الجزائر: السجن لاثنين من رموز حكم بوتفليقة ومتابعة آخرين بـ«تهم فساد»

مواطنون يحتجون على اعتقال الصحافيين... ويطالبون بمزيد من الحريات

جانب من المظاهرات أمام محكمة بوسط الجزائر للمطالبة بالإفراج عن الصحافي خالد درارني (أ.ب)
جانب من المظاهرات أمام محكمة بوسط الجزائر للمطالبة بالإفراج عن الصحافي خالد درارني (أ.ب)
TT

الجزائر: السجن لاثنين من رموز حكم بوتفليقة ومتابعة آخرين بـ«تهم فساد»

جانب من المظاهرات أمام محكمة بوسط الجزائر للمطالبة بالإفراج عن الصحافي خالد درارني (أ.ب)
جانب من المظاهرات أمام محكمة بوسط الجزائر للمطالبة بالإفراج عن الصحافي خالد درارني (أ.ب)

أدانت محكمة بالعاصمة الجزائرية، أمس، اثنين من أكبر رموز حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وبدأت بمحاكمة ثالث، بتهم فساد كبيرة، قادت العام الماضي عشرات من كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين إلى السجن. فيما وضع الرئيس الجديد، عبد المجيد تبَون، استعادة الأموال العامة التي أخذها من يسمون «رموز العصابة»، على رأس أولوياته؛ حيث تم إطلاق مساعٍ مع السلطات الفرنسية لمصادرة ودائع بعض المسؤولين في بنوك باريسية.
وحكمت محكمة سيدي أمحمد، على وزير التضامن وأمين عام حزب «جبهة التحرير الوطني» السابق جمال ولد عباس، وعلى رجل الأعمال والبرلماني بهاء الدين طليبة بـ8 سنوات سجناً نافذاً، بناء على تهم «تبديد أموال عمومية»، و«خرق القانون في إبرام صفقات»، و«استغلال الوظيفة»، و«تزوير محررات رسمية».
وتمت إدانة نجل ولد عباس الأصغر إسكندر بالعقوبة نفسها، فيما حكم القاضي على نجله الأكبر الوافي بـ20 سنة سجناً، وهو مقيم بالخارج ومحل أمر دولي بالقبض عليه. كما حكم على أمين عام وزارة التضامن، خلادي بوشناق، بعامين حبساً مع التنفيذ.
وتتداخل الوقائع، التي بنت النيابة عليها الاتهامات، في قضيتين. الأولى تتعلق بأموال مخصصة للمعاقين وفئات واسعة مصنفة فقيرة جداً، تمنحها كل سنة وزارة التضامن والعائلة لمستحقيها، وقد كشفت تحقيقات أمنية أن ولد عباس تلاعب بها مع أبنائه وبوشناق في مشروعات خاصة، وذلك عندما كان وزيراً بين عامي 2003 و2004.
أما القضية الثانية، والتي أثارت جدلاً حاداً، فتتعلق باتهام رجل الأعمال طليبة بدفع رشوة لنجل ولد عباس، مقابل وضعه على رأس لائحة مرشحي «جبهة التحرير» في انتخابات البرلمان، التي جرت عام 2017. وقد أكد طليبة للقاضي أنه رفض دفع مبلغ كبير لإسكندر، الذي كان مكلفاً من والده، حسبه، بجمع الأموال من المترشحين. وقال إسكندر من جهته إن والده كان يتلقى أوامر من السعيد بوتفليقة، شقيق رئيس الجمهورية السابق، (يقضي عقوبة 15 سنة سجناً)، لفرض مترشحين للانتخابات نظير تسلم رشى منهم. لكن ولد عباس نفى كل الوقائع المنسوبة إليه، فيما أنكر رجل الأعمال أنه دفع مالاً لقاء قبول ترشيحه.
ويعتبر الرجلان من أكبر المقربين من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة. وقد أنفق طليبة أموالاً ضخمة في الحملات الانتخابية لفائدة بوتفليقة على مدى الـ20 سنة الماضية. وكان ولد عباس من أشد المتحمسين لترشحه للولاية الخامسة، التي أسقطها الحراك الشعبي عندما اندلع في 22 فبراير (شباط) 2019.
في السياق نفسه، بدأ القضاء أمس محاكمة سعيد بركات، وزير التضامن السابق، بتهم مرتبطة بتسيير أموال قطاعه. وقال المتهم إن سلفه ولد عباس (ينتميان لنفس الحزب) «خلّف لي تركة ثقيلة من سوء التسيير والتلاعب بخزينة الوزارة». وكان بركات من أكبر الموالين للرئيس السابق، وفي مقابل ولائه، وضعه بوتفليقة في الحصة التي تعود له بـ«مجلس الأمة» (الغرفة البرلمانية الثانية)؛ حيث يستفيد عشرات البرلمانيين غير المنتخبين من امتيازات مادية كبيرة.
كما تم أمس بدء محاكمة الإخوة كونيناف، وهم 4 رجال أعمال جرى توقيفهم والتحقيق معهم من قبل الدرك العام الماضي، بتهم «التربح غير المشروع». وتربط عائلة كونيناف علاقة خاصة ببوتفليقة، وفتحت لأفرادها الباب واسعاً للحصول على مشروعات كبيرة. وكانت هذه العائلة سنداً مالياً كبيراً للرئيس خلال فترة حكمه.
من جهة ثانية، اعتبرت منظمة «مراسلون بلا حدود» أمس، أن طلب النيابة الجزائرية إنزال عقوبة بالسجن 4 سنوات في حق الصحافي خالد درارني «متطرف وغير مؤسس»، داعية إلى «مزيد من التعبئة» من أجل الإفراج عنه.
وخلال جلسة الاستئناف في حكم السجن لـ3 سنوات في حق مدير موقع «قصبة تريبون» الإخباري، عاودت النيابة، أول من أمس، طلب السجن 4 سنوات وغرامة مالية بقيمة 50 ألف دينار (330 يورو). وبعد محاكمة استمرت إلى ساعة متأخرة من الليل، وتخللتها احتجاجات أمام مقر المحكمة، أعلن القاضي عن تاريخ النطق بالحكم في 15 سبتمبر (أيلول) الحالي.
وقال المحامي والناشط في مجال حقوق الإنسان مصطفى بوشاشي لوكالة الصحافة الفرنسية أمس: «أقولها بحزن كبير وبإحباط إن الجزائر تتراجع في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة، في مجال حرية التعبير، ومئات المتابعات القضائية، وفي عزّ هذه الثورة الشعبية السلمية هناك مئات تمت متابعتهم وسجنهم فقط بسبب منشوراتهم على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا فأنا أقول إن النظام الجزائري لم يتغير. هو نفس النظام الشمولي... الذي لا يؤمن بحقوق الناس... والذي لا يؤمن بحرية التعبير».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».