من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية
TT

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

من التاريخ: الحرب الأهلية الأميركية

تكاد كل دولة بعد بنائها أن تتعرض لحرب أهلية داخلية ويكون ذلك عندما تلجأ الفرق السياسية أو الدينية المختلفة فيها إلى الصراع المسلح من أجل فرض أهدافها فيكون الحوار قد نفد ويبقى العنف هو الحل الأخير أمام هذه الفرق، وقد تعرضت الكثير من الدول لهذه الأزمات في مراحل تكوينها الأساسية عبر تاريخها، وعادة ما تكون أسباب هذه الحروب الأهلية مرتبطة بشكل مباشر بالتركيبة الاجتماعية والسياسية والثقافية مجتمعة وعندئذ تكون حدة الصراع المسلح كبيرة للغاية بسبب عدم تجانس هذا المجتمع، ويكون الهدف من هذه الحروب إما السلطة والسيطرة السياسية، أو محاولة فرض طابع اجتماعي - ثقافي جديد على الدولة ككل أو الإبقاء على هذا النظام أمام الفرق المطالبة بالتغيير، وفي أغلبية الأحوال لا يكون العامل الاقتصادي وحده سببا في مثل هذه الحروب، وتشير الكثير من حالات الحروب الأهلية عبر التاريخ الحديث إلى أن الحروب الأهلية تكون مرتبطة بشكل مباشر بعملية تكوين الدولة وبمحاولة فرض مفاهيم الشرعية بداخلها، ولذلك فقد يربطها البعض بمراحل نشأة الدولة، ولكن هذه ليست قاعدة فقد تنشب مثل هذه الحروب عندما يكون هناك عملية تغيير لمفهوم الشرعية داخل الدولة الراسخة، والأمثلة على ذلك كثيرة للغاية مثل إنجلترا خلال القرن السابع عشر، وفرنسا بعد الثورة الفرنسية، والكثير من دول أوروبا في مرحلة الربيع الأوروبي عام 1848، وهنا فإن هذه الحروب لا تكون بسبب النشأة ولكن لعوامل التغيير.
وفي هذا الإطار فإن الولايات المتحدة الأميركية لم تكن استثناء من هذه القاعدة، فلقد تكاملت الولايات الـ13 وواجهت بجيشها الوليد والموحد الجيش البريطاني العتيد بهدف الاستقلال حتى نالته بعد إعلان الاستقلال بأعوام قليلة، وقد تمت صياغة الدستور الأميركي بشكل يضمن نوعا من التوازن الدقيق بين الولايات المختلفة آخذا في الاعتبار أحجامها المختلفة بشكل مثّل سابقة فريدة من نوعها في الأنظمة السياسية التي كانت سائدة في العالم الحديث، وقد تغلبت هذه الدولة الوليدة على كافة المصاعب بمرور الوقت، ولكنها لم تستطع وقاية نفسها من شرور الحرب الأهلية التي اندلعت عام 1861 والتي كانت حربا مختلفة بعض الشيء، فهي لم تكن مرتبطة بمحاولة ولاية أو أخرى تغيير النظام السياسي للدولة أو عملية إعادة توازن أو توزيع للقوة، بل كانت لأسباب اقتصادية اجتماعية في الأساس.
لا يختلف أغلبية المؤرخين في اعتبار العبودية السبب الأساسي وراء اندلاع هذه الحرب الأهلية، ولولاها لما اندلعت هذه الحرب، فلقد كانت التركيبة الاقتصادية والاجتماعية الأميركية تختلف عن مثيلاتها في العالم، فولايات الشمال القوية كانت تعتمد في الأساس على القاعدة الصناعية وبدرجة أقل الزراعة، وهو ما ساهم بشكل مباشر في خلق بيئة اجتماعية وثقافية مختلفة عن ولايات الجنوب التي اعتمدت على الاقتصاديات الزراعية في الأساس، فلقد أدى هذا النمط من التطور والتنمية في الشمال إلى خلق بيئة فكرية وثقافية وطريقة حياة مختلفة بشكل كبير عن الجنوب الذي لم يستطع بدوره أن يطور من نفسه بالشكل المطلوب، فلقد كانت اقتصاديات الولايات الجنوبية تعتمد في الأساس على الزراعة، خاصة زراعة القطن والسكر والتبغ وغيرها من السلع التي كانت تدر عائدا ماديا عاليا Cash Crops، وقد نتج عن ذلك اعتماد مباشر على العمالة التي لم تكن متوفرة بيسر بين أبناء طبقة ملاك الأراضي، وبالتالي ظهر توجه للاعتماد على الرق لزراعة الأراضي، فهذه الزراعات تحتاج إلى عمالة كثيفة Labor Intensive، وكلما توسعت دول الجنوب في التطور الاقتصادي الزراعي زادت الحاجة لمزيد من الرق، وتشير بعض الإحصاءات التاريخية إلى أن حجم العبيد الأميركي عند الاستقلال لم يتخط السبعمائة ألف، ولكن هذا الرقم قفز بشكل مباشر إلى ما يقرب من مليونين بحلول عام 1830. ثم قفز مرة أخرى إلى قرابة 4 ملايين بحلول عام 1860.
ورغم ذلك فإن ولايات الجنوب الأميركي لم تسع في أي مرحلة من مراحل تطورها لإدخال الصناعة لتخفف من حدة اعتمادها على الزراعة أو تُحدث تنويعا مطلوبا، وقد تعددت الآراء في السبب وراء هذا التكاسل الصناعي فمنها الآراء التي أرجعته إلى عدم ملاءمة البيئة الجنوبية لمثل هذه الحداثة، كما أن العبيد لم يكن من الممكن الاعتماد عليهم لمحاولة إقامة هذا النظام الاقتصادي، وبالتالي انحصرت القاعدة الصناعية في الجنوب على الصناعات المرتبطة بالزراعة مثل المنسوجات وغيرها، وقد أدى هذا إلى تطور اجتماعي للجنوب يختلف تماما عن الشمال، حيث انزلق هذا المجتمع في توجهاته الاجتماعية ومن ثم الثقافية المختلفة، فأصبح مجتمعا محافظا مبنيا على أشكال تشابه أنماط التطور في القرون الوسطى الأوروبية بتركيبة اجتماعية مختلفة تماما عن ولايات الشمال، وهو ما جعل الهوة تتسع بين الأهداف والمصالح في الشمال مقارنة بالجنوب.
حقيقة الأمر أن بذور الحرب الأهلية بدأت منذ تأسيس الولايات المتحدة الأميركية، فالتركيبة السياسية والاجتماعية دفعت الكثير من المفكرين ورجال الكنيسة والساسة لمحاولة القضاء على ظاهرة الرق وهو ما نظرت إليه ولايات الجنوب باعتباره سببا مباشرا في ضرب بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، وقد بدأت الأصوات المنادية بالقضاء على العبودية، وكان منهم بطبيعة الحال ساسة ومفكرون ممن ساهموا مباشرة في صياغة وثيقة الاستقلال وعلى رأسهم «جيمس ماديسون Madison» و«جون آدمز Adams»، ولكن هذه الحركة لم تخرج عن نطاق النداءات المجردة لتحرير الرق وتحريمه، ولم يكن من المستغرب أن تندلع هذه الحركة تدريجيا من ولاية «ماساشوستس» التي كانت مصدر حرب الاستقلال وأكثر الولايات تحضرا وثقافة، ولكن هذه الحركة سرعان ما بدأت تنتشر في الولايات الأخرى، ثم في ولايات الجنوب ذاتها، وبدأت حركة اجتماعية واسعة تطالب بضرورة التحرير، وسرعان ما اندلعت نيران التحرير إلى الجنوب أيضا، فبدأت تظهر الأصوات المنادية بإنهاء العبودية، ولكن المقاومة الجنوبية بدأت تظهر، حتى إن كثيرا من الكنائس في الجنوب بدأت تسعى من أجل وضع التبرير المناسب لهذه الظاهرة الاجتماعية على أسس دينية، مستندة إلى أن الرق وارد في العهد القديم والجديد على حد سواء دون التحريم، وأن السيد المسيح لم ينه العبودية، كما أن الحركات السياسية المناهضة لم تتأخر أيضا في هذا الاتجاه، وبحلول العقد الرابع من القرن الـ18 بدأت المناوشات السياسية داخل الكونغرس حيث سعى الكثير من الساسة لمحاولة استصدار تعديلاتهم الدستورية من أجل إلغاء الرق في الجنوب وهو ما واجهه ممثلو الجنوب بحروب كلامية وسياسية كبيرة للغاية في الكونغرس.
حقيقة الأمر أن هذه الحرب اندلعت في الكونغرس الأميركي قبل ساحات المعارك المختلفة على مدار 4 سنوات تلت ذلك، فبحلول عام 1818 صارت هناك 22 ولاية نصفها يجيز الرق والنصف الآخر يرفضه، وقد تم التوصل إلى حالات كثيرة من التوافق السياسي لمعالجة هذه الأزمة، منها «توافق ميزوري» الذي أجاز العبودية في ولاية «ميزوري» ومنعها في ولاية «ميين Maine» ثم تفجرت الأزمات بعد ذلك عندما توسعت الولايات المتحدة على حساب المكسيك، فماذا سيكون مصير الرق في هذه الولايات؟، وقد دخلت الولايات المتحدة في شبح الحرب بحلول خمسينات القرن التاسع عشر، وكان الحل هو مزيد من المواءمة والتوازن داخل الكونغرس وفي هذه الولايات حيث قرر الكونغرس أن يترك لهذه الولايات تحديد موقفها من مسألة الرق، خاصة ولايتي نيومكسيكو ويوتاه، وقد عُرف ذلك فيما بعد بالمواءمة 1850، خاصة بعدما تقرر أن تنضم ولاية كاليفورنيا إلى الولايات المتحدة على أساس أنها ولاية مستقلة لها حق إجازة الرق من عدمه في إطار ما عُرف «بالسيادة الشعبية»، بينما تقرر على صعيد آخر تغليظ عقوبة العبيد الهاربين. وعلى مدار حقبة الخمسينات بدأ الحوار حول الرق يأخذ طابع التوترات السياسية إلى أن تحول في إحدى المناسبات للتطاول بالأيدي داخل الكونغرس، وهو ما كان يُنذر بأن انتشار العنف في الولايات أصبح مسألة وقت لا غير، وكانت ولاية كانساس هي المرشحة لتشهد ساحات من العنف جراء هذا النقاش المحتدم.
وهكذا أصبح القتال هو الحل الوحيد عندما تحول المشهد السياسي إلى خلاف بين الشمال والجنوب حول الرق خلافا سياسيا ممتدا إلى طريقة الحياة الجديدة التي ستنتهجها الولايات المتحدة، وهذا كان لب الأمر، فالحرب الأهلية أصبحت هنا أداة لتغيير طريقة ونمط الحياة وأسلوبها بين الشمال والجنوب كما سنرى.



تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي
TT

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي

 تايي أتسكي سيلاسي
تايي أتسكي سيلاسي

منصب رئيس الجمهورية في إثيوبيا شرفي، لا يتمتع شاغله بأي صلاحيات تنفيذية، وفقاً للدستور، الذي يعدّه رمزاً لوحدة الدولة وسيادتها. لكن مع ذلك، يرى مراقبون ومحلّلون أن خبرات تايي أتسكي سيلاسي، التي تمتد لما يزيد على 4 عقود في العلاقات الدولية، وتوافقه مع آبي أحمد رئيس الوزراء و«رجل إثيوبيا» القوي، من المزايا التي تؤهله للعب دور مؤثر في المشهد السياسي، لا سيما في مجالات حلِّ النزاعات الداخلية وتحقيق الوحدة الوطنية. وهذا، دون شك، تَوقُّع مبرّر لدى النظر إلى دوره في تعضيد موقف بلاده في الأمم المتحدة خلال أزمة إقليم التيغراي، ودعوته أخيراً لحوار مع مصر بشأن ملف «سد النهضة» المعقّد.

مسيرة دبلوماسية

وُلد تايي أتسكي سيلاسي يوم 13 يناير (كانون الثاني) 1956 في بلدة ديبارك، الواقعة في منطقة شمال غُندر بإقليم الأمهرة، الذي يُعَدَّ القلب السياسي والتاريخي لإثيوبيا، ويضم أبرز المجموعات العرقية النافذة في البلاد. وتلقَّى تعليمه العالي متخصصاً بالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، وتخرَّج في جامعة أديس أبابا، ثم تابع دراسته الأكاديمية بالحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة لانكستر البريطانية.

خدم تايي أتسكي سيلاسي بلاده في عدد من المحافل الدولية بصفته دبلوماسياً، وبدأ مسيرته العملية فور تخرجه بالعمل في وزارة الخارجية الإثيوبية، إذ شغل مناصب عدة من بينها مستشار إدارة أوروبا الغربية، ثم أصبح رئيساً لتلك الإدارة. وشملت أولى مهامه الدبلوماسية العمل في سفارتَي بلاده في استوكهولم وواشنطن.

كذلك، عمل تايي قنصلاً عاماً لإثيوبيا في مدينة لوس أنجليس بالولايات المتحدة، ثم مديراً لشؤون أوروبا والأميركتين. وشغل منصب سفير فوق العادة في سفارة إثيوبيا لدى مصر في الفترة ما بين عامَي 2017 و2018، وهو المنصب الذي يجعل البعض يتوقَّع منه لعب دور بارز في الفترة المقبلة، لا سيما مع ظل النزاع بين القاهرة وأديس أبابا بشأن «سد النهضة».

بعد ذلك، وفي عام 2018 مثَّل الرجل إثيوبيا في الأمم المتحدة بصفته ممثلها الدائم في نيويورك، إبّان فترة من أكثر الفترات اضطراباً في تاريخ إثيوبيا، وحينذاك لعب دوراً محورياً في الرد على الانتقادات الدولية لأديس أبابا خلال الصراع في إقليم التيغراي.

في عام 2023، عمل رئيس الجمهورية الجديد (68 سنة) مستشاراً للسياسة الخارجية لرئيس الوزراء آبي أحمد، ما قرّبه أكثر من دوائر الحكم والسلطة. وبالفعل، خلال الأشهر الأخيرة، وتحديداً منذ فبراير (شباط) الماضي، أدار تايي ملف السياسة والعلاقات الخارجية لبلاده بصفته وزيراً للخارجيّة، وبرز اسمه عبر تصريحات إعلامية في مختلف الملفات، قبل أن ينتخبه البرلمان رئيساً لإثيوبيا خلفاً لسهلي ورق زودي التي غدت عام 2018 أول امرأة تتولى هذا المنصب.

انتخابه رئيساً

وحقاً، أعلن رئيس البرلمان الإثيوبي تاغيس شافو، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، «انتخاب تايي أتسكي سيلاسي رئيساً جديداً لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية، مع امتناع 5 نواب فقط عن التصويت». وأدى الرئيس المنتخب اليمين الدستورية بحضور رئيس الوزراء آبي أحمد، قبل أن تسلمه الرئيسة المنتهية ولايتها الدستور.

تايي أتسكي سيلاسي... دبلوماسي مخضرم

عضد موقف إثيوبيا دولياً في أزمة التيغراي، ودعم هذه التكهنات منشور «مُبهم» للرئيسة المنتهية ولايتها عبر حسابها على «إكس»، أشارت فيه إلى «التزامها الصمت طوال سنة كاملة». وقد نقلت الـ«بي بي سي الأمهرية» (خدمة هيئة الإذاعة البريطانية باللغة الأمهرية) عن مصادر قريبة من زودي قولها إنها «لم تكن سعيدة... بل كانت تنتظر بفارغ الصبر نهاية فترة ولايتها».

انتقادات للرئيسة السابقة

ويشار إلى أن المرأة التي ترأست إثيوبيا بعد أشهر من تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء، وجّهت خلال فترة رئاستها دعوات عدة للسلام في جميع أنحاء البلاد، بيد أنها تعرّضت لانتقادات بحجة أنها «لم تتكلّم أكثر عن العنف القائم على النوع الاجتماعي طوال الحرب التي استمرّت سنتين في التيغراي».

مقابل ذلك، في خطابه الأول بصفته رئيساً منتخباً، دعا تايي إلى بناء «سلام شامل مستدام»، والحفاظ على النظام الدستوري، و«سيادة القانون». وقال: «إن عملية الحوار الوطني في إثيوبيا تظهر التزام البلاد بضمان السلام في جميع الجوانب».

ثم عبر استغلال خبراته الدبلوماسية، أشار الرئيس الجديد إلى «بذل جهود لتعزيز علاقات بلاده مع دول الجوار لزيادة المصالح الوطنية»، متعهداً بـ«الاهتمام بالعمل ذي المنفعة المتبادلة فيما يتعلق بالسلام والأمن والقضايا الاقتصادية من خلال التعاون الإقليمي». وأيضاً، أكد أن بلاده «ستواصل تعزيز جهودها لتحقيق رغبتها في التطور والنمو معاً في المنطقة».

أوضاع القرن الأفريقي

لم يغفل تايي أتسكي سيلاسي في خطابه ذاك منطقة القرن الأفريقي، التي شهدت توتراً في الفترة الأخيرة، وتكلّم عمّا وصفها بـ«دبلوماسية إثيوبية مفتوحة ومتسقة لإحلال السلام في القرن الأفريقي... بما في ذلك حل الصراع في السودان». وذهب أبعد، متعهداً بأن «تلعب أديس أبابا دوراً مهماً في ضمان السلام والأمن في القرن الأفريقي». وأردف قائلاً: «سنعمل على زيادة نفوذ إثيوبيا وتأثيرها الإيجابي في (منظمة) بريكس، وسنعزز التعاون مع الاتحاد الأفريقي والمؤسسات الدولية».

هذه التصريحات شجَّعت المراقبين على اعتبار انتخابه «فصلاً جديداً في تاريخ البلاد»، وبالأخص، في ظل ما تواجهه إثيوبيا من انقسامات داخلية وتحدّيات اقتصادية وصراعات سياسية مع دول الجوار.

مُدافع شرس عن الحكومة

لقد دافع تايي بقوة عن موقف حكومته إبّان الصراع بين قوات الحكومة الاتحادية من جهة، ومقاتلي «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، من جهة أخرى.

وأيضاً قال، أمام مجلس الأمن الدولي في منتصف عام 2021، وكان حينذاك سفيراً لبلاده لدى الأمم المتحدة، إن «طريقنا إلى الحوار والحل السياسي لن تكون مباشرة أو سهلة»، مضيفاً: «نركز في الوقت الحالي على كبح جبهة تحرير التيغراي، وعلى عمليات الإنقاذ، والوصول إلى مواطنينا الذين يعانون بشدة». وتحدّى الأمم المتحدة عندما أعلن رفض أديس أبابا أن يبحث المجلس النزاع في التيغراي، متذرّعاً بأنه «شأن داخليّ».

كذلك انتقد تايي تقارير الأمم المتحدة التي تحدَّثت عن «مجاعة تهدد الإقليم»، قائلاً: «نحن نختلف بشكل قاطع مع تقييم المنظمة الدولية بشأن المجاعة»، وإن الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية «لم تجمع هذه البيانات بطريقة شفافة وشاملة». وأضاف أن أديس أبابا «أتاحت الوصول إلى التيغراي من دون قيود، وهي ممتنة لوصول المساعدات الإنسانية الدولية، إلا أن الوضع في الإقليم لا يستدعي اهتمام مجلس الأمن».

وهنا، يشار إلى أن رئيس الوزراء آبي أحمد، كان قد أمر بشنّ هجوم عسكري واسع على إقليم التيغراي (شمال إثيوبيا) لنزع سلاح قادة «الجبهة الشعبية لتحرير التيغراي»، الحزب الحاكم في الإقليم، في حين أدّت أعمال العنف إلى قتل آلاف المدنيين وإجبار أكثر من مليونَي شخص على ترك منازلهم.

قضية «سد النهضة»

ملف آخر برز فيه اسم الرئيس الجديد أخيراً، لا سيما أنه سبق له شغل منصب وزير الخارجية، إذ بدأ يلعب دوراً لافتاً في أزمة «سد النهضة» الذي تبنيه إثيوبيا على الرافد الرئيسي لنهر النيل، وتخشى مصر أن يؤثر في حصتها من المياه.

والمعروف أن هذه الأزمة ما زالت تراوح في مكانها بعد عقد من المفاوضات التي انتهت دون نتيجة، وقد دفعت مصر للجوء لمجلس الأمن الدولي غير مرة.

في أغسطس (آب) الماضي، دعا تايي أتسكي سيلاسي، الذي كان وقتها وزيراً للخارجيّة الإثيوبية، مصر إلى «تجاوز الخلافات». وأعلن أن «أبواب بلاده مفتوحة للحوار والتفاوض معها؛ لإنهاء ملف الخلافات بشأن سد النهضة».

الدعوة هذه جاءت بعد تفاقم الخلافات مع الصومال على خلفية توقيع أديس أبابا «مذكرة تفاهم» مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، خلال يناير الماضي، وتعترف بموجبها أديس أبابا باستقلال الإقليم مقابل حصولها على ميناء وقاعدة عسكرية على البحر الأحمر.

هذه الاتفاقية رفضها الصومال ودول عربية عدة. وأعلنت مصر دعمها للصومال، وأرسلت مساعدات عسكرية لمقديشو، كما أنها تعتزم المشارَكة في قوات حفظ السلام في الصومال.

وعلى غرار دعوة تايي للحوار مع مصر بشأن أزمة «سد النهضة»، فإنه استخدم نهجاً مماثلاً حيال الأزمة مع الصومال عبر تشديده على أن «الخلافات يجب أن تحل عبر المفاوضات». لكن خطابه حمل، في الوقت ذاته، إشارات عدائية تجاه القاهرة عبر مطالبته بـ«الإحجام عن الاستعانة بقوى خارجية لتهديد أمن بلاده».

والحال، أن إثيوبيا عدّت تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال أمراً «يرقى إلى مستوى تدخل خارجي»، بحسب بيان لوزارة الخارجية في أغسطس الماضي.

من ناحية ثانية، ما كان اهتمام تايي أتسكي سيلاسي بملف «سد النهضة» مرتبطاً بشغله حقيبة الخارجية، لكنه كان محوراً من محاور كلمته الأولى أمام البرلمان عقب أدائه اليمين الدستورية رئيساً لإثيوبيا. وهو في أي حال أكد «اكتمال بناء السد وجولته الخامسة من الملء»، وتابع: «السد يمثل معلماً رئيسياً في رحلة التنمية في البلاد». ختاماً، لكون تايي دبلوماسياً محترفاً ومحنكاً، فهو يشدد باستمرار على أهمية دور إثيوبيا في تحقيق السلام والأمن الإقليميَّين، ويعوّل مراقبون على خبرته سفيراً سابقاً لدى مصر، وممثلاً لبلاده لدى الأمم المتحدة «لتعزيز مصالح أديس أبابا على الساحة الدولية». غير أنهم يتساءلون، في الوقت عينه، عمّا إذا كان سيتجاوز صلاحيات منصبه الشرفية، ويسهم في الحل العملي للنزاعات الداخلية والإقليمية، عبر التزام شعارات الوحدة والحوار، وفي خضم تحديات عدة تواجهها بلاده اقتصادياً وسياسياً. يتولى تايي رئاسة إثيوبيا بعد فترة سادت فيها تكهنات عدة بشأن خلاف

بين رئيسة الجمهورية سهلي ورق زودي ورئيس الحكومة آبي أحمد