مصادر دبلوماسية: الفاتيكان «مستاء» من السياسيين المسيحيين اللبنانيين ويحملهم مسؤولية الفراغ الرئاسي

قالت إنه وعد المبعوث الفرنسي بتذليل عقدة العماد عون إذا نجح في إقناع إيران

مصادر دبلوماسية: الفاتيكان «مستاء» من السياسيين المسيحيين اللبنانيين ويحملهم مسؤولية الفراغ الرئاسي
TT

مصادر دبلوماسية: الفاتيكان «مستاء» من السياسيين المسيحيين اللبنانيين ويحملهم مسؤولية الفراغ الرئاسي

مصادر دبلوماسية: الفاتيكان «مستاء» من السياسيين المسيحيين اللبنانيين ويحملهم مسؤولية الفراغ الرئاسي

دخلت الدبلوماسية الفرنسية في مرحلة «استرخاء» مع اقتراب عيدي الميلاد ورأس السنة ولن تعاود نشاطها السابق إلا بعد 10 أيام على الأقل. ومعها تدخل الجهود الفرنسية لحلحلة أزمة الانتخابات الرئاسية في لبنان إلى البراد بانتظار استئناف مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية جان فرنسوا جيرو لجولاته. وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع أن جيرو سيزور الرياض في الخامس من الشهر القادم. ويفترض أن يتبع ذلك توجهه إلى طهران وبعدها إلى الفاتيكان.
وتتركز جهود جيرو التي تحظى بدعم أوروبي وأميركي على بلدين أساسيين هما المملكة العربية السعودية وإيران لما يعتبره من قدرتهما في التأثير على الوضع اللبناني ودفع المعسكرين اللبنانيين المتواجهين إلى التوافق على رئيس ينهي حالة الفراغ على رأس الجمهورية. وترى باريس، وفق مصادر دبلوماسية متطابقة، أن هناك «فرصة» اليوم للخروج من الطريق الرئاسي المسدود وأن طهران تظهر «بعض الليونة» في ملفين أساسيين هما الملف الرئاسي اللبناني وملف الأزمة السورية، حيث أعلنت أنها «تؤيد» الجهود الروسية الساعية لإطلاق حوار سوري سوري على مرحلتين: الأولى بين صفوف المعارضة المنقسمة بين الداخل والخارج ولاحقا بين المعارضة والنظام.
ترى المصادر الفرنسية أن الوصول إلى مخرج «لن يكون سهلا بالنظر إلى الحاجة إلى تفكيك العقد المحلية والإقليمية وبالتالي إخراج لبنان من سلة الأزمات» التي تضرب في المنطقة إن في سوريا أو العراق وامتداداتهما الإقليمية فضلا عن موضوع الإرهاب المستفحل تحت مسميات كثيرة منها تنظيم «داعش» ومنظمة النصرة ومتفرعاتها.
وتعمل باريس التي تبدو الأكثر نشاطا في الملف اللبناني إن كان على صعيد تسليح الجيش أو الجهود السياسية والدبلوماسية متسلحة بما تعتبره ورقتين أساسيتين في حوزتها وهما: الخطوط المفتوحة مع كل أطراف الداخل والخارج «باستثناء النظام السوري» وكونها لا تقدم مرشحا ولا تضع «فيتو» على أحد. بيد أن ما فهم من وساطة جيرو أنه ينطلق من مبدأ أن انتخاب الجنرال ميشال عون أو الدكتور سمير جعجع «غير متوافر» بالنظر لتوازن القوى الداخلية والمواقف الإقليمية الخارجية. وبأي حال، وبالتالي ليس الوضع اللبناني ولا الإقليمي «مهيأ» اليوم لإيصال مرشح محسوب على «فئة» في الداخل أو «جهة» في الخارج. والخلاصة الفرنسية هي أنه يتعين البحث عن مرشح «توافقي». لذا، فإن مهمة جيرو الذي يعرف المنطقة وقادتها جيدا هي كيفية «إيجاد التوليفية» التي يمكن «تمريرها» من أجل إرضاء الأطراف المتناحرة. وتنظر باريس إلى الحوار المرتقب بين حزب الله وتيار المستقبل على أنه «علامة» على الحالة الجديدة و«النافذة» التي انفتحت والتي يتعين اقتناص فرصتها.
وتعول باريس على دور للفاتيكان في إقناع الأطراف المسيحية بتسهيل مهمة المبعوث الفرنسي بالنظر للعلاقة الخاصة التي تربطه بهم وبالموارنة على وجه الخصوص. وعلم أن جيرو أبلغ أطرافا لبنانية أن الفاتيكان «وعد بإيجاد مخرج لعقدة العماد عون إذا نجح «جيرو» في دفع إيران إلى القبول بمرشح إجماع» ما يعني عمليا تخلي حزب الله عن دعم ترشيح رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق.
بيد أن مصادر دبلوماسية عربية نقلت عن الفاتيكان «عتبه الشديد» على الطبقة السياسية المسيحية في لبنان التي يحملها مسؤولية الفراغ الرئاسي ويتهمها ليس فقط بالتفريط بهذا الموقع المميز للمسيحيين في لبنان ولكن بالتفريط بموقع المسيحيين في المشرق الذين تناقصت أعدادهم بشكل خطير في السنوات الأخيرة. وبحسب ما نقلته هذه المصادر فإن الفاتيكان «يفكر» في مبادرة ما لم تعط بشأنها تفاصيل وافية. والمرجح أن تكون ما أشار إليه جيرو إلى محاوريه من اللبنانيين حول دور محتمل للفاتيكان. وفي أي حال، فإن مصير الجهود التي تبذلها باريس مرتبط إلى حد بعيد بما يحصل في الجوار اللبناني المباشر وبما يمكن أن تتمخض عنه ما ينظر إليه على أنه «بدايات انفتاح إيراني» على الوضعين اللبناني والسوري. فهل تريد طهران حقيقة إيصال رسائل للغرب عن «إيجابية» دورها في هذين الوضعين أم أنها مناورة إضافية في «اللعبة الكبرى» التي تشمل الملف النووي الإيراني وموقع طهران ومصالحها في المنطقة؟
الجواب متروك للقادم من الأيام وما ستحمله من تطورات.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.