انقلابيو اليمن يتجهون إلى «حوثنة» التعليم الأهلي بعد تجريف التعليم الحكومي

إحدى العاملات في القطاع الطبي تعقم فصلاً دراسياً بمدرسة في صنعاء (أ.ف.ب)
إحدى العاملات في القطاع الطبي تعقم فصلاً دراسياً بمدرسة في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

انقلابيو اليمن يتجهون إلى «حوثنة» التعليم الأهلي بعد تجريف التعليم الحكومي

إحدى العاملات في القطاع الطبي تعقم فصلاً دراسياً بمدرسة في صنعاء (أ.ف.ب)
إحدى العاملات في القطاع الطبي تعقم فصلاً دراسياً بمدرسة في صنعاء (أ.ف.ب)

عقب انتهاء الميليشيات الحوثية من التدمير شبه الكلي لقطاع التعليم العام بمناطق سيطرتها، اتجهت هذه المرة صوب التعليم الأهلي في العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى، لاستهداف ما تبقى منه واستكمال مخطط «الحوثنة» للمدارس، وتكريس الأفكار الإيرانية، واستقطاب الطلبة للتجنيد.
وفي هذا السياق، أفادت مصادر تربوية بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأن الجماعة فرضت هذا الأسبوع حزمة من القيود الجديدة على المدارس الأهلية في العاصمة وبقية مناطق سيطرتها، بالتزامن مع بدء العام الدراسي الجديد 2020- 2021، واستكمالاً لعملية التجريف التي تقودها بحق العملية التعليمية.
وأشارت المصادر إلى وثيقة حوثية جديدة تضمنت أوامر من الجماعة بتغيير أسماء جميع مدارس التعليم الأهلي ذات الأسماء الأجنبية، أو تلك التي تحمل اسم دولة من دول تحالف دعم الشرعية.
وبحسب الوثيقة الممهورة بتوقيع القيادي في الجماعة المعين وكيلاً للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب، عبد الله النعيمي، أمر الأخير بتغيير أسماء المدارس الأهلية ذات الأسماء الأجنبية، أو التي تحمل اسم دولة من الدول المنضوية في تحالف دعم الشرعية في اليمن، كما ألزم المدارس الأهلية بتفعيل الأنشطة المناهضة لدول التحالف والحكومية الشرعية، في الإذاعات المدرسية والمجلات الحائطية والملصقات، وغيرها من الأنشطة التي تقام داخل تلك المدارس.
ومنع القيادي الحوثي في توجيهاته التي تضمنتها المذكرة، إقامة الرحلات المدرسية المختلفة خارج المدينة التي توجد فيها المدرسة، والالتزام بعدم إقامة الحفلات المدرسية المختلفة خارج الحرم المدرسي.
وأثارت الوثيقة الحوثية سخرية عريضة في أوساط الناشطين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال بعضهم إن الجماعة وكعادتها تشغل نفسها بأمور عادية بعيدة كل البعد عن خدمة التعليم والعملية التعليمية ومستقبل الأجيال على حد سواء.
إلى ذلك أوضح تربويون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن المدارس الخاصة في العاصمة ومدن يمنية أخرى شهدت منذ مطلع العام الجاري توجيهات حوثية جديدة، أبرزها استغلال المناسبات الخاصة بالجماعة، وفرض التعاطي معها في كافة المدارس الأهلية والعامة، سواء عبر الإذاعات المدرسية أو من خلال إقامة أنشطة وفعاليات خاصة بها.
ومن أبرز تلك الفعاليات ما تسميه الجماعة «يوم الولاية» وذكرى المولد النبوي، وميلاد فاطمة الزهراء، وميلاد الإمام زيد، ويوم عاشوراء، وما يسمى «أسبوع الشهيد»، وغيرها من الفعاليات الأخرى.
وأكدت المصادر التربوية أن مسلحي الجماعة قاموا عقب التوجيهات الجديدة بالنزول إلى عشرات من المدارس، مثل مدارس «الفرنسية، والبريطانية، والأميركية، والصينية، والألمانية، ومدارس الخليج، وغيرها، والعالمية الحديثة» لإجبار ملاكها على سرعة تغيير أسمائها الحالية إلى أسماء بديلة.
في غضون ذلك، حذر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال معمر الإرياني من مغبة تحويل المدارس في مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، إلى «أوكار لاستقطاب وتجنيد الأطفال، وفقاسة للعناصر الإرهابية وصناعة جيل من المؤدلجين بثقافة الموت والكراهية». وقال إن ذلك «أخطر على الأمن الإقليمي والدولي من تنظيمي (القاعدة)، و(داعش)». بحسب تعبيره.
وطالب وزير الإعلام اليمني في تصريحات رسمية من المجتمع الدولي ممارسة الضغط على ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران لتحييد العملية التعليمية عن الصراع، وأشار إلى تعليمات الجماعة الأخيرة للمدارس الخاصة والتي قال إنها «تكشف عن حجم الضغوط والإملاءات والابتزاز الذي تمارسه بحق مدارس التعليم الأهلي من تغيير أسماء تلك المدارس، والتدخل في فعالياتها، ومحاولات تسخيرها لصالح أنشطتها التخريبية، واستقطاع مرتبات المعلمين».
وأوضح الإرياني أن ميليشيا الحوثي تضغط على ملاك المدارس الخاصة لإجبارهم على التماهي مع برامجها في التعبئة وتحشيد الطلاب، والزج بهم في جبهات القتال، وتسميم عقول الأطفال بالأفكار الظلامية المتطرفة، وإنتاج جيل من الإرهابيين الذين يشكلون خطراً على أمن اليمن والعالم، على حد قوله.
وكانت إحصائية رسمية أفادت بأن عدد المدارس الأهلية في اليمن وصل في نهاية عام 2013 إلى أكثر من 750 مدرسة، منها 430 مدرسة في العاصمة صنعاء المختطفة حالياً بيد الجماعة الانقلابية.
وتوقع تربويون لـ«الشرق الأوسط» أن أعداد المدارس الأهلية في اليمن عموماً وصنعاء العاصمة على وجه التحديد، شهدت ارتفاعاً كبيراً قد يصل في الوقت الحالي إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه.
وبحسب مصادر تربوية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، كانت الجماعة الحوثية قد فشلت قبل أسبوعين في إجبار التربويين بالعاصمة على تجهيز قافلة دعم متنوعة لمقاتليها في الجبهات، ما جعلها تلجأ إلى فرض جبايات بالقوة من بعض المعلمين الموالين لها، وكذا من مديري ووكلاء مدارس عقب تهديدها الصريح لهم بإقصائهم من وظائفهم.
وتأتي تلك الخطوات الحوثية في وقت لا يزال يعاني فيه أكثر من 125 ألف معلم وتربوي بمناطق سيطرتها أوضاعاً معيشية صعبة، جراء استمرار نهبها لمرتباتهم منذ سنوات.
وكان المسؤول الإعلامي لنقابة المعلمين اليمنيين يحيى اليناعي، قد أكد في تصريحات سابقة أن الجماعة حولت 90 مؤسسة تعليمية بمناطق سيطرتها إلى مراكز اعتقال، مشيراً إلى أن محافظتي ذمار وتعز تأتيان في مقدمة المحافظات من حيث عدد المنشآت التربوية المحولة إلى سجون، بواقع 10 مدارس في كل من المحافظتين.
واعتبر المسؤول النقابي أن ما تقوم به الجماعة يعد خرقاً لقرار مجلس الأمن الذي دعا أطراف النزاع إلى الامتناع عن احتلال المدارس واستخدامها في العمليات العسكرية، وأكد أن الهجمات على المدارس واحتلالها محظوران بموجب القانون الدولي الإنساني.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.