الأمير عبد الله بن عبد الرحمن.. عالِم آل سعود وفقيههم ومالك أكبر مكتبة

دوره مهم في التاريخ السعودي الحديث وقدم إسهامات لافتة في سنوات توحيد البلاد

الأمير عبد الله بن عبد الرحمن
الأمير عبد الله بن عبد الرحمن
TT

الأمير عبد الله بن عبد الرحمن.. عالِم آل سعود وفقيههم ومالك أكبر مكتبة

الأمير عبد الله بن عبد الرحمن
الأمير عبد الله بن عبد الرحمن

عاد الأمير عبد الله بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود إلى الواجهة، بعد رحيله بنحو 38 عاما. والراحل هو أخو الملك المؤسس، وعم ملوك الدولة السعودية الحديثة، وعم الأمراء من أبناء الملك عبد العزيز. ويعد الأمير الراحل أحد الأعلام والشخصيات في السعودية، وكان له تاريخ مشهود ودور مهم، وأسهم في بناء الوطن، كما كان له دور متشعب في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية. واشتهر الأمير بلقب «عالِم آل سعود وفقيههم»، وعدّ مرجعا في التاريخ السعودي والأنساب وأخبار القبائل، وكان مجلسه مجمع العلماء والأدباء والشعراء والمفكرين، كما كان يملك مكتبة ضخمة تحوي نوادر المخطوطات والمطبوعات، عدّت في وقته أكبر مكتبة شخصية في السعودية.
اهتم الأمير بالتعليم وأسس لهذا الغرض مدرسة في قصره، خصصها لأبنائه إلى جانب مزرعته في حي سلام التي تحولت، اليوم، إلى أكبر متنزه في العاصمة السعودية الرياض.
اشتهر الأمير بمجلسه الذي كان ناديا أدبيا وعلميا، يرتاده أهل العلم والفضل من داخل السعودية وخارجها. وكان يشهد نقاشات وأحاديث علمية في معارف متعددة، دينية، وأدبية، وتاريخية، وغيرها. كما يحضره شيوخ وأعيان الأسر والقبائل، وشعراء الفصحى والنبط. وتنقل المجلس بين بيوت الأمير في الرياض ومكة المكرمة والطائف. وقد وصف مجلسه عدد من المؤلفين والكتاب الذين زاروه وشهدوا ما يدور فيه، وقالوا عنه إنه درس من الدروس في الأدب والسياسة والرجولة والنزاهة والصراحة، وكان حافلا برجال السياسة، وبالعلماء الكبار، والأدباء، وموظفي الدولة. ومن خلال هذا المجلس ارتبط الكثيرون بعلاقات واسعة مع العلماء والأدباء والساسة من داخل البلاد وخارجها.
اهتم الأمير عبد الله بن عبد الرحمن بالعلم وجمع الكتب واقتنائها منذ سنوات شبابه الأولى. ولم يبلغ الأمير العشرين حتى كانت لديه حصيلة علمية جيدة، أثارت إعجاب المستشرق البحاثة عبد الله فلبي الذي عمل في بلاط الملك عبد العزيز. كما كان لديه مجموعة من الكتب والمخطوطات، وأهدى أحد هذه الكتب إلى فلبي لأنه يملك نسختين منه. في ذلك اللقاء الذي جرى بينهما قبل قرن، يذكر فلبي حديثا للأمير عبد الله عن مآل كتب الأسرة السعودية الحاكمة، يستشف منه حرصه، ليس على جمع الكتب وحسب، بل على معرفة أماكن وجودها أيضا. واستمر اهتمام الأمير بجمع الكتب طيلة السنوات التي تلتها، وواصل شراءها من داخل السعودية ومن خارجها، وكان يدفع من أجل ذلك الغالي والنفيس. ومن دلائل حرصه على قراءة الكتب واقتنائها أنه حالما وصل إلى مصر، في الرحلة المشهورة قبل 71 عاما، سئل عن كتب تخص تاريخ الأسرة العلوية، أسرة محمد علي باشا.
إضافة إلى الكتب التي كان يبتاعها، هناك كتب أخرى تهدى إليه من مؤلفيها وناشريها وغيرهم. وبعدها كانت مكتبته إحدى المكتبات التي يشار إليها بالبنان في السعودية، بل قيل إنها أحسن مكتبة خاصة فيها وأكبرها. كما اشتهرت مكتبته، وجاوزت حدود بلاده، وشهدت على ذلك بعثة معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية في مصر، أثناء زيارة البعثة للرياض لتصوير مجموعة من المخطوطات المحفوظة في المكتبات السعودية، حين زارت مكتبة الأمير عبد الله وأشادت بالمكتبة. وقد قرر أولاد الأمير بعد وفاته إهداء المكتبة إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
وسلط الباحث سليمان بن محمد الحديثي الأضواء على الأمير الراحل عبد الله بن عبد الرحمن، في كتاب يعد سيرة تاريخية وثائقية، أنجزته دار «جداول» للنشر والترجمة والتوزيع في بيروت. وجاءت محتويات الكتاب شاملة الجانب الشخصي للأمير الراحل، والجانب العلمي، والجانب العسكري، والجانب الإداري والسياسي. وقال فيه الباحث: إن صاحب السيرة يعد من أكثر الشخصيات التصاقا بالملك عبد العزيز، إذ كان يستشيره كثيرا، ويطلعه على أسرار الدولة، ويصطحبه معه في أغلب الاجتماعات والمؤتمرات السياسية، ويكلفه بمهام كثيرة. أما من الناحية العلمية، فقد اشتهر الأمير بلقب عالِم آل سعود وفقيههم، وبأنه مرجع للتاريخ السعودي والأنساب وأخبار القبائل، لافتا إلى أن مصادر تاريخية ذكرت أن الأمير عبد الله بن عبد الرحمن كان مستشارا للملك عبد العزيز، بل كان عضوا بارزا في الشعبة السياسية في الديوان الملكي، وأنه رئيس مستشاري الملك في هذه الشعبة، في حين ذكر فلبي أن الأمير ظل ضوءا بارزا في مجلس الملك. ومنذ الحرب العالمية الثانية أصبح وثيق الصلة بإدارة الدولة، وأحد المستشارين الرسميين، وعضوا في المجلس الخاص. وذكر ساند أن الأمير عندما بلغ سن الخامسة والعشرين أصبح أحد أهم مستشاري الملك عبد العزيز. ويعني ذلك كله أن صلة القربى التي تربط الأمير بالملك عبد العزيز منحته وضعا مميزا، كما أن ملازمته وقربه الشديد من الملك جعلاه يطّلع على تفاصيل إدارية وسياسية وعسكرية لا يطلع عليها كثير من المستشارين. ولا شك في أنه كان يبدي رأيه في كثيرا من الأمور، وكان رأيه موضع تقدير الملك عبد العزيز، بدليل استمراره في هذا القرب حتى وفاة الملك.
ورجحت أغلب الكتابات التاريخية ولادة الأمير عبد الله بن عبد الرحمن في الكويت عام 1900، أو قبل ذلك بعامين. وتقول الروايات إن الأمير عند عودة الأسرة من الكويت إلى الرياض كان موضوعا في خرج، ما يدل على صغر سنه. كانت تلك الرحلة قبل 116 عاما، وكانت سنه، آنذاك، 5 سنوات. وقد عاش الأمير بقية طفولته وبداية شبابه في كنف والده في بيت خصصه لأمه. وظهرت عليه أمارات النباهة والذكاء، فأتى له والده بمعلمين يعلمونه القرآن والفقه والحديث، ونشأ تنشئة علمية صحيحة.



الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ
TT

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

الفن بوصفه وسيلة للتعريف بقضايا المناخ

يعد التغير المناخي من المواضيع المُقلقة والمهمة عالمياً، وهو من الملفات الرئيسية التي توليها الدول أهمية كبرى، حيث تظهر حاجة عالمية وشاملة واتفاق شبه كُلِّي من دول العالم على أهمية الالتزام بقضايا التغير المناخي والاستدامة لحماية كوكبنا للأجيال القادمة.

هذه القضية المهمة عبَّر عنها بعض الفنانين الذين استخدموا الفن لرفع الوعي بالقضايا البيئية. حيث كان الفن إحدى وسائل نشطاء البيئة للتعريف والتأثير في قضايا المناخ والاحتباس الحراري، لاعتقادهم أن الحقائق العلمية وحدها قد تكون غير كافية، ولأهمية التأثير في العاطفة، وهو ما يمكن للفن عمله.

ومن فناني البيئة العالميين الفنان الدنماركي أولافور إيلياسون، الذي عيَّنه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سفيراً للنوايا الحسنة للطاقة المتجددة والعمل المناخي عام 2019م، حيث تركز أعماله المعاصرة والتفاعلية على التعبير عن ظواهر الاحتباس الحراري، وكان أحد أشهر أعماله «مشروع الطقس» الذي عُرض في متحف «تيت مودرن» في لندن، وجذب أعداداً هائلة من الجماهير، إذ هدف هذا العمل التفاعلي إلى الإيحاء للمشاهدين باقترابهم من الشمس، ولتعزيز الرسالة البيئية لهذا العمل ضمِّن كتالوج المعرض مقالات وتقارير عن أحداث الطقس المتغيرة.

المناخ والبيئة

إن التعبير عن قضايا المناخ والبيئة نجده كذلك في الفن التشكيلي السعودي، وهو ليس بمستغرب، حيث يعد هذا الاهتمام البيئي انعكاساً لحرص واهتمام حكومة المملكة بهذه القضية، والتزامها الراسخ في مواجهة مشكلة التغير المناخي، حيث صادقت المملكة على اتفاقية باريس لتغير المناخ في عام 2016، وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. كما أطلقت المملكة مبادرتَي «السعودية الخضراء» و«الشرق الأوسط الأخضر»، لتسريع العمل المناخي وحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة. وهو ما يجعل الفرصة مواتية للفنانين السعوديين للمشاركة بشكل أكبر في التعبير عن القضايا البيئية، مما يسهم في عكس جهود المملكة تجاه هذه القضايا ومشاركة الجمهور في الحوار حولها.

فعلى سبيل المثال، عبَّرت الفنانة التشكيلية منال الضويان عن البيئة في عمل شهير أنتجته عام 2020م، في معرض DESERT-X في مدينة العلا، بعنوان «يا تُرى هل تراني؟»، حيث كان العمل عبارة عن منصات تفاعلية للقفز في صحراء العلا، في إيحاء غير مباشر بالواحات الصحراوية والبِرَك المائية التي تتكون في الصحراء بعد موسم الأمطار، لكنها اختفت نتيجة للتغير المناخي والري غير المسؤول، وتأثيره البيئي في الطبيعة من خلال شح المياه واختفاء الواحات في المملكة.

الفن البيئي

كما نجد الفن البيئي بشكل واضح في أعمال الفنانة التشكيلية زهرة الغامدي التي ركزت في تعبيرها الفني على المواضيع البيئية من خلال خامات الأرض المستمدة من البيئة المحلية؛ مثل الرمال والأحجار والجلود والنباتات المأخوذة من البيئة الصحراوية كالشوك والطلح، وكيفية تحولها نتيجة العوامل المؤثرة فيها كالجفاف والتصحر والتلوث البيئي، كما في عملها «كوكب يختنق؟» الذي استخدمت فيه أغصان الأشجار المتيبسة وبقايا خامات بلاستيكية، لمواجهة المتلقي والمشاهد بما يمكن أن تُحدثه ممارسات الإنسان من تأثير بيئي سلبي، وللتذكير بالمسؤولية المشتركة لحماية كوكب الأرض للأجيال القادمة.

إن الفن البيئي لدى زهرة الغامدي يتمثل في نقل المكونات الطبيعية للأرض والبيئة المحلية وإعادة تشكيلها في قاعة العرض بأسلوب شاعري يستدعي المتلقي للانغماس في العمل الفني والطبيعة والشعور بها والتفاعل معها لتعزيز الارتباط بالأرض، فمن خلال إعادة تشكيل هذه الخامات البيئية يتأكد التجذر بالأرض والوطن والارتباط به.

وقد نجد التعبير عن المواضيع البيئية أكثر لدى التشكيليات السعوديات من زملائهن من الرجال، وقد يكون ذلك طبيعياً نتيجة حساسية المرأة واهتمامها بمثل هذه القضايا. وهو ما يثبته بعض الدراسات العلمية؛ إذ حسب دراسة من برنامج «ييل» للتواصل بشأن التغير المناخي، بعنوان «اختلافات الجنسين في فهم التغير المناخي» تظهر المرأة أكثر ميلاً إلى الاهتمام بالبيئة، كما أن للنساء آراء ومعتقدات أقوى مؤيدة للمناخ وتصورات أعلى للمخاطر الناتجة عن التغيرات المناخية، وقد فسر الباحثون هذه الاختلافات بأنها نتيجة اختلافات التنشئة الاجتماعية بين الجنسين، والقيم الناتجة عن ذلك كالإيثار والرحمة وإدراك المخاطر.

ومع أن الفن استُخدم كثيراً للتوعية بالقضايا البيئية، إلا أن بعض نشطاء البيئة حول العالم استخدموه بطريقة مختلفة للفت النظر حول مطالبهم، مثل أعمال الشغب والتخريب لأهم الأعمال الفنية في المتاحف العالمية، وقد استهدف بعض هؤلاء الناشطين أشهر الأعمال الفنية التي تعد أيقونات عالمية كلوحة «دوار الشمس» لفان غوخ، ولوحتي «الموناليزا» و«العشاء الأخير» لدافنشي. تخريب هذه الأعمال ليس لأنها مناهضة للبيئة بقدر ما هي محاولة لفت النظر نحو قضاياهم، لكن لتحقيق التغيير المطلوب، أيهما أجدى، التعبير الإيجابي من خلال الفن، أم السلبي من خلال تخريبه؟

إن الفن التشكيلي ليس مجرد وسيلة للتعبير، بل له دور حاسم ومؤثر في تشكيل الوعي بالقضايا البيئية، فهو يدعو لإعادة التفكير في علاقتنا بها، والعمل معاً لمستقبل أكثر استدامة. إضافةً إلى دوره بصفته موروثاً ثقافياً للأجيال المقبلة، إذ يسجل تجربتنا في مواجهة هذا التحدي العالمي.

* كاتبة وناقدة سعودية