شاشة الناقد: Mulan

ييفاي ليو في «مولان»
ييفاي ليو في «مولان»
TT

شاشة الناقد: Mulan

ييفاي ليو في «مولان»
ييفاي ليو في «مولان»

Mulan (وسط)
- الدجاجة التي تطير
- إخراج: ‪نيكي كارو ‬
- الولايات المتحدة – كندا - هونغ كونغ
- النوع: أكشن (2020)
المشكلة التي تتبلور منذ الدقائق الأولى لهذا الفيلم هو أنه من إنتاج مصنع ديزني. هذه المشكلة تسود العمل بأسره حتى عندما يتحسّن وضعه في مطلع نصفه الثاني بسبب ولوجه مشاهد القتال.
«مولان» هو فيلم مصنوع بإرشادات وشروط الشركة الماهرة في العرض الكبير الذي لا يقول الكثير. منذ البداية تتبدّى معالجته كما لو كان الفيلم رسوماً متحركة آخر من إنتاجات الشركة العملاقة، هناك تتعاضد العناصر الفنية كلها لمنح الفيلم مسحة ناعمة على أصعدة الموسيقى والتصوير والتوليف وسرد الحكاية ومعالجتها تماماً كحال Finding Nemo (سنة 2003) أو The Lion King (في العام الماضي).
لكن الأمر لا يتوقف على الصوت والصورة بحد ذاتيهما فقط، بل على المعنى (أو المعاني) المندثرة عن قرب تحت مستوى النظر المباشر. مولان (الصينية ييفاي ليو) فتاة تتميّز بقدرات خارقة. نتعرف إليها في قرية يحكمها والدها (تزي ما)، منبّهاً إياها أن عليها عدم الكشف عن قدراتها تلك، وترضى بواقع أنها أنثى عليها أن تتزوّج وتنجب وتكوّن أسرة. عندما يتم إخطار العائلة بأن عليها أن تختار ولداً ذكراً لإرساله ليخدم في جنود الإمبراطور المستهدف من قِبل غزاة الشمال الذين يقودهم بوري خان (جاسون سكوت لي) يصبح لزاماً على الأب التطوّع بنفسه كونه لم ينجب ذكوراً. أمر لا ترضاه مولان فتتنكر في زي صبي وتنطلق للخدمة العسكرية.
خلال المعركة الكبيرة الأولى يصبح لزاماً على مولان الكشف عن هويتها أمام قائد جنود الإمبراطور ومحاربيه. تلك المعركة وما تلاها من معارك تلبّي الحاجة لمشاهد من النوع التاريخي الذي تسوده الرماح والسيوف والمطارق والسهام والكثير من فانتازيات الحركة والقدرات الخيالية. هذا كله مقبول لكن ما لا يُقبل، حتى ضمن هذه الشروط، أن نشاهد، في مطلع الفيلم وكجزء من واقع القرية التي تعيش فيها مولان، دجاجة تهرب من مولان التي تود إعادتها إلى القفص، وفي غضون ذلك تطير بارتفاع ثلاثة طوابق إلى السطح ليس لأنها تخفي قدرات أخرى غير البروتين، بل لأنه قرار كُتاب الفيلم الذي اختلط عليهم الأمر فعاملوا الدجاجة كالحمامة.
من بين المعاني المندثرة التي أشرت إليها أعلاه توفير صورة لما هو ذكوري وأنثوي. تأييد الفيلم لأنثوية البطلة التي عليها أن تخرج عن التقليد والمعتاد كشرط لاكتشاف حقيقة ذاتها. لا شيء ضد هذه الرسالة سوى أنها تخلو من العمق في هذا الفيلم، وتبدو مثل ورقة شجر تطوف فوق سطح ماء النهر إلى الأبد.
ما يجعل هذه الرسالة غير قادرة على أن تكون من صلب الثقافة الصينية (بما أن ديزني مهتمّة بالصين أو بالأحرى بما تستطيع أن تجنيه منه، مما جعل الرئيس ترمب على حق عندما أعاب على ديزني انبطاحها) حقيقة أننا نعلم أن الصورة الظاهرة لا تعكس الثقافة الفعلية، بل هي نسخة متداولة مطبوعة يتم لصقها فوق الصورة الواقعية. بذلك، يكاد المرء أن يسمع سخرية المشاهدين الصينيين، وهم يرون تنميطهم تحت ستار الاحتفاء بأبطالهم.


مقالات ذات صلة

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

يوميات الشرق فيلم «البحث عن رفاعة» يتناول مسيرة رفاعة الطهطاوي (فيسبوك)

«البحث عن رفاعة»... وثائقي يستعيد سيرة «رائد النهضة المصرية»

يستعيد الفيلم الوثائقي المصري «البحث عن رفاعة» سيرة أحد رواد النهضة الفكرية في مصر ببدايات القرن الـ19، رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دور مهم في التعليم.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق المحيسن خلال تصوير فيلمه «ظلال الصمت» (موقعه الشخصي)

عبد الله المحيسن لـ«الشرق الأوسط»: خسرت أموالاً كثيرة بسبب الفن

أكد رائد السينما السعودية، المخرج عبد الله المحيسن، أن تجربته في العمل الفني لم تكن سهلة على الإطلاق، متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» عن الصعوبات التي واجهها.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق شكري سرحان وشادية في أحد أفلامهما (يوتيوب)

لماذا تفجر «الآراء السلبية» في الرموز الفنية معارك مجتمعية؟

أثارت واقعة التشكيك في موهبة الفنان الراحل شكري سرحان التي فجرها رأي الممثلين أحمد فتحي وعمر متولي عبر أحد البرامج ردود فعل متباينة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز (د.ب.أ)

كاميرون دياز: عشت أفضل سنوات حياتي أثناء اعتزالي للتمثيل

قالت الممثلة الأميركية الشهيرة كاميرون دياز إن فترة الـ10 سنوات التي اعتزلت فيها التمثيل كانت «أفضل سنوات في حياتها».

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق في فيلمه السينمائي الثالث ينتقل الدب بادينغتون من لندن إلى البيرو (استوديو كانال)

«بادينغتون في البيرو»... الدب الأشهر يحفّز البشر على مغادرة منطقة الراحة

الدب البريطاني المحبوب «بادينغتون» يعود إلى صالات السينما ويأخذ المشاهدين، صغاراً وكباراً، في مغامرة بصريّة ممتعة لا تخلو من الرسائل الإنسانية.

كريستين حبيب (بيروت)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
TT

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)
المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن لثلاثين سنة مقبلة.

بالنسبة لجوستن (نيكولاس هاولت) في جديد كلينت إيستوود «محلّف رقم 2» (Juror ‪#‬2) هناك طريقة ثانية. بوصفه محلّفاً في القضية المرفوعة في المحكمة سيحاول بعثرة قناعات المحلّفين الآخرين من أن المتهم هو مذنب بالفعل، وذلك عن طريق طرح نظريات (وليس براهين) لإثارة الرّيب في قناعات الآخرين. ليس أن قناعات الآخرين ليست مدفوعة بقصر نظر أو أنانيات أو الرغبة في الانتهاء من المداولات والعودة إلى ممارسة نشاطات أخرى، لكن المحور هو أن جوستن واثق من أن جيمس (غبريال باسو) لم يقتل المرأة التي تشاجر معها والمتهم بقتلها. جيمس لا يملك الدليل، لقد شُوهد وهو يعنّفها في تلك الليلة الماطرة واعترف بأنه وصديقته كثيراً ما تشاجرا، لكنه أكد أنه لم يلحق بها في تلك الليلة المعتمدة ويدهسها. من فعل ذلك، ومن دون أن يدري، هو جيمس وهو في طريق عودته إلى البيت حيث تنتظره زوجته الحامل.

ليوناردو دي كابريو في «ج. إدغار» (وورنر)

بدوره، لم يُدرك في ذلك الظلام وفي تلك الليلة الممطرة فوق ذلك الطريق خارج المدينة ما صدم. ظن أنه غزالاً عابراً. نزل من السيارة ونظر حوله ولم يجد شيئاً ركب سيارته وانطلق مجدداً.

لكنه الآن يُدرك أنه صدم تلك المرأة التي يُحاكم صديقها على جريمة لم يرتكبها. لذا يسعى لإصدار قرار محلّفين ببراءته.

محاكمات مفتوحة

يؤسّس إيستوود (94 سنة) في فيلمه الجديد (وربما الأخير) لما سبق، ثم يُمعن في إضافة تعقيدات على الحبكة تتناول موقف جوستن المصيري، موقف باقي المحلّفين حياله ثم موقف المدعية العامّة فايث (توني كوليت) التي لا يُخالجها أي شك في أن جيمس هو القاتل. في بالها أيضاً أن فوزها في هذه القضية سيساعدها على الارتقاء إلى منصب أعلى.

إنه فيلم محاكمات وليس فيلم محاكمة واحدة. كعادته يُلقي إيستوود نظرة فاحصة وناقدة على كل ما يرد في أفلامه. على بطله الذي تشبّع بالقتل خلال الحرب العراقية في «قنّاص أميركي» (American Sniper)، ومن خلاله حاكم الحرب ومسؤولية من أرسله إلى هناك.

«محلّف رقم 2» خلال المداولات (وورنر)

في «بيرد» (Bird) قدّم سيرة حياة عازف الجاز تشارلي بيرد بايكر الذي سقط مدمناً على المخدّرات، ومن خلاله الطقوس التي تُحيط بأجوائه والمسؤولة عن مصيره.

نراه في «ج. إدغار» (J‪.‬ Edgar) يعرض لحياة ج. إدغار هوڤر، واحد من أقوى الشخصيات السياسية في الولايات المتحدة خلال القرن العشرين، لكنه يمضي ليحاكمه باحثاً في استخدامه سُلطته لهدم الآخرين. وعندما تناول جزءاً من سيرة حياة المخرج جون هيوستن، ذلك الجزء الذي أمضاه في أفريقيا ببندقية اصطاد بها الفيلة، انتقد هذا المنوال ودوافعه وتبعاته.

أما في «سُلطة مطلقة» (Absolute Power) فخيّر المُشاهد ما بين الحكم على لص منازل أو الحكم على رئيس الجمهورية الذي شاهده اللص وهو يقتل عشيقته.

في الواقع كل أفلام إيستوود مخرجاً (من منتصف السبعينات وما بعد) كانت سلسلة من محاكماته للمجتمع. للسُلطة، للقانون، للسياسة، للإعلام وللمصالح التي تربطها مع بعضها بعضاً، ومن ثم الفرد الواقع ضحية كل ذلك التآلف.

في «محلّف رقم 2» يعمّق منظوره من دون أن يشعر المُشاهد بأي ثقل أو عناء. بالنسبة إلى إيستوود هو أستاذ في كيف يطرح الأفكار العميقة والحبكات المستعصية بأسلوب سهل تستطيع أن تأخذه كعمل تشويقي أو تذهب به لما بعد به متجاوزاً حبكته الظاهرة إلى تلك البعيدة.

المواقف في هذا الفيلم متعددة. جوستِن يضع عدداً من رفاقه المحلّفين في شكوك ويُثير غرابة عدد آخر. أحدهم يخبره بأنه يقرأه ككتاب مفتوح ملئ بالنظريات، لكن من دون براهين. يسأله لماذا. جوستن لا يستطيع الإجابة على هذا السؤال.

رقصات التانغو

هو دراما محاكمات، كما كثير من الأفلام من قبله ومن بعده، «12 رجلاً غاضباً» (12Angry Men) الذي حققه سيدني لومَت في 1957 ويُشار إليه أحياناً بأنه أفضل فيلم محاكمات (نظرة موضع نقاش)، لكن على عكس معظمها من ناحية طروحاتها وأبعادها من ناحية، وعلى عكسها على نحو جامع من حيث تخطيه الشكل المستطيل المعتاد لأفلام المحاكمات. مثال، عوضاً أن يقضي إيستوود الوقت في قاعة المحكمة، يقطع قبلها وخلالها وبعدها لمشاهد خارجية داعمة. وعوض تقديم الأحداث كمشاهد استرجاعية (Flashbacks) يوردها ضمن تداول المحكمة كمشاهد موازية لما يدور متجنّباً مشاهد داخلية طويلة.

لا يترك إيستوود نافذة مفتوحة ولا يستخدم مواقف للتخفيف ولا يضيّع الوقت في سردٍ مُعاد أو موقف مكرر. هو أذكى من الوقوع في رقصات التانغو التي تسميها هوليوود اليوم أفلاماً.

فيلم إيستوود، كمعظم أعماله، عمل راقٍ وجاد. لا مزح فيه ولا عواطف ملتاعة عملاً بمقولة أرسطو «القانون هو سبب وجيه من دون العاطفة». إنه كما لو أن إيستوود استوحى من هذا التعريف كيفية معالجة هذا الفيلم وطرحه لولا أنه دائماً ما عالج أفلامه على هذا النحو بصرف النظر عما يسرد فيه. حتى فيلما الوسترن الشهيران له وهما «The Outlaw Josey Wales» و«Unforgiven» حملا لجانب إتقان العمل البُعد النقدي للتاريخ وللمؤسسة.