قيود بريطانية جديدة لاحتواء «قفزة مفاجئة» في الإصابات

جونسون يأمل في تخفيفها بحلول عطلة الميلاد

جونسون متوجهاً إلى مقر البرلمان أمس (أ.ب)
جونسون متوجهاً إلى مقر البرلمان أمس (أ.ب)
TT

قيود بريطانية جديدة لاحتواء «قفزة مفاجئة» في الإصابات

جونسون متوجهاً إلى مقر البرلمان أمس (أ.ب)
جونسون متوجهاً إلى مقر البرلمان أمس (أ.ب)

استعرض رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، أمس القيود الجديدة على التجمعات في إنجلترا لمواجهة الارتفاع المفاجئ في الإصابات بفيروس كورونا المستجد الذي بدّد آمالاً بالعودة إلى الوضع الطبيعي، وذلك بعد ساعات من انتقاد زعيم المعارضة العمالية «فشل» الحكومة في توفير عدد كاف من الفحوصات.
في الأسابيع الأخيرة، كثّفت الحكومة المحافظة تشجيعها للبريطانيين على العودة إلى المكاتب والمدارس والمطاعم لإنعاش الاقتصاد في المملكة المتحدة، الذي شهد في الربيع تدهوراً لا مثيل له في أوروبا. لكن بعد أن أُرغمت الحكومة على إبطاء عملية تخفيف إجراءات العزل بشكل طفيف خلال الصيف، وكذلك فرض قيود محلية، قررت أن تفرض تدابير على صعيد أوسع في مواجهة ارتفاع عدد الإصابات، خصوصاً في صفوف الشباب، كما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية.
وأعلنت الحكومة مساء الثلاثاء منع التجمّعات لأكثر من ستة أشخاص مقابل 30 شخصاً حالياً، ابتداء من يوم الاثنين. وعقد جونسون مؤتمرا صحافيا هو الأول منذ استئناف العمل بعد العطلة الصيفية، لتوضيح تفاصيل هذا القرار. ويُطبّق التدبير الجديد ابتداء من الاثنين ويعني إنجلترا فقط، إذ إن السلطات المحلية في المقاطعات الأخرى في المملكة المتحدة اتخذت إجراءات خاصة بالوضع الوبائي لديها. وأشارت الحكومة إلى أن الإجراء الجديد يُطبّق «على التجمّعات في الداخل والخارج، في المساكن الخاصة والمساحات العامة الخارجية، والأماكن مثل الحانات والمطاعم». ونقل بيان عن جونسون قوله: «علينا أن نتصرّف الآن لمنع الفيروس من الانتشار». وأضاف «نحن نبسّط ونشدد القيود على الاحتكاكات الاجتماعية، لجعلها أكثر سهولة للفهم والتطبيق من جانب الشرطة». وتشمل الاستثناءات الأسر المؤلفة من أكثر من ستّة أشخاص، والمدارس، وأماكن العمل، والأعراس «الآمنة» والمآتم، وفرق الرياضات الجماعية المنظمة بشكل مطابق للتوصيات الصحية. ويواجه المخالفون غرامة قدرها مائة جنيه إسترليني (نحو 110 يوروهات)، تُضاعف في حال تكرار المخالفة إلى حدّ أقصى هو 3200 جنيه. وشرح وزير الصحة مات هانكوك، أمس الأربعاء، هذه القيود الجديدة. موضحا أن تتبّع الإصابات «يُظهر أن معظم حالات العدوى تحصل في ظروف يجتمع فيها الناس». وأكّد «تصميمه على التصرف لإبقاء السكان بأمان». فيما عبّر جونسون عن أمله في تخفيف هذه القيود بحلول عطلة عيد الميلاد. وفي وقت تراجع عدد الوفيات جراء الفيروس بشكل ملحوظ منذ مارس (آذار)، يسجل عدد الإصابات ارتفاعا كما في دول أخرى في أوروبا. وبلغ الثلاثاء 2460 إصابة، أحد أعلى المستويات المسجّلة في مايو (أيار)، ما يرفع الحصيلة الإجمالية إلى 352.560 إصابة.
وسبق أن حذّرت السلطات الصحية من أنه سينبغي على الأرجح إبقاء بعض القيود ما لم يتمّ التوصل بعد إلى لقاح، الأمر الذي تأمل الحكومة في تحقيقه مطلع عام 2021. وبُددت هذه الآمال مع الإعلان مساء الثلاثاء عن تعليق التجارب السريرية لمشروع اللقاح البريطاني الرئيسي، الذي تقوده جامعة أوكسفورد مع مجموعة «استرازيكا» للأدوية، وذلك بعد إصابة أحد المشاركين في هذه التجارب بـ«مرض محتمل غير مبرّر»، وهو على الأرجح تأثير جانبي خطير.
وبريطانيا هي الدولة الأكثر تضرراً جراء الوباء في أوروبا، مع تسجيلها أكثر من 41500 وفاة. وتعرّض جونسون لانتقادات لتأخّره في استدراك خطورة الوباء وفرض عزل. واتّهم مذاك بإدارة الأزمة بشكل متقلّب، مع تغيّرات متعددة حول وضع الكمامات وتقييم الامتحانات المدرسية أو تطوير تطبيق لتتبع الإصابات.
وخلال الصيف، فُرضت تدابير محلياً لاحتواء ارتفاع عدد الإصابات بـ«كوفيد - 19»، بهدف تجنّب عزل جديد على الصعيد الوطني والذي سيكون مدمراً للاقتصاد. وفي بولتون في شمال غربي إنجلترا، تم تشديد هذه القيود الثلاثاء بسبب ارتفاع عدد الإصابات خصوصا في صفوف الشباب في العشرينات والثلاثينات من العمر.
وسُمح بتشغيل فقط خدمة مبيعات الطلبات الخارجية في المطاعم في هذه المدينة التي تعدّ نحو 280 ألف نسمة، وعلى كل المؤسسات أن تغلق بين الساعة العاشرة مساء والخامسة فجراً. وتم تقليص الزيارات في دور العجزة ومُنعت اللقاءات بين أشخاص من منازل مختلفة.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟