثر من 500 مليار دولار من الناتج الاقتصادي التراكمي الإضافي.

تحذير من الجوع

من خلال هذا التحليل الجديد، يرى البرنامج الأممي أن تغير المناخ، والأراضي، والأمن الغذائي، والسلام كلها مرتبطة. وحذّر من ترك هذه الأمور، وقال إن تدهور الأراضي الزائد بسبب الصراع في اليمن سيؤثر سلباً على الزراعة وسبل العيش، مما يؤدي إلى الجوع الجماعي، وتقويض جهود التعافي.

وقالت زينة علي أحمد، الممثلة المقيمة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن، إنه يجب العمل لاستعادة إمكانات اليمن الزراعية، ومعالجة عجز التنمية البشرية.

تقلبات الطقس تؤثر على الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية في اليمن (إعلام محلي)

بدورها، ذكرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) أن النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) الحالي يُنذر بظروف جافة في اليمن مع هطول أمطار ضئيلة في المناطق الساحلية على طول البحر الأحمر وخليج عدن، كما ستتقلب درجات الحرارة، مع ليالٍ باردة مع احتمالية الصقيع في المرتفعات، في حين ستشهد المناطق المنخفضة والساحلية أياماً أكثر دفئاً وليالي أكثر برودة.

ونبهت المنظمة إلى أن أنماط الطقس هذه قد تؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وتضع ضغوطاً إضافية على المحاصيل والمراعي، وتشكل تحديات لسبل العيش الزراعية، وطالبت الأرصاد الجوية الزراعية بضرورة إصدار التحذيرات في الوقت المناسب للتخفيف من المخاطر المرتبطة بالصقيع.

ووفق نشرة الإنذار المبكر والأرصاد الجوية الزراعية التابعة للمنظمة، فإن استمرار الظروف الجافة قد يؤدي إلى تفاقم ندرة المياه، وزيادة خطر فترات الجفاف المطولة في المناطق التي تعتمد على الزراعة.

ومن المتوقع أيضاً - بحسب النشرة - أن تتلقى المناطق الساحلية والمناطق الداخلية المنخفضة في المناطق الشرقية وجزر سقطرى القليل جداً من الأمطار خلال هذه الفترة.

تقلبات متنوعة

وبشأن تقلبات درجات الحرارة وخطر الصقيع، توقعت النشرة أن يشهد اليمن تقلبات متنوعة في درجات الحرارة بسبب تضاريسه المتنوعة، ففي المناطق المرتفعة، تكون درجات الحرارة أثناء النهار معتدلة، تتراوح بين 18 و24 درجة مئوية، بينما قد تنخفض درجات الحرارة ليلاً بشكل حاد إلى ما بين 0 و6 درجات مئوية.

وتوقعت النشرة الأممية حدوث الصقيع في مناطق معينة، خاصة في جبل النبي شعيب (صنعاء)، ومنطقة الأشمور (عمران)، وعنس، والحدا، ومدينة ذمار (شرق ووسط ذمار)، والمناطق الجبلية في وسط البيضاء. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع حدوث صقيع صحراوي في المناطق الصحراوية الوسطى، بما في ذلك محافظات الجوف وحضرموت وشبوة.

بالسلام يمكن لليمن أن يعود إلى ما كان عليه قبل الحرب (إعلام محلي)

ونبهت النشرة إلى أن هذه الظروف قد تؤثر على صحة الإنسان والنباتات والثروة الحيوانية، وسبل العيش المحلية في المرتفعات، وتوقعت أن تؤدي الظروف الجافة المستمرة في البلاد إلى استنزاف رطوبة التربة بشكل أكبر، مما يزيد من إجهاد الغطاء النباتي، ويقلل من توفر الأعلاف، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة.

وذكرت أن إنتاجية محاصيل الحبوب أيضاً ستعاني في المناطق التي تعتمد على الرطوبة المتبقية من انخفاض الغلة بسبب قلة هطول الأمطار، وانخفاض درجات الحرارة، بالإضافة إلى ذلك، تتطلب المناطق الزراعية البيئية الساحلية التي تزرع محاصيل، مثل الطماطم والبصل، الري المنتظم بسبب معدلات التبخر العالية، وهطول الأمطار المحدودة.

وفيما يخص الثروة الحيوانية، حذّرت النشرة من تأثيرات سلبية لليالي الباردة في المرتفعات، ومحدودية المراعي في المناطق القاحلة، على صحة الثروة الحيوانية وإنتاجيتها، مما يستلزم التغذية التكميلية والتدخلات الصحية.