عند السادسة وسبع دقائق من مساء اليوم الثلاثاء، تقف الفنانة عبير نعمة وسط كنيسة «مار مارون» المدمرة في منطقة الجميزة، لتصدح بصوتها تكريماً لبيروت.
وتأتي هذه التحية الموسيقية بمشاركة جوقة كورال «الجامعة الأنطونية» تحت عنوان «بيروت ترنم للأمل». ينظم هذا الحدث الذي تنقله شاشة تلفزيون «إم تي في» اللبنانية مباشرة على الهواء، لجنة مهرجان «بيروت ترنم» التي اعتادت إقامة أمسيات موسيقية عالمية ومحلية لمناسبة عيد الميلاد من كل عام.
ونظراً للظروف الراهنة التي يمر بها لبنان بسبب جائحة «كورونا» فلن يكون الحضور متاحاً في مكان الحفل. في المقابل ستتوزع مكبرات الصوت على شوارع الأشرفية وأحيائها المدمرة، تنقل الحدث الذي هو بمثابة تحية للأبرياء الذين سقطوا في الانفجار ولبيروت الصامدة. وسيكون متاحاً سماع الموسيقى في أحياء مبنى النهار وشوارع باستور وشارل الحلو والحكمة وأرمينيا وساحة ساسين ومحيط كنيسة «الوردية»، كما ستنقله بعض التطبيقات الإلكترونية، كـ«أنغامي».
وتقول عبير نعمة في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «كان علينا أن نفكر في مبادرة تعيد النبض إلى قلب بيروت. وارتأت لجنة مهرجانات (بيروت ترنم) إقامة هذه الأمسية على أن تكون بمثابة صلاة يشارك فيها أهالي المدينة، كلٌّ من مكان إقامته. برنامج الحفل يتضمن إضافة إلى تراتيل دينية أغنيات وطنية. سأنشد (رجعت العصفورة)، و(عا اسمك غنيت) و(آفي ماريا) وغيرها من الأغاني الراسخة في ذاكرة الناس. فربما تسهم في تزويدهم بمشاعر الحنين إلى أرضهم، وإلى السلام، وإلى بيروت التي لا تموت».
يرافق عبير نعمة في الأمسية ثلاثة موسيقيين يتوزعون على آلات الكمان والبيانو والأكورديون، إضافة إلى جوقة الكورال. وتعلق نعمة: «إن بيروت بحاجة اليوم لسماع صوت مختلف عن دوي الانفجار الذي طالها وأحدث فيها كل هذا الدمار والحزن. وسنمد الجسور بين اللبنانيين بواسطة الموسيقى؛ لأنها لغة حوار عالمية. فالبعد والعزلة والإحباط الذين يعاني منهم أهالينا في العاصمة، نسعى إلى التخفيف من وقعهم عليهم عبر هذه الأمسية».
يعد حفل «بيروت ترنم للأمل» الأول الذي تشهده «ست الدنيا» بعد إصابتها البالغة بانفجار المرفأ الذي حصد ضحايا وجرحى ودمار مناطق بأكملها.
تشعر الفنانة عبير نعمة التي سبق أن وقفت على أهم المسارح في العالم، وأحيت حفلات حققت فيها نجاحات لافتة، بالخوف والرهبة من هذه التجربة. وتقول في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «إنها المرة الأولى التي ينتابني فيها هذا الشعور، لكثرة الألم والوجع اللذين يسكناني في العمق. فلم نستطع حتى الساعة محو ما جرى من ذاكرتنا ولا من كياننا. وأحس بأن صوتي يختنق، وأن لا قوة له أمام هذه الفاجعة. إحساس لم ينتابني في حياتي، ولكني كفنانة وموسيقية سأعمل على إخراج الأمل من صوتي، ليصل الناس ويمدهم ببعض السلام».
كنيسة «مار مارون» في منطقة الجميزة التي طالها الانفجار بشكل مباشر، وأدى إلى دمار جزء كبير منها، سينبعث منها اليوم الأمل. وتعلق نعمة: «كنت أتمنى لو أننا نقف اليوم ونغني لانتصار حققناه، ولنكرم إنسانية طغت على كل ما هو حولنا، أو لبسط سلام طالما حلمنا بتحقيقه على أرضنا. ولكن شاءت الظروف أن تسقط بيروت مرة جديدة، وتعود وتقوم من تحت الردم؛ لأنها مدينة صلبة بأهلها وناسها».
على مدى نحو ساعة من الزمن سينسى اللبنانيون اليوم همومهم ومآسيهم، ويصغون إلى موسيقى الأمل، فيحاولون لملمة جراحهم والتحليق في فضاء الأحلام على نية بيروت.
وتختم عبير نعمة لـ«الشرق الأوسط»: «وقوفي وسط كنيسة (مار مارون) في الجميزة هو بمثابة لقاء روحاني مع أهل بيروت. فيه ستصدح الموسيقى وننشد الفرح ونصلي في اللحظة نفسها التي حدث فيها الانفجار. نحن أبناء سلام، لا نحب الحروب، والموسيقى هي صوت بيروت الحقيقي. وهذه الصرخة التي نخرجها اليوم من أعماقنا، هي لتأكيد أن مدينتنا ستبقى جميلة وواقفة أبداً، رغم محاولات تشويهها وإسكاتها وتركيعها».
عبير نعمة: مدينتنا بحاجة لسماع صوت مختلف بعيداً عن الكارثة
«بيروت ترنم للأمل» تحية موسيقية لشهداء انفجار بيروت
عبير نعمة: مدينتنا بحاجة لسماع صوت مختلف بعيداً عن الكارثة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة