منذ مساء أول من أمس (الأربعاء)، يسود الوجوم في الأوساط الأوروبية المعنية مباشرة بأزمة «كوفيد - 19» بعد الإعلان عن تعليق جميع التجارب السريرية المبرمجة لتطوير اللقاح الذي تشرف عليه جامعة أكسفورد، والذي يشكّل حصان الرهان الرئيسي بالنسبة للدول الأوروبية في التسابق للحصول على الجرعات الأولى من اللقاح قبل نهاية العام الحالي.
الأوساط العلمية تؤكد أن قرار تعليق التجارب بسبب إصابة أحد المتطوعين بالتهاب عصبي مجهول المصدر لا يخرج عن المألوف في مسار تطوير اللقاحات، وأن التجارب يمكن أن تُستأنف في غضون أسبوع إذا تبيّن أن اللقاح ليس هو مصدر الالتهاب، حسب تقدير لجنة مستقلّة.
لكن إذا تبيّن أن هذا اللقاح الواعد الذي تعلّق عليه أكبر الآمال هو الذي تسبب في إصابة المتطوعة بالتهاب في أعصاب العمود الفقري، فإن استئناف التجارب السريرية قد يتأخر لستة أشهر ليحبس أنفاس الذين راهنوا على هذا المشروع المتقدم للعودة في أقرب وقت إلى استئناف النشاط الاقتصادي الكامل والحياة الطبيعية. ويخشى كثيرون في الأوساط العلمية من أن عدم قدرة الاقتصادات الأوروبية على تحمّل تدابير جديدة للعزل التام خلال الموجة الثانية لانتشار الوباء سيدفع الحكومات هذه المرة إلى تبدية الاعتبارات الاقتصادية على الصحية، مع ما يمكن أن يترتّب عن ذلك من تبعات لا يجرؤ أحد على تقديرها في الوقت الحاضر.
مصادر الشركة الإيطالية (Irbm) التي تتعاون مع جامعة أكسفورد لإنتاج اللقاح تقول إن التجارب السريرية توقّفت بالنسبة للمتطوعين الجدد، لكن عملية الإنتاج لا تزال مستمرة فيما تجري متابعة حالات بقيّة المتطوعين الذين تناولوا الجرعة الأولى من اللقاح، وهم نحو 50 ألفاً موزّعين بين بريطانيا والولايات المتحدة والبرازيل وجنوب أفريقيا. وتضيف أن مثل هذه الأحداث المتوقعة عادة هي التي تستدعي سنوات لتطوير اللقاحات والموافقة النهائية على توزيعها، لكن بما أن هذه الجائحة لا تشكّل خطراً على الصحة فحسب، بل على الاقتصاد العالمي برمته، كان لا بد من اختصار المراحل إلى أقصى حد ممكن.
كبير الخبراء الأميركيين في الأمراض السارية، أنطونيو فاوتشي، الذي تضاربت آراؤه غير مرة مع مواقف الرئيس دونالد ترمب بشأن تدابير مكافحة الوباء، يرجّح أن يكون تعليق التجارب السريرية على لقاح أكسفورد «حادثاً عرضيّاً مؤسفاً»، لكنه يستبعد التوصّل إلى تأكيد الضمانات النهائية حول فعالية وسلامة أي لقاح قبل نهاية العام الحالي. وتنبّه أوساط علمية أخرى إلى أنه في حال تبيّن أن لقاح أكسفورد هو الذي تسبب في الالتهاب العصبي للمتطوعة، وهو احتمال يبقى ضئيلاً حسب الإحصاءات على التجارب السريرية، لا بد عندئذ من إعادة النظر في الطريقة التي يقوم عليها هذا المشروع لتطوير اللقاح، وهي طريقة الناقل الفيروسي التي تعتمدها معظم المشاريع الجارية حالياً، ما قد يؤدي إلى تأجيل ظهور اللقاح حتى نهاية السنة المقبلة.
«منظمة الصحة العالمية» من جهتها، حذّرت أمس من أنها «لا تتوقع أن تكون اللقاحات المحتملة جاهزة لتوزيعها على المواطنين عموماً قبل عامين، رغم أن المجموعات المعرّضة يمكن أن تحصل عليها أواسط العام المقبل». وكانت المنظمة قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها «لا تتوقع تعميم استخدام اللقاح قبل منتصف السنة المقبلة»، لكن الإعلان عن تعليق التجارب السريرية في مشروع أكسفورد دفعها إلى إعادة النظر في تقديراتها.
وقالت كبيرة خبراء «منظمة الصحة»، سميّة سواميناتان، في حوار أمس إن «الإفراط في التفاؤل والتسرّع لا يخدم تحقيق الهدف الرئيسي في التوصل إلى لقاح يقضي على الوباء، وهناك مراحل عديدة لا بد منها قبل أن يصل اللقاح إلى الناس بعد تطويره والموافقة العلمية النهائية عليه». وأضافت: «إنها أول مرة في التاريخ يحتاج العالم فيها إلى مليارات الجرعات من لقاح ضد وباء، ومن واجبنا التقيّد بكل المعايير العلمية والأخلاقية لإنتاجه وتوزيعه».
وقد سارعت الحكومات الأوروبية في أعقاب الإعلان عن تعليق التجارب السريرية على لقاح أكسفورد إلى تطمين مواطنيها بأنها قد وقّعت عقوداً لتنويع مصادر الحصول على اللقاح مع شركات أخرى، بلغت هي أيضاً مراحل متقدمة من تطوير اللقاح وإنتاجه.
مصادر المفوضية الأوروبية التي طمأنت المواطنين إلى أن اللقاح سيكون متوفراً للجميع، اعتبرت أن تعليق التجارب على اللقاح الذي تطوره شركة «استرازينيكا» هو في الواقع «خبر سار، إذ يدلّ على أن المشروع يتقيّد بالأصول والمعايير العلمية التي وحدها توفّر الضمانات الصحية اللازمة حول فعالية اللقاح وسلامته».
وفيما يستمر عدد الإصابات الجديدة بالارتفاع في معظم الدول الأوروبية الكبرى، خاصة في إسبانيا التي اقتربت مستشفيات عاصمتها مدريد من الاكتظاظ في الأقسام المخصصة لمعالجة مرضى «كوفيد - 19» بعد أن أصبحت الدولة الأوروبية الأولى التي تتخطى إصاباتها نصف المليون، حذّرت «منظمة الصحة العالمية» من مغبّة خفض فترة الحجر الصحي والإبقاء عليها لأسبوعين في الأقل. وكانت ألمانيا أولى الدول التي أعلنت خفض مدة الحجر الصحي لخمسة أيام، بعد دراسة أجرتها وقالت إنها بيّنت تراجع احتمالات سريان الفيروس بعد اليوم الخامس، فيما تدرس دول أخرى مثل إيطاليا وفرنسا خفض المدة إلى سبعة أيام، بينما أعلنت إسبانيا وهولندا أنها تدرس خفضها لعشرة أيام. ويأتي هذا التوجه للحد من التداعيات الاقتصادية لتدابير الحجر الصحي، ولمواجهة تبعات العودة إلى المدارس التي يُنتظر أن ينشأ عنها سيل من تدابير الحجر الصحي الإلزامي التي قد تؤدي إلى شلل جزئي للحركة الاقتصادية.
أوروبا أمام «صدمة» تعليق التجارب على «لقاح أكسفورد»
«الصحة العالمية» تحذر من اختصار فترة الحجر المحددة بأسبوعين
أوروبا أمام «صدمة» تعليق التجارب على «لقاح أكسفورد»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة