اقتصاد ألمانيا يواصل استفاقته من أزمة «كورونا»

تتزايد التوقعات الإيجابية بقدرة الاقتصاد الألماني على التعافي  مع مؤشرات جيدة وثقة عالية للمستثمرين (رويترز)
تتزايد التوقعات الإيجابية بقدرة الاقتصاد الألماني على التعافي مع مؤشرات جيدة وثقة عالية للمستثمرين (رويترز)
TT

اقتصاد ألمانيا يواصل استفاقته من أزمة «كورونا»

تتزايد التوقعات الإيجابية بقدرة الاقتصاد الألماني على التعافي  مع مؤشرات جيدة وثقة عالية للمستثمرين (رويترز)
تتزايد التوقعات الإيجابية بقدرة الاقتصاد الألماني على التعافي مع مؤشرات جيدة وثقة عالية للمستثمرين (رويترز)

بينما تنتعش معنويات المستثمرين الألمان وتتشبث الصناعة بالعودة إلى النمو القوي، يواصل الاقتصاد الألماني تعافيه من أزمة جائحة «كورونا»، بحسب تقديرات مكتب الإحصاء الاتحادي، الذي أعلن الثلاثاء أنه عقب التراجع الحاد في الربع الثاني من هذا العام، «تمكن الاقتصاد الألماني في الموسم الصيفي في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين من التعافي نسبيا».
وجاء في بيان المكتب عن أحدث بيانات النمو في ألمانيا أنه يمكن رصد التطور في كثير من القطاعات على شكل حرف V، أي ارتفاع ملحوظ عقب تراجع حاد، إلا أنه لم يتم الوصول بعد إلى مستوى ما قبل الأزمة.
وقال مدير قسم «الحسابات القومية والأسعار» في المكتب، ألبرت باركمان: «مؤشرات مبكرة تشير إلى مزيد من التعافي». ولم يرغب براكمان في إجراء تقييم أولي لتطور الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثالث من عام 2020، مشيرا إلى موعد الإعلان عنه المخطط له في 30 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.
وشملت إجراءات احتواء الجائحة أجزاء كبيرة من الاقتصاد الألماني في مارس (آذار) وأبريل (نيسان) الماضيين، ما أدى إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني بنسبة 9.7 في المائة مقارنة بالربع السابق. وكان هذا التراجع أقوى بشكل ملحوظ مما كان عليه خلال الأزمة المالية العالمية في عامي 2008 و2009 وهو أكبر انخفاض منذ بدء الحسابات الربع سنوية للناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا عام 1970.
وبالتزامن، زادت معنويات المستثمرين في ألمانيا على نحو غير متوقع في سبتمبر (أيلول) الجاري حسبما ذكر معهد زد إي دبليو للأبحاث الاقتصادية الثلاثاء، مما يشير إلى الثقة في التعافي من أزمة «كورونا» رغم مخاوف متعلقة بتعثر محادثات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) وزيادة حالات الإصابة الجديدة بالفيروس.
وزاد مؤشر المعنويات الاقتصادية للمستثمرين إلى 77.4 نقطة، من 71.5 نقطة في الشهر السابق، متجاوزا بذلك توقعات استطلاع أجرته «رويترز» بأن يتراجع المؤشر إلى 69.8 نقطة.
وقال أخيم فامباخ، رئيس المعهد: «ارتفع مؤشر زد إي دبليو مجددا، مما يشير إلى أن الخبراء لا يزالون يتوقعون تعافيا ملحوظا للاقتصاد الألماني». وأضاف أن «تعثر محادثات بريكست وزيادة حالات كوفيد - 19 لا يمكنهما تقويض المعنويات الإيجابية».
ويتعافى الاقتصاد الألماني منذ مايو (أيار) عندما جرى رفع إجراءات العزل العام الرامية للحد من تفشي فيروس «كورونا» لكن النشاط لا يزال أقل من مستويات ما قبل الأزمة ويتوقع خبراء اقتصاد تعافيا بطيئا... بينما يلقى التعافي الاقتصادي دعما من برنامج إنقاذ وافق عليه المحافظون بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل والحليف في الائتلاف الحكومي الحزب الديمقراطي الاشتراكي.
وفي غضون ذلك، يشق قطاع الصناعة الحيوي في ألمانيا طريقه للخروج من هوة الإيرادات التي تسببت فيها أزمة جائحة «كورونا» فقد أعلن مكتب الإحصاء الاتحادي الثلاثاء أن مبيعات القطاع، عقب احتساب تغيرات الأسعار والعوامل الموسمية، ارتفعت في يوليو الماضي بنسبة 21.9 في المائة مقارنة بيونيو (حزيران) السابق له، إلا أنه لا تزال هناك فجوة كبيرة في الإيرادات مقارنة بنفس الشهر العام الماضي، حيث بلغت نسبة التراجع 26.8 في المائة.
وبسبب التراجعات الكبيرة في الإيرادات الشهرية للقطاع خلال فترة القيود الصارمة التي فُرضت بسبب جائحة «كورونا»، تراجعت إيرادات القطاع في الشهور السبعة الأولى من هذا العام بنسبة 37.2 في المائة، مقارنة بنفس الفترة الزمنية عام 2019.
وسجل قطاع الفنادق وغيره من مرافق المبيت السياحية أعلى نسبة تراجع في الإيرادات، حيث بلغت نسبة التراجع 45 في المائة، مقابل 32.8 في المائة لقطاع المطاعم.
وفي إطار مكافحة انتشار الفيروس، منعت الحكومة الألمانية السائحين من المبيت في الفنادق وغيرها من نُزل الإقامة السياحية اعتبارا من منتصف مارس. ومنذ 22 مارس تم إغلاق المطاعم باستثناء خدمات التوصيل والتوريد. ومنذ منتصف مايو الماضي تم تخفيف القيود تدريجيا... وانتعشت الأعمال بالفعل إلى حد ما في ذلك التوقيت.



ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
TT

ترمب يدرس خصخصة خدمة البريد وسط خسائر مالية ضخمة

يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)
يقوم أحد عمال البريد الأميركي بتفريغ الطرود من شاحنته في مانهاتن أثناء تفشي فيروس كورونا (رويترز)

يبدي الرئيس المنتخب دونالد ترمب اهتماماً بالغاً بخصخصة خدمة البريد الأميركية في الأسابيع الأخيرة، وهي خطوة قد تُحْدث تغييرات جذرية في سلاسل الشحن الاستهلاكي وتوريد الأعمال، وربما تؤدي إلى مغادرة مئات الآلاف من العمال الفيدراليين للحكومة.

ووفقاً لثلاثة مصادر مطلعة، ناقش ترمب رغبته في إصلاح الخدمة البريدية خلال اجتماعاته مع هاوارد لوتنيك، مرشحه لمنصب وزير التجارة والرئيس المشارك لفريق انتقاله الرئاسي. كما أشار أحد المصادر إلى أن ترمب جمع، في وقت سابق من هذا الشهر، مجموعة من مسؤولي الانتقال للاستماع إلى آرائهم بشأن خصخصة مكتب البريد، وفق ما ذكرت صحيفة «واشنطن بوست».

وأكد الأشخاص الذين طلبوا عدم الكشف عن هويتهم نظراً للطبيعة الحساسة للمحادثات، أن ترمب أشار إلى الخسائر المالية السنوية لمكتب البريد، مشدداً على أن الحكومة لا ينبغي أن تتحمل عبء دعمه. ورغم أن خطط ترمب المحددة لإصلاح الخدمة البريدية لم تكن واضحة في البداية، فإن علاقته المتوترة مع وكالة البريد الوطنية تعود إلى عام 2019، حيث حاول حينها إجبار الوكالة على تسليم كثير من الوظائف الحيوية، بما في ذلك تحديد الأسعار، وقرارات الموظفين، والعلاقات العمالية، وإدارة العلاقات مع أكبر عملائها، إلى وزارة الخزانة.

وقال كيسي موليغان، الذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في إدارة ترمب الأولى: «الحكومة بطيئة جداً في تبنِّي أساليب جديدة، حيث لا تزال الأمور مرتبطة بعقود من الزمن في تنفيذ المهام. هناك كثير من خدمات البريد الأخرى التي نشأت في السبعينات والتي تؤدي وظائفها بشكل أفضل بكثير مع زيادة الأحجام، وخفض التكاليف. لم نتمكن من إتمام المهمة في فترتنا الأولى، ولكن يجب أن نتممها الآن».

وتُعد خدمة البريد الأميركية واحدة من أقدم الوكالات الحكومية، حيث تأسست عام 1775 في عهد بنيامين فرنكلين، وتم تعزيزها من خلال التسليم المجاني للمناطق الريفية في أوائل القرن العشرين، ثم أصبحت وكالة مكتفية ذاتياً مالياً في عام 1970 بهدف «ربط الأمة معاً» عبر البريد. وعلى الرغم من التحديات المالية التي يفرضها صعود الإنترنت، فإن الخدمة البريدية تظل واحدة من أكثر الوكالات الفيدرالية شعبية لدى الأميركيين، وفقاً لدراسة أجراها مركز «بيو» للأبحاث عام 2024.

ومع مطالبات الجمهوريين في الكونغرس وآخرين في فلك ترمب بخفض التكاليف الفيدرالية، أصبحت الخدمة البريدية هدفاً رئيسياً. وأفاد شخصان آخران مطلعان على الأمر بأن أعضاء «وزارة كفاءة الحكومة»، وهي لجنة غير حكومية يقودها رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إيلون ماسك وفيفيك راماسوامي، أجروا أيضاً محادثات أولية بشأن تغييرات كبيرة في الخدمة البريدية.

وفي العام المالي المنتهي في 30 سبتمبر (أيلول)، تكبدت الخدمة البريدية خسائر بلغت 9.5 مليار دولار، بسبب انخفاض حجم البريد وتباطؤ أعمال شحن الطرود، على الرغم من الاستثمارات الكبيرة في المرافق والمعدات الحديثة. وتواجه الوكالة التزامات تقدّر بنحو 80 مليار دولار، وفقاً لتقريرها المالي السنوي.

من شأن تقليص الخدمات البريدية أن يغير بشكل جذري صناعة التجارة الإلكترونية التي تقدر قيمتها بتريليون دولار، ما يؤثر في الشركات الصغيرة والمستهلكين في المناطق الريفية الذين يعتمدون على الوكالة بشكل كبير. وتُعد «أمازون»، أكبر عميل للخدمة البريدية، من بين أكبر المستفيدين، حيث تستخدم الخدمة البريدية لتوصيل «الميل الأخير» بين مراكز التوزيع الضخمة والمنازل والشركات. كما أن «التزام الخدمة الشاملة» للوكالة، الذي يتطلب منها تسليم البريد أو الطرود بغض النظر عن المسافة أو الجوانب المالية، يجعلها غالباً الناقل الوحيد الذي يخدم المناطق النائية في البلاد.

وقد تؤدي محاولة خصخصة هذه الوكالة الفيدرالية البارزة إلى رد فعل سياسي عنيف، خصوصاً من قبل الجمهوريين الذين يمثلون المناطق الريفية التي تخدمها الوكالة بشكل غير متناسب. على سبيل المثال، غالباً ما يستدعي المسؤولون الفيدراليون من ولاية ألاسكا المسؤولين التنفيذيين في البريد للوقوف على أهمية الخدمة البريدية لاقتصاد الولاية.

وفي رده على الاستفسارات حول خصخصة الوكالة، قال متحدث باسم الخدمة البريدية إن خطة التحديث التي وضعتها الوكالة على مدى 10 سنوات أدت إلى خفض 45 مليون ساعة عمل في السنوات الثلاث الماضية، كما قللت من الإنفاق على النقل بمقدار 2 مليار دولار. وأضاف المتحدث في بيان أن الوكالة تسعى أيضاً للحصول على موافقة تنظيمية لتعديل جداول معالجة البريد، وتسليمه لتتوافق بشكل أكبر مع ممارسات القطاع الخاص.

كثيراً ما كانت علاقة ترمب مع وكالة البريد الأميركية متوترة، فقد سخر منها في مناسبات عدة، واصفاً إياها في المكتب البيضاوي بأنها «مزحة»، وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وصفها بأنها «صبي التوصيل» لشركة «أمازون».

وفي الأيام الأولى لجائحة فيروس «كورونا»، هدد ترمب بحرمان الخدمة البريدية من المساعدات الطارئة ما لم توافق على مضاعفة أسعار الطرود 4 مرات. كما أذن وزير خزانته، ستيفن منوشين، بمنح قرض للوكالة فقط مقابل الحصول على وصول إلى عقودها السرية مع كبار عملائها.

وقبيل انتخابات عام 2020، ادعى ترمب أن الخدمة البريدية غير قادرة على تسهيل التصويت بالبريد، في وقت كانت فيه الوكالة قد مُنعت من الوصول إلى التمويل الطارئ الذي كان يحظره. ومع ذلك، في النهاية، تمكنت الخدمة البريدية من تسليم 97.9 في المائة من بطاقات الاقتراع إلى مسؤولي الانتخابات في غضون 3 أيام فقط.

وعند عودته إلى منصبه، قد يكون لدى ترمب خيارات عدة لممارسة السيطرة على وكالة البريد، رغم أنه قد لا يمتلك السلطة لخصخصتها بشكل أحادي. حالياً، هناك 3 مقاعد شاغرة في مجلس إدارة الوكالة المكون من 9 أعضاء. ومن بين الأعضاء الحاليين، هناك 3 جمهوريين، اثنان منهم تم تعيينهما من قبل ترمب. ولدى بايدن 3 مرشحين معلقين، لكن من غير المرجح أن يتم تأكيدهم من قبل مجلس الشيوخ قبل تنصيب ترمب.

ومن المحتمل أن يتطلب تقليص «التزام الخدمة الشاملة» بشكل كبير - وهو التوجيه الذي أوصى به المسؤولون خلال فترة ولاية ترمب الأولى - قانوناً من الكونغرس. وإذا تم إقرار هذا التشريع، فإن الخدمة البريدية ستكون ملزمة على الفور تقريباً بتقليص خدمات التوصيل إلى المناطق غير المربحة وتقليص عدد موظفيها، الذين يقدَّر عددهم بنحو 650 ألف موظف.

وقد تؤدي محاولات قطع وصول الوكالة إلى القروض من وزارة الخزانة، كما حاولت إدارة ترمب في السابق، إلى خنق الخدمة البريدية بسرعة، ما يعوق قدرتها على دفع رواتب موظفيها بشكل دوري وتمويل صيانة مرافقها ومعداتها. وقال بول ستيدلر، الذي يدرس الخدمة البريدية وسلاسل التوريد في معهد ليكسينغتون اليميني الوسطي: «في النهاية، ستحتاج الخدمة البريدية إلى المال والمساعدة، أو ستضطر إلى اتخاذ تدابير قاسية وجذرية لتحقيق التوازن المالي في الأمد القريب. وهذا يمنح البيت الأبيض والكونغرس قوة هائلة وحرية كبيرة في هذا السياق».

وقد حذر الديمقراطيون بالفعل من التخفيضات المحتملة في خدمة البريد. وقال النائب جيري كونولي (ديمقراطي من فرجينيا)، أحد الداعمين الرئيسيين للوكالة: «مع مزيد من الفرص أمامهم، قد يركزون على خصخصة الوكالة، وأعتقد أن هذا هو الخوف الأكبر. قد يكون لذلك عواقب وخيمة، لأن القطاع الخاص يعتمد على الربحية في المقام الأول».

كما انتقدت النائبة مارغوري تايلور غرين (جمهورية من جورجيا)، رئيسة اللجنة الفرعية للرقابة في مجلس النواب، الخدمة البريدية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، وكتبت: «هذا ما يحدث عندما تصبح الكيانات الحكومية ضخمة، وسوء الإدارة، وغير خاضعة للمساءلة».

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، تعرضت الوكالة لانتقادات شديدة، حيث خضع المدير العام للبريد، لويس ديغوي، لاستجواب حاد من الجمهوريين في جلسة استماع يوم الثلاثاء. وحذر رئيس لجنة الرقابة في مجلس النواب، جيمس كومر (جمهوري من كنتاكي)، ديغوي من أن الكونغرس في العام المقبل قد يسعى لإصلاح الخدمة البريدية.

وسأل الجمهوريون مراراً وتكراراً عن استعادة التمويل لأسطول الشاحنات الكهربائية الجديد للوكالة، والخسائر المالية المتزايدة، وعن الإجراءات التنفيذية التي قد يتخذها ترمب لإخضاع الخدمة.

وقال كومر: «انتهت أيام عمليات الإنقاذ والمساعدات. الشعب الأميركي تحدث بصوت عالٍ وواضح. أنا قلق بشأن الأموال التي تم تخصيصها للمركبات الكهربائية، والتي قد يجري استردادها. أعتقد أن هناك كثيراً من المجالات التي ستشهد إصلاحات كبيرة في السنوات الأربع المقبلة... هناك كثير من الأفكار التي قد تشهد تغييرات كبيرة، وإن لم تكن مفيدة بالضرورة لخدمة البريد».