في وقت تتجه فيه السعودية لتعظيم تنافسيتها العالية في أسواق البتروكيماويات، أكد لـ«الشرق الأوسط» مختصون أن قرار تبعية القطاع لوزارة الصناعة والثروة المعدنية، سيعزز من نمو القطاع ويكرر تجربة السبعينات الناجحة في السعودية، داعين في الوقت ذاته لتشجيع مزيد من الاستثمار وتطوير الابتكار وتعميق البحوث وزيادة براءات الاختراع في هذا القطاع في مرجعيته الجديدة.
وكان خادم الحرمين الشريفين أصدر أخيرا أمرا بأن تتولى وزارة الصناعة والثروة المعدنية الإشراف على قطاع البتروكيماويات، وتتخذ ما يلزم في شأنه، وبخاصة ما يتصل بالإشراف على البرامج الداعمة للصناعة في هذا القطاع، وإصدار التراخيص وتقديم الخدمات ذات الصلة به، والتحقق من معايير المحتوى المحلي والقيمة المضافة في مجال الصناعات البتروكيماوية.
وشمل الأمر الملكي السماح لشركتي «أرامكو» و«سابك» العملاقتين بالمخاطبة واستقبال المخاطبات مباشرة من الجهات الحكومية، مع عدم الإخلال بما قضت به المادة الـ24 من نظام المواد الهيدروكربونية، على أن تقوم هيئة الخبراء بمجلس الوزراء بمراجعة الأنظمة والتنظيمات والأوامر والقرارات وغيرها التي تأثرت بالبندين السابقين واقتراح التعديلات اللازمة في شأنها.
وكانت السعودية أعلنت في أغسطس (آب) من العام الماضي 2019 عن إنشاء وزارة «الصناعة والثروة المعدنية» بعد فصلها عن وزارة الطاقة، حيث تضمن الأمر وضع الترتيبات اللازمة لنقل وتحديد الاختصاصات والأجهزة والموظفين والوظائف والممتلكات والبنود والاعتمادات وغيرها، ومراجعة الأنظمة والتنظيمات والأوامر والمراسيم الملكية والقرارات التي تأثرت، واقتراح تعديلها، تمهيداً لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة.
وأشار المختصون إلى أن السماح لشركة «أرامكو» و«سابك» لمخاطبة واستقبال المخاطبات المباشرة من الجهات الحكومية بحكم أنها تمارس أعمالها بصفة تجارية وباستقلالية، سيعزز عنصر الشفافية والإفصاح. إلى تفاصيل أكثر في التقرير التالي:
تعظيم الإنتاج
يقول الدكتور عبد الرحمن الزامل رئيس مجلس الغرف السعودية السابق وأحد أبرز المستثمرين في قطاع البتروكيماويات السعودي إن القرار يعكس مدى اهتمام ومتابعة القيادة، بفسح مجال واسع لتخصص كل مجال وخاصة قطاع البتروكيماويات، مشيرا إلى أن تبعيته لمرجعية وزارة الصناعة والثروة المعدنية هو «عودة الابن إلى حضن أبيه»، على حد تعبيره.
وأضاف «سيثمر القرار عن قوة دفع كبيرة للقطاع لتحفيز المصدرين بالتوجه نحو الصناعات بشكل يستوعب الحاجة ويسرع التطوير ويعظم الإنتاج»، لافتا إلى أن القرار سيؤدي إلى شكل من التكامل بين المنتجين الأساسين والمنتجين الثانويين.
وأضاف الزامل أن آثاره المستقبلية ستكون كبيرة الأمر الذي يخلق التخصصية لكل استثمار بشكل أفضل وأكثر تركيزا وتفعيلا، مبينا أن القرار سيسهم في إتاحة الفرصة أمام وزارة الصناعة لتعظيم دورها مقابل توفير الفرصة نفسها لوزارة الطاقة للتفرغ إلى مهام أساسية من صميم عملها في كل ما يتعلق بإنتاج وتصدير وتصنيع الطاقة، وهو ما يعزز موقع المملكة من قيادة القطاع في العالم.
وأشار الزامل إلى أن فصل الصناعة عن الطاقة في وزارتين منفصلتين أعطى كل قطاع في تخصصه ميزة انعكست إيجابا على المستثمرين وتذليل مشكلاتهم التي كانت تواجههم في السابق الكل في مجال تخصصه.
تكرار الطفرة
من ناحيته، أكد الأكاديمي والمحلل الاقتصادي الدكتور محمد القحطاني، أستاذ الإدارة الدولية، أن القرار يأتي ضمن إصلاح الشامل وإعادة هيكلة في ظل المتغيرات والظروف الجديدة التي أفرزتها جائحة «كورونا».
وأضاف «تشير التقديرات إلى أن يبلغ الطلب بحلول عام 2030 أن يصل إلى أكثر من 450 مليون طن لتلبية الحاجة العالمية لمنتجات البتروكيماويات التي تدخل في العديد من الصناعات لدى الاقتصادات المتقدمة».
وشدد القحطاني على ضرورة أن تعمل وزارة الصناعة والثروة المعدنية على المستوى الداخلي بشحذ الهمم من أصحاب الاستثمار المحليين للدخول في مثل هذه الصناعات مع أهمية طرح أهم المشروعات والشركات التي سيكون عليها طلب كبير مستقبلا وتلامس تطلعات عملاق النفط العالمي «أرامكو»، مع دراسة السوق العالمية، مشيرا إلى أن الجبيل وينبع لبتا تطلعات المستثمرين في مثل هذه المجالات في ظل وجود دول أخرى لديها تكنولوجيا متقدمة في صناعة البتروكيماويات يمكن نقلها لخلق المزيد من الوظائف.
وقال القحطاني في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «لعل الحكومة ستكرر طفرة السبعينات في بناء عملاق مثل (سابك) وإنشاء شركة (معادن)، وأتوقع الآن أن الحكومة متجهة للدخول في مشروعات تنموية عملاقة تعود بالنفع على الاقتصاد السعودي في المديين المتوسط والبعيد».
ووفق القحطاني، فإنه من ضمن البرامج المطلوبة الوقت الراهن هو أن تشجع الوزارة البحوث ومراكز البحوث في الجامعات السعودية، حيث توجد هناك عقول وبراءات اختراعات رائعة تحتضنها الجامعات السعودية، وتحتاج من يعلق الجرس لاكتشاف إبداعاتهم ومبتكراتهم الجديدة في عالم البتروكيماويات.
وفيما يتعلق بالسماح لشركة «أرامكو» و«سابك» لمخاطبة واستقبال المخاطبات المباشرة من الجهات الحكومية بحكم أنها تمارس أعمالها بصفة تجارية وباستقلالية، أوضح القحطاني أن هذا دليل قاطع على تعزيز عنصر الشفافية التي تسعى إليها الحكومة السعودية، وليس هناك ما يدعي العمل تحت الطاولة، وهذا يعني برأيه أن شركة «أرامكو» في حلّ من أمرها متى ما وجدت فرصة مواتية تخدم توجهاتها وتطلعاتها، ومحاربة البيروقراطية لانطلاق الإنجازات بشكل صحيح وسريع وفعال يرقى بمنتجات أرامكو، في ظل عالم ديناميكي متغير.
حاجة السوق
وفي الإطار ذاته، أكد الدكتور صالح الحميدان، رجل الأعمال لـ«الشرق الأوسط» أن ضم قطاع البتروكيماويات لوزارة الصناعة والثروة المعدنية بقرار كان متوقعا بحكم المعطيات لأنها الجهة الأنسب للإشراف عليها، مؤكدا أن القرار جاء في وقت مهم، حيث سيمنح انطلاقة جديدة باعتباره أحد روافد الصناعة الحيوية، خاصة أن هناك بعض الشركات التي تعمل في المجال، ولكنها لم تكن تتبع لشركتي «أرامكو» و«سابك»، في وقت كانت تنافسهما.
وأضاف الحميدان أن القرار يأتي في وقت يمثل فيه قطاع البتروكيماويات رافدا اقتصاديا مهما في ظل توافر ميزات تنافسية كبيرة في المملكة على مستوى العالم، حيث تشجع الحوافز لإطلاق السوق وفسح المجال لشركات بتروكيماوية كبيرة أخرى ما يعزز التنافسية وتعزيز القيمة المضافة للنفط متوقعا انطلاقا كبيرة للقطاع مستقبلا.