الميزانية السعودية: الإنفاق الكبير سيستمر مدعوما بالاحتياطات القوية

التأقلم مع الوضع الجديد سيكون سريعا رغم العجز الطفيف

الميزانية السعودية: الإنفاق الكبير سيستمر مدعوما بالاحتياطات القوية
TT

الميزانية السعودية: الإنفاق الكبير سيستمر مدعوما بالاحتياطات القوية

الميزانية السعودية: الإنفاق الكبير سيستمر مدعوما بالاحتياطات القوية

ينتظر أن تعلن السعودية عن أرقام ميزانيتها خلال الأيام القليلة المقبلة، وسط تشابك في الآراء بين تأثر إيرادات السعودية بانخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك على إنفاقها وقدرتها على دفع عجلة النمو الاقتصادي.
وبحسب التواريخ التي جمعتها «الشرق الأوسط»، تعلن السعودية ميزانيتها خلال الأيام الـ10 الأخيرة من كل عام، ومن المتوقع أن يعقد مجلس الوزراء جلسة خاصة قبل نهاية هذا الأسبوع لإقرار الميزانية الجديدة لعام 2015 بجانب الأرقام الفعلية لعام 2014.
وأجمع الخبراء الذين استطلعت آراءهم الوحدة الاقتصادية على قدرة السعودية على التأقلم على الوضع الجديد، حتى مع احتمالية تحقيق عجز طفيف، وأن الإنفاق سيظل كما هو وجل ما يمكن حدوثه هو إعادة جدولة المشاريع وترتيب أولوياتها وتنظيم داخلي للمصروفات، متوقعين عودة أسعار النفط لمستوياتها مع النصف الثاني من عام 2015، مما ينعكس بشكل إيجابي على إيرادات السعودية.
وتأتي نتائج هذا العام وسط تحديات كبرى تمثلت في انخفاض سعر النفط بشكل كبير من أعلى إغلاق وصل له خلال العام في يونيو (حزيران) عند 111.59 دولار للبرميل ليصل إلى 59.27 دولار للبرميل في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، بنسبة تراجع إلى 47 في المائة.
ولم تشهد متوسط أسعار النفط تراجعا خلال السنوات الـ10 الماضية مثلما حدث في عام 2009، فبحسب أرقام لمنظمة أوبك وحسابات للوحدة الاقتصادية انخفض متوسط سعر البرميل بنسبة 35 في المائة خلال عام 2009 ليصل على 61.06 دولار للبرميل، مقارنة مع 94.45 دولار للبرميل في عام 2008، وهو ما انعكس على الموازنة العامة للدولة والتي حققت عجزا قدره 45 مليون دولار.
ولم يكن الانخفاض في 2009 هو الانخفاض الوحيد للنفط، ولكنه كان الأكبر خلال السنوات الـ10 الأخيرة، حيث انخفض متوسط سعر البرميل في عام 2013 بنسبة 3 في المائة، وأيضا هبط متوسط سعر البرميل خلال هذا العام بنسبة 8 في المائة ليصل إلى 97.29 دولار، مقارنة مع 105.87 دولار للبرميل في عام 2013.
ولم تنخفض الإيرادات الفعلية والمصروفات الفعلية عن المتوقعة كل عام، حيث تشير البيانات التي جمعتها الوحدة الاقتصادية لزيادة الإيرادات الفعلية عن المقدرة لما يتراوح بين 95 و650 مليار ريال سنويا، كما تزيد المصروفات الفعلية على النفقات المقدرة بين 55 و224 مليار ريال.
وكانت ميزانية الدولة قد حققت فوائض بـ206 مليارات ريال في العام الماضي، بينما حققت أعلى فائض في تاريخها في عام 2012، والذي كان عند 386 مليار ريال.
وحققت السعودية إيرادات قدرها 1.13 تريليون ريال في عام 2013، مقابل مصروفات بلغت 925 مليون ريال، وزادت المصروفات الفعلية على المخطط لها بـ105 مليارات ريال، والذي عزاه بيان وزارة المالية لزيادة الصرف على الأعمال التنفيذية المتعلقة بمشروع خادم الحرمين الشريفين، وتعويضات نزع الملكية للعقارات بتوسعة المسجد النبوي، فيما شملت الميزانية إنفاق 22 مليار ريال على 185 ألف مبتعث في الخارج، وتخصيص 12 في المائة على القطاع الصحي.
وكان مجال التعليم يستحوذ دائما على نصيب الأسد من الميزانية السعودية، حيث تراوحت حصته بين 24 و26 في المائة على مدار 5 سنوات، واستحوذ قطاع التعليم على ما نسبته 24.56 في المائة من إجمالي ميزانية الدولة العام الماضي، وزادت حصة قطاع الخدمات الصحية إلى 12.63 في المائة بزيادة طفيفة على العام السابق، والأمر نفسه مع قطاع الخدمات البلدية بـ4.56 في المائة، وكان نصيب النقل والاتصالات 7.79 في المائة، والزراعة بـ7.13 في المائة.
وتوقعت الدولة أن تصل الإيرادات إلى 855 مليون دولار في عام 2014، وبنفس القيمة للمصروفات.
وتوقع مازن السديري، رئيس قسم الأبحاث بـ«الاستثمار كابيتال»، «الشرق الأوسط» أن تصل الإيرادات إلى 1.4 تريليون ريال، مقابل مصروفات بقيمة 1.8 تريليون ريال، ليصل العجز إلى 40 مليار ريال، ويعود هذا الارتفاع بالإنفاق لنمو وتيرة التوظيف مع ارتفاع الإنفاق على البنية التحتية.
ويرى السديري أن الإيرادات ستصل في عام 2015 إلى 832 مليار ريال، بينما ستصل المصروفات إلى 860 مليار ريال، في حال سعر برميل النفط تم احتسابه للميزانية عند 73 دولارا للبرميل.
وأضاف السديري أن تصريحات المسؤولين بالسعودية تعبر عن اطمئنان لأسعار النفط خلال العام المقبل، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الميزانية، وستسعى السعودية لزيادة صادراتها غير البترولية وتنشيط القطاع الخاص غير البترولي لإيجاد فرص عمل جديدة.
وأكد السديري على سعي السعودية للحفاظ على معدلات إنفاقها، بل وزيادتها في جانب التعليم مثل كل عام، وذلك بسبب السعي الدائم لتقوية رأس المال البشري عماد النهضة المجتمعية.
وتوقع عبد الله علاوي، مساعد المدير العام للأبحاث في «الجزيرة كابيتال» بتصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن يزداد الإنفاق الحكومي بشكل طفيف، وسيتم تمويله عن طريق السحب من الاحتياطيات، مع عجز طفيف أيضا في عام 2015.
ويرى علاوي أن مواصلة الإنفاق سينعكس بشكل إيجابي على السوق المالية والقطاع الخاص لاستكمال المشاريع العملاقة، نافيا أن يكون هناك أي تقليص في النفقات الحكومية خلال العام المقبل، ولكن ما سيحدث هو مراجعة للمدد الزمنية للمشاريع الكبرى، وإعادة ترتيب أولويات تلك المشاريع، وزيادة الكفاءة لها مع تعديل بعض البنود غير الضرورية، حيث ستكون العملية تنظيمية داخلية.
وتوقع علاوي أن تتحفظ السعودية على سعر النفط المرجعي في عام 2015، معتبرا تلك السياسة محمودة للإيرادات المتوقعة، حيث ستبقى أسعار النفط في تذبذب في ظل صورة غير واضحة، وستظل كل السيناريوهات محتملة مع استعداد السعودية لها.
وأكد علاوي أن دخول منتجين جدد من خارج منظمة أوبك للأسواق مع ظهور النفط الصخري يؤشر لاستقرار الأسعار عند مستوياتها الحالية حتى النصف الأول من العام المقبل، إلا إذا حدثت أي أمور طارئة غيرت من تلك المسارات.
وتوقعت «جدوى للاستثمار» في مذكرة بحثية لها أن يحدث عجز في الميزانية بنسبة 2.7 في المائة من الناتج الإجمالي لعام 2015، بسبب التراجع في أسعار النفط، مع الإبقاء على الإنفاق الحالي والرأسمالي على حد سواء مرتفعين.
وترى جدوى أن الحكومة ستبقي على الإنفاق مرتفعا وهو ما سيؤدي إلى عجز في الميزانية خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا أن القطاع الخاص غير النفطي سينمو بنسبة 4.8 في المائة و4.6 في المائة عامي 2015 و2016 على التوالي، إلا أنها حذرت من التأثير النفسي السلبي للعجز الناتج من انخفاض أسعار النفط على أداء القطاع الخاص، وذلك بسبب التجارب السابقة في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، حيث نتج عن العجز في الميزانية لجوء الحكومة إلى تأجيل دفع المستحقات للموردين والمقاولين في القطاع الخاص وإبطاء تنفيذ المشاريع الجديدة والقائمة.
وأكدت جدوى أن تلك التجارب السابقة لن تؤثر في وضع السعودية الحاضر نظرا للاحتياطيات الأجنبية القوية التي تضعها في وضع مريح يتيح لها التأقلم التدريجي مع المستوى الجديد لأسعار النفط المنخفضة، وكذلك تفادي إجراء خفض حاد في برامج الصرف بالميزانية وتأثير ذلك على القطاع الخاص.
ويرى الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف، وزير المالية السعودي، في تصريحات صحافية له، أن السعودية استفادت من الفوائض المالية المتحققة من ارتفاع الإيرادات العامة للدولة خلال السنوات الماضية، وذلك في بناء احتياطات مالية وتخفيض الدين العام، مما يعطي عمقا وخطوط دفاع يستفاد منها وقت الحاجة، وقد نفذت هذه السياسة بنجاح كبير عندما تعرض العالم للأزمة المالية في عام 2008 وما تبعها من انخفاض كبير في الإيرادات في عام 2009، حيث كانت السعودية في حينها من أقل الدول تأثرا بتلك الأزمة، مؤكدا استمرار تلك السياسة في الميزانية المقبلة وما بعدها، مما سيمكن الحكومة من الاستثمار في تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة والإنفاق على البرامج التنموية.
ولدى السعودية نوعان من الاحتياطات، يضم الأول الأصول الاحتياطية التي تضم النقد والذهب وحقوق السحب الخاصة، والاحتياطي لدى صندوق النقد الدولي والنقد الأجنبي والودائع في الخارج، إضافة إلى الاستثمارات في أوراق مالية في الخارج، أما النوع الثاني فهو الاحتياطي العام للدولة.
والاحتياطي العام للحكومة السعودية والذي يسمى ودائع واحتياطي الحكومة يشمل (الاحتياطي العام، وجاري الحكومة، ومخصصات المشاريع الملتزم بها) وقد انخفض بنسبة 0.3 في المائة خلال أكتوبر (تشرين الأول) ليصل إلى 1.492 تريليون ريال، مقارنة مع 1.496 تريليون ريال.
وعلى الجانب الآخر ارتفع الاحتياطي العام للدولة أحد مكونات الودائع واحتياطي الحكومة بنسبة 13 في المائة خلال أكتوبر ليصل إلى 904.6 مليار ريال، مقارنة مع 801.8 مليار ريال في سبتمبر (أيلول).
وقد شهد الاحتياطي العام تغيرين كبيرين في آخر شهرين، أحدهما بنحو 50 مليار ريال في سبتمبر، وكان هذا الانخفاض بالاحتياطي العام هو الأول بعد ارتفاع دام 59 شهرا متتالية، أي نحو 5 سنوات، بينما بلغت إجمالي الأصول الاحتياطية للدولة 2.78 تريليون ريال في أكتوبر الماضي، منخفضة بنسبة 0.3 في المائة عن سبتمبر، والتي بلغت فيه 2.79 تريليون ريال.


* الوحدة الاقتصادية لـ«الشرق الأوسط»



«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
TT

«المركزي الصيني» يعلق شراء السندات مع معاناة اليوان

مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)
مقر بنك الشعب المركزي في وسط العاصمة الصينية بكين (رويترز)

علَّق البنك المركزي الصيني شراء سندات الخزانة يوم الجمعة، مما رفع العائدات لفترة وجيزة وأثار تكهنات بأنه يكثف دفاعه عن عملة اليوان التي تتراجع منذ انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة.

وتقطع هذه الخطوة خمسة أشهر من الشراء، وتتزامن مع موجة بيع شرسة في أسواق السندات العالمية، مما يشير إلى أن بنك الشعب الصيني يحاول أيضاً ضمان ارتفاع العائدات في الداخل بالتوازي، أو على الأقل وقف الانخفاض، كما يقول المحللون.

وعقب الإعلان عن الخطوة، ارتفعت العائدات التي تتحرك عكسياً مع أسعار السندات، رغم أن أسعار الفائدة القياسية لأجل عشر سنوات كانت أقل قليلاً بحلول المساء.

ويشير التحول في السياسة واستجابة السوق الحذرة، إلى محاولة بنك الشعب الصيني إحياء النمو الاقتصادي من خلال الحفاظ على ظروف نقدية ميسرة في حين يحاول أيضاً إخماد ارتفاع السندات الجامح، وفي الوقت نفسه استقرار العملة وسط حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.

وقال محللون في «كومرتس بنك» في مذكرة: «لقد أشار البنك إلى استعداده لتخفيف السياسة بشكل أكبر... ومع ذلك، فإن ضعف اليوان بسبب الدولار القوي واتساع الفارق مع أسعار الفائدة الأميركية من شأنه أن يعقد موقف بنك الشعب الصيني».

واستشهد بنك الشعب الصيني بنقص السندات في السوق كسبب لوقف عمليات الشراء، والتي كانت جزءاً من عملياته لتخفيف الأوضاع النقدية وتعزيز النشاط الاقتصادي.

وكان عائد سندات الخزانة الصينية لأجل عشر سنوات قد ارتفع في البداية أربع نقاط أساس، لكنه انخفض في أحدث تداولات بأكثر من نصف نقطة أساس إلى 1.619 في المائة. وارتفع اليوان قليلاً رغم أنه كان يتداول عند مستوى ثابت حول 7.3326 يوان مقابل الدولار، وهو أدنى مستوى له في 16 شهراً.

وقال كين تشيونغ، كبير استراتيجيي النقد الأجنبي الآسيوي في بنك «ميزوهو»: «أحد الأسباب الرئيسية لانخفاض قيمة اليوان هو اتساع فجوة العائد بين الصين والولايات المتحدة، لذا فإن البنك المركزي يرسل إشارة إلى السوق بأن معدل العائد من غير المرجح أن ينخفض ​​أكثر».

وقال البنك المركزي الصيني في بيان إنه سيستأنف شراء السندات عبر عمليات السوق المفتوحة «في الوقت المناسب حسب العرض والطلب في سوق السندات الحكومية».

وكانت أسعار السندات في الصين في ارتفاع مستمر منذ عقد من الزمان - وهو الارتفاع الذي بدأ في الزيادة منذ ما يقرب من عامين حيث تسببت مشكلات قطاع العقارات وضعف سوق الأسهم في تدفق الأموال إلى الودائع المصرفية وسوق الديون.

وهذا الأسبوع شهدت السوق موجة بيع عالمية، والتي زادت بفضل الطلب الذي لا يقاوم على الأصول الآمنة ومراهنات المستثمرين على المزيد من خفض أسعار الفائدة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وحذر بنك الشعب الصيني لشهور من مخاطر الفقاعة مع انخفاض العائدات طويلة الأجل إلى مستويات قياسية متتالية، على الرغم من أن السلطات في الوقت نفسه توقعت المزيد من التيسير. وهبطت العملة بنحو 5 في المائة منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، ويرجع ذلك إلى حدٍ كبير إلى المخاوف من أن تهديدات ترمب بفرض تعريفات تجارية جديدة ستزيد من الضغوط على الاقتصاد الصيني المتعثر.

وقال هوانغ شيويفينغ، مدير الأبحاث في شركة «شنغهاي أنفانغ برايفت فاند كو» في شنغهاي، إنه يتوقع استمرار الاتجاه الهبوطي في عائدات السندات مع «استمرار السوق في التعامل مع وضع التكالب على الأصول»، حيث يوجد نقص في فرص الاستثمار الجيدة... ويوم الجمعة، نقلت «فاينانشيال نيوز»، وهي مطبوعة تابعة لبنك الشعب الصيني، عن أحد خبراء الاقتصاد قوله إن السوق يجب أن تتجنب التوقعات المفرطة بشأن تخفيف السياسة النقدية.

وفي الأسواق، أنهت أسهم الصين وهونغ كونغ الأسبوع على انخفاض مع امتناع المتداولين عن زيادة استثماراتهم في السوق وانتظار تدابير تحفيزية جديدة من بكين.

وأغلق مؤشر «سي إس آي 300» الصيني ومؤشر «شنغهاي المركب» على انخفاض بنحو 1.3 في المائة يوم الجمعة. وانخفض مؤشر هانغ سنغ القياسي في هونغ كونغ 0.9 في المائة. وعلى مستوى الأسبوع، انخفض مؤشر «سي إس آي 300» بنسبة 1.1 في المائة، بينما انخفض مؤشر هانغ سنغ بنسبة 3.5 في المائة.

وقال محللون بقيادة لاري هو، من مؤسسة «ماكواري» في مذكرة: «السؤال الرئيسي في عام 2025 هو مقدار التحفيز الذي سيقدمه صناع السياسات. سيعتمد ذلك إلى حد كبير على تأثير التعريفات الجمركية، حيث سيفعل صناع السياسات ما يكفي فقط لتحقيق هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي. ويشعر عدد قليل من المستثمرين أن السوق صاعدة، حيث تظل أرباح الشركات ضعيفة وسط ضعف الطلب المحلي. والرأي السائد هو أن السيولة ستصبح أكثر مرونة في عام 2025 ولكن النمو الاسمي سيظل بطيئاً».