روسيا تطوّر «استراتيجية جديدة» في التعامل مع الملف السوري

خلافات بين موسكو ودمشق حول الأكراد والعلاقة مع أنقرة

رجل يصنع قطعاً زجاجية في دمشق (أ.ف.ب)
رجل يصنع قطعاً زجاجية في دمشق (أ.ف.ب)
TT

روسيا تطوّر «استراتيجية جديدة» في التعامل مع الملف السوري

رجل يصنع قطعاً زجاجية في دمشق (أ.ف.ب)
رجل يصنع قطعاً زجاجية في دمشق (أ.ف.ب)

أطلقت الزيارة التي قام بها أخيرا، وفد روسي بارز إلى دمشق، مرحلة جديدة في تعامل موسكو مع الملف السوري، يمكن اعتبارها «المنعطف الكبير» الثالث لروسيا منذ اندلاع الأزمة السورية، بعد أن دشن المنعطف الأول وزير الخارجية سيرغي لافروف، عندما زار دمشق برفقة رئيس الاستخبارات الخارجية ميخائيل فرادكوف في فبراير (شباط) 2012 ممهدا لانخراط روسي واسع في الأزمة، قبل أن يطلق التدخل العسكري المباشر في سوريا نهاية سبتمبر (أيلول) المرحلة الثانية.
لكن ملامح المنعطف الجديد، لا تحمل «انقلابا» في النهج الروسي الذي يصفه دبلوماسيون، بأنه «نهج ثابت يستند إلى ضرورة تنفيذ القرارات الدولية ولا يذهب نحو قفزات استعراضية»، بقدر ما يمهد لبلورة استراتيجية جديدة للتعامل مع انسداد أفق التسوية السياسية.
- برنامج روسي لسوريا
وتعمدت موسكو عدم إطلاق إشارات تدل إلى تحول كبير في مواقفها، خلال التصريحات العلنية لوزير الخارجية أو لنائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف. وأكثر من ذلك، فقد حصلت دمشق على تأييد ضمني روسي لإجراء الانتخابات الرئاسية «في موعدها المقرر» العام المقبل حتى لو لم يحصل أي تقدم على صعيد عمل اللجنة الدستورية. في مقابل ذلك، لم يستبعد محلل بارز أن تكون موسكو وضعت على الطاولة ما يشبه أجندة زمنية تضمنت إنجاز تعديل دستوري، وعرضه على الاستفتاء الشعبي بحلول مارس (آذار) المقبل، يليه انتخابات برلمانية في مايو (أيار)، ثم انتخابات رئاسية في يوليو (تموز) وهو ما يتوافق من وجهة نظر موسكو مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. مستبعدا في الوقت ذاته، أي توجه روسي للموافقة على تشكيل هيئة حكم انتقالية مؤقتة.
في المقابل، برز التباين واضحا بين آليات تعاطي موسكو ودمشق في أكثر من مفصل مهم في ملفات الأزمة، وهذا انسحب على العلاقة مع الأكراد، والدفاع الروسي عن مساعي إشراك الإدارة الذاتية لشمال سوريا في العملية السياسية، في مقابل التحفظ السوري الرسمي على أي تحرك من هذا النوع.
وبرز تباين أيضا، في موضوع العلاقة مع تركيا، إذ تجاهلت موسكو الخطاب الحكومي السوري عن «احتلال أنقرة لأجزاء من سوريا»، ووجه لافروف رسالة واضحة بأن اتفاقات موسكو وأنقرة ساهمت في تحسين الوضع و«إعادة أجزاء مهمة من الأراضي لسيطرة الحكومة السورية»، مؤكدا استمرار التزام الطرفين الروسي والتركي بهذه الاتفاقات. ومع استمرار الحملة الروسية على الوجود الأميركي في شمال شرقي سوريا، فإن موسكو وجهت هنا أيضا إشارات واضحة إلى عدم نيتها دعم أي تحرك عسكري في هذه المناطق، وجاء حديث بوريسوف حول «حرمان سوريا من الجزء الأعظم من ثرواتها» ليقر بواقع اقتصادي لكنه ليحمل رسالة في المقابل، إلى الحكومة السورية بأن التعاون مع موسكو وحده الكفيل بمواجهة التداعيات الاقتصادية لذلك.
- 40 مشروعا
اقتصاديا، ومع الحديث عن 40 مشروعا لإعادة تأهيل البنى التحتية الصناعية في أحياء وتوسيع لـ«خريطة طريق» للتعاون الاقتصادي التي وقعها الجانبان قبل عامين، تبدو موسكو وضعت مخططا لتوسيع حضور شركاتها الاقتصادية الكبرى في حصة مهمة من مشروعات البى التحتية السورية، وفضلا عن المرافئ (طرطوس واللاذقية) تطرقت المشروعات إلى طيف واسع يحكم سيطرة موسكو على مشروعات الطاقة والطاقة الكهربائية ويفتح أمامها خطط التنقيب واستخراج النفط من الحقول البحرية وغيرها من مشروعات كبرى.
على هذه الخلفية، تتبلور الملامح الأولى للتحرك الروسي المقبل، عبر التأكيد على أنه «لا حل عسكريا» للأجزاء التي ما زالت غير خاضعة لسيطرة الحكومة السورية، وخلافا للفكرة التي كانت ترددها موسكو سابقا عن ضرورة «أن يعود كل شبر من الأراضي السورية لسيطرة الحكومة الشرعية» يبدو المدخل الروسي حاليا قائما على المحافظة على مناطق النفوذ الحالية للأطراف المختلفة، وأن يكون الحل فيها جزءا من التسوية النهائية.
في هذا الإطار، فإن موسكو تنتظر توجهات الإدارة الأميركية الجديدة بعد الانتخابات، لجهة الالتزام بقرارات الانسحاب، وفي الوقت ذاته فهي تفتح قنوات الحوار مع الأكراد، وتعمل على إيجاد صيغة لتمثيلهم في العملية السياسية من دون أن تغضب أنقرة. وفي إدلب يقوم التوجه على أن الشكل النهائي للتسوية يجب أن يقوم على أساس حوار تركي سوري يفضي إلى توافق يرسخ الاحترام المتبادل للمصالح والأمن الحدودي، ما يعني أنه يمكن أن يقوم على أساس اتفاق أضنة (1998) مع احتمال توسيعه بعض الشيء. الرسالة الأساسية إلى دمشق، بأنها يجب ألا تعرقل تحالفات روسيا القائمة مع الأطراف المختلفة، وبالدرجة الأولى تركيا، فضلا عن أن موسكو تدير مواجهتها مع واشنطن في مناطق الشمال الشرقي بآليات تضعها عبر تفاهمات محتملة مع واشنطن بعد الاستحقاق الانتخابي. وهذا ما انعكس في تعليق كتبه خبير قريب من الخارجية: «ناقش الوفد الروسي مع الجانب السوري الخطوات الواجب اتخاذها في الظروف الراهنة في شرق وغرب شمال سوريا، حيث تقوم روسيا بدور الوسيط بين كافة الجهات المعنية، وعلى أساس تطور الأحداث، واستنادا إلى موقف روسيا الثابت بشأن السيادة ووحدة الأراضي السورية».
وفي المسار ذاته، أكدت موسكو على ضرورة القيام بتحركات سريعة ومحددة للإصلاحات الداخلية، وهذا ينسحب على ضرورة عدم عرقلة عمل اللجنة الدستورية أو المسار السياسي عموما. وهنا من المهم الإشارة إلى ما نقلته وسائل إعلام عن مصدر مطلع على تفاصيل الزيارة رأى أن جوهر الرسالة الروسية هو «إذا لم يُقدم الأسد على إصلاحات، فسيبقى بلا تمويل، وفقط في جزء من سوريا. سيكون هذا قراره، وعليه أن يتحمل نتائجه».



توجّه حوثي لإنشاء كيان يتولّى مراقبة صالات الأعراس

حوثيون يغلقون صالة مناسبات في صنعاء (إكس)
حوثيون يغلقون صالة مناسبات في صنعاء (إكس)
TT

توجّه حوثي لإنشاء كيان يتولّى مراقبة صالات الأعراس

حوثيون يغلقون صالة مناسبات في صنعاء (إكس)
حوثيون يغلقون صالة مناسبات في صنعاء (إكس)

تعتزم الجماعة الحوثية في اليمن تأسيس كيان نقابي جديد يتولى مهمة تشديد الرقابة على عمل صالات الأعراس والمناسبات في العاصمة المختطفة صنعاء وبقية المدن تحت سيطرة الجماعة.

جاء ذلك خلال دعوة وجهتها ما تسمى الغرفة التجارية والصناعية الخاضعة للحوثيين في صنعاء لمُلاك صالات الأعراس والمناسبات تحضهم على حضور ما تسميه اللقاء التأسيسي لقطاع صالات الأعراس والمناسبات تحت إدارة ورعاية وإشراف قيادات في الجماعة.

جانب من اجتماع قيادات حوثية تدير أجهزة أمنية في صنعاء (إعلام حوثي)

يتزامن هذا التحرك مع شن الجماعة مزيداً من حملات فرض الإتاوات والابتزاز والاعتقال لمُلاك صالات الأعراس والفنانين والمُنشِدين بذريعة حظر الغناء والتصوير وكل مظاهر الفرح، ضمن مساعيها لإفساد بهجة السكان وتقييد حرياتهم.

ووضعت قيادات حوثية تُدير شؤون الغرفة التجارية في صنعاء شروطاً عدة للانضمام والمشاركة في اللقاء التأسيسي المزعوم، من بينها امتلاك مالك القاعة الذي سيحضر سجلاً تجارياً، وأن تكون بطاقة عضويته في الغرفة الحوثية مُجدَّدة لعام 2024، كما حدّدت الجماعة يوم 11 من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، موعداً لانعقاد اللقاء التأسيسي لمُلاك صالات الأعراس.

وسبق للجماعة الحوثية أن داهمت في أواخر مايو (أيار) العام الماضي، مقر الغرفة التجارية والصناعية في صنعاء، وعيّنت أحد عناصرها رئيساً لها بالقوة، وأزاحت رئيس وأعضاء مجلس الإدارة المنتخبين.

ويقول ناشطون حقوقيون في صنعاء إن إنشاء هذا الكيان الرقابي يندرج ضمن توجه الجماعة لفرض كامل السيطرة على القطاع، وإرغام الصالات على الالتزام بالتعليمات فيما يخص حظر الأغاني، ودفع مزيد من الإتاوات والجبايات.

دهم وخطف

أكدت مصادر محلية في محافظة عمران (شمال صنعاء) قيام الجماعة الحوثية باختطافات وإجراءات تعسفية ضد ملاك صالات الأعراس والمنشدين، كان آخرها قيام القيادي في الجماعة أبو داود الحمزي المعيّن مديراً لأمن مديرية خمر باعتقال المُنشد محمد ناصر داحش، وثلاثة من أعضاء فريقه الإنشادي من صالة عُرس وسط المدينة.

وأكدت المصادر لـ«الشرق الأوسط»، أن الحمزي ومسلحيه اقتحموا صالة العُرس، وباشروا بمصادرة ونهب ما فيها من أجهزة ومعدات، وخطف مالك الصالة والمُنشد وفريقه، والزج بهم في أحد السجون.

حالة هلع بحفل زفاف اقتحمه حوثيون لمنع الغناء في عمران (إكس)

ويتهم القيادي الحمزي، وفق المصادر، المُنشد داحش بتحريض الفنانين والمُنشدين وملاك قاعات الأفراح والسكان بشكل عام على رفض القرارات التعسفية الصادرة عن جماعته، التي تشمل منع الأغاني في الأعراس.

وصعدت الجماعة على مدى الفترات الماضية من عمليات الدهم والمصادرة والخطف التي ينفّذها عناصر تابعون لها تحت اسم «شرطة الأخلاق»، ضد قاعات الأفراح والفنانين.

وأرغم الحوثيون، أخيراً، نساء يمنيات في مناطق بمحافظة إب على ترديد «الصرخة الخمينية»، والاستماع إلى الزوامل الحوثية داخل صالات الأعراس، مقابل السماح لهن بإقامة الأفراح في الصالات بعد الالتزام بالشروط كافة.

كما فرض الانقلابيون في منتصف الشهر الماضي قيوداً مُشددة على مُلاك قاعات الأعراس في ريف صنعاء، حيث حددوا وقت أعراس النساء في الصالات إلى الساعة الثامنة مساءً، ومنعوا التصوير ومكبرات الصوت، كما حظروا دخول العريس للقاعة لأخذ عروسه، ومنعوا استدعاء الفنانين والفرق الغنائية في الأعراس.