«الحوسبة عالية الأداء».. آفاق جديدة في شتى القطاعات

تستخدم في مجال صناعة السيارات واستخراج الغاز والنفط واستوديوهات أفلام الرسوم المتحركة

«الحوسبة عالية الأداء».. آفاق جديدة في شتى القطاعات
TT

«الحوسبة عالية الأداء».. آفاق جديدة في شتى القطاعات

«الحوسبة عالية الأداء».. آفاق جديدة في شتى القطاعات

برز مفهوم «الحوسبة عالية الأداء» High Performance Computing HPC منذ ستينات القرن الماضي، وتسارع استخدامها بشكل كبير ليتوسع ويشمل الكثير من القطاعات عوضا عن مجال واحد متخصص. والحوسبة عالية الأداء هي عملية تكون بجمع أجهزة خادمة بطرق محددة لتقديم مستويات أداء لا يمكن الوصول إليها بربط مجموعة من الكومبيوترات المكتبية للعمل، إذ تعتمد على توزيع العمل على آلاف المعالجات بالطريقة الأمثل والأسرع، وتطوير نظم قراءة وتخزين البيانات على الأقراص الصلبة بدقة وسرعة متناهيتين، بالإضافة إلى حماية البيانات من العبث والمتطفلين، واستخدام البرامج بالطرق الأمثل لتحقيق ذلك.

* استخدامات متنوعة
من القطاعات الجديدة التي تقود التوجه نحو الحوسبة عالية الأداء الفحوص الدقيقة القائمة على تحليل كميات ضخمة من البيانات (لاكتشاف الاحتيال، ومكافحة الإرهاب، مثلا) والنماذج الرياضية الذكية والخوارزميات المساعدة في مجال الأبحاث والتطوير والتطبيقات الفورية وشبه الفورية التي تستخدم في كشف تزوير بطاقات الائتمان والتشخيص الفوري للأمراض ومكافحة الإرهاب والتأمين. ويمكن استخدامها كذلك في حل الكثير من المشاكل بالغة التعقيد، مثل ظاهرة الاحتباس الحراري والطاقة البديلة والطاقة النووية الآمنة وإعداد نماذج لمواجهة الكوارث المالية والرعاية الصحية والأمن الداخلي، وغيرها.
وتستخدم استوديوهات أفلام الرسوم المتحركة «دريمووركس» هذه التقنية لتسريع عملية الرسم، بحيث يستطيع الرسامون مشاهدة آثار الإضاءة والمؤثرات البصرية بشكل شبه فوري عوضا عن الانتظار لليلة كاملة للرسم كما كان الحال في السابق. ويستطيع الرسامون تغيير البيئة والشخصيات وتحريكها بسرعة كبيرة، الأمر الذي يخفض الزمن اللازم لإنتاج أفلام عالية الجودة وبتكلفة أقل من السابق.
وتستخدم شركات صناعة السيارات هذا النوع من الحوسبة لمحاكاة أثر تصادم نماذج السيارات مع العقبات، وذلك لاكتشاف نقاط الضعف في السيارة وتطويرها ورفع مستويات الأمان. ويمكن القيام بهذا الأمر بسرعة 18.6 صورة في الثانية حاليا (السرعة الطبيعية هي 24 صورة في الثانية)، أي محاكاة شبه حقيقية لملايين نقاط التأثير في النسخة الرقمية من السيارة، مقارنة بأشهر في حال استخدام سيارة حقيقية واكتشاف ما الذي حدث وتطوير سيارة أفضل، ناهيك عن التكاليف العالية لدراسة ذلك باستخدام سيارات حقيقية مقارنة بالنسخ رقمية.
وتسمح هذه التقنية بتصوير طبقات الأرض (بالموجات فوق الصوتية) الموجودة فوق آبار النفط وعرض البيانات على شكل صورة لمعرفة نوعية التربة والصخور الموجودة وسماكتها، وكمية المياه والغاز والنفط الموجودة في البئر وتحليل ما إذا كانت الكمية مربحة للاستخراج لقاء تكاليف الحفر. وتقدم هذه النظم كذلك النصائح حول الآلية الأمثل لاستخراج محتوى البئر، إذ من الممكن أن يبتعد المهندسون مسافة عن البئر للوصول إلى طبقات أرضية أسهل للحفر، أو للاستفادة من جاذبية الأرض في العملية نفسها. وتستخدم هذه الآلية عدة بيتابايت للعمل (البيتابايت الواحد يساوي مليون غيغابايت)، وبسرعات تحليل عالية، إذ يتم تقسيم العمل بشكل متواز على عشرات آلاف المعالجات ومئات الآلاف من الأنوية.
وفي المنطقة العربية، يتم استخدام الحوسبة عالية الأداء في العلوم الحياتية (أبحاث الجينوم) والكيمياء والصناعات والغاز والنفط وأسواق المال والمصارف وقطاع التأمين والأرصاد الجوية، وحتى في مشروع إطلاق المهمة الفضائية العربية إلى المريخ بحلول عام 2030. وفي السعودية والإمارات ومصر والمغرب وليبيا، وغيرها.
ويستطيع مهندسو مراكز المعلومات الخاصة بالحوسبة عالية الأداء مراقبة آلاف الأجهزة بدقة متناهية باستخدام أدوات متخصصة تعرض بيانات كل جهاز خادم وموقعه في مركز المعلومات، مثل درجة حرارته واستهلاكه للطاقة الكهربائية وجاهزيته لقبول طلبات تحليل جديدة، بالإضافة إلى عرض المواصفات التقنية لكل جهاز لدى النقر عليه في واجهة الاستخدام المرئية. ويمكن صنع تقارير مفصلة وعرضها أمام الخبراء لتطوير مستويات الأداء، وبكل سهولة.

* مستقبل التقنية
ويرى خبراء في شركة «إتش بي» قابلتهم «الشرق الأوسط» خلال فعاليات مؤتمر «الحوسبة عالية الأداء» 2014 High Performance Computing 2014 الذي أقيم في مدينة الخبر في السعودية في وقت سابق من الشهر الجاري، أن مستقبل الحوسبة عالية الأداء يكمن في استخدام الفوتونات الضوئية لربط الأجهزة ببعضها البعض عوضا عن الإلكترونات للحصول على 10 أضعاف مستويات الأداء الحالية وخفض الطاقة الكهربائية المستهلكة (والتكلفة)، مع القدرة على الوصول إلى مليون جهاز خادم مترابط مقارنة بـ100 ألف حاليا.
ولاحظ المحللون أن الذاكرة في الأجهزة الخادمة تنقسم إلى 3 فئات حاليا؛ هي ذاكرة المعالج («كاش» Cache) للمتغيرات كثيرة الاستخدام، وذاكرة رئيسية للعمل RAM وأخرى لتخزين البيانات. ونظرا لأن نقل البيانات بين هذه الفئات يتطلب وقتا، مهما كان صغيرا، فإن إزالة هذا الوقت في بيئة عالية الكفاءة سيسرع العمل بنحو 80 في المائة. ويطور الخبراء حاليا ذاكرة موحدة من نوع جديد تستبدل هذه الفئات الـ3. اسمها «ميمريستور» Memristor يمكن وضع عدة تيرابايت (التيرابايت الواحد يساوي 1024 غيغابايت) من المعلومات في كل سنتيمتر مربع منها، وهي لا تستخدم الكثير من الطاقة وتستطيع تخزينها لفترة غير محدودة من دون فقدان أي بيانات. وستطلق المجموعة التجريبية من هذه الذاكرة في عام 2015، مع إطلاق النسخة التجارية في عام 2016. وسيمهد هذا النوع من الذاكرة لإطلاق نظم الوعي الذاتي والجيل الجديد للنظم العصبية الرقمية التي تستطيع فهم وإدراك البيانات وتحليلها من تلقاء نفسها وبشكل شبه آلي، ذلك أنها تتعلم من كل عملية تقوم بها.

* «شاهين2» سعودي
ومن جهتها تعكف جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية على تطوير نظام خارق اسمه «شاهين 2» Shaheen II يحتوي على 200 ألف نواة سيقدم 25 ضعف قدرات «شاهين 1» الحالي الذي يتكون من 164 جهاز خادم. وأكد الخبراء أن عدد العمليات الحسابية قد تطور منذ عام 1988 من 1 غيغافلوب (عدد العمليات الحسابية الممكن إكمالها في الثانية الواحدة) إلى 1.020 غيغافلوب في عام 1998 و1.350.000 في عام 2008، بينما انخفضت تكلفة الحصول على غيغافلوب واحد من 2.5 مليون دولار أميركي في عام 1989 إلى 6.900 دولار في عام 1999 وصولا إلى 8 دولارات فقط في عام 2009.
وتحدثت «الشرق الأوسط» مع راج هيزرا، نائب الرئيس لمجموعة مراكز البيانات والمدير العام لمجموعة الحوسبة التقنية في «إنتل»، الذي قال إن هذا النوع من الحوسبة قد تطور بشكل كبير حديثا، وأصبح أداة أساسية للكثير من الشركات والمؤسسات، وإنه يحوّل البيانات الخام إلى معلومات، ومن ثم إلى معرفة مفيدة. ومع التطور الرقمي للمجتمعات، أصبح الأفراد والآلات ينتجون كميات ضخمة من البيانات تتطلب تحليلا ومعالجة لتصبح ذات معنى. ويجب على المؤسسات تطوير برمجياتها لتواكب الحوسبة عالية الأداء وتستفيد من القدرات الفائقة الممكنة لتوزيع العمل على مجموعات كبيرة من الأنوية والمعالجات، وإن هذا الأمر يتطلب تعاون خبراء العتاد الصلب Hardware والمبرمجين فيما يسمى بـ«تصميم النص البرمجي» Code Design ليعمل بأعلى كفاءة ممكنة وجعل النص البرمجي حديثا ويدعم الجيل الجديد من الحوسبة الفائقة. وأكد أن الشركات التي ستتأخر عن تطوير برمجياتها ستتأخر في الأسواق، ذلك أن رواد الأعمال الجدد يستخدمون الحوسبة فائقة الأداء بطرق مبتكرة لتقديم خدمات مفيدة تنافس تلك المؤسسات.
وكشف ممثلو شركة «لينوفو» أنهم نجحوا بتطوير نظم تستطيع التعامل مع 10 بيتابايت (10 ملايين غيغابايت) من البيانات بكل سهولة وأقراص تعمل بالحالة الصلبة SSD بسعة 25.8 تيرابايت لرفع كفاءة العمل، مع قدرة تلك الأجهزة على استخدام المراوح للتبريد في المناطق الباردة نسبيا، أو الماء المثلج والعادي وحتى الهواء في المناطق الأعلى حرارة، والتنقل بين هذه الآليات وفقا للحاجة، وذلك بهدف خفض تكاليف الطاقة الكهربائية اللازمة للعمل، وخصوصا في الدول التي تعتبر فيها الكهرباء عالية التكلفة لبيئة تحتوي على عشرات الآلاف من الأنوية.



«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
TT

«جيميناي 2.0»... «غوغل» بدأت إتاحة نموذجها الأحدث للذكاء الاصطناعي التوليدي

شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)
شعار «جيميناي» يظهر على شاشة هاتف جوال (رويترز)

أعلنت شركة «غوغل» اليوم (الأربعاء) بدء العمل بنموذجها الأكثر تطوراً إلى اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي «جيميناي 2.0» Gemini 2.0 الذي تسعى من خلاله إلى منافسة شركات التكنولوجيا العملاقة الأخرى في قطاع يشهد نمواً سريعاً، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتوقّع رئيس مجموعة «ألفابت» التي تضم «غوغل» سوندار بيشاي أن تفتح هذه النسخة الحديثة من البرنامج «عصراً جديداً» في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي القادر على أن يسهّل مباشرة الحياة اليومية للمستخدمين.

وأوضحت «غوغل» أن الصيغة الجديدة من «جيميناي» غير متاحة راهناً إلا لقلّة، أبرزهم المطوّرون، على أن تُوفَّر على نطاق أوسع في مطلع سنة 2025. وتعتزم الشركة دمج الأداة بعد ذلك في مختلف منتجاتها، وفي مقدّمها محركها الشهير للبحث، وبأكثر من لغة.

وشرح سوندار بيشاي ضمن مقال مدَوَّنة أعلن فيه عن «جيميناي 2.0» أن هذه الأداة توفّر «القدرة على جعل المعلومات أكثر فائدة، مشيراً إلى أن في وِسعها فهم سياق ما وتوقّع ما سيلي استباقياً واتخاذ القرارات المناسبة للمستخدم».

وتتنافس «غوغل» و«أوبن إيه آي» (التي ابتكرت تشات جي بي تي) و«ميتا» و«أمازون» على التوصل بسرعة فائقة إلى نماذج جديدة للذكاء الاصطناعي التوليدي، رغم ضخامة ما تتطلبه من أكلاف، والتساؤلات في شأن منفعتها الفعلية للمجتمع في الوقت الراهن.

وبات ما تسعى إليه «غوغل» التوجه الجديد السائد في سيليكون فالي، ويتمثل في جعل برنامج الذكاء الاصطناعي بمثابة «خادم رقمي» للمستخدم وسكرتير مطّلع على كل ما يعنيه، ويمكن استخدامه في أي وقت، ويستطيع تنفيذ مهام عدة نيابة عن المستخدم.

ويؤكد المروجون لهذه الأدوات أن استخدامها يشكّل مرحلة كبرى جديدة في إتاحة الذكاء الاصطناعي للعامّة، بعدما حقق «تشات جي بي تي» تحوّلاً جذرياً في هذا المجال عام 2022.

وأشارت «غوغل» إلى أن ملايين المطوّرين يستخدمون أصلاً النسخ السابقة من «جيميناي».

وتُستخدَم في تدريب نموذج «جيميناي 2.0» وتشغيله شريحة تنتجها «غوغل» داخلياً، سُمّيت بـ«تريليوم». وتقوم نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي بشكل أساسي على معدات تصنعها شركة «نفيديا» الأميركية العملاقة المتخصصة في رقائق وحدات معالجة الرسومات (GPUs).