العقوبات تربك تشكيل الحكومة اللبنانية وتدفع إلى خلط الأوراق

اللواء إبراهيم يعود من باريس حاملاّ الموقف الفرنسي

TT

العقوبات تربك تشكيل الحكومة اللبنانية وتدفع إلى خلط الأوراق

عاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم من باريس حاملاً في جعبته الخبر اليقين حول الموقف الفرنسي من العقوبات الأميركية المفروضة على المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي نبيه بري، الوزير السابق علي حسن خليل، والوزير السابق يوسف فنيانوس المنتمي إلى تيار «المردة»، بزعامة الوزير السابق سليمان فرنجية، وما إذا كانت مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان بتشكيل حكومة مستقلة لوقف الانهيار المالي والاقتصادي ما زالت على قيد الحياة، أم أن العقوبات أدَّت إلى وأدها في مهدها، وحالت دون ولادة الحكومة في نهاية هذا الأسبوع.
وأطلع اللواء إبراهيم رئيس الجمهورية فور عودته من باريس على نتائج مباحثاته مع السفير برنار ايمييه والفريق المكلف متابعة المبادرة الفرنسية، لا سيما ما وصل إليه مسار تشكيل الحكومة. ونقل إبراهيم إلى الرئيس عون اهتمام فرنسا بمتابعة ما اتفق عليه خلال زيارة ماكرون، خصوصاً لجهة الإسراع في تشكيل الحكومة التي يجب أن تضم اختصاصيين في مجالاتهم لا يلقون معارضة من ممثلي الأحزاب.
فالعقوبات الأميركية أحدثت إرباكاً قد يدفع (كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط») باتجاه إعادة خلط الأوراق على خلفية اضطرار الثنائي الشيعي إلى التصلُّب والتعامل معها على أنها رسالة أميركية تتجاوزه إلى إحباط الجهود الرامية إلى تهيئة الظروف لتأمين ولادة طبيعية لحكومة الرئيس مصطفى أديب.
وفي المقابل، هناك مَن يعتقد أن العقوبات الأميركية يمكن أن تكون بمثابة كاسحة ألغام يراد منها تنعيم مواقف الأطراف المعنية بولادتها، وتحديداً الثنائي الشيعي، إضافة إلى تمرير رسالة للرئيس ماكرون مفادها أنه لا مجال للانفتاح على «حزب الله» إلا من خلال الاستراتيجية التي تعتمدها واشنطن لتضييق الخناق عليه لإجباره على الانكفاء إلى الداخل اللبناني ووقف تدخّله في الشؤون الداخلية العربية لزعزعة استقرارها.
وبكلام آخر، فإن الصدمة التي أحدثتها العقوبات الأميركية قد تؤدي (بحسب المصادر) إلى تجميد المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة، مع أنها بدأت تحقق تقدماً ملموساً ما لم يبادر «حزب الله» إلى تغيير سلوكه في الداخل، وامتداداً في الخارج، لأنه بذلك ينقذ المبادرة الفرنسية ويعيد إليها الروح، لأن سَحْبها من التداول يقطع الطريق على إيجاد البدائل لإنقاذ لبنان وانتشاله من الهاوية، باعتبار أنها تشكل الفرصة الأخيرة التي قد لا تتكرر بالتزامن مع عودة الاهتمام الدولي بلبنان.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن هناك ضرورة للخروج من الصدمة التي أحدثتها العقوبات الأميركية لمصلحة الانفتاح على المبادرة الفرنسية، في حال أن الموفد الرئاسي اللواء إبراهيم عاد من باريس بمعطيات تؤكد أنها ما زالت قائمة، وتؤكد أن «الثنائي الشيعي»، وإن كان تعامل مع العقوبات على أنها رسالة موجّهة ضده، فإن لديه القدرة على تجاوزها رغبة منه في الحفاظ على علاقته بفرنسا.
وتقول إن اعتقاد البعض بأن العقوبات تتجاوز الثنائي الشيعي إلى ضرب المبادرة الفرنسية يتطلب منه الالتفاف على العقوبات لمصلحة الانفتاح على مبادرة ماكرون، وألا يكون قد أوقع نفسه في المأزق الذي لن يتسبب بإزعاج واشنطن إذا صح ما يقال بأنها ليست في وارد أن تبلع هذه المبادرة، وتنظر إليها بإيجابية.
أما في حال اعتقاد هذا البعض بأن التوقيت الأميركي الذي اختارته واشنطن لفرض العقوبات تلازم مع وجود ماكرون في بيروت، في الوقت ذاته الذي أعلن فيه مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، بأن رزمة من العقوبات ستصدر هذا الأسبوع، كما حصل بالفعل، وبالتالي لضرب المبادرة الفرنسية، فإن الذين يشاركون في المشاورات لتأليف الحكومة كانوا على علم بصدورها كدفعة أولى تليها دفعة ثانية من العقوبات تصدر قريباً.
لذلك، فإن مشاورات التأليف بدأت بالتزامن مع صدور العقوبات، وهذا يعني بأنها لم تشكل مفاجأة، وأن المعنيين بها استمروا في مشاوراتهم، قبل أن تتوقف مع رد فعل الثنائي الشيعي عليها، رغم أنها أدت إلى وجود استعداد لرفع عدد الوزراء من 14 إلى 18 أو 20 وزيراً اقترن بانفتاح شيعي على مبدأ المداورة قبل أن ينقلب الثنائي الشيعي على موقفه بإصراره على التمسك بوزارة المالية كرد فعل منه على العقوبات.
وعليه، فإن الغموض المفاجئ الذي بات يتحكّم بمصير الخطوات اللاحقة لاستكمال المشاورات الخاصة بالتأليف لن يطول ولا بد من أن يتوضّح في ضوء الموقف الفرنسي الذي يحمله معه اللواء إبراهيم ليكون في وسع الأطراف المعنية بالتأليف أن يكونوا على بيّنة من الخطوات التالية التي سيقوم بها ماكرون.
ومع وضوح الموقف الفرنسي، فإن مصير تأليف الحكومة يقترب حالياً من مرحلة الحسم، وربما قبل انتهاء المهلة التي حددها ماكرون لولادتها، فهل سترى النور أم أن لبنان سيدخل في نفق لا يستطيع هذا الطرف أو ذاك التكهُّن إلى أين سيأخذ البلد الغارق، في نكباته، في ظل غياب مَن يمدّ له يد العون بعد إهدار فرصة لإنقاذه، التي كان لرؤساء الحكومات السابقين دور في فتح كوّة في حائط الأزمة، أحيت الأمل بوقف انهياره، لكنها سرعان ما أعادته إلى نقطة الصفر؟



الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة تطالب بإغاثة 10 ملايين يمني

الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)
الاستجابة الأممية في 2025 تركز على إغاثة قرابة 4 ملايين نازح يمني (الأمم المتحدة)

بالتزامن مع تحذيرها من تفاقم الأزمة الإنسانية، ووصول أعداد المحتاجين للمساعدات العاجلة إلى أكثر من 19 مليون شخص، أطلقت الأمم المتحدة وشركاؤها خطة الاستجابة للاحتياجات الإنسانية في اليمن للعام الحالي لمساعدة أكثر من 10 ملايين محتاج.

ويأتي ذلك في ظل تراجع حاد للعملة اليمنية، إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق، بعد تجاوز سعر الدولار 2160 ريالاً في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، التي عجزت عن سداد رواتب الموظفين منذ 4 أشهر، بعد أكثر من عامين من تسبب الجماعة الحوثية في توقف تصدير النفط، واشتداد أزمات الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في عدن حيث العاصمة المؤقتة للبلاد لأكثر من نصف اليوم.

ودعت الأمم المتحدة المجتمع الدولي والمانحين إلى توفير مبلغ 2.47 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية لليمن للعام الحالي، لتلبية الاحتياجات الإنسانية العاجلة لأكثر من 19.5 مليون شخص.

وجاءت الدعوة على لسان جوليان هارنيس، منسق الشؤون الإنسانية في اليمن، الذي طالب بتقديم الدعم اللازم لضمان الوصول إلى الفئات الأكثر ضعفاً وتقديم المساعدات المنقذة للحياة لـ10.5 مليون شخص، مشيراً إلى أن الجهود السابقة خلال العام الماضي، شملت أكثر من 8 ملايين شخص بدعم تجاوز 1.4 مليار دولار.

نصف الأطفال اليمنيين يعانون من سوء تغذية وتعدّ النساء والفتيات من الفئات الأكثر ضعفاً (الأمم المتحدة)

وشدَّد هاريس على أن الاحتياجات خلال العام الحالي تتطلب استجابة أوسع وأكثر شمولية لتحقيق الاستقرار وبناء قدرة المجتمعات على الصمود، منوهاً بأن تدهور الأوضاع الاقتصادية، والظروف المناخية القاسية، والتطورات العسكرية الإقليمية أسهمت في مضاعفة الاحتياجات الإنسانية.

ويواجه نصف السكان تقريباً انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، ويعيش أكثر من 13 مليون شخص في ظل نقص حاد في مياه الشرب النظيفة، بينما تعمل 40 في المائة من المرافق الصحية بشكل جزئي أو لا تعمل.

وكانت الأمم المتحدة طالبت العام الماضي بـ2.7 مليار دولار لخطة الاستجابة الإنسانية، لكنها لم تحصل سوى على تعهدات ضئيلة، ما تسبب في عجز كبير في تلبية احتياجات المستهدفين.

تناقض الاحتياجات والمطالب

ويؤكد جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أرقام الاحتياجات الإنسانية التي تعلن عنها الأمم المتحدة ووكالاتها والمنظمات الدولية، لكنه يشير إلى التناقض بين ما تعلن عنه من احتياجات ومساعيها للحصول على تمويل لتلبية تلك الاحتياجات، إلى جانب عدم قدرتها على الوصول إلى المستهدفين بسبب نقص المعلومات والبيانات، بالإضافة إلى التغيرات الديموغرافية الحاصلة بفعل النزوح.

استمرار الصراع ترك اليمنيين في حالة احتياج دائم للمساعدات (الأمم المتحدة)

وفي تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أعرب بلفقيه عن مخاوفه من عدم إمكانية الحصول على المبالغ المطلوبة لصالح الاستجابة الإنسانية بسبب سوء الترويج للأزمة الإنسانية في اليمن لدى المانحين، لافتاً إلى أن طرق تعامل المنظمات الدولية والأممية في الإغاثة لم تتغير منذ عام 2015، رغم فشلها في تلبية احتياجات اليمنيين، وإنهاء الأزمة الإنسانية أو الحد منها.

وقبيل إطلاقها خطة الاستجابة الإنسانية للعام الحالي، حذّرت الأمم المتحدة، من اشتداد الأزمة الإنسانية في اليمن، بعد تجاوز أعداد المحتاجين إلى مساعدات إنسانية هذا العام 19.5 مليون شخص، بزيادة قدرها 1.3 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، مبدية قلقها على الأطفال الذين يعانون من سوء تغذية، وعلى الفئات الأكثر تهميشاً من بينهم، مثل النساء والفتيات والنازحين البالغ عددهم 4.8 مليون شخص.

وقالت نائبة رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، جويس مسويا، أمام مجلس الأمن الدولي إنّ اليمنيين ما زالوا يواجهون أزمة خطرة على الصعيدين الإنساني وحماية المدنيين، مشيرة إلى أن تقديرات النداء الإنساني للعام الحالي الذي يجري إعداده، كشفت عن تفاقم الأزمة.

وباء الكوليرا عاد للتفشي في اليمن بالتزامن مع ضعف القطاع الصحي (رويترز)

ووفق حديث مسويا، فإنّ نحو 17 مليون يمني، أي ما يقدر بنصف سكان البلاد، لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وما يقرب من نصف الأطفال دون سنّ الخامسة يعانون من تأخر خَطرٍ في النمو بسبب سوء التغذية، مع انتشار مروّع لوباء الكوليرا، بينما يعاني النظام الصحي من ضغوط شديدة.

انهيار العملة

وواصلت العملة اليمنية تراجعها إلى أدنى المستويات، وتجاوز سعر العملات الأجنبية المتداولة في البلاد 2160 ريالاً للدولار الواحد، و565 ريالاً أمام الريال السعودي، بعد أن ظلت تتراجع منذ منتصف العام الماضي، وهي الفترة التي شهدت تراجع الحكومة اليمنية عن قراراتها بفرض حصار على البنوك التجارية المتواطئة مع الجماعة الحوثية.

ويرجع الخبراء الاقتصاديون اليمنيون هذا الانهيار المتواصل للعملة إلى الممارسات الحوثية ضد الأنشطة الاقتصادية الحكومية، مثل الاعتداء على مواني تصدير النفط الخام ومنع تصديره، وإجبار الشركات التجارية على الاستيراد عبر ميناء الحديدة الخاضع للجماعة، إلى جانب المضاربة غير المشروعة بالعملة، وسياسات الإنفاق الحكومية غير المضبوطة وتفشي الفساد.

العملة اليمنية واصلت تدهورها الحاد خلال الأشهر الستة الماضية (رويترز)

ويقدر الباحث الاقتصادي اليمني فارس النجار الفجوة التمويلية لأعمال الإغاثة والاستجابة الإنسانية، بأكثر من 3 مليارات دولار، ويقول إن تراكمات هذا العجز خلال السنوات الماضية أوصل نسبة تغطية الاحتياجات الإنسانية في البلاد إلى 52 في المائة.

ولمح النجار في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى تضرر الاقتصاد اليمني بفعل أزمة البحر الأحمر وما سببته من تحول طرق التجارة العالمية أو ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، مع عدم بروز إمكانية لتحسن اقتصادي دون توقف الجماعة الحوثية عن ممارساتها أو إلزامها بالكف عنها، بالتوازي مع إجراءات داخلية لتحسين الإيرادات.

استهداف الحوثيين للسفن التجارية في البحر الأحمر ضاعف من تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

وحثّ النجار الحكومة اليمنية على اتباع سياسات تزيد من كفاءة تحصيل الإيرادات المحلية، وتخفيف فاتورة الاستيراد، ومن ذلك تشجيع الأنشطة الزراعية والسمكية وتوفير فرص عمل جديدة في هذين القطاعين اللذين يشكلان ما نسبته 30 في المائة من حجم القوى العاملة في الريف، وتشجيع زراعة عدد من المحاصيل الضرورية.

يشار إلى أن انهيار العملة المحلية وعجز الحكومة عن توفير الموارد تسبب في توقف رواتب الموظفين العموميين منذ 4 أشهر، إلى جانب توقف كثير من الخدمات العامة الضرورية، ومن ذلك انقطاع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لمدد متفاوتة تصل إلى 14 ساعة يومياً.