«الدوائر» تعيد الجدل إلى قانون الانتخابات العراقية

TT

«الدوائر» تعيد الجدل إلى قانون الانتخابات العراقية

عاد قانون الانتخابات إلى دائرة الجدل بعد التصويت عليه من قبل البرلمان العراقي خلال شهر ديسمبر (كانون الأول) 2019 تحت ضغط المظاهرات التي كانت اندلعت في الأول من شهر أكتوبر من نفس العام.
ورغم اعتراض الكتل الكردية على بعض فقرات القانون وبخاصة المادتين 15 و16 منه فإنه تم تمرير القانون بالأغلبية مع بقاء الملحق الخاص ببعض الفقرات الخلافية قيد التداول والنقاش. وبينما انشغلت القوى السياسية بمسألة استقالة حكومة رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي والبحث المضني عن رئيس وزراء بديل استمر حتى الشهر الخامس من العام الحالي بعد التصويت على حكومة رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي، فإن البرلمان لم يتمكن من حسم الجدل بشأن ملاحق القانون. وبسبب جائحة كورونا فقد تعطلت جلسات البرلمان لعدة شهور تلاها بدء الفصل التشريعي الثاني، الأمر الذي بقي فيه القانون معلقاً بين رئاسة البرلمان واللجان المعنية المختلفة، بينما بقيت رئاسة الجمهورية تنتظر وصوله إليها لغرض المصادقة عليه.
رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي الذي جاء على وقع الحراك الجماهيري تعهد في خطاب التنصيب على إجراء انتخابات مبكرة. وبعد نحو شهرين على توليه منصبه أعلن الكاظمي عن تحديد يوم السادس من يونيو (حزيران) 2021 موعداً لإجراء الانتخابات، وبذلك يكون رمى الكرة في ملعب البرلمان والكتل السياسية. وخلال الجلسة الأولى التي عقدها البرلمان العراقي أول من أمس السبت بعد انقطاع طويل لم يتمكن من حسم الجدل حول المادتين 15 و16 حيث تنص الأولى على نوعية الترشح للانتخابات بقائمة واحدة أو عدة قوائم أو الترشح الفردي، فيما تنص المادة 16 على تقسيم العراق إلى دوائر متعددة وليس دائرة انتخابية واحدة، وهي مطالب المتظاهرين التي تلخصت بتأييد الترشيح الفردي والدوائر المتعددة.
خلال فترة المظاهرات في نسختها الأولى قبل هيمنة جائحة كورونا لم تكن القوى السياسية تجرؤ على اتخاذ مواقف مناوئة لما يريده الشارع، غير أن تداعيات الجائحة والأزمة الاقتصادية الحادة جعلت بعض القوى السياسية تتراجع أو تحاول الالتفاف على القانون، بحيث لم يعد الكرد وحدهم ينفردون في رفض الدوائر المتعددة أو التصويت الفردي، بل هناك كتل سياسية أخرى، وإن لم تعلن مواقفها بشكل صريح لكنها لا تميل إلى تمرير القانون بالصيغة التي جرى التوافق عليها أول مرة.
ويقول عضو البرلمان العراقي عن محافظة بغداد آراس حبيب كريم لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس أمام مجلس النواب سوى أن يكون بمستوى الآمال الكبيرة التي ينظر العراقيون من خلالها إليه». وأضاف حبيب أن «هناك قوانين هامة وحاكمة تنتظر التشريع في المقدمة منها قانونا الانتخابات والمحكمة الاتحادية»، مبيناً أن «هناك بالإضافة إلى ذلك تحديات كبيرة وهي الاقتصادية والصحية التي تنتظر منا إجراءات ترتقي إلى مستوى ما تمثله من مخاطر على البلاد». وأكد حبيب أنه «حان وقت العمل وتقويم الأداء استعداداً للانتخابات المبكرة القادمة التي تتطلب منا الدخول إليها وقد قدمنا للمواطن ما يجعله يثق بما نعمل لا بما نقول».
إلى ذلك، أكد زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي إنه ما لم يتم السيطرة على السلاح المنلفت فإن أي انتخابات سوف تشهد عزوفاً كبيراً. وقال علاوي في تغريدة له على موقع «تويتر» أمس: «لا تستعجلوا حسم قانون الانتخابات قبل إعطائه فرصة كافية ووافية للحوار والنقاش داخل المجلس». وأضاف أنه «لم تتم السيطرة على السلاح المنفلت والنزاعات العشائرية وردع الطائفية السياسية فإن أي انتخابات مقبلة ستشهد عزوفاً جديداً ونتائج كارثية، وها أنا ذا أحذر من مآلات تجاهل تلك الملفات».
من جهته، أعرب تحالف «سائرون»، المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر عن رفضه مبدأ الدائرة الواحدة في قانون الانتخابات. وقال النائب عن تحالف «سائرون» رياض المسعودي في تصريح له إن «الأسبوع المقبل سيشهد اجتماعات مركزة بين اللجنة القانونية النيابية لتمرير ملحق قانون الانتخابات والتصويت عليه وفق مبدأ الدوائر المتعددة». وأضاف أن «القوى الكردية وبعض الأطراف مصرة على اتخاذ المحافظة الواحدة دائرة واحدة، وهو أمر مرفوض كونه ضياعاً لمطالب المظاهرات التي خرجت من أجل الإصلاح السياسي». وأشار المسعودي إلى أن «هناك توجهاً من بعض الأطراف السياسية لتبني موقف الأمم المتحدة القاضي بتحويل أي محافظة لثلاث دوائر انتخابية على أن يتم تحديث سجل الناخبين والتوافق على توزيع المقاعد».



«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
TT

«خط أحمر»... «الحكومة الموزاية» تثير مخاوف مصرية من تفكك السودان

وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)
وزراء الخارجية والري في مصر والسودان خلال اجتماع تشاوري عقد بالقاهرة قبل نحو أسبوع (الخارجية المصرية)

تثير تحركات تشكيل «حكومة موازية» في السودان، مخاوف مصرية من تفكك البلاد، التي تعاني من حرب داخلية اندلعت قبل نحو عام ونصف العام، وشردت الملايين. وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الأحد، إن «بلاده مع استقرار السودان ومع بسط سيادته على كل الأراضي السودانية»، مشيراً إلى أن «هذا أمر ثابت في السياسة الخارجية المصرية ولا يمكن أن تتزحزح عنه».

واعتبر وزير الخارجية، في مؤتمر صحافي مشترك، مع المفوضة الأوروبية لشؤون المتوسط دوبرافكا سويتشا، «تشكيل أي أطر موازية قد تؤدي إلى تفكك الدولة السودانية خطاً أحمر بالنسبة لمصر ومرفوضاً تماماً»، مضيفاً: «ندعم الشرعية. ندعم مؤسسات الدولة السودانية، وندعم الدولة، لا ندعم أشخاصاً بأعينهم».

ويرى خبراء ومراقبون، تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، أن الموقف السياسي المصري الداعم بقوة لمؤسسات الدولة، والرافض لتشكيل أي أطر موازية، هدفه حماية السودان من التمزق، لكنه يظل رهن تباينات إقليمية تعقد حل الأزمة.

ويمهد توقيع «قوات الدعم السريع» وحركات مسلحة وقوى سياسية ومدنية متحالفة معها بنيروبي، الأسبوع الماضي، على «الميثاق التأسيسي»، الطريق لإعلان حكومة أخرى موازية في السودان، في مواجهة الحكومة التي يقودها رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق عبد الفتاح البرهان، وتتخذ من مدينة بورتسودان مقراً لها.

وفي تصريحات لـ«الشرق الأوسط» من القاهرة، قبل أيام، عدَّ وزير الخارجية السوداني، علي يوسف الشريف، أن تحرك تشكيل «حكومة موازية» في مناطق سيطرة قوات «الدعم السريع» لا يحظى باعتراف دولي، مشيراً إلى أن «دولاً إقليمية ودولية تدعم موقف بلاده في هذه القضية».

وجددت مصر، الأحد، رفضها مساعي تشكيل «حكومة موازية» بالسودان، ووصفت الخارجية المصرية، في بيان رسمي، الأحد، ذلك، بأنه «محاولة تهدد وحدة وسيادة وسلامة أراضي السودان».

وأضاف البيان أن تشكيل حكومة سودانية موازية «يُعقد المشهد في السودان، ويعوق الجهود الجارية لتوحيد الرؤى بين القوى السودانية، ويفاقم الأوضاع الإنسانية»، فيما طالبت كافة القوى السودانية بتغليب المصلحة الوطنية العليا للبلاد والانخراط في إطلاق عملية سياسية شاملة دون إقصاء أو تدخلات خارجية.

وحسب الوزير المصري عبد العاطي، فإن «مصر على تواصل مع كل الأطراف المعنية لنقل وجهه نظرها وموقفها الواضح والثابت»، وأضاف: «بالتأكيد نحن مع السودان كدولة، ومع السودان كمؤسسات، ومع السودان بطبيعة الحال لفرض سيادته وسيطرته على كل الأراضي السودانية».

وتستهدف مصر من رفض مسار الحكومة الموازية «دعم المؤسسات الوطنية في السودان، حفاظاً على وحدته واستقراره، وسلامته الإقليمية»، وفق عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير صلاح حليمة، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «مصر تعمل على حشد الدعم الدولي والإقليمي لوقف الحرب ونفاذ المساعدات الإنسانية، ووضع خطط لإعادة الإعمار».

وتنظر القاهرة لحكومة بورتسودان باعتبارها الممثل الشرعي للسودان، والمعترف بها دولياً، وفق حليمة، ودلل على ذلك بـ«دعوة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، للأمم المتحدة، وزيارة دول مختلفة، كممثل شرعي عن بلاده».

وترأس البرهان وفد السودان، في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، سبتمبر (أيلول) الماضي.

ويعتقد حليمة أن إجهاض مساعي «الحكومة الموازية» لن يتحقق سوى بـ«التوافق على مسار سياسي، من خلال حوار سوداني - سوداني، تشارك فيه كل الأطراف، ويفضي لتشكيل حكومة مدنية مستقلة لفترة انتقالية»، وطالب بالبناء على مبادرة مصر باستضافة مؤتمر للقوى السياسية السودانية العام الماضي.

وجمعت القاهرة، في شهر يوليو (تموز) الماضي، لأول مرة، الفرقاء المدنيين في الساحة السياسية السودانية، في مؤتمر عُقد تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، وناقش ثلاث ملفات لإنهاء الأزمة السودانية، تضمنت «وقف الحرب، والإغاثة الإنسانية، والرؤية السياسية ما بعد الحرب».

في المقابل، يرى المحلل السياسي السوداني، عبد المنعم أبو إدريس، أن «التحركات المصرية تواجه تحديات معقدة، بسبب دعم دول إقليمية مؤثرة للقوى الساعية لتشكيل حكومة موازية، في مقدمتها (الدعم السريع)»، مشيراً إلى أن «الموقف المصري مرهون بقدرتها على تجاوز الرفض الدبلوماسي، وقيادة تحركات مع الفرقاء السودانيين وحلفائها في الإقليم».

ويعتقد أبو إدريس، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن اختراق القاهرة لأزمة «الحكومة الموازية»، «لن يكون سهلاً، في ضوء تأثير الجهات الدولية والأطراف الداعمة للقوى السودانية التي تقف خلف هذه الحكومة»، وقال إن «مصر تخشى أن تقود تلك التحركات إلى انفصال جديد في السودان، ما يمثل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية».

ورغم هذه الصعوبات، يرى القيادي بالكتلة الديمقراطية السودانية، مبارك أردول، أن الموقف المصري مهم في مواجهة الأطراف الإقليمية الداعمة لمسار الحكومة الموازية، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «رفض القاهرة يؤكد أن السودان لا يقف وحده في هذه الأزمة»، وأن «هناك أطرافاً إقليمية داعمة لوحدة واستقرار السودان».

وتعتقد مديرة وحدة أفريقيا في «مركز الأهرام للدراسات السياسية»، أماني الطويل، أن «المواقف الرافضة لهذه الحكومة، التي صدرت من مصر والأمم المتحدة ودول أخرى، يمكن أن تُضعف من الاعتراف الدولي والإقليمي للحكومة الموازية، دون أن تلغيها».

وباعتقاد الطويل، «سيستمر مسار الحكومة الموازية بسبب رغبة شركات عالمية في الاستفادة من موارد السودان، ولن يتحقق لها ذلك إلا في وجود سلطة هشّة في السودان»، وقالت: «الإجهاض الحقيقي لتلك التحركات يعتمد على التفاعلات الداخلية بالسودان، أكثر من الموقف الدولي، خصوصاً قدرة الجيش السوداني على استعادة كامل الأراضي التي تسيطر عليها (الدعم السريع) وخصوصاً دارفور».