صدام العونيين و«القوات» يوقظ أشباح «حرب الإلغاء»

TT

صدام العونيين و«القوات» يوقظ أشباح «حرب الإلغاء»

أحيت الإشكالات التي شهدتها منطقة سنّ الفيل، ليل الاثنين - الثلاثاء، بين مناصري التيار الوطني الحرّ، بقيادة الوزير السابق جبران باسيل من جهة، ومناصري «القوات اللبنانية»، بقيادة سمير جعجع من جهة ثانية، هواجس المسيحيين من توتير الشارع، في ظلّ معلومات تحذّر من تجدد المواجهات بين الطرفين في مناطق لبنانية متعددة.
وشهدت منطقة سنّ الفيل، الواقعة شرق العاصمة بيروت، إشكالات تخللها إطلاق نار في الهواء خلال مسيرات سيّارة، نظّمها مناصرو «القوات اللبنانية» في الذكرى 38 لاغتيال رئيس الجمهورية المنتخب بشير الجميل، ولدى مرور المسيرة بالقرب من مقرّ قيادة «التيار الحرّ» في مبنى «ميرنا الشالوحي» حصل احتكاك، وتبادل شتائم ورشق بالحجارة، سرعان ما تطوّر إلى إطلاق نار في الهواء من قبل حراس مركز التيار، قبل أن يتدخل الجيش اللبناني ويفصل بينهما.
وفي هذا الإطار، اعتبر القيادي في حزب «القوات اللبنانية» النائب السابق أنطوان زهرا، أن البلد لا يحمل الدخول في مواجهة جديدة ولا المجتمع المسيحي يتقبّل هكذا مغامرة. واعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الاحتكاكات المتصاعدة بين الطرفين، سببها أن جبران باسيل (رئيس التيار الوطني الحرّ) بات مأزوماً سياسياً، ويحاول الخروج من تحالفه مع (حزب الله) والتنصّل من العقوبات الأميركية، لذلك هو مضطر لفتح جبهات في كلّ الاتجاهات، ويعمل على إحياء أدبيات حرب الإلغاء (التي جرت بين القوات والجيش اللبناني في التسعينات)». ورأى أنه «مهما كانت حدّة الاحتقان بيننا (القوات اللبنانية) وبين التيار الوطني الحرّ، لا يبرر لهم حمل السلاح وإطلاق النار». وأضاف: «نحن لن نسمح بصدامات تقود الأمور إلى ما لا تحمد عقباه، لكننا لسنا ملائكة لنستطيع لجم أي تحرّك بكبسة زر».
ومع نجاح الجيش اللبناني في لجم الاستنفار على الأرض، بقيت الجبهات مفتوحة بين الفريقين المسيحيين الأقوى، عبر منصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تزيد من حدّة التوتر، وقد اتهم مصدر في «التيار الوطني الحرّ» «القوات اللبنانية» بدفع الأمور نحو التصعيد، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «في الوقت التي يبذل فيه رئيس الجمهورية (ميشال عون) أقصى جهوده لتشكيل حكومة جديدة وإنقاذ البلاد من الأزمات ولملمة آثار انفجار مرفأ بيروت، يصرّ الفريق الآخر على الاستفزازات، وشتم رئيس الجمهورية ورئيس التيّار، وأخذ البلد إلى مزيد من التوتر والاحتقان». وسأل «هل كانت (القوات اللبنانية) ستقبل بتنظيم مسيرات باتجاه معراب، تطلق شتائم ضدّ جعجع؟ ولو حصل ذلك ما هي ردّة فعلها؟». وشدد على أن التيار «لا يزال ملتزماً مفاهيم المصالحة التي أبرمت في اتفاق معراب، ولن يسمح بتخريبها وتحميل المسيحيين مجدداً تبعات أي تفجّر أمني، لا سمح الله».
وتختلف مقاربة الخصمين اللدودين حيال شرح معاني تفاهم معراب وأبعاده، ويذكر النائب السابق أنطوان زهرا بأن «القوات اللبنانية تفتخر بأنها ساهمت بمحاولة تاريخية لإيصال الجنرال عون إلى رئاسة الجمهورية، وكان الرهان حينها أن يحقق عون حلم اللبنانيين بالاستقرار، ويعمل على لبننة (حزب الله) كما وعدنا، لكنه انتقل سريعاً إلى تحقيق حلم صهره جبران باسيل بالوصول إلى رئاسة الجمهورية، وسلّم السيادة الوطنية إلى (حزب الله) وألحق لبنان بالمشروع الإيراني». وسأل: «هل يعقل أن ينقلب رئيس الجمهورية على الدستور في عميلة تشكيل الحكومة، ويطلب من الرئيس المكلّف مصطفى أديب أن يتفاوض مع باسيل، ثم يُجري (عون) مع الكتل النيابية مشاورات تأليف الحكومة في القصر الجمهوري؟».
وحذّر زهرا من «وجود ألوية عسكرية تطلق النار على المتظاهرين السلميين، لا تأتمر بأوامر قيادة الجيش، وتحتمي بالقصر الجمهوري». وإذ استبعد حصول اضطرابات مسلّحة في الشارع المسيحي، دعا إلى «موقف مسيحي جامع وواضح يطالب بتنحي ميشال عون عن رئاسة الجمهورية».
ويحاول «التيار الوطني الحرّ» التقليل من أبعاد إطلاق النار في الهواء من مقرّه، لتفريق مسيرات تابعة لـ«القوات اللبنانية».
وأشار المصدر في «التيار» إلى أنه «منذ اللحظة الأولى لحصول الإشكال، نزل نواب التيار على الأرض لاحتواء الوضع». وقال إن «ضبط الشارع يبقى مسؤولية الطرفين وليس طرف واحد». ولفت إلى أن القواتيّين «الذين زعموا إحياء ذكرى استشهاد الرئيس بشير الجميل، نسوا أن غالبية مؤيدي التيار تخرّجوا من مدرسة بشير ويؤمنون بنهجه ومشروعه».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».