الدولة المدنية من صلب الدستور اللبناني... والأحزاب بين مؤيد ومشترط

عون موجهاً كلمة إلى اللبنانيين الشهر الماضي (رئاسة الجمهورية)
عون موجهاً كلمة إلى اللبنانيين الشهر الماضي (رئاسة الجمهورية)
TT

الدولة المدنية من صلب الدستور اللبناني... والأحزاب بين مؤيد ومشترط

عون موجهاً كلمة إلى اللبنانيين الشهر الماضي (رئاسة الجمهورية)
عون موجهاً كلمة إلى اللبنانيين الشهر الماضي (رئاسة الجمهورية)

عشية الذكرى المئوية الأولى للبنان الكبير، تحدث رئيس الجمهورية ميشال عون عن «إصلاح النظام وإعلان لبنان دولة مدنية»، بصفتها «وحدها قادرة على حماية التعددية»، داعياً إلى «حوار يضم السلطات الروحية والقيادات السياسية، توصلاً إلى صيغة مقبولة من الجميع، تترجم بالتعديلات الدستورية المناسبة»، الأمر الذي أثار ردود فعل من الأحزاب السياسية، وتساؤلات عن معنى «الدولة المدنية»، وعن الإجراءات التي ينص عليها الدستور في هذا الصدد.
وعند الحديث عن الدولة المدنية، لا بد من التذكير بداية -حسب ما يرى الخبير الدستوري صلاح حنين- أن «لبنان دولة مدنية، فالدستور مدني، وهو ينصّ على حرية المعتقد»، ولبنان ليس «جمهورية إسلامية أو مسيحية مثلاً»، موضحاً في حديث مع «الشرق الأوسط» أنّ كون الدستور ينصّ على أن يكون البرلمان اللبناني مناصفة بين المسلمين والمسيحين، وكونه يحرص على التوازن في الحكومة «فهذا لا يعني أنّنا لسنا دولة مدنية، فما قصده المشرّع من ذلك عدم استثناء أي طائفة، وليس استعمال الفيتو أو المحاصصة، كما ساد في التطبيق».
وفي هذا الإطار، يذكّر حنين بالمادة (95) من الدستور اللبناني التي تنصّ على اعتماد الكفاءة والاختصاص مرجعاً أساسياً، على أن يتم «اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية، بدايتها إلغاء الطائفية، وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء، شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية».
وانطلاقاً مما تقدّم، يرى حنين أنّه للذهاب أكثر نحو دولة مدنية «لا بدّ من إلغاء الطائفية من المجتمع أولاً، ومن ثمّ إلغاء الطائفية السياسية»، وذلك يكون عبر إقرار «قانون أحوال شخصية يوحد جميع اللبنانيين تحت أحكامه في الزواج والطلاق والميراث، وكلّ ما يتعلّق بالأحوال الشخصية»، مؤكداً أنّ هذا الأمر «لن يكون سهلاً، ولكن في حال تمّ التوصل إليه، سيكون بداية ومدخلاً للتوجه إلى إلغاء الطائفية السياسية».
ويشرح حنين أن وضع هذا القانون هو مهمّة الهيئة التي تحدث عنها الدستور في المادة (95)، إذ ورد فيها أنه على الهيئة «اقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية، وتقديمها إلى مجلس النواب والوزراء، ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية».
ويعد حنين أن اعتماد قانون موحد للأحوال الشخصية «سيساهم في إلغاء الطائفية من النفوس، وسيخرج الطوائف من قوقعتها، وسيمهد الطريق لإلغاء الطائفية السياسية»، مشيراً إلى أنّه «لا يمكن البدء بالعكس لأن ذلك يمكن أنّ يتسبب بمشكلات، إذ لا بد من إلغاء الطائفية من النفوس أولاً».
ويرى حنين أنه في حال نجح لبنان في ذلك، يذهب إلى «مجلس نيابي خارج القيد الطائفي والمذهبي، وربما إلى تعديل دستوري يكون من خلاله انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، وإعطائه صلاحيات واسعة».

مواقف الأحزاب
دعوة عون إلى الدولة المدنية جددها أيضا رئيس مجلس النواب نبيه بري، خلال كلمة له مؤخراً، طالباً من «كل الأفرقاء السياسيين في البرلمان وفي المعارضة والموالاة، ومن كل من سماهم (الصادقين في الحراك) إلى ملاقاته في منتصف الطريق، وتحت سقف المؤسسات، للحوار حول لبنان نحو الدولة المدنية، وصياغة قانون انتخابي خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ تتمثل فيه الطوائف كافة، وتعزيز استقلالية القضاء وتطويره».
أما حزب «الكتائب»، فيرى أنه يجب تحديد معنى شعار الدولة المدنية، إذ يؤكد النائب المستقيل إلياس حنكش أنّه يجب «تحديد المفاهيم، بدلاً من الذهاب إلى شعارات فضفاضة»، مضيفاً: «فليخبرونا ويخبروا المواطن ما المقصود بالدولة المدنية، ولا سيما أن لبنان دولة مدنية أصلاً».
ويعد حنكش، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنّ هناك «لغطاً وخلطاً في المفاهيم»، وأنّ بعضهم قد يستخدم مصطلح الدولة المدنية «عن جهل، وبعض آخر للتصويب على الشريك بالوطن، أو تحقيق مصالح سياسية أو مكاسب ضيقة».
وإذا كان المقصود من هذا الشعار فصل الدين عن الدولة (أي العلمانية)، وإقرار قانون مدني للأحوال الشخصية، فحزب «الكتائب»، حسب حنكش «لا يؤيد هذا الطرح فقط، بل يطالب به»، وبكل ما يساهم في بناء دولة حقيقية «من تعزيز الديمقراطية، وتعديل المناهج التعليمية، وإيجاد كتاب موحد للتاريخ، والذهاب إلى لامركزية موسعة، وإقرار قانون جديد للانتخابات»، لافتاً إلى أن الأفضل بالنسبة له «قانون الدائرة الفردية لأنه يصون التعددية، ويلغي سوء التمثيل».
وبدوره، يعد حزب «القوات اللبنانية» أنّ هناك حاجة لتوضيح بعض المفاهيم «ومنها على سبيل المثال ما المقصود من الدولة المدنية»، إذ يعد مصدر من «القوات»، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أنه وبكل بساطة «الدولة التي تستمد قوانينها من الشرائع الدينية تكون دولة دينية، ولبنان ليس دولة دينية».
وفي حين يؤكد المصدر أنه «في لبنان لا دين للدولة»، يوضح أنه إذا كان المقصود من شعار الدولة المدنية قوانين الأحوال الشخصية التي لا تزال تتبع للطوائف في لبنان، فمن المعروف أن «هناك خلافاً حولها، فبعض الجماعات في لبنان ترفض صراحة الذهاب إلى تعديل هذه القوانين، وإعادة النظر فيها، وتعد أنها مرتبطة بدينها وتقاليدها، ولا تقبل بأن يكون هناك قوانين سارية على الجميع».
ويضيف المصدر: «أما إذا كان المقصود من هذا الشعار النظام التشاركي، فهدا نظام قائم منذ عام 1860، وتأكد بالاستقلال، ومن ثم في الطائف»، ومن «الممكن الكلام عن تطويره كالذهاب إلى مجلس للشيوخ»، لافتاً إلى أن «أي تطوير للنظام السياسي في لبنان يجب أن يبدأ من البند الأول، ومن الأساس، أي البدء بتطبيق النظام قبل تطويره».
وانطلاقاً مما تقدّم، يؤكد المصدر أنّ «القوات» يرى «أنّه من الأفضل البدء بالعمل على أن تكون الدولة سيدة على جميع أراضيها، وأن يكون القرار للدولة، ولا يكون هناك دويلات داخل الدولة، وأن يكون هناك ولاء واحد للبنان»، وأنّ «أي تحديث للنظام، وهو أمر ضروري، يجب أن يكون البند السيادي أساسي فيه، ومن ثم يمكن الحديث عن أمور أخرى».
وفي هذا السياق، يقول المصدر: «الحري بنا البدء بالأساس، لا بالديكور، فما دام الأساس غير موجود، لا نستطيع الذهاب إلى إجراء ديكور»، مضيفاً: «نحن في أزمة وجودية في ظل تغييب الدولة عن سابق إصرار وتصميم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.