الفلسفة كحل وحيد للاستعصاء التاريخي

عدد الفلاسفة الكبار لا يتجاوز العشرين على مدار 2500 سنة

فردريك لونوار  -  سبينوزا
فردريك لونوار - سبينوزا
TT

الفلسفة كحل وحيد للاستعصاء التاريخي

فردريك لونوار  -  سبينوزا
فردريك لونوار - سبينوزا

يجمع العارفون على أن الفيلسوف بالمعنى الحقيقي للكلمة هو ذلك الشخص الذي أحدث خرقا في تاريخ الفكر، أو ثغرة في جدار التاريخ المسدود. الفيلسوف هو ذلك العبقري الذي حل المشكلة الاستعصائية للعصر. كل شخص لا يفعل ذلك لا يمكن أن نعتبره فيلسوفا حقيقيا. من هنا ندرة الفلاسفة الكبار على مدار التاريخ. الفيلسوف بالمعنى الذي نقصده هو فلتة من فلتات الزمان. إنه ذلك الشخص الذي تشكل ولادته حدثا هائلا أو ظهورا ساطعا على صفحة التاريخ. لماذا نعظمه إلى مثل هذا الحد؟ لأنه حل للناس المشكلة التي تؤرقهم، لأنه فك الانسداد التاريخي.
ومعلوم أنه في كل مرحلة من مراحل التاريخ هناك مشكلة مستعصية أو انسداد فكري لا يستطيع فكه إلا الفيلسوف العظيم. بهذا المعنى فالفلاسفة الكبار هم ظهورات أو منارات إشعاعية أو انفراجات في قلب الانسدادات. ليس في كل يوم يظهر فيلسوف كبير! فمثلا عدد الفلاسفة الكبار لا يتجاوز العشرين على مدار 2500 سنة من تاريخ الفلسفة. وحتى هؤلاء يمكن اختصارهم إلى تسعة أو عشرة أسماء: أفلاطون، أرسطو، ديكارت، سبينوزا، جان جاك روسو، كانط، هيغل، ماركس، نيتشه، هيدغر. أعتذر عن هذا التعسف. فهناك آخرون لا يقلون عبقرية وأهمية. وكل واحد من هؤلاء حل المشكلة المستعصية لعصره. كل واحد منهم اكتشف الحقيقة المخبوءة أو المطموسة في عصره. ولذلك نشعر بعد قراءتهم بأن الكون اتسع، والظلمات انقشعت، والكابوس زال.
فمثلا سبينوزا حل مشكلة الأصولية اليهودية - المسيحية. ومعلوم أنها كانت الاستعصاء التاريخي الأكبر في عصره. وكانت تقلق ذلك العصر وترعبه. لماذا؟ لأنها كانت تدخل الشعوب الأوروبية في حروب أهلية لا تبقي ولا تذر. وهي الحروب الطائفية التي جرت بين المذهبين الأساسيين: المذهب الكاثوليكي البابوي والمذهب البروتستانتي اللوثري. لقد حل سبينوزا المشكلة فلسفيا من خلال عقلنة الدين وتنظيفه من الشوائب والخرافات وحشو الحشو والترهات. وكلها أشياء متراكمة على مدار العصور وتهيمن على عقلية عامة الشعب.
كان الدين كله مختصرا لديه بعبارة واحدة: الإيمان بالله وحب العدل والإحسان والتضامن الفعلي مع الفقير والمسكين وابن السبيل. الدين هو المعاملة الحسنة والنزاهة والصدق ومكارم الأخلاق. هذا هو الدين في نظر سبينوزا، هذا هو جوهر الدين. كل ما عدا ذلك تفاصيل. أما الحقد على الآخر لأنه ليس من دينك أو مذهبك فهذا ليس من الدين في شيء وإنما مجرد تعصب أعمى. وهذا ما كان سائدا في عصر سبينوزا كما هو سائد عندنا حاليا. السائد كان هو المقولات الطائفية والفتاوى التكفيرية التي تملأ عقول عامة الشعب وتحشوها حشوا بأفكار التعصب وتحرض الناس على بعضهم البعض طائفيا ومذهبيا. هذا هو المفهوم السائد للدين في عصر سبينوزا. ولكن لحسن الحظ فإن أوروبا الحداثية المتنورة تخلصت منه حاليا وتجاوزته كليا بفضل سبينوزا ومن تلاه من كبار الفلاسفة الذين ثقفوا أوروبا وهذبوها وعلموها. ما الذي فعله سبينوزا بالضبط؟ هذا ما يجيب عليه فريدريك لونوار في كتابه «معجزة سبينوزا»، وغيره ممن كتبوا عن الفيلسوف.
لقد فكك سبينوزا العقائد الطائفية والفتاوى اللاهوتية التكفيرية للدين أو لرجال الدين. لقد قضى عليها قضاء مبرما من خلال كتابه العبقري: مقال في اللاهوت السياسي (المسيحي - اليهودي). وهو ما ندعوه حاليا عندنا بالإسلام السياسي. ولكن أين هو المثقف العربي الذي يتجرأ على ما فعله سبينوزا قبل 350 سنة بالضبط؟ سبينوزا لم يصفق لدعاة المسيحية السياسية أو المسيسة ولم ينبطح أمام الإخوان المسيحيين كما ينبطح بعض المثقفين العرب حاليا أمام الإخوان المسلمين. وإنما فكك مقولاتهم من جذورها تفكيكا وأسقط مشروعيتهم اللاهوتية أو الدينية وعراهم على حقيقتهم.
وكشف كيف أنهم يستغلون الدين بكل براعة مكيافيلية لغايات شخصية انتهازية لا تخفى على أحد. ولكنها تخفى على عامة الشعب البسيط المتدين أو ما ندعوه حاليا بالشارع العربي أو التركي فيتبعهم دون نقاش ويجعلهم يربحون الانتخابات بكل سهولة لأنه لا يمكن أن يكون ضد الدين. يا أخي هل أنت ضد الدين؟ أعوذ بالله، معاذ الله. إذن صوت لي! ولذلك يمنع المغرب استخدام الجوامع والمقدسات في الحملات الانتخابية المسيسة. لماذا؟ لأن من يستخدمها سوف يربح الانتخابات بشكل أتوماتيكي حتى دون انتخابات!
بنقده الراديكالي هذا لرجال الدين فتح سبينوزا المجال لتشكيل الدولة المدنية العلمانية الحديثة التي تعامل المواطنين كلهم على قدم المساواة بغض النظر عن أصولهم ومشاربهم. وهذا يعني أنه حل مشكلة العصر أو استعصاء العصر إذ أعطى الشعوب الأوروبية المتصارعة المفتاح الذهبي لتجاوز العقلية الطائفية والحروب المذهبية.
لقد تصدى للأصوليين على أرضيتهم الخاصة بالذات ودحرهم دحرا. إنه بطل الفكر مثل أستاذه ديكارت. لماذا نقول ذلك؟ لأنه حرر الروح من كوابيس اللاهوت الظلامي والتدين القاتل. هذا ما فعله سبينوزا. لهذا السبب نقول بأن ولادته كانت تشكل ظهورا أو حدثا خارقا في تاريخ الفلسفة. ورغم أنه لم يعش أكثر من 45 سنة إلا أنه استطاع أن يحدث خرقا في تاريخ الفكر البشري. هل هذا قليل؟ ولذلك ظل الأصوليون يلعنونه حتى الساعة. ولا تزال فتوى التكفير تلاحقه حتى اللحظة. ثم يقولون لك بعد كل ذلك: يا أخي ما فائدة الفلسفة؟ ما فائدة الثقافة والمثقفين؟ فائدتهم عظيمة والكلمة عندهم أقوى من الرصاصة! بشرط أن يكونوا عباقرة في حجم سبينوزا أو ديكارت أو كانط أو هيغل إلخ...
- تلامذة سبينوزا
ننتقل الآن إلى عصر التنوير، أي عصر فولتير وديدرو وجان وجاك روسو وكانط ومن تلاهم من فلاسفة الأنوار. وجميعهم من تلامذة سبينوزا بشكل أو بآخر وإن كانوا قد تجاوزوه وأضافوا إليه إضافات جديدة باهرة. فهؤلاء غيروا بشكل راديكالي منظورنا لفهم الحقيقة أو تصورها. لا ريب في أن سبينوزا سبقهم إلى ذلك ولكنه كان معزولا في عصره أي القرن السابع عشر أما هم فقد شكلوا تيارا طويلا عريضا في القرن الثامن عشر. فالحقيقة أصبحت نقدية وتحريرية في آن معا. بمعنى أنها لم تعد تصدق كل مقولات رجل الدين بشكل أتوماتيكي حتى ولو كان البابا شخصيا! وإنما ينبغي تفحصها أولا ووضعها على محك العقل والتمحيص قبل قبولها أو رفضها. وبالتالي فهي نقدية بالدرجة الأولى تجاه خرافات الأصوليين التكفيريين وأحقادهم الطائفية والمذهبية التي يبثون سمومها في أوساط الشعب الطيب البسيط الجاهل بل والأمي في معظمه آنذاك. وتجرأ الفلاسفة على القول بأن العلة كائنة في الشعب ذاته! ولذلك ينبغي إخراجه من مستنقع التخلف والجهل والتبعية العمياء لرجال الدين. بمعنى آخر لكي يحصل التغيير المنشود المنتظر ينبغي أن نبتدئ من نقطة البداية: أي تثقيف الشعب وتعليمه وتهذيبه وبالأخص تنويره. ولتحقيق ذلك خاض فلاسفة الأنوار معارك طاحنة مع رجال الدين المهيمنين على عقلية الشعب كما يهيمن شيوخ الفضائيات على الجمهور المسلم في وقتنا الراهن. وعندئذ ظهرت المؤلفات الكبرى كرسائل فلسفية، ورسالة في التسامح، والقاموس الفلسفي، لفولتير. ولا ننسى بالطبع كتابات جان جاك روسو التي فككت المفهوم الأصولي الطائفي القديم للدين المسيحي وقدمت عنه مفهوما عقلانيا وتحريريا رائعا.
وهذا ما ينقص العالم العربي حاليا بشكل موجع. هذا وقد نزل روسو إلى قلب المعمعة عندما تصدى لمطران باريس الذي كان قد هاجمه سابقا وكفره. ولذلك رد عليه روسو بكل جرأة وشجاعة بل وأفحمه في نص قوي خالد. ولا أعرف كيف تجرأ، وهو الأقلوي البروتستانتي، على تحدي أكبر شخصية كاثوليكية في فرنسا! هنا تكمن عظمة جان جاك روسو. لقد فجر النواة التراثية الصلبة للانغلاقات الدينية في قلبها أو منتصفها. وتدفقت عندئذ الشلالات والأضواء وانفك الانسداد التاريخي وتنفس الناس الصعداء. وعرف الناس عندئذ أنهم وصلوا إلى بر الأمان وأن الفكر المنور والمنتظر قد ظهر. (بين قوسين: وهذا ما شعر به الفرنسيون بعد ظهور ديكارت، والألمان بعد ظهور كانط أو هيغل. وحدهم العرب لا بواكي لهم...). وحرر روسو بذلك الطاقات المحبوسة أو المكبوتة للشعوب الأوروبية. بمعنى آخر فقد حررها من كابوس الظلامية الدينية التي كانت مهيمنة على أوروبا آنذاك وتكاد تخنقها خنقا وتشلها شللا بالصراعات الطائفية والحروب المذهبية. كان المفهوم الظلامي القديم للدين يشكل أكبر انسداد أو أكبر استعصاء تاريخي بالنسبة للأوروبيين كما هو عليه الحال عندنا حاليا. مسافة التفاوت التاريخي بيننا وبينهم من هذه الناحية تقدر بمائتي سنة أو حتى ثلاثمائة سنة.
- داء الأصولية
المفهوم الأصولي التكفيري كان مهيمنا على العقلية الجماعية منذ مئات السنين وبالتالي فله مشروعية تاريخية. ورغم ذلك فقد استطاع الفلاسفة زعزعته أو زلزلته أو تفجيره من الداخل... كانت الطائفية تمثل آنذاك الداء العضال الذي ينخر في أحشاء أوروبا وتجعل الناس يكرهون بعضهم بعضا بل ويذبحون بعضهم بعضا على الهوية. لم يكن أي جار يطيق جاره إن لم يكن من طائفته أو مذهبه. ولذلك كانت أحياء الكاثوليكيين منفصلة كليا عن أحياء البروتستانتيين. ثم ظهر روسو وقال هذه العبارة الأساسية: كل من يكفر الآخرين ينبغي طرده من الدولة والمجتمع. وكان يقصد بذلك حزب الإخوان المسيحيين البابويين الذين يشكلون الأغلبية العددية ويخيفون الآخرين بذلك. كانوا يعتقدون أنهم يمتلكون الحقيقة الإلهية المطلقة أو المسيحية الحقة لمجرد أنهم أكثرية وأن الآخرين زنادقة وكفار ينبغي استئصالهم. وبالتالي فلاهوت التكفير أو فقه التكفير هو سبب دمار أوروبا سابقا والعالم العربي حاليا. والواقع أن الجماعات التكفيرية هي التي ينبغي استئصالها وليس العكس. لماذا؟ لأنها تشكل خطرا ماحقا على السلم الأهلي والوحدة الوطنية للبلاد. وأخيرا نقول بأن عظمة فلاسفة أوروبا تكمن في أنهم استطاعوا تفكيك المفهوم التكفيري الظلامي الراسخ في العقليات الجماعية رسوخ الجبال وإحلال المفهوم التنويري المتسامح محله. وهذا الشيء لم يحصل حتى الآن في العالم العربي بل إن الذي يحصل حاليا هو العكس تماما!



صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
TT

صفعات وضرب بالهواتف والمأكولات... بعض هدايا جمهور الحفلات إلى المغنِّين

المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)
المغنية الأميركية بيبي ريكسا مصابة بجرح في الحاجب بعد أن رماها معجب بهاتفه (إنستغرام)

خلال إحدى حفلاته الأخيرة في بيروت، فوجئ المغنّي السوري «الشامي» بأحد الحاضرين الذي صعد إلى المسرح ووجّه إليه حركة نابية، بعد أن رفض الفنان الشاب ارتداء الكوفيّة نزولاً عند رغبة المعجب. أثارت تلك الحادثة الاستغراب، فبعد أن كان المعجبون يقتحمون خشبات المسارح لاستراق قبلة أو صورة مع مطربيهم المفضّلين، ها هم يحطّمون الحواجز الأخلاقية بينهم وبين الفنان.

لكن إذا كانت تلك التصرّفات العدائية من قبل المعجبين تجاه الفنانين طارئة على العالم العربي، فهي تُعد سلوكاً رائجاً في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا منذ عام 2021، وتحديداً بعد عودة الحفلات الموسيقية عقب جائحة «كورونا».

تعرَّض المغني الشامي قبل أسابيع لحركة نابية من معجب اقتحم المسرح (إنستغرام)

هاتف وسِوار على وجهَي ريكسا وأيليش

قبل أسابيع، وخلال حفلٍ لها في أريزونا، التقطت عدسات الكاميرا الفنانة الأميركية الشابة بيلي أيليش وهي تتلقّى سواراً على وجهها. بدت أيليش ممتعضة من هذا التصرّف الذي قام به أحد الحاضرين، فما كان منها إلا أن رمت السوار جانباً. أيليش، محبوبة الجيل الصاعد، معتادة على مواقف كهذا؛ في عام 2019 جرى تطويقها من قبل مجموعة من المعجبين؛ حيث حاول أحدهم خنقها بينما سرق آخر خاتمها.

قبل أيليش، تعرَّض عدد كبير من الفنانين لاعتداءات بأغراضٍ من العيار الثقيل، وأكثر أذى من مجرّد سوار. كان على المغنية بيبي ريكسا التوجّه من حفلها في نيويورك إلى المستشفى مباشرة، بعد أن رماها شخصٌ من بين الحضور بهاتفه على وجهها. وفي وقتٍ ظهرت ريكسا بعد الإصابة مجروحة الحاجب، جرى توقيف المعتدي الذي قال إنه تصرّف على هذا النحو آملاً في أن تلتقط الفنانة صوراً بهاتفه.

دجاج مقلي ومشروبات ورماد موتى

من بين الحوادث الصادمة، الصفعة التي تلقّتها المغنّية آفا ماكس من شخصٍ صعد إلى المسرح، بينما كانت تؤدّي أغنية خلال حفل لها في لوس أنجليس. أما المغنّي هاري ستايلز فكانت حصّته من هذه الظاهرة المستجدة قطعة دجاج مقلي أصابت عينه خلال إحدى حفلاته.

إلى جانب الهواتف التي نال مغنّي الراب دريك نصيبه منها كذلك خلال حفل في شيكاغو عام 2023، غالباً ما يلجأ الحضور إلى رمي الفنانين بالدّمى، وقطع الملابس، والمأكولات، والمشروبات. هذا ما حصل مع المغنية كاردي بي التي وجّه إليها أحد حاضري حفلها في لوس أنجليس كوباً من المشروب، فما كان منها سوى أن رمته بالميكروفون. إلا أن صدمة المغنية بينك كانت الأكبر من بين زملائها، فخلال إحيائها حفلاً في لندن، قام فردٌ من الحضور بنَثر رماد والدته المتوفّاة على المسرح!

مغنية الراب كاردي بي تضرب معجباً بالميكروفون بعد أن رماها بالمشروب (يوتيوب)

إن لم يتطوّر الأمر إلى رمي الفنان بأداة ما، غالباً ما يلجأ الحاضرون مفتعلو المشكلات إلى حِيَل أخرى، كتصويب فلاشات الكاميرا إلى وجه المغنّي بهدف إزعاجه، أو كالصراخ والسعي إلى الانخراط في محادثة معه.

في المقابل، يلوم بعض متابعي هذا المشهد المستجدّ الفنانين أنفسهم، على اعتبار أنّ بعضهم يعمد إلى رمي الجمهور بأغراض خاصة به، مثل القبعات والملابس والنظارات، ما دفع بالحضور إلى اكتساب تلك العادة والقيام بالمثل.

يلجأ بعض حضور الحفلات إلى إزعاج المغنِّين بالصراخ أو بفلاشات الكاميرات (رويترز)

لماذا يعنّف الجمهور الفنانين؟

* كورونا وعزلة الحَجْر

إذا كان الجمهور في الماضي يرمي الفنان بالبيض أو الطماطم في حال لم يعجبه الأداء، فإنّ وسائل التعبير وأسباب الامتعاض تبدّلت كثيراً على أيادي «الجيل زد». يعزو خبراء العروض الموسيقية وعلماء النفس والاجتماع تفاقم تلك الظاهرة في السنوات الأخيرة، إلى الحجْر الذي فرضته جائحة «كورونا». بسبب العزلة وتوقّف العروض الترفيهية المباشرة، نسي بعض الناس لياقة التصرّف وأدبيّات السلوك خلال الحفلات، ولا سيما منهم الجيل الصاعد.

* أوهام السوشيال ميديا وأرقامُها

السبب الثاني الذي جعل المعجب يرفع الكلفة مع الفنان، ويعد نفسه متساوياً معه محطّماً الحواجز كلها، هي وسائل التواصل الاجتماعي التي أوهمت الجمهور بأنّ الفنان صديق له، وبأنّ ما بينهما معرفة ومشاعر حقيقية وليست افتراضية. يظنّ المعجبون أنهم بمتابعتهم للفنان، وبمعرفتهم أموراً كثيرة عنه، قد كسروا جدار البروتوكول، ونالوا اهتمام الشخصية المشهورة.

تتحمّل «السوشيال ميديا» كذلك مسؤولية تحويل الحفلات الموسيقية إلى عروضٍ من العنف ضد الفنان، بسبب هوَس الجيل الصاعد بمفهوم «التريند» وتجميع المشاهدات، ولا سيما على «تيك توك». يسعى الحاضرون إلى افتعال تلك المواقف النافرة بهدف أن يصيروا جزءاً من العرض، وأن ينشروا بالتالي فيديوهات لتلك اللحظات الغريبة على أمل أن تنال الرواج على المنصة، فيدخلون بدَورهم نادي المشاهير، ولو لأيام قليلة.

* حقدٌ ماليّ

من بين الأسباب التي حوّلت حفلات أشهر الفنانين إلى عروض من العنف، أسعار البطاقات التي قد تكون خيالية في بعض الأحيان. يلجأ الحاضرون إلى التعبير عن امتعاضهم من الغلاء، بأن ينتقموا على طريقتهم من الفنان. وما يزيد الأمر سوءاً ويستفزّ البعض، ظهور الفنانين أمام الناس وهم يرتدون الملابس والحلي ذات الأثمان الباهظة والماركات العالمية.

يترافق ذلك وقناعة لدى أفراد الجمهور الذين يقومون بأعمال نافرة، بأنّ عشقَهم للشخصية المشهورة يبرر العنف ضدّها إن لم تبادلهم الاهتمام؛ خصوصاً إذا أنفقوا الكثير من أموالهم لشراء بطاقات الحفل. فبعض الجمهور يذهب في إعجابه إلى حدّ اعتبار أنّ أي شيء مبرّر من أجل الحصول على لفتة انتباه أو نظرة من الفنان، حتى وإن اضطرّه ذلك إلى افتعال مشكلة أو ضرب المغنّي بأداة حادّة!

يعد بعض جمهور الحفلات كل التصرفات مبررة من أجل لفت انتباه الفنان (رويترز)

أدبيات سلوك الحفلات

من ليدي غاغا، إلى دوا ليبا، مروراً بجاستن بيبر، وكولدبلاي، وليس انتهاءً بمايلي سايرس وتايلور سويفت؛ لم ينجُ أحد من اعتداءات الجمهور الغريبة. فرض ذلك اتّخاذ مواقف من قبل الفنانين تجاه ما يحصل، فخلال إحدى حفلاتها في لوس أنجليس رفعت المغنية البريطانية أديل الصوت قائلة: «هل لاحظتم كم نسي الناس أخلاقيات الحفلات؟ إذا تجرّأ أحد على أن يرميني بغرض ما، فسأقتله».

أما رابطة معجبي تايلور سويفت، فقد ابتكرت دليلاً لأدبيّات السلوك في الحفلات، خوفاً على محبوبتهم من التعدّيات. مع العلم بأنّ المغنية الأميركية الشابة كانت قد نالت نصيبها من تلك التصرفات، وقد عاشت إحدى أكثر اللحظات غرابة، عندما هجم أحد المعجبين باتّجاه المسرح، وحاول التقاط قدمِها بينما كانت تغنّي، قبل أن يلقي عناصر الأمن القبض عليه.