انقطاع الكهرباء يُعطل ضخ مياه «النهر الصناعي» في وسط ليبيا وجنوبها

فنيو الشركة العامة للكهرباء يجرون عملية صيانة على الشبكة (الصورة من الشركة العامة للكهرباء)
فنيو الشركة العامة للكهرباء يجرون عملية صيانة على الشبكة (الصورة من الشركة العامة للكهرباء)
TT

انقطاع الكهرباء يُعطل ضخ مياه «النهر الصناعي» في وسط ليبيا وجنوبها

فنيو الشركة العامة للكهرباء يجرون عملية صيانة على الشبكة (الصورة من الشركة العامة للكهرباء)
فنيو الشركة العامة للكهرباء يجرون عملية صيانة على الشبكة (الصورة من الشركة العامة للكهرباء)

في سيناريو متكرر تعاني منه غالبية المدن الليبية، ساد الظلام التام المنطقتين الوسطى والجنوبية بالبلاد منذ مساء أول من أمس، ما ترتب عليه انقطاع المياه المتدفقة من منظومة «النهر الصناعي» أمس، بالمنطقتين، في ظل ارتفاع درجات حرارة الطقس. وأعلنت الشركة العامة للكهرباء بالعاصمة طرابلس، في بيان مقتضب دخول المنطقتين الوسطى والجنوبية، في إظلام تام، دون التطرق إلى الأسباب التي تقف وراء ذلك، لكن أحد الفنيين بالشركة أوضح لـ«الشرق الأوسط» أمس أن انقطاع التيار يرجع «لعدم تحمل الشبكة للضغط الواقع عليها»، بالإضافة إلى «رفض بعض المناطق التقيد بعملية طرح الأحمال ولجوئهم إلى إعادتها بقوة السلاح في بعض المحطات».
وتعاني شبكة الكهرباء في عموم ليبيا وخصوصاً جنوب وغرب البلاد من أزمات عدة، أوصلتها إلى نقطة الانهيار منها غياب الصيانة، ونقص الوقود في محطات التوليد، وتعرض كابلات الضغط العالي والمتوسط إلى السرقات المتكررة، فضلاً عن الحصار الذي تسبب في وقف الصادرات النفطية، مما يتسبب في انقطاع التيار فترات طويلة تصل أحياناً إلى 15 ساعة في اليوم.
ورغم أن الشركة العامة للكهرباء قالت في وقت مبكر من صباح أمس، إنه «جار استدراك الموقف بإدخال وحدات توليد بديلة في أوباري، ومصراتة والخمس»، عبّرت إدارة جهاز «النهر الصناعي» بمنظومة (الحساونة - سهل الجفارة) عن أسفها أمس «على توقف أعمال تشغيل حقول الآبار وضخ المياه بعد تكرار حادثة الإطفاء التام بشبكة الكهرباء على المنطقة الجنوبية والوسطى».
ونوهت إدارة جهاز النهر الصناعي، إلى أنه رغم «العمل المستمر لفرق التشغيل في إعادة شحن محطات الكهرباء الفرعية وإعادة تشغيل الآبار وقرب وصول المياه للمدن ومناطق الاستهلاك» فإن «هذا الإطفاء سيترتب عليه استمرار انقطاع المياه إلى حين إعادة التيار الكهربائي لحقول آبار المياه وإعادة التشغيل وضخ المياه مرة ثانية». ودفعت الانقطاعات المتكررة للكهرباء والمياه، التي أصبحت تطول غالبية مناطق البلاد، المئات من سكان طرابلس للتظاهر احتجاجاً مرات عديدة على إخفاقات الحكومة وانقطاعات الكهرباء. يتهم عديد من مواطني غرب وجنوب ليبيا المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق» برئاسة فائز السراج، بـ«الفشل في إدارة ملف الكهرباء»، منذ أن حل على رأس السلطة قبل خمسة أعوام، لكنهم يشيرون بأصابع الاتهام أيضاً للعملية العسكرية التي استمرت على طرابلس قرابة 14 شهراً، وتسببت في تدمير كثير من مقومات شبكة الكهرباء.
ويقول وراث إميليمدي، الذي يقطن مدينة سبها (جنوباً) ويعمل في تجارة المفروشات، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في بلد غني بالنفط، ونعيش منذ سنوات في ظلام طويل (...) الناس هنا في حالة ضيق شديد بسبب هروب الضي، وارتفاع أسعار الوقود، وغياب الخدمات الحكومية».
وأضاف إميليمدي (40 عاماً): «أزماتنا تضاعفت مع انتشار وباء (كورونا) في مناطقنا، وانقطاع الكهرباء يؤثر على المياه. الحياة في الجنوب تختلف عن غرب البلاد، هم يفرّون إلى البحر، ونحن ليس أمامنا إلا الصحراء والحر القاتل».
وتقول شركة الكهرباء إنه يتعين الانتظار لحين تراجع حدة الطلب بعد انتهاء فصل الصيف حتى تتمكن من القيام بأعمال الصيانة، في حين تعلن أن إنتاج الكهرباء على مستوى البلاد انخفض على مدار الخمس سنوات الماضية، وأصبح يكفي قرابة 60 في المائة من ذروة الطلب الحالية.
ولجأت حكومة «الوفاق» إلى شركات تركية للمساعدة في مواجهة أزمة انقطاع الكهرباء، وتعد شركة «كرادينيز القابضة» التركية إحدى الجهات التي من الممكن أن تتولى هذا الأمر عما قريب، بعد مشاورات أجرتها مؤخراً مع حكومة «الوفاق».
والنهر الصناعي، الذي كان يصفه الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، بـ«المعجزة الثامنة» مشروع ينقل المياه العذبة عبر شبكة أنابيب ضخمة من الصحراء الكبرى في ليبيا، لكنه هو الآخر لم يسلم من التخريب.
ولم تسلم مدن شرق ليبيا من أزمة انقطاع الكهرباء لمدة تصل إلى 12 ساعة، وهو ما أرجعته المؤسسة الوطنية للنفط إلى إغلاق مرافق النفط والغاز. وقالت شركة الكهرباء في شرق ليبيا إن نقص الوقود والغاز أدى إلى عجز بلغ 270 ميغاوات في إمدادات الكهرباء.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.