قضية فيلم شركة سوني يشعل جدلا حول قواعد الاشتباك في الحرب الرقمية

الهجوم يعد الأشرس على هدف داخل أميركا.. وأوباما أشار للصين للتأكيد على «الرؤية عبر الضباب»

قضية فيلم شركة سوني يشعل جدلا حول قواعد الاشتباك في الحرب الرقمية
TT

قضية فيلم شركة سوني يشعل جدلا حول قواعد الاشتباك في الحرب الرقمية

قضية فيلم شركة سوني يشعل جدلا حول قواعد الاشتباك في الحرب الرقمية

على مدار سنوات حتى الآن، حذرت إدارة أوباما من مخاطر تعرض البلاد لهجوم عبر الفضاء الإلكتروني بمستوى ما حدث في «بيرل هاربر»، مما يعني التعرض لهجوم كارثي يوقف محطات الطاقة الأميركية وشبكات الهواتف النقالة ويفتح الباب على مصراعيه أمام حرب رقمية كاملة.
وتعود التكهنات المرتبطة بمثل هذا النمط من الهجمات إلى 20 عاما ماضية على الأقل. ومن يدري، قد يأتي اليوم الذي يقع فيه مثل هذا الهجوم بالفعل. بيد أنه على مدار الأسبوع الماضي، تركزت الأنظار على سيناريو آخر أكثر احتمالا، في البداية داخل جنبات شركة «سوني»، ثم انتقل الاهتمام لجلسات مناقشة الاستراتيجيات داخل البيت الأبيض. ويدور هذا السيناريو حول التعرض لحرب خفية تدور حول صراع رقمي مستمر على مستوى منخفض يقع في منزلة وسطى بين ما أسماه الرئيس باراك أوباما «التخريب الإلكتروني» وما قد يعتبره آخرون إرهابا رقميا.
في خضم هذا العالم الضبابي، يجري تخطيط الهجمات بحرص بحيث لا ترقى لمستوى الحرب. وعادة ما يكون من العسير التأكد من هوية المهاجمين، علاوة على تعذر الكشف علانية عن الأدلة المتاحة. كما أن الهجوم المضاد - حال الإقدام على شنه - عادة ما يكون على ذات الدرجة من الصعوبة من حيث تمييزه وغالبا ما يعجز عن توفير شعور بالرضا أو الارتياح. وتحمل أضرار هجمات الفضاء الإلكتروني في معظمها تداعيات اقتصادية ونفسية، في الوقت الذي يصعب ردعها. ونظرا لعدم وجود اتفاقات أو قواعد دولية بخصوص كيفية استغلال الأسلحة الرقمية - بل ولا تعترف الحكومة الأميركية ذاتها باستخدامها مثل هذه الأسلحة ذات يوم - ليست هناك قواعد تحكم كيفية خوض مثل هذا النمط من الصراعات.
في هذا الصدد، اعترف جيمس لويس، الخبير بشؤون الفضاء الإلكتروني لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، الأسبوع الماضي بأنه: «حتى الآن، اتسمت جهودنا بالارتجال فيما يتعلق بتمييز ما هو مجرد مضايقات وما يشكل هجوما. وإذا كان هناك درس نستقيه من ذلك، فهو أننا أهدرنا وقتا طويلا من دون عقد نقاش وطني حول كيفية الاستجابة للهجمات عبر الفضاء الإلكتروني - وكيفية استغلال ترسانة الأسلحة الرقمية الأميركية المتنامية، رغم عدم الاعتراف بها علانية حتى الآن». كانت جميع هذه القضايا حاضرة في خلفية الجهود التي بذلتها كوريا الشمالية لتهديد شركة «سوني بكتشرز» والانتقام الذي شنته الولايات المتحدة ضد واحدة من ألد أعدائها منذ حقبة الحرب الباردة. وعلق مسؤول بارز بمجال الدفاع منذ أيام قلائل على القضية بقوله: «لو أن أحدا أخبرني أن الأمر سيتطلب فيلما كي تتحرك حكومتنا بالفعل نحو مواجهة مثل هذه القضايا، لكنت اتهمته بالجنون» في إشارة لفيلم «ذي إنترفيو» الذي أنتجته «سوني بكتشرز». واستطرد قائلا: «في الواقع، الأمر كله جنوني».
ومع الإعلان الصادر الثلاثاء حول أن فيلم «ذي إنترفيو»، الذي تدور قصته حول جهود وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) للاستعانة بصحافيين لاغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم يونغ أون، سيجري عرضه داخل عدد محدود من دور العرض، من المحتمل للغاية أن تكون هذه المواجهة مع كوريا الشمالية، إحدى الدول التسع التي تملك سلاحا نوويا على مستوى العالم وأقل هذه الدول من حيث إمكانية التكهن بتصرفاتها، لم تنته بعد.
ومثلما الحال مع غالبية الهجمات عبر الفضاء الإلكتروني، بدأ هذا الأمر بتساؤل بسيط: من فعل ذلك؟ المؤكد أن هذا الهجوم ليس هجوما عاديا مثل سرقة بيانات بطاقات ائتمانية، مثلما حدث في «تارغيت» و«ذي هوم ديبوت». وما يجعل الهجوم ضد «سوني» مختلفا طبيعته التدميرية، حيث أشارت بعض التقديرات إلى أنه محا قرابة ثلثي محتويات الحواسب الآلية والحواسب الخادمة الخاصة بالشركة - وهو أحد أكثر هجمات الفضاء الإلكتروني على الأراضي الأميركية فتكا. واستغرق الأمر 3 أسابيع حتى اتخذ أوباما خطوة استثنائية نادرة الحدوث بتحديده علانية المسؤول عن الهجوم باعتباره كوريا الشمالية وقيادتها. وحتى الآن، يرفض مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) الكشف عن كثير من الأدلة، ربما لأن ذلك سيكشف مدى اختراق الولايات المتحدة لشبكات كوريا الشمالية والأنظمة الصينية التي تعمل عبرها. وأوضح أحد مسؤولي الإدارة أن قرار الرئيس بذكر الصين خلال مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي ردًا على الهجمات التي تعرضت لها «سوني»، يعد «في حد ذاته جزءًا من الجهود الرامية لخلق بعض الردع عبر توضيح أن بمقدورنا الرؤية عبر الضباب».
إلا أنه نظرا لأن الحكومة لن تعلن عن الأدلة التي بحوزتها، ستبقى هناك بعض الأصوات المشككة. في هذا الصدد، كتب بروس شنير، أحد الخبراء البارزين بمجال الفضاء الإلكتروني، في مقاله له بمجلة «ذي أتلانتيك»، يقول: «لقد حاولت وكالة الأمن الوطني التنصت على الاتصالات الحكومية بكوريا الشمالية منذ الحرب الكورية، ومن المنطقي افتراض أن محلليها متعمقون في هذه الجهود. وقد تملك الوكالة معلومات استخباراتية بخصوص عملية التخطيط للهجوم، وقد تنصتت على مكالمات هاتفي تتناول هذا المخطط، أو تقارير أسبوعية أو حتى موافقة كيم يونغ أون على الخطة».
واستطرد قائلا: «على الجانب الآخر، ربما لم يحدث ذلك. في الواقع كان بمقدوري كتابة السطور ذاتها بخصوص برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي».
بيد أن إعلان واشنطن أن كوريا الشمالية مصدر الهجوم جاء متزامنا مع تحذير أوباما من توجيه رد فعل متناسب». وبالفعل، في غضون أيام أصيبت وصلات الإنترنت داخل كوريا الشمالية بالشلل التام - وبعد عودتها للعمل لفترة قصيرة، عاودت الانهيار الثلاثاء.
والتساؤلات التي تطرح نفسها هنا: هل الأميركيون هم دبروا هذا الهجوم؟ أم أن الصينيين هم من فعلوا ذلك؟ أم اختار الكوريون الشماليون إقصاء أنفسهم عن الشبكة لحماية أنفسهم؟ لا أحد في واشنطن يجيب عن هذه التساؤلات. إلا أنه يبقى من المحتمل أن الإدارة الأميركية في إطار سعيها لردع أي هجمات مستقبلية، تخلت عن العمل السري، مفضلة بدلا من ذلك تذكير كيم بأنها تدرب 6 آلاف مقاتل «عبر الفضاء الإلكتروني» بين وحداتها العسكرية وأن لديهم عنوان بروتوكول الإنترنت الخاص بكوريا الشمالية.
ومع ذلك، فإنه إذا افترضنا أن كوريا الشمالية تعرضت بالفعل لهجوم أميركي مضاد، فإنه في الغالب سيكون هجوما رمزيا في الجزء الأكبر منه ويرمي لتذكير كيم بأن عائلته سبق وأن اتخذت قرارات بناء على حسابات خاطئة من قبل.
في صيف 1950، وبناء على مجازفة ترى أن الولايات اهتمامها مشتت لدرجة لن تجعلها تسعى للرد، أقدم كيم إل سونغ، مؤسس البلاد، على غزو الجنوب. واتضح أنه كان مخطئًا في حساباته، وتسببت الحرب التي أعقبت ذلك لمدة 3 سنوات عن تدمير بلاده. ومع ذلك، فقد تركته هو وأسرته في سدة الحكم.
على امتداد العامين الماضيين، أبدى حفيده - الذي عمد لاتخاذ هيئة مشابهة للغاية بهيئة «الزعيم العظيم» المتوفى منذ 20 عاما - ترحيبا خاصا بالأسلحة الرقمية تحديدا باعتبارها قادرة على شن هجمات أكثر غموضا بكثير عن إرسال قوات عبر الحدود. في الواقع، إن الأسلحة الرقمية خيار مثالي للدول الفاشلة. وعلى خلاف الحال مع الترسانة النووية الصغيرة التي تملكها كوريا الشمالية وتضم من 6 إلى 12 سلاحا، فإن الأسلحة الرقمية يمكن استخدامها من دون المخاطرة بمحو البلاد بأكملها من الخريطة. وعلى خلاف أسطول كوريا الشمالية من الصواريخ، فإن الأسلحة الرقمية تتميز بدقة عالية، والدليل على ذلك «سوني» التي لا تزال تدرس ما إذا كان المهاجمون قد توافرت لديهم معلومات من الداخل أم أنه حالفهم الحظ فحسب.
إلا أن هذا الحادث يترك أوباما أمام لغز. ما حجم القوة التي ينبغي لواشنطن نشرها للحيلولة دون تحول مخرب رقمي إلى إرهابي عبر الفضاء الإلكتروني؟
على امتداد الأسبوع الماضي، مال الرئيس لعدم الرد عن مثل هذه التساؤلات، بيد أن الطبيعة التدميرية للهجوم والجهود الرامية لإسكات الانتقادات الأميركية للنظام الكوري الشمالي الوحشي والتهديد بشن هجمات ضد دور العرض الأميركية - كل هذا جعل الوضع مختلفا.
واللغز الذي يبحث عن إجابة الآن ما إذا كان كيم سيتراجع أم أنه مثل جده سيمضي قدما، بناء على الاعتقاد بأن كوريا الشمالية التي يتعذر التكهن بتصرفاتها نجحت في إبقاء أعدائها بعيدا عنها على مدار 6 عقود وأن هذا السلاح الجديد قد يعزز هذه السياسة.
*خدمة «نيويورك تايمز»



بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
TT

بلينكن يبدأ جولة في 3 دول لاتينية يحكمها رؤساء يساريون

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (أ.ب)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، الاثنين، إلى كولومبيا في مستهل جولة تشمل أيضاً تشيلي والبيرو، في محاولة لترسيخ شراكات الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية التي تعد فناءها الخلفي الجيوسياسي، في مواجهة الطموحات الصينية المتزايدة في منطقة شهدت انتخاب عدد من الرؤساء اليساريين أخيراً.
وخلال جولته التي تستمر أسبوعاً في الدول الثلاث، سيحضر كبير الدبلوماسيين الأميركيين أيضاً قمة وزارية. ويقر المسؤولون في واشنطن بأن هناك ضرورة لإظهار اهتمام الولايات المتحدة بجيرانها الجنوبيين، «باعتبارهم أولوية سياسية رغم التركيز على قضايا جيوسياسية كبرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، وتهديد الصين لتايوان». وتأمل إدارة الرئيس جو بايدن في أن يحافظ الزعماء اليساريون الجدد في أميركا اللاتينية «على نهج صديق للمشروعات الحرة وتعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة، وألا يجنحوا إلى الشغب الآيديولوجي في حكمهم».
وأفاد مساعد وزير الخارجية الأميركي براين نيكولز، في إحاطة للصحافيين، بأن بلينكن يزور ثلاث دول «كانت منذ فترة طويلة شريكة تجارية حيوية للولايات المتحدة، ولديها اتفاقات تجارة حرة مع الولايات المتحدة (…). نحن نركز على تعزيز علاقاتنا مع تلك الحكومات». وأعلنت وزارة الخارجية الأميركية، في بيان، أن بلينكن سيلتقي في بوغوتا الرئيس اليساري غوستافو بيترو، وهو متمرد سابق، ووزير الخارجية ألفارو ليفا لمناقشة الأولويات المشتركة بين البلدين، بما في ذلك «الدعوة إلى ديمقراطيات قوية في كل أنحاء المنطقة، ودعم السلام والمصالحة المستدامين، والتصدي للهجرة غير النظامية كأولوية إقليمية، ومكافحة الاتجار بالمخدرات، وتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، ومعالجة أزمة المناخ».
وأضافت أن بلينكن سيجدد دعم الولايات المتحدة لاتفاق السلام الكولومبي لعام 2016 خلال مناسبة مع نائبة الرئيس فرانسيا ماركيز، على أن يزور مركزاً لدمج المهاجرين في سياق دعم سياسة الوضع المحمي المؤقت في كولومبيا للمهاجرين الفنزويليين، الذي يعد نموذجاً في المنطقة. وكان بيترو، سخر خلال حملته، من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة على المخدرات، معتبراً أنها «فاشلة»، علماً بأن هذه الدولة في أميركا الجنوبية هي أكبر منتج للكوكايين في العالم، ولطالما واجهت ضغوطاً من واشنطن للقضاء على محاصيل المخدرات. كما تحرك بيترو لإعادة التعامل دبلوماسياً واقتصادياً مع حكومة الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، رغم جهود الولايات المتحدة لعزل الدولة العضو في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك).
واستخدم مسؤولو إدارة بايدن نبرة تصالحية في الغالب حيال بيترو، مركزين على مجالات الاتفاق في شأن قضايا مثل تغير المناخ واستشهدوا بمناشداته لمادورو للعودة إلى المحادثات مع المعارضة الفنزويلية. وفيما يتعلق بدعوات بيترو لإنهاء الحرب على المخدرات، قال نيكولز إن واشنطن تدعم بقوة «النهج القائم على الصحة والعلم» لمكافحة المخدرات، مضيفاً أن هذا «ينعكس في سياستنا لدعم التنمية الريفية والأمن الريفي في كولومبيا. ونعتقد أن الرئيس بيترو يشارك بقوة في هذا الهدف». لكنّ مسؤولاً أميركياً أكد أن واشنطن تراقب عن كثب، ما إذا كان تواصل كولومبيا مع السلطات في فنزويلا المجاورة يخالف العقوبات الأميركية على حكومة مادورو.
وتأتي جولة بلينكن أيضاً، بعد عملية تبادل أسرى بين الولايات المتحدة وفنزويلا، ما يعكس تحسناً حذراً للعلاقات بين الدولتين، رغم عدم اعتراف واشنطن بإعادة انتخاب مادورو رئيساً لفنزويلا عام 2018... وقال نيكولز: «نحن لا نحكم على الدول على أساس موقعها في الطيف السياسي، بل على أساس التزامها بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان».
ويحمل كبير الدبلوماسيين الأميركيين في رحلته هذه، جدول أعمال مثقلاً لمنظمة الدول الأميركية. ويتوجه الأربعاء إلى سانتياغو، حيث سيعقد اجتماعاً مع رئيس تشيلي اليساري غابرييل بوريتش البالغ 36 عاماً من العمر، الذي تولّى منصبه في مارس (آذار) الماضي. وأخيراً، يتوجه إلى ليما الخميس والجمعة، للقاء الرئيس الاشتراكي بيدرو كاستيو الذي ينتمي لليسار الراديكالي والمستهدف بتحقيقات عدة بشبهات فساد واستغلال السلطة منذ وصوله إلى الرئاسة قبل أكثر من عام. وسيشارك في الجمعية العامة السنوية لمنظمة الدول الأميركية. وسيدرس المجتمعون قراراً يطالب بإنهاء «العدوان الروسي على أوكرانيا»، رغم أن بعض الدول الأميركية اللاتينية عبرت عن تحفظها، بالإضافة إلى قرارات بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا والوضع الاقتصادي والسياسي المتردّي في هايتي.