النظام المالي العالمي ما زال يواجه اختبارات بعد الأزمة العالمية

رغم تنظيمات متشددة تم اللجوء إليها

النظام المالي العالمي ما زال يواجه اختبارات بعد الأزمة العالمية
TT

النظام المالي العالمي ما زال يواجه اختبارات بعد الأزمة العالمية

النظام المالي العالمي ما زال يواجه اختبارات بعد الأزمة العالمية

كانت واشنطن تسعى إلى تعزيز النظام المالي خلال السنوات الـ5 الماضية كي تتمكن من التعامل مع الفوضى الموجودة في الأسواق خلال الأسابيع الماضية بسبب تراجع أسعار النفط، فالمستثمرون يفرون الآن بشكل جماعي، بعد أن ظلوا يتزاحمون لمدة شهور على الأسواق المحفوفة بالمخاطر بحثا عن عوائد، وقاموا خلال الأسابيع الأخيرة ببيع سندات رديئة تصدرها شركات أميركية، وخصوصا شركات الطاقة التي اقترضت بكثافة من أجل استغلال طفرة النفط الصخري. ويقول محللون إن الانخفاض الحاد في أسعار النفط قد يجعل بعض الشركات الآن تتخلف عن السداد.
ولكن الأزمة الأخطر موجودة في الخارج بحسب تقرير لبيتر إيفيس في صحيفة «نيويورك تايمز»، فروسيا تعاني من أزمة عملة متكاملة، نجمت بشكل جزئي عن انخفاض أسعار النفط. وتسبب تحرك أسعار النفط في إذكاء المخاوف بشأن الدول الأخرى، فانخفضت العملة التركية إلى مستوى قياسي مؤخرا، وضعفت العملة البرازيلية بشكل حاد خلال الأيام الأخيرة، كما انخفضت سندات الحكومة الفنزويلية إلى مستويات تشير إلى أن المستثمرين يعتقدون أن العجز عن السداد أصبح أمرا مرجحا.
وتعكس هذه الصعوبات صدى الأزمة التي عصفت بالأسواق في العالم النامي في عام 1998، عندما تخلفت روسيا فعليا عن سداد ديونها المقومة بالروبل. وتسللت الاضطرابات العالمية التي وقعت في ذلك العام إلى النظام المالي الأميركي، رغم أن أداء اقتصاد البلاد كان جيدا، كما هو عليه الآن.
في ذلك الوقت، وصلت العدوى إلى وول ستريت من خلال أحد أكبر صناديق التحوط المعروف باسم «صندوق إدارة رؤوس الأموال طويلة الأجل» (LTCM) الذي تعرض لانهيار شبه كامل بعد المضاربة عليه بشكل يفوق وسائله.
ودفعت أوجه التشابه مع عام 1998 بالمستثمرين والجهات التنظيمية إلى التساؤل عن وجود أي نقاط ضعف خطيرة مشابهة اليوم، وإذا كان الأمر كذلك فالسؤال هو: هل المصارف الكبرى قوية بما يكفي لتحمل الصدمات؟ بالنسبة للوقت الحالي، يقول الكثير من المتخصصين إن النظام يتمتع بحماية كافية.
وقال دونالد كوهن، وهو زميل بارز في معهد بروكينغز ومحافظ سابق لبنك الاحتياطي الفيدرالي خلال الأزمة المالية التي وقعت في عام 2008: «لن يتسبب هذا في تهديد للمصارف والمؤسسات المالية الأخرى لأنها أقوى كثيرا مما كانت عليه منذ بضع سنوات».
وأصبحت المصارف أقوى اليوم لأنها تعتمد بشكل أقل على الأموال المقترضة في تمويل تجارتها والقروض التي تقدمها، كما أن مصارف وول ستريت لا تقرض كثيرا من المال لصناديق التحوط والمستثمرين الآخرين للقيام بمعاملات تتسم بالمضاربة قد تكون عرضة للخطر في الوقت الحالي.
كما أن المشكلات الحالية في الخارج موجودة إلى حد كبير في دول تنشط فيها المصارف الأميركية بشكل محدود. وهذا يضع المصارف العالمية في وضع أفضل كثيرا مما كانت عليه في عامي 2011 و2012، عندما كان وجود اليورو مهددا، وكان المستثمرون يفرون من المصارف الموجودة في أوروبا.
وقال تيموثي ا. دوي، أستاذ الاقتصاد في جامعة أوريغون: «من المؤكد أن عدد الروابط الموجودة بين القطاعات المالية الأميركية والأوروبية أعمق كثيرا من الروابط الموجودة بين القطاعات المالية الأميركية والروسية»، إلا أنه حذر من أن بعض المصارف الأوروبية مكشوفة أكثر على روسيا.
ومع ذلك، لا تزال المصارف الكبرى تعتمد على مليارات من الدولارات على شكل قروض قصيرة الأجل قد تتبخر خلال حالة الهلع، وهو ما قد يتسبب في توقف النظام المالي عن العمل. وحتى لو تم السيطرة على هذا النوع من التمويل، قد تقع المصارف وصناديق التحوط في الفخ عندما تتحرك الأسواق بأساليب غير متوقعة وغير معقولة. على سبيل المثال، أعلن البنك الاستثماري الأميركي الموجود في نيويورك «جيفريز» يوم الثلاثاء عن انخفاض مقداره 73 في المائة في إيرادات الربع الأخير من العام في وحدتها التي تتعامل في السندات. وجاء بعض هذا الانخفاض من خفض أسعار الأوراق المالية التي تحتفظ بها، كما تتسبب الأسواق في سقوط كبار المستثمرين، فكان أداء صندوق «سابا كابيتال» الذي يرأسه «بواز وينشتاين» ضعيفا هذا العام.
وستعلن كبرى المصارف مثل جي بي مورغان تشيس وغولدمان ساكس نتائج الربع الأخير في شهر يناير (كانون الثاني). وقد يتسبب التعثر في السندات الرديئة، على سبيل المثال، في إغلاق بعض الشركات التي تمول عملياتها، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى خفض الإنتاج والعمالة. ويتعلق هذا التهديد بشكل كبير بشركات الطاقة، التي ساهمت بشكل كبير في نمو الوظائف في الآونة الأخيرة. ولكن السيد كوهن قال إنه لا يعتقد أن أحوال السوق سيئة بما فيه الكفاية لإقناع بنك الاحتياطي الفيدرالي بالانحراف عن مساره الخاص بتشديد السياسة النقدية على نحو بطيء. وقال: «أتوقع أنهم سيعتبرون ذلك مخاطر هبوط، ولكن ليس بالضرورة أن يكون نزعة مركزية من شأنها الدفع باتجاه التشديد».
وأصبح بعض المستثمرين أكثر قلقا بشأن المخاطر الجيوسياسية التي تقوض الثقة في الاقتصاد، فقد يؤدي انخفاض أسعار النفط، مثلا، إلى ظروف اقتصادية أكثر صعوبة بالنسبة لدول مثل روسيا وإيران. فقد يؤدي اندلاع التوترات السياسية في دولة منتجة للنفط إلى الانجرار بشدة للعنف في أماكن أخرى. وقد يؤدي عدم الاستقرار الجيوسياسي إلى تقويض الجهود الأوروبية واليابانية التي تهدف إلى الخروج من حالة الركود التي تعاني منها، ولكن انخفاض أسعار النفط قد يؤدي كذلك إلى تقييد الحكومات التي تسببت في زعزعة الاستقرار.
قد يكون لحالة عدم الاستقرار الأخيرة آثار إيجابية أخرى، فقد تتحول إلى نسخة مصغرة من الأزمة التي وقعت في عام 1998 تؤدي إلى محو بعض من الزبد الموجود في الأسواق الذي كان، حتى وقت قريب، يتحدى الجاذبية.
وقال السيد كوهن: «ينبغي على المستثمرين أن يتفاعلوا مع الأسواق التي تكون أكثر خطورة مما هو متوقع، فبعض التعديلات له ما يبرره».



الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

TT

الدردري لـ«الشرق الأوسط»: الناتج السوري خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً

الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)
الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية د. عبد الله الدردري (تركي العقيلي)

كشف الأمين العام المساعد للأمم المتحدة مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي للدول العربية الدكتور عبد الله الدردري، أن الأمم المتحدة أعطت البرنامج الضوء الأخضر لبدء التواصل مع الحكومة المؤقتة السورية الجديدة تعزيزاً للعمل الإنساني وبدء مسار التعافي لإعادة تفعيل الاقتصاد السوري، خصوصاً أن البلاد خسرت 54 مليار دولار من ناتجها المحلي خلال 14 عاماً.

وقال الدردري في حديث إلى «الشرق الأوسط» بمناسبة وجوده في الرياض للمشاركة في فعاليات مؤتمر «كوب 16»، إنه وجّه مكتب البرنامج في دمشق اعتباراً من (الخميس) للتواصل مع الجهات الحكومية وبدء عملية التقييم التي تحتاج إليها البلاد.

كان نظام بشار الأسد قد ترك خلفه تحديات اقتصادية كبيرة مع انهيار شبه كامل للبنية التحتية الاقتصادية وتدمير آلاف المنازل وتشريد الملايين.

رجل سوري يتحدث عبر هاتفه المحمول وهو يقف على درج مبنى مدمَّر في مدينة حرستا شرق دمشق (أ.ب)

واستعرض الدردري الوضع الراهن في سوريا، فقال «إن تقديراتنا الأولية أن الاقتصاد السوري خسر حتى الآن 24 عاماً من التنمية البشرية، فيما سجل الناتج المحلي الإجمالي تراجعاً كبيراً من 62 مليار دولار في عام 2010 إلى 8 مليارات فقط اليوم، أي خسر 54 مليار دولار في 14 عاماً. أما معدل الفقر، فارتفع من نحو 12 في المائة عام 2010 إلى أكثر من 90 في المائة. وبات معدل الفقر الغذائي يتجاوز 65 في المائة من السكان».

وإذ أوضح أن أمام سوريا مرحلة صعبة، قال إن تقديرات البرنامج تشير إلى أنه من أصل 5 ملايين و500 ألف وحدة سكنية، فإن نحو مليوني وحدة سكنية دمِّرت بالكامل أو جزئياً.

وعن تكلفة عملية إعادة الإعمار، أوضح الدردري أن احتساب تكلفة إعادة بناء الوحدات السكنية يحتاج إلى تحديث، كون أسعار البناء تختلف اليوم. لكنه شدد على أن أخطر ما جرى في سوريا هو الضعف المؤسساتي مقارنةً بما كان عليه الوضع قبل عام 2011، «حيث كانت هناك مؤسسات دولة قوية، فيما تراجعت بشكل كبير اليوم». من هنا، فإن تركيز برنامج الأمم المتحدة اليوم هو على الدعم المؤسساتي، «لأنه من دون مؤسسات قادرة على التخطيط والتنفيذ والمتابعة، لا توجد تنمية ولا إعادة إعمار»، كما يركز على القطاع الخاص الذي استطاع أن يصمد رغم كل الهزات، والجاهز اليوم لتلقف أي حالة من الأمن والانفتاح للعمل.

وقال: «خلال الساعات الـ48 الأخيرة، ولمجرد أن الحكومة المؤقتة أعلنت أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد سوق حر مع بعض الإجراءات السريعة لتسيير عمل التجارة وغيرها، تحسن سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار من 30 ألف ليرة إلى 14 ألف ليرة، مما يعني تحسناً بأكثر من 50 في المائة».

رجل يعد النقود بمحطة بنزين في مدينة حلب شمال سوريا (أ.ف.ب)

ولكن كيف يرى نائب الوزراء السوري السابق للشؤون الاقتصادية بين سنوات 2006 و2011، خريطة طريق إعادة النهوض بالاقتصاد السوري؟ أجاب: «في الحقيقة، لا أرى فرقاً بين دوري في الأمم المتحدة وبين عملي سابقاً. فسوريا تحتاج إلى إصلاح حوكمي سريع وفعال، بمعنى أنها تحتاج إلى إصلاح القضاء، وتطوير المؤسسات وترسيخ مبدأ الفصل بين السلطات، وترسيخ القانون. كما أنها بحاجة إلى رؤية للمستقبل، وإلى حوار وطني. تحتاج إلى تحديد الوضع الراهن في المجال الاقتصادي وأين هو موقع البلاد في هذا الإطار. هي تحتاج إلى رسم سيناريوهات التعافي والنمو... وهو ما تراه الأمم المتحدة أيضاً لإعادة إحياء البلاد».

وأضاف: «سندعم كل ما من شأنه أن يجعل سوريا جاذبة للاستثمار، وإرساء منظومة لحماية اجتماعية فاعلة... فنمو اقتصادي يقوده القطاع الخاص وعدالة اجتماعية من خلال منظومات حماية اجتماعية متكاملة هما ما تحتاج إليه سوريا، وهما ما سنعمل عليه».

وعود بمساعدة غزة

وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، قال الدردري إن التقديرات الأولية جداً تشير إلى أنها تحتاج إلى 50 مليار دولار، موضحاً أن إعادة تعويم الاقتصاد الفلسطيني إلى ما كان عليه في عام 2022، إنما يحتاج إلى معونات إنسانية تقدَّر بـ600 مليون دولار سنوياً على مدى السنوات العشر المقبلة.

فلسطينيون يتفقدون الدمار في منطقة استهدفتها غارة جوية إسرائيلية قرب مخيم النصيرات للاجئين (أ.ف.ب)

وعن الجهات المستعدة لتأمين هذه المبالغ، قال: «هناك وعود بأن المجتمع الدولي مستعد للمساعدة، ولكن إلى الآن لا شيء ملموساً».

وأضاف: «هناك حاجة ماسة إلى رفع القيود عن عمل الفلسطينيين، وعن أموال المقاصة التي يجب أن تذهب إلى السلطة الفلسطينية، وأن يُسمح للاقتصاد الفلسطيني بالاندماج».

خسائر لبنان من الحرب

وشرح الدردري أن لبنان خسر 10 في المائة من ناتجه المحلي الإجمالي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة بسبب الحرب مع إسرائيل، تضاف إلى ما نسبته 35 في المائة خسارة في الناتج المحلي منذ 2019. في حين دُمر نحو 62 ألف منزل وأكثر من 5 آلاف منشأة اقتصادية.

شخصان يتعانقان على أنقاض المباني المتضررة في قرية جون بقضاء الشوف بلبنان (رويترز)

ووُضع برنامج للتعافي الاقتصادي في لبنان يعتمد بشكل أساسي على تعزيز المجتمعات المحلية والشركات الصغيرة وإعادة إحياء التمويل في لبنان، وعلى دعم البلديات التي تأثرت بشكل كبير، وعلى الجمعيات الأهلية. وتوقع أن يستعيد لبنان تعافيه مع استمرار حالة الهدوء، وذلك بفعل أهمية الدور الذي يلعبه قطاعه الخاص.