«العلوم المخبرية» الإيطالي «في سباق مع الزمن» لإنتاج اللقاح

«الشرق الأوسط» زارت مقره قرب روما وتحدثت إلى المشرفين عليه

«سباق مع الزمن» لإنتاج لقاح «كورونا» في معهد طبي إيطالي (أ.ف.ب)
«سباق مع الزمن» لإنتاج لقاح «كورونا» في معهد طبي إيطالي (أ.ف.ب)
TT

«العلوم المخبرية» الإيطالي «في سباق مع الزمن» لإنتاج اللقاح

«سباق مع الزمن» لإنتاج لقاح «كورونا» في معهد طبي إيطالي (أ.ف.ب)
«سباق مع الزمن» لإنتاج لقاح «كورونا» في معهد طبي إيطالي (أ.ف.ب)

على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من قلب العاصمة الإيطالية التي لم تخرج بعد من حال الخمول الذي دخلت فيه مطلع الربيع الماضي تحت وطأة الوباء، تقع بلدة «بوميزيو» حيث يقوم مجمع العلوم المخبرية لبحوث الأدوية الذي تعتمد عليه شركة «استرازينيكا» وجامعة أكسفورد لتطوير لقاح ضد «كوفيد - 19»، والذي يعتبر من أهم مراكز البحوث في أوروبا والعالم وسبق له أن كان رائداً في تطوير لقاحات فاعلة وأدوية ضد فيروسات تنفسيّة أخرى.
«الشرق الأوسط» حلّت ضيفاً لساعات ثلاث على هذا المركز الذي أنتج الدفعة الأولى من اللقاح الجديد المخصصة للتجارب السريرية، وكان وراء تطوير اللقاح الذي قضى على متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS بفضل الاستجابة المناعيّة العالية التي يولّدها بعد جرعة واحدة.
ويقول البروفسور بييرو دي لورنزو مدير المركز الذي يعتبر القطب الرئيسي في أوروبا لشركة «ميرك» الأميركية العملاقة إن تطوير لقاح «كوفيد - 19» يعتمد التقنيّة نفسها التي استخدمت لتطوير لقاح «ميرس» انطلاقاً من الفيروس الغدي بعد تعديله لمنعه من التكاثر داخل الخلايا وتحوير القاعدة الجينيّة لتوجيه تعليمات بإفراز البروتينات اللازمة لتكوين مضادات الأجسام التي بدورها تمنع الفيروس من إصابة الجهاز التنفسي بالالتهاب.
وبعد جولة برفقة عالمة البيولوجيا ستيفانيا دي ماركو على أقسام المركز الرئيسية، قالت إن نشاط الباحثين لم يتوقّف لحظة واحدة خلال فترة تعليق التجارب السريرية بعد ظهور عوارض التهابات عصبيّة على إحدى المتطوعات. وأضافت: «طبيعة هذه الجائحة وما يترتب عنها من تداعيات صحية واقتصادية، والمواصفات التي ما زلنا نجهلها عن هذا الفيروس، تفرض علينا العمل في سباق مع الوقت. واستخدام التقنيات التي سبق أن أعطت نتائج جيّدة لتطوير لقاحات ضد فيروسات تاجيّة أخرى يتيح لنا اختصار التجارب السريرية خلال المرحلة الثالثة الحاسمة لتحديد فاعلية اللقاح وسلامته».
ولم تستبعد دي ماركو المزيد من الانتكاسات العرضيّة والمؤقتة على طريق تطوير اللقاح، مؤكدة أن هذه لن تحول دون إنتاج اللقاحات الكافية لتوزيعها على أفراد الطواقم الصحية والفئات الأكثر تعرّضاً قبل نهاية العام.
وحذّرت دي ماركو من أن فاعلية اللقاح وسلامته لن تتحدد بشكل نهائي قبل انقضاء عامين على المباشرة بتوزيعه على نطاق واسع، خاصة أن مفاعيل الفيروس في الجسم ما زالت تحمل مفاجآت «مثل التي عايناها مؤخراً على ثلاث حالات تبيّنت فيها إصابات بالدماغ لدى متعافين من كوفيد - 19، لم نكن نتوقع ذلك، فالفيروسات التنفسية لا تترك آثاراً سوى على الجهاز التنفسي عند المتعافين». وأضافت: «إلى جانب معدّل سريانه السريع الذي يتجاوز جميع الفيروسات التاجية التي نعرفها، يجب إيلاء اهتمام خاص بقدرة هذا الفيروس الذي يدخل الجسم عبر الجهاز التنفسي على إصابة الأعضاء الأخرى».
ومن الأمور الأخرى التي يتابعها الباحثون في المركز باهتمام كبير لتحديد مستوى المناعة التي يولّدها اللقاح، هي مسألة تكرار الإصابة بالفيروس بعد التعافي والتي ما زالت الحالات الموثّقة عنها محدودة جداً حتى الآن. لكن يقول الباحث الفرنسي كرستيان مونتالبتّي، المسؤول عن قسم البحوث الكيميائية في المركز: «هناك حالة واحدة مؤكدة حسب الشروط المرعيّة، وهي إصابة مريض في هونغ كونغ للمرة الأولى في أبريل (نيسان) ثم للمرة الثانية في أغسطس (آب) بسلالة فيروسية مختلفة. لكن نعرف أن هناك حالات كثيرة أخرى تمّ التبليغ عنها وهي قيد الدراسة للتثبّت منها. صحيح أن هذا يحصل أيضا بالنسبة لإصابات فيروسية أخرى، ولا يعدو كونه شاذا عن القاعدة التي تقوم على مبدأ المناعة التي تنشأ عن الإصابة، لكن ما زلنا نجهل كثيرا عن كوفيد - 19 ومن الواجب متابعة جميع الحالات المشتبه بها ودراستها لمعرفة مواصفات الاستجابة المناعيّة وقدرة هذا الفيروس على التحوّل وتغيير أسلوب تفاعله داخل الخلايا».
وفيما تنصبّ الجهود الدولية للبحث العلمي على جبهة تطوير اللقاح تحت وطأة الضغوط الصحية والاقتصادية، يشرف الباحث الإيطالي الشهير رينو رابولي، الذي يعتبر أحد المراجع الرئيسية في العالم لعلوم الأوبئة واللقاحات، على مشروع في جامعة سيينا لتطوير علاج ضد كوفيد - 19 انطلاقاً من جزيئيات مضادات الأجسام المولّدة مخبريّاً من بلازما المعافين من الإصابة بفيروس كورونا المستجدّ. ويقول رابولي: «كون مضادات الأجسام مولّدة من استنساخ مثيلاتها القويّة الموجودة في بلازما المعافين، يعطيها قدرة عالية في مواجهة الفيروس ومنعه من الاعتداء على الخلايا بنسبة متدنية جداً من الآثار الجانبية». ويضيف: «نحن في الطليعة بين المختبرات التي تستخدم هذا الأسلوب لتطوير العلاج، وتمكّنا من إنتاج مضادات للأجسام أقوى بنسبة 90 % من تلك التي أنتجتها المختبرات الأخرى حتى الآن. ومن المنتظر أن تبدأ التجارب السريرية مطلع ديسمبر لتنتهي قبل حلول فصل الصيف المقبل».
وتجدر الإشارة إلى أن العلاجات التي يجري تطويرها بشكل صناعي انطلاقاً من جزيئيات مضادات الأجسام تتميّز عن اللقاحات بكونها أكثر فاعلية، لكن تكلفتها مرتفعة وتخصص للحالات المرضية الخطرة. كما أن فاعليتها فوريّة تبدأ مع تناولها وتستمر في العادة لأسابيع أو أشهر قليلة، بينما فاعلية اللقاحات لا تبدأ قبل شهر أو اثنين على تناولها لكنها تدوم لأشهر عديدة أو لسنوات.



روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».