نبات الماكا.. كنز جديد يزلزل بيرو

تقاوم السرطان.. واهتمام الصينيين به تسبب في ارتفاع سعره.. ومخاوف بشأن تهريب بذوره خارج البلاد

نبات الماكا.. كنز جديد يزلزل بيرو
TT

نبات الماكا.. كنز جديد يزلزل بيرو

نبات الماكا.. كنز جديد يزلزل بيرو

اقتحمت مجموعة من اللصوص مخزنا بإحدى المناطق الزراعية بجبال الإنديز، واعتدوا على المدير بالضرب على رأسه وتمكنوا من سرقة 2.600 رطل من المسروقات. وانطلقت الشاحنات المحملة بالمسروقات خلسة عبر الحدود، في اتجاهها نحو الصين.
المثير أن هذه المادة الجديدة التي أثارت موجة مفاجئة من أعمال السلب والنهب وكذلك الثراء لا تنتمي للمخدرات أو الأحجار الكريمة أو المعادن النفيسة، وإنما هي نبات ينتمي لفصيلة الخضراوات يشبه اللفت، يسمى «ماكا». وقد نال شهرة واسعة باعتباره طعاما فائق القدرات قادر على محاربة السرطان، وأصبح يباع حاليا داخل المتاجر الكبرى، مثل «هول فودز».
وحقق هذا النبات شهرة كبيرة في الصين لقدرته على استثارة الرغبة الجنسية لدرجة أن أعدادا كبيرة من التجار الصينيين قدموا لبيرو هذا العام محملين بالأموال لشراء المحصول، مما أثار حالة من النشاط والحركة المحمومة وكذلك القلق من ليما إلى لوس أنجليس وما وراءها.
ومع حدوث ارتفاع هائل في سعر محصولهم المميز، انطلق المزارعون الذين كانوا يعانون من قبل من الفقر، عبر الطرقات غير الممهدة في سيارات جديدة لامعة. ومع ازدهار زراعة «ماكا»، بدأت المخاوف تدب في نفوس بعض أبناء بيرو حيال فقدانهم السيطرة على هذا المحصول القيم الذي يرجع تاريخه لعصور قديمة قبل قيام إمبراطورية إنكا.
من جانبهم، ذكر مسؤولون أن الكثير من المشترين الصينيين تورطوا في تهريب جذور هذا النبات خارج البلاد في انتهاك لقانون يفرض معالجة «ماكا» داخل بيرو قبل تصديره - وهو إجراء يرمي لحماية الشركات الوطنية. وأضاف المسؤولون أن «جذور (ماكا) جرى تهريبها بصورة غير قانونية، رغم الحظر المفروض على زراعة جذور هذا النبات في أي مكان آخر».
في هذا الصدد، اشتكى أندريه فالادوليد، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة القرصنة البيولوجية في بيرو، من أن: «آلاف الأفدنة جرت زراعتها خارج البلاد من دون تصريح».
أما أوزوالدو كاستيلو، أحد المشاركين في زراعة ومعالجة «ماكا»، فأبدى قلقه من أن الصينيين «سيفرضون الاحتكار على (ماكا) وسيتمكنون من تحديد سعره بالسوق العالمية». وحذر من أن بعض المزارعين باعوا بذور «ماكا» لمشترين صينيين.
وقد أثارت موجة الإقبال الصيني الضخمة على شراء «ماكا» وعمليات التصدير السرية للنبات، تساؤلات حول قدرة الدول النامية على السيطرة على إمكانية الوصول إلى الفصائل والأنواع المحلية.
كما أصابت هذه الموجة صدمة بالغة في أوساط المشترين من الولايات المتحدة وأوروبا واليابان الذين عاينوا ارتفاعا مفاجئا وحادا في أسعار «ماكا» المعالجة، أو تم إخطارهم ببساطة أنه لم تتبق «ماكا» لشحنها إليهم.
من جهته، أشار زاك أدلمان، مؤسس شركة «نافيتاس ناتشرال»، واحدة من كبار الجهات المستوردة لـ«ماكا» بالولايات المتحدة، ومقرها في نوفاتو بكاليفورنيا، إلى أن شركته دفعت قرابة 3.60 دولار للرطل من مسحوق «ماكا»، والآن يطالب بعض الموردين بأكثر من 20 دولارا للرطل.
وأضاف: «لا يبدو أن الأسعار في طريقها نحو الانخفاض أو حتى الاستقرار داخل فروع متجر (هول فودز)»، ارتفع سعر منتج «ماكا» العضوي الذي تبيعه شركته تحت اسم «إنكان سوبرفود»، مؤخرا إلى 30 دولارا للرطل بعد أن كان 20 دولارا. وتوقع أدلمان أن يصل سعر البيع العام المقبل إلى 80 دولارا للرطل. وقال: «سيكون الأمر بمثابة صدمة بالغة لهم في العام الجديد عندما يتوجهون لشراء المنتج ليجدوه ارتفع بمقدار 3 أضعاف ما كان عليه».
من ناحية أخرى، تدعي بعض الدراسات العلمية وجود صلة بين تناول «ماكا» وزيادة الرغبة الجنسية. في الواقع، تعود هذه المعتقدات لقرون عدة مضت، حيث تشير إحدى النصوص التاريخية، مثلا، إلى أن إمبراطور إنكا أطعم جنوده «ماكا» ليمنحهم الطاقة اللازمة للقتال، لكنه توقف عن ذلك لاحقا بعدما حققوا انتصارات عسكرية كي يخفف من حدة رغبتهم الجنسية.
اللافت أنه بحلول ثمانينات القرن الماضي اختفى محصول «ماكا»، ثم عاود الظهور في العقد التالي بدعم من الحكومة وساعدته شهرته كمحفز للرغبة الجنسية. وتبعا للإحصاءات الصادرة عن وزارة الزراعة في بيرو، فإن حجم المساحة المزروعة «ماكا» خلال عام 2012 بلغ 6.227 فدانا، ارتفعت إلى 3.207 عام 2010. ويبدو أن المساحات المزروعة شهدت زيادات إضافية من ذلك الحين، ويقول مزارعون إنهم ينوون زيادة مزروعاتهم من «ماكا» لتلبية الطلب الصيني.
في يونيو (حزيران)، مع بداية زراعة المحصول، قدم مشترون صينيون لهذه المدينة البالغ تعداد سكانها 10.000 نسمة، والمقامة على سهل يرتفع عن سطح البحر بـ13.555 قدم. وفي غضون أسابيع، اشتعلت قيمة نبات «ماكا»، المنتمي للفصيلة الكرنبية ويتميز برائحة وطعم لاذعين، من قرابة 1.80 دولار للرطل لأكثر من 11 دولارا للرطل. وبذلك هبط الثراء فجأة على رؤوس البعض!
من بين هؤلاء بيلار كوندور، 25 عاما، التي قالت بينما كانت تقف بجانب سيارتها الجديدة الفاخرة وحاملة ابنها الرضيع: «لقد بدل هذا الأمر حياتي. ليس بإمكان الكثيرين في سني شراء مثل هذه السيارة من أجرهم».
وأضافت أن أسرتها، التي زرعت قرابة 250 فدانا من «ماكا» هذا العام، بنت ملحقا إضافيا بجانب المنزل الرئيس للأسرة واشتروا شاحنة لنقل المحصول. وأشارت إلى أنه في يوم سابق، باعت 9 أطنان من «ماكا» مقابل نحو 7.80 دولار للرطل، مما حقق عائدا بقيمة تتجاوز 140 ألف دولار. وقام الكثير من الصينيين الذين اشتروا «ماكا» هذا الصيف بشحن كميات ضخمة من النبات المجفف في شاحنات وأرسلوها سرا عبر الحدود إلى بوليفيا، تبعا لما أفاده مسؤولون حكوميون، الأمر الذي أضر بالجهات المحلية المعنية بمعالجة «ماكا». إلا أن ما يثير القلق بدرجة أكبر على المدى الطويل فهو تواتر أنباء عن أن مزارعين بالصين بدأوا بالفعل في زراعة مساحات كبيرة بنبات «ماكا». من جهته، قال فالادوليد، رئيس اللجنة الوطنية لمكافحة القرصنة البيولوجية، إن «هذه المساحات المزروعة بدأت بالاعتماد على بذور مهربة من بيرو بصورة غير قانونية».
ونظرا لأن «ماكا» يستنزف التربة سريعا ويمتص ما بها من عناصر غذائية، يحرص المزارعون على زراعة حقل ما بهذا المحصول لعامين فقط، ثم يجب ترك الأرض من دون زراعة لمدة 15 عاما. وقد أجبر ذلك المزارعين على التحرك نحو مناطق قاصية بحثا عن أراض لزراعتها، مما يضطرهم في الغالب لحرث أراض على جوانب تلال شديدة الارتفاع.
هذه تحديدا هي المشكلة التي واجهت هوغو أرياس، 53 عاما، الذي يعده الكثيرون هنا «ملك ماكا» نظرا لزراعاته المتوسعة لهذا النبات. خلال هذا العام، زرع أرياس أكثر من 600 فدان «ماكا»، وأعرب عن عزمه زيادة المساحة بنسبة تفوق 20 في المائة العام المقبل. وأضاف أنه «استغل جزءا كبيرا من عائدات هذا العام في شراء معدات زراعية واستئجار مزيد من الأراضي لزراعة (ماكا)». كما يبني لنفسه منزلا جديدا ضخما في مدينته.
في أحد الأيام القريبة، وقف أرياس يحث قرابة 200 عامل يحصدون «ماكا» بأحد الحقول على بذل مزيد من الجهد. وقال: «يدعون أنني أستغل الآخرين. في الواقع، أنا لا أستغل أحدا، وإنما أعطي للناس فرصة عمل».
من خلف ظهر أرياس، اشتكى بعض العمال من أنه رغم حصولهم على زيادة في أجورهم هذا العام، فإنهم لا يستفيدون بالشكل الكافي من الارتفاع الهائل في أسعار «ماكا». وأوضحوا أن أجورهم ارتفعت إلى 11.37 دولار لليوم، مقابل 9.65 دولار العام الماضي.
داخل الحقل، انحنى عمال جني المحصول، وبينهم بعض السيدات يحملن أبناءهن الرضع على ظهورهن، لفرك الأرض بلقطات قصيرة المقبض للكشف عن جذور «ماكا» التي تتراوح أطوالها بين بوصتين وطول ظفر إصبع صغير.
في الحقيقة، من الصعب أن يتخيل المرء إمكانية زراعة أي محصول هنا في ظل هذه البيئة القاسية بجانب الأعشاب البرية، لكن «ماكا» يتميز بقدرته الكبيرة على التكيف مع الظروف المحيطة.
من ناحيته، قال فيكتور بارا، 56 عاما، إن «الطقس بلغ أحيانا مستوى من البرودة جعلته بالكاد قادرا على التقاط جذور (ماكا) لخارج التربة». وأضاف أن «عمال الحصاد يحصلون على فترات استراحة قصيرة، بينما يحملون معهم إلى العمل طعام ومياه لهم. كما يسافرون من وإلى الحقول على ظهر شاحنات مكتظة».
وقال بارا: «سعر كيلو (ماكا) مرتفع للغاية، إذن لماذا يعطوننا هذا الأجر الزهيد ويعاملوننا بهذا السوء؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».