{الناتو} يواصل جهوده لاحتواء التوتر شرق المتوسط

تركيا تتهم اليونان بانتهاك معاهدة لوزان... وأثينا مستعدة لحوار {دون استفزازات}

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أبلغ البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس أن علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا تمر بنقطة تحول فاصلة (إ.ب.أ)
الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أبلغ البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس أن علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا تمر بنقطة تحول فاصلة (إ.ب.أ)
TT

{الناتو} يواصل جهوده لاحتواء التوتر شرق المتوسط

الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أبلغ البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس أن علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا تمر بنقطة تحول فاصلة (إ.ب.أ)
الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أبلغ البرلمان الأوروبي في بروكسل أمس أن علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا تمر بنقطة تحول فاصلة (إ.ب.أ)

انطلقت أمس (الثلاثاء)، الجولة الثانية من المباحثات العسكرية الفنية بين وفدين تركي ويوناني في مقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل، كما أطلقت أنقرة إشعاراً ملاحياً جديداً (نافتكس) في بحر إيجة، حيث تتنازع مع اليونان على الجزر الموجودة فيه. وفي الوقت ذاته، أعلنت أثينا استعدادها لبدء الحوار فوراً مع أنقرة إذا توقفت عن استفزازاتها في شرق البحر المتوسط، وقال الاتحاد الأوروبي إن علاقته وصلت إلى نقطة فاصلة.
وقالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن اجتماعاً بين وفدين عسكريين من تركيا واليونان بدأ في مقر حلف شمال الأطلسي (ناتو) في بروكسل أمس، لإجراء محادثات فنية تستهدف تهدئة التوتر في شرق البحر المتوسط.
ويعد هذا هو الاجتماع الثاني بعد اجتماع مماثل عقد يوم الثلاثاء قبل الماضي في بروكسل أيضاً، بناء على اتفاق بين الأمين العام لحلف {الناتو} ينس ستولتنبرغ، والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وعقد اجتماع الأمس بعد أن سحبت تركيا، ليل السبت، سفينة المسح الزلزالي «أوروتش رئيس» من منطقة متنازع عليها مع اليونان في شرق المتوسط وأعادتها إلى ميناء أنطاليا.
وفي الوقت ذاته، بحث وزيرا الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والأميركي مايك بومبيو التطورات في منطقة شرق البحر المتوسط.
وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان، إن جاويش أوغلو وبومبيو بحثا في اتصال هاتفي، أمس، قضايا شرق المتوسط وقبرص. وكان بومبيو زار قبرص، السبت، وأعرب عقب اجتماعه مع الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، عن قلق واشنطن البالغ إزاء تصرفات تركيا في شرق المتوسط، ودعا جميع الأطراف إلى دعم الحل الدبلوماسي. كما أعلن أنه سيتم إنشاء مركز جديد للأمن البري والبحري والموانئ، في جنوب قبرص كجزء من الجهود المبذولة لتعزيز التعاون الأمني في المنطقة بموجب مذكرة تفاهم وقعها في قبرص.
وقالت وزارة الخارجية التركية، في بيان، إن مذكرة التفاهم التي وقعت بين الولايات المتحدة وقبرص، الخاصة بإنشاء مركز للأمن البري والبحري والموانئ، تعد في حكم العدم بالنسبة لقبرص الشمالية. كما أنها لن تخدم السلام والاستقرار في شرق البحر المتوسط، وستضر بحل قضية قبرص. وبحسب مذكرة التفاهم، ستوفر الولايات المتحدة تدريبات للدعم الفني لليونانيين بشأن أمن الحدود والموانئ والجمارك، كما ستنشئ منصات أمنية في المنطقة وتوفر دعم المعدات والأمن السيبراني. كانت الولايات المتحدة رفعت مؤخراً حظر الأسلحة المفروض على الإدارة القبرصية اليونانية منذ عقود، وأدرجت الجانب القبرصي - اليوناني في برنامج التدريب العسكري.
وقال رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، أمس، إن أثينا مستعدة للدخول في محادثات استكشافية مع أنقرة {على الفور} بشأن المناطق البحرية إذا أنهت تركيا الاستفزازات في المنطقة.
وفي غضون ذلك، أطلقت تركيا إخطار«نافتكس» جديداً في بحر إيجة، بدعوى انتهاك اليونان معاهدة لوزان وتسليحها عدداً من جزر المنطقة منزوعة السلاح مثل جزيرتي خيوس وميس.
ومن جانبه، قال الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل، إن علاقة الاتحاد الأوروبي بتركيا تمر بنقطة تحول فاصلة، وطالب أنقرة بالتراجع عن تصعيد الصراع في شرق البحر المتوسط، وكذلك دعم حقوق الإنسان الأساسية في البلاد.
وقال بوريل، أمام البرلمان الأوروبي، أمس، إن العلاقات بين أنقرة والاتحاد الأوروبي تمر بلحظة تاريخية فاصلة، وستنتقل إلى جانب أو آخر اعتماداً على ما سيحدث في الأيام المقبلة.
ومن المقرر أن يجتمع قادة الاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل، لمناقشة التعديات التركية على حقول الطاقة في منطقة شرق المتوسط وانتهاكها سيادة دول المنطقة على مياهها الإقليمية.
وسبق أن حذر بوريل من خطر نشوب حرب في شرق المتوسط بسبب التوترات المتزايدة في المنطقة الناتجة عن إجراء عمليات تنقيب عن الطاقة. وقال إن هناك توتراً متزايداً في شرق المتوسط بين اليونان وتركيا وقبرص، وهناك خطر نشوب صراع قد يتجاوز الكلمات.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟