هل يمكن تعلم العبقرية؟

تسجيل الذكريات والتخاطر عن بُعد وتصوير الأحلام تتحقق عملياً

هل يمكن تعلم العبقرية؟
TT

هل يمكن تعلم العبقرية؟

هل يمكن تعلم العبقرية؟

يبحث مؤلف كتاب «مستقبل العقل» لميشو كاكو (عالم المعرفة، الكويت) موضوعا معقداً ومثيراً للنقاش العلمي والفلسفي ألا وهو العقل البشري، من خلال مسوحات دماغية عالية التقنية صُممت من قِبل فيزيائيين، وتُظهر -لأول مرة في التاريخ– أسرار العقل الحي، وما كان يعد سابقاً من قبيل الخيال العلمي، أصبح الآن واقعاً مدهشاً، فلم يعد تسجيل الذكريات والتخاطر من بُعد وتصوير الأحلام والتحكم في العقل والتحريك بالدماغ أموراً ممكنة وحسب، بل إنها تتحقق عملياً.
يقدم الكتاب الحالي نظرة موثقة ومحفزة على البحوث المذهلة التي تجري في أرقى المختبرات في العالم، وقد بُنيت على أحدث التطورات في علم الأعصاب والفيزياء، وربما سيكون لدينا يوماً «حبة ذكية» يمكنها أن تزيد من قدراتنا الإدراكية، وربما سنستطيع تحميل مخزون عقولنا على حاسوب، وإرسال أفكارنا وعواطفنا حول العالم على «شبكة دماغية» والتحكم في الحواسب والروبوتات بواسطة عقولنا وتوسيع حدود بقائنا وربما حتى إرسال وعينا عبر الكون.
- ما الوعي؟
يرى المؤلف أن الوعي يتألف من خليط من الحوادث المتوزعة خلال الدماغ، تتنافس هذه الحوادث لنيل الانتباه، وعندما يتفوق حدث على آخر، يعقلن الدماغ النتيجة بعد الحقيقة، ويخترع الانطباع بأن ذاتاً واحدة تتحكم في العملية طوال الوقت. لقد أُهملت معظم القرن العشرين، إحدى النظريات المهمة في علم النفس، وهي النظرية السلوكية التي بُنيت على فكرة أن السلوك الموضوعي للحيوان والإنسان هو فقط الجدير بالدراسة لا الحالات الداخلية والذاتية للعقل، كما أن العلماء تخلّوا عن محاولة تعريف الوعي، وحاولوا ببساطة وصفه.
يقول الطبيب النفساني جوليو تونوني: «يعلم الجميع ما الوعي: إنه ذلك الذي يتخلى عنك كل ليلة عندما ترقد للنوم بلا أحلام، ثم يعود في الصباح التالي عندما تستيقظ»، وعلى الرغم من أن طبيعة الوعي نوقشت لقرون، فإنه كان هناك اتفاق قليل حوله، ولأن الفيزيائيين صنعوا العديد من الاختراعات التي جعلت تطورات هائلة في علم الدماغ ممكنة، ربما سيكون من المفيد تتبع مثال من الفيزياء في محاولة تفحص هذا السؤال القديم. ويشير المؤلف إلى نظرية الزمكان التي تقول إن «الوعي مركّب من عدد من الوحدات الفرعية للدماغ تتنافس كل منها مع الأخرى لتخلق نموذجاً للعالم، ومع ذلك يشعر وعينا بالنعومة والاستمرارية، كيف يمكن ذلك؟ عندما نمتلك جميعاً الشعور بأن «ذاتنا» غير متقطعة وأنها دائماً في موقع السيطرة.
- التخاطر وقراءة الأفكار
وحول التخاطر وقراءة أفكار الآخرين، يقول المؤلف: «ستتطلب مسوحات الدماغ على المدى المنظور شروطاً مخبرية إلى الدماغ البشري، لكن في الحالة غير المحتملة جداً، وهي أن يتمكن شخص ما في المستقبل من إيجاد طريقة لقراءة الأفكار من بُعد، فما زالت هناك إجراءات مضادة يمكنك أخذها للحفاظ على سرية أكثر أفكارك أهمية.
يمكنك أن تستخدم درعاً لمنع موجات الدماغ من الدخول إلى الأيدي الخطأ، يمكن فعل هذا بشيء يدعى «قفص فارادي» الذي اخترعه الفيزيائي البريطاني العظيم مايكل فارادي في عام 1836، رغم أن هذا التأثير لوحظ لأول مرة من قِبل بنجامين فرانكلين بشكل مبسط، ستنتشر الشحنات الكهربائية بسرعة حول قفص معدني، بحيث إن الحقل الكهربائي ضمن القفص يساوي الصفر، كما أن بعض كتّاب الخيال العلمي تنبأوا بأن أطفال المستقبل عندما يولدون، ربما ستحشر أدمغتهم بمجسات نانوية بواسطة جراحة ميكروية من دون ألم، بحيث يصبح التخاطر أسلوباً في الحياة بالنسبة إليهم.
في مسلسل «ستار ترك» على سبيل المثال، تُحشر مجسات بشكل روتيني في أدمغة أطفال عند ولادتهم بحيث يستطيعون التخاطر مع الآخرين. لا يمكن لهؤلاء الأطفال أن يتصوروا عالماً ليس فيه تخاطر، سوف يفترضون أن التخاطر هو أمر عادي، وباعتبار أن هذه المجسات النانوية ضئيلة جداً، فستكون غير مرئية بالنسبة إلى العالم الخارجي، وبالتالي لن يكون هناك عزل اجتماعي على الرغم من أن المجتمع قد يأنف من فكرة حشر مجسات بشكل دائم في الدماغ»
يرى المؤلف أنه نظراً لصعوبة تنمية خلايا الدماغ، فقد اعتقد مرة أن الذكاء يتحدد في الوقت الذي نصبح فيه بالغين، لكن شيئاً واحداً يتضح بازدياد مع بحوث الدماغ الجديدة، يمكن للدماغ نفسه أن يتغير عندما يتعلم، على الرغم من أن خلايا الدماغ لا تضاف إلى قشرة الدماغ، فإن الصلات بين العصبونات تتغير في كل مرة يتم فيها تعلم مهمة جديدة. تقول إيلينور ما غوير من شركة «ويلكم welcome trudt» التي موّلت الدراسة: «يبقى الدماغ البشري مرناً حتى في حياة البالغ، مما يسمح له بالتكيف، عندما يتعلم مهمات جديدة، ويشجع هذا البالغين الذين يتعلمون مهارات جديدة في أواخر حياتهم، بالمثل فإن أدمغة الفئران التي تعلمت مهمات جديدة تختلف قليلاً عن أدمغة الفئران الأخرى التي لم تتعلم هذه المهمات. بكلمات أخرى، يغير التعلم حقيقة بنية الدماغ».
وباعتبار أن الدماغ معقد جداً، لذا فهناك على الأقل ثلاث طرق محددة، يمكن بواسطتها فكه عصبوناً عصبوناً: الأولى هي تمثيل الدماغ إلكترونياً بحواسب فائقة وهو المنحى الذي اختاره الأوروبيون، والثانية هي مسح الممرات العصبونية للدماغ الحي، كما في «مشروع برين»، إذ يمكن تقسيم هذه المهمة أكثر حسب كيفية تحليل هذه العصبونات إما آلياً، وإما حسب الوظيفة أو النشاط.
وفي الثالثة يمكن للمرء أن يفك شفرة الجينات التي تتحكم في تطور الدماغ، وهو منحى تبناه الملياردير بول آلن من «مايكروسوفت».


مقالات ذات صلة

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

كتب بوريس جونسون والرئيس الأميركي المنتخب ترامب

«مطلق العنان»... مذّكرات بوريس جونسون في السلطة

تفترض بالطبع عندما تقدم على شراء نسخة من مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون الصادرة حديثاً فيما يقرب من 800 صفحة

ندى حطيط
كتب «أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

«أبريل الساحر»... نساء إنجليزيات يهربن من الواقع لـ«تحقيق الروح»

عن دار «الكرمة» بالقاهرة، صدرت رواية «أبريل الساحر» للكاتبة البريطانية إليزابيث فون أرنيم، التي وُصفت من جانب كبريات الصحف العالمية بأنها نص مخادع وذكي وكوميدي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
كتب توافد  العشرات في معرض الجزائر للحصول على  نسخة موقعة من رواية" خوف" لأسامة مسلم

أسامة مسلم وسارة ريفنس وبيت الطاعة الأدبي!

أراقب باهتمام كبير عالمنا المتغير هذا. لعلك أنت أيضاً تفعل ذلك. تتمعن فيه وهو يعيد تشكيل ذاته مثل وحش أسطوري، في زمن إيلون ماسك ومارك زوكربيرغ

د. ربيعة جلطي (الجزائر)
ثقافة وفنون قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

قراءات في قصص وروايات لكتاب عرب

عن دار «طيوف» بالقاهرة صدر كتاب «مرايا الفضاء السردي» للناقدة المصرية دكتورة ناهد الطحان، ويتضمن دراسات ومقالات نقدية تبحث في تجليات السرد العربي المعاصر

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الكاتب السعودي فيصل عباس مع السفير البريطاني نيل كرومبتون خلال الأمسية الثقافية

أمسية ثقافية بمنزل السفير البريطاني في الرياض للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني»

أقام السفير البريطاني في الرياض أمسية ثقافية في منزله بالحي الدبلوماسي للاحتفال بإطلاق كتاب «حكايا عربي أنغلوفوني» للكاتب السعودي ورئيس تحرير صحيفة «عرب نيوز».

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية
TT

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

«العودة إلى متوشالح... معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» بالعربية

صدر حديثاً عن «محترف أوكسجين للنشر» في أونتاريو كتابٌ جديد بعنوان: «العودة إلى متوشالح - معالجة مُستقبليّة لأسفار موسى الخمسة» للكاتب المسرحي الآيرلندي جورج برنارد شو، وقد نقله إلى العربية المترجم السوري أسامة منزلجي. ويأتي الكتاب ضمن سلسلة «أوكلاسيك»، (أوكسجين + كلاسيك = أوكلاسيك) التي يسعى من خلالها المحترف إلى «تقديم الكلاسيكيات بنهج جديد ومغاير عماده الاكتشاف وإعادة الاكتشاف»، وجاء الكتاب في 352 صفحة.

من التقديم:

«نحن هنا أمام كتابٍ يتخذ فيه برنارد شو من المسرحية والحوار والنقد السياسي طريقاً نحو البشرية وهي تعيش إحدى لحظاتها التاريخية الأكثر دماراً، ولنَكُن بعد قراءة الاستهلال حيالَ نظرياتٍ فلسفية وسياسية وأدبية تدفعنا للتفكير في طريقة تفاعلنا مع العالم وقد أمسى نموذج الحضارة على المحك، اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، فلا محيد عن الكوارث التي يُلحقها الإنسان بنفسه وبالطبيعة. فما الذي يحتاج إليه ليصبح أكثر نضجاً وحكمةً؟ يفترض شو أن ثلاثة قرون أو أكثر من عمر الإنسان كفيلة بأن تجعله يبلغ كماله العقلي في مسار تطوّرهِ وتحقيقه غايات وجوده السامية، فهل الامتداد الأفقي للزمن يحقق ذلك؟ من أين نبدأ؟ وأين ننتهي؟ هذا ما يقدمه لنا كتاب (العودة إلى متوشالح) كونه كتاباً يتحدّى الفناء! منطلقُه الأزل ومنتهاه الأبد. يبدأ من آدم وحواء في جنة عدن، وينتهي في عام 31920 ميلادي وقد أمسى بمقدور الإنسان العيش لما يتجاوز الثلاثمائة عام، وصولاً إلى ولادته من بيضة! إنه كتاب عصيٌّ على التصنيف، له أن يجسد تماماً ماهية (الخيال العلمي)، بوصف الخيال مع جورج برنارد شو (1856 - 1950)، يستدعي العلم والفلسفة والفكر بحق، مقدّماً هجائية كبرى لداروين والانتقاء الظرفي، مفضلاً تسميته الانتقاء التصادفي، فإذا استطعنا أن نُثبت أنَّ الكون بأكمله خُلِقَ عبر ذلك الانتقاء، فلن يطيق عيش الحياة إلّا الأغبياء والأوغاد.

يتخذ الكتاب معبره إلى الخيال من حقيقة أن البشر لا يعيشون مدةً كافية، وعندما يموتون يكونون مجرد أطفال، واجداً في لامارك والنشوء الخلّاق سنده، لنكون حيال عملٍ خالدٍ، لا هو مسرحية ولا رواية، بل مزيج بينهما، مسرحية تُقرأ ولا تُجسّد، ورواية يتسيّدها الحوار...

حملت المسرحيات الخمس العناوين التالية: (في البدء)، و(مزمور الأخوان بارناباس)، و(الأمر يحدث)، و(مأساة رجل عجوز)، و(أقصى حدود الفكرة)، وعبر حوارات عميقة حول مكانة العلم والتطور والفن والإبداع يسافر بنا برنارد شو عبر الأزمنة ليناقش الأفكار التي يطرحها أبطاله منذ آدم وحواء مروراً بالزمن الحاضر، ومضيّاً نحو المستقبل البعيد وقد وصلت البشرية إلى ذروتها، وتخلَّص الناس من الحب والجنس والعاطفة، وأصبحوا كائنات منطقية خالصة! لكن عبقرية برنارد شو في هذا الكتاب تكمن في تعامله مع فكرة الخلود، بحيوية وسخرية، مستكشفاً العواقب النفسية لطبيعة العقل البشري الذي يحتاج إليه الإنسان ليعيش ألف عام ويحكم نفسه بنفسه، ويتخلّص من الصراع والحروب والآفات التي تبدأ به وتنتهي بإفنائه»

جورج برنارد شو، كم هو معروف، كاتب مسرحي وروائي ومفكّر وناشط سياسي آيرلندي، وُلد في دبلن عام 1856 وتوفي عام 1950. عُرف بآرائه الساخرة المثيرة للجدل، ونزوعه التقدمي والرؤيوي، واشتراكيته الفابية. ألّف 5 روايات، و60 مسرحية، ضمّنها أفكاره ومقارباته السياسية والتاريخية والفلسفية، عدا عن مئات المقالات والمقدمات الفكرية لأعماله. من مسرحياته: «السلاح والإنسان»، 1894، و«الإنسان والسوبرمان»، 1903، و«بجماليون»، 1913. حين فاز بجائزة نوبل للآداب عام 1925 رفضها، قائلاً: «أستطيع أن أسامح نوبل على اختراعه الديناميت، لكنْ وحده شيطان بهيئة إنسان من كان بمقدوره اختراع جائزة نوبل»، لكنه عاد وقبل الجائزة بشرط ألا يتلقى قيمتها المالية.

أما أسامة منزلجي فهو مترجم سوري له كثير من الترجمات مثل رواية «ربيع أسود»، 1980، و«مدار السرطان» و«مدار الجدي» وثلاثية «الصلب الوردي»، لهنري ميللر، و«أهالي دبلن» لجيمس جويس، و«غاتسبي العظيم» و«الليل رقيق» و«هذا الجانب من الجنة» لسكوت فيتزجيرالد، ومسرحيات وروايات لتينسي وليامز وبول أوستر وفيليب روث وتيري إيغلتون وآلي سميث وإريكا يونغ.