توثيق ثروة مصر من الأواني الفخارية الأثرية

ضمن مشروع «رقمنة» سجلات المتاحف والمواقع التاريخية

TT

توثيق ثروة مصر من الأواني الفخارية الأثرية

أطلق مركز تسجيل الآثار بوزارة السياحة المصرية مشروعاً لتوثيق وتسجيل ثروة مصر من الأواني الفخارية في المتاحف والمخازن والمواقع الأثرية. وبدأت المرحلة الأولى من المشروع في المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة)؛ إذ يمتلك ضمن مُقْتنياته النصيب الأكبر من القطع الفخارية، تنتمي إلى عصور مختلفة، بدءاً من عصر ما قبل الأسرات بالدولة الفرعونية.
وتعتبر صناعة الأواني الفخارية أقدم الحرف التراثية في مصر، وما زالت مستمرة حتى الآن. والمشروع تنفذه وحدة دراسة الفخار، التابعة لمركز تسجيل الآثار بوزارة السياحة، ووفقاً للدكتور شريف عبد المنعم، مدير الوحدة، فإن «عملية التوثيق بدأت بحصر القطع حسب الحقبة التي تنتمي إليها، بدءاً من عصر ما قبل الأسرات والدولة المصرية القديمة، ثم الدولتين الوسطى والحديثة، والعصرين الروماني واليوناني».
وتستخدم الأواني الفخارية في تقديم الطعام والشراب وحفظ الأغذية حسب التعريف الأثري، ويقول عبد المنعم لـ«الشرق الأوسط»، إن عملية التوثيق تشمل تنفيذ «كتالوجاً» لكل قطعة على نموذج خاص، يتضمن وفق «رسم القطعة وتصويرها فوتوغرافياً من زوايا مختلفة، بجانب المعلومات والمواصفات الفنية، وتُجمع في (كتالوج) عام يضم كل مقتنيات المتحف من الأواني الفخارية».
وتمتلك مصر ثروة كبيرة من الأواني الفخارية موزعة على الكثير من المتاحف والمخازن الأثرية، ويضم المتحف المصري العدد الأكبر من قطع الفخار التي تؤرخ لعصور متعددة. صباح عبد الرزاق، مدير عام المتحف، تقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «عملية التوثيق تشمل الأواني الفخارية في العرض أو المخازن، ويقوم أمناء المتحف بمساعدة وحدة الفخار خلال المشروع بما لديهم من سجلات ومعرفة بالمُقْتنيات التي تنتمي إلى عصور مختلفة».
وتعتزم الوحدة الانتقال إلى متاحف أخرى ومخازن أثرية لاستكمال توثيق وتسجيل الأواني الفخارية كافة في كل المواقع الأثرية لوضع «كتالوج» عام لثروة مصر من الفخار، وفق الدكتور هشام الليثي، مدير مركز تسجيل الآثار بوزارة السياحة، الذي أكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشروع يأتي ضمن مشروع أكبر لرقمنة سجلات المتاحف والمناطق الأثرية؛ كي تكون جمعيها محفوظة إلكترونياً، وتصبح متاحة للباحثين والأثريين، كما يشمل التسجيل المخازن الأثرية كافة التي يبلغ عددها نحو 34 مخزناً».
وتُعد الأواني الفخارية من أقدم الحرف اليدوية التراثية التي توثق للنشاط الإنساني في عصور مختلفة، ويقوم صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة برعاية الحرفة ضمن مجموعة من الفنون التراثية الأخرى من خلال مركز الفسطاط للحرف التراثية «جنوب القاهرة» الذي يضم ورشاً متنوعة للفخار والخزف بجانب حرف وفنون تراثية كثيرة.
يقول الدكتور فتحي عبد الوهاب، رئيس قطاع صندوق التنمية الثقافية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مركز الفسطاط يقوم بدور كبير في رعاية الحرف التراثية منذ عام 2000، حيث يركز على إبراز الهوية الثقافية والحفاظ عليها، سواء من خلال الزخارف التي تبرز جانباً من تفاصيل الهوية المصرية، أو الحفاظ على طريقة الصناعة والإنتاج اليدوية التراثية».
وشهدت السنوات الماضية اكتشاف الكثير من ورش الفخار التاريخية خلال عمليات التنقيب، أبرزها ورشة عثرت عليها بعثة وزارة الآثار المصرية في يوليو (تموز) 2018، بمدينة أسوان «جنوب مصر»، وتُعد من أقدم ورش الفخار المكتشفة؛ إذ تعود إلى فترة الأسرة الرابعة المصرية في الدولة الفرعونية، وهي فترة بناء الأهرامات، وعثرت البعثة داخل الورشة على أقدم عجلة حجرية لصناعة الفخار في مصر القديمة، وهي عبارة عن قرص دوار من الحجر الجيري وقاعدة مجوفة، وتدار باليد، وأطلق عليها العلماء اسم «العجلة البسيطة».
وانتهت اللجنة العلمية بالهيئة العامة لقصور الثقافة التابعة لوزارة الثقافة أخيراً من إعداد المادة العلمية لـ«أطلس الفخار» يتضمن مسحاً جغرافياً للحرفة في جميع محافظات مصر.



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».