تباين ليبي حول جدية قرارات السراج في «التصدي للفساد»

أنصاره يؤكدون أهميتها... وآخرون عدّوها محاولة «لإطفاء شعلة» غضب الشارع

جانب من المظاهرات الأخيرة في طرابلس ضد حكومة «الوفاق» (رويترز)
جانب من المظاهرات الأخيرة في طرابلس ضد حكومة «الوفاق» (رويترز)
TT

تباين ليبي حول جدية قرارات السراج في «التصدي للفساد»

جانب من المظاهرات الأخيرة في طرابلس ضد حكومة «الوفاق» (رويترز)
جانب من المظاهرات الأخيرة في طرابلس ضد حكومة «الوفاق» (رويترز)

تباينت ردود أفعال السياسيين والمحللين الليبيين حيال القرارات التي أصدرها رئيس المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» فائز السراج، وقدرتها على التصدي لـ«الفساد»، الذي تفيد تقارير محلية ودولية بأنه مستشر في البلاد، بالإضافة إلى مدى تفعيل باقي القرارات المتعلقة بتشغيل الشباب المتعطلين عن العمل، وتحسين مستوى الخدمات.
وفيما أكد موالون للسراج جديته على تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين، ومحاربة المتربحين من أزمات البلاد، ذهب خصومه في شرق البلاد، إلى أن هذه القرارات التي أصدرها عقب توقيف وزير داخليته عن العمل فتحي باشاغا، كانت تستهدف «إلهاء الشارع، وامتصاص غضب المحتجين».
ورأى عضو مجلس النواب الليبي أبو بكر الغزالي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن القرارات التي أصدرها السراج ما هي «محاولات لإطفاء شعلة غضب الشارع، والتي قد تؤدي لمزيد من الاشتعال عبر تجاهل الحقائق»، مشيراً إلى أن الشباب المحتج «لن تنطلي عليه هذه المحاولات خاصة مع دلالة توقيت إصدار القرارات بعد أقل من أسبوع على اندلاع المظاهرات».
وعبّر عن اعتقاده «باستمرار المظاهرات لكونها تنادي بمطالب حقيقة عديدة لمواطني غرب البلاد، وبالتالي أي محاولات تسكين أو رشاوى مقنّعة لن تجدي، إلى جانب أن الجميع يعلم أن السراج يبذل مساعيه لاسترضاء وجذب الشباب وكافة شرائح المتظاهرين إلى صفه في صراعه مع باشاغا».
وتوقع الغزالي «عدم انضمام المتظاهرين لأي الرجلين المتصارعين على السلطة»، مستكملاً: «الشباب يعرف جيداً أن الخلافات بينهما قديمة ولا تتعلق بادعاءات أي طرف منهما محاربة الفساد والاهتمام بالشباب والمواطن».
وكان السراج اجتمع مع مسؤولي الأجهزة الرقابية والمحاسبية، لمناقشة عدد من الملفات الخاصة بالشأن العام، والتأكيد على التعاون والتنسيق المستمر في ظل الظروف الراهنة، وهو ما استند عليه مؤيدوه بأنه بدا جادا في التصدي لمافيا الفساد المتحكمة في البلاد منذ رحيل النظام السابق.
في المقابل رفض مسؤول سياسي بحكومة «الوفاق» الهجوم على السراج، أو التقليل من شأن القرارات التي اتخذها لجهة الإصلاحات الاقتصادية، وتعقب الفاسدين، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «ليس من المعقول أن يلام رئيس المجلس الرئاسي، سواء أقدم على إصلاحات اقتصادية، أو لم يقدم»، قبل أن يلفت إلى هذه القرارات طمأنت المواطنين بعد تأكدهم من جديتها.
غير أن أستاذ الاقتصاد بجامعة مصراتة عبد الحميد فضيل «شكك في قدرة حكومة (الوفاق) على تطبيق هذه القرارات بما تمثله من تحديات وضغوط على مؤسسات وميزانية الدولة في ظل توقف النفط، الذي تمثل عائداته 95 في المائة من تلك الميزانية».
وقال فضيل لـ«الشرق الأوسط» إن القطاع الحكومي مكدس بأكثر من مليوني عامل في حين أن الاحتياج الحقيقي لدولاب العمل لا يتطلب أكثر من نصف مليون عامل، «أي أننا أمام مليون ونصف المليون موظف يتقاضون أجورهم دون إنتاجية»، متابعاً: «التعيينات الجديدة تعني مزيدا من الإنهاك لميزانية الدولة وزيادة العجز بها، فخلال السبعة الشهور الأولى لعام 2020 ظهر عجز قدره 15 مليار دينار و700 مليون دينار ليبي بالميزانية، ولذا عجزت الدولة في كثير من الشهور عن دفع رواتب لموظفيها الحاليين في موعدها، فمن أين ستأتي برواتب للذين سيتم تعيينه؟».
واستدرك: «لا توجد دولة بالعالم مثل ليبيا تنفق 60 في المائة من ميزانيتها على الرواتب، هذا خطأ آخر يحتاج للتصحيح، من خلال الاهتمام بتشجيع القطاع الخاص وأصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة».
وطبقا لبيانات وزارة العمل بحكومة «الوفاق» بلغ عدد الباحثين عن عمل من المسجلين لديها نحو 129 ألف شخص، حتى يوليو (تموز) الماضي.
وفيما يتعلق بقرار السراج حول إعادة تفعيل وصرف علاوة الأسرة من عائدات رسوم بيع النقد الأجنبي، قال فضيل: «صرف هذه العلاوة يتطلب من أربعة إلى خمسة مليارات دينار، وطبقا لبيانات المصرف المركزي فالمبلغ المتوفر من عوائد بيع العملة العام الحالي يعادل ما قيمته 13 مليار دينار و500 مليون دينار فقط، وبالطبع سيتم استخدامها لسد عجز الميزانية العامة، وهو ما يعني عدم وجود مورد لتمويل تلك العلاوة!».
وكان السراج أرجع أسباب قراره بتشغيل وتدريب العاطلين، إلى تنشيط حركة الاقتصاد الوطني، عبر دمج الشباب في سوق العمل، بما لا يزيد الالتزامات على الخزانة العامة، وزيادة عدد الكادر الوظيفي للجهات الحكومية، إلاّ «أن هذا التوضيح لم يقنع الكثير من الخبراء الاقتصاديين».
في السياق ذاته، قال أحمد أبو عرقوب، المتحدث باسم حراك (همة شباب 23) الذي شارك في المظاهرات التي اندلعت بالعاصمة مؤخراً، «هذه القرارات لا تلبي تطلعات المواطن الليبي التي تبناها الحراك، لإنهاء الانقسام السياسي وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة من بلادنا، بالإضافة إلى محاربة الفساد والفاسدين».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط» هذه القرارات «الغرض منها امتصاص غضب الشارع وخصوصاً شريحة الشباب»، بالإضافة إلى توظيفها لتصفية حساباته مع خصومه السياسيين. وانتهى إلى أنهم بصدد «التحشيد للقيام مظاهرات كبيرة للتأكيد على مطالبهم وفي مقدمتها محاسبة المسؤولين الفاسدين»، لكنه أكد على «عدم اصطفافهم مع أي طرف على حساب طرف آخر».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.