حقق المدير الفني الفرنسي آرسين فينغر العديد من الإنجازات مع نادي آرسنال وكون «الفريق الذي لا يقهر» الذي فاز بلقب الدوري الإنجليزي الممتاز دون أي خسارة، وأعاد تشكيل كرة القدم الإنجليزية ككل، وقاد «المدفعجية» للحصول على الثنائية المحلية في أول موسم له مع الفريق، وحقق رقما قياسيا فيما يتعلق بعدد المباريات المتتالية في الدوري الإنجليزي الممتاز دون أي خسارة، وجعل آرسنال أحد أندية الصفوة في كرة القدم الإنجليزية رغم الصعوبات المالية الكبيرة التي كان يعاني منها النادي في الفترة الأولى لانتقاله لملعب الإمارات.
لكن الحقيقة الثابتة هي أن فينغر لم يكن ليحقق كل هذه الإنجازات دون قدرته الفائقة على اكتشاف المواهب الشابة وضمها لصفوف فريقه. ولا يوجد شيء يجسد فلسفته في التعاقد مع اللاعبين الجدد أفضل من قائمة اللاعبين المميزين الذين تعاقد معهم في مركز الظهير الأيمن ليشغلوا هذا المركز بعد نجم الفريق السابق لي ديكسون. وكان تغيير طريقة اللعب التي كانت تعتمد على أربعة لاعبين في الخط الخلفي بمثابة التحدي الأكبر الذي يواجه المدير الفني الفرنسي - خاصة عندما يتعلق الأمر بديكسون – وهو الأمر الذي يؤكد على أن فينغر يمتلك رؤية ثاقبة، فقد تعاقد المدير الفني الفرنسي مع البديل المستقبلي لديكسون في صيف عام 2000 أي قبل عامين كاملين من اعتزال ديكسون.
وفي السنوات اللاحقة، كان كثيرون يسخرون من فينغر بسبب رغبته الدائمة في تكديس العديد من اللاعبين في مركز محور الارتكاز، لكن التعاقد مع لاعب بديل لمدافع من الطراز القديم لم يكن شيئا تقليديا حتى بمعايير فينغر نفسه.
وكان اللاعب الكاميروني لورين يلعب في خط الوسط ناحية اليمين بنادي ريال مايوركا الإسباني، لكنه قبل ذلك كان يلعب في مركز محور الارتكاز، كما لعب أيضا في مركز صانع الألعاب. وعندما انتقل إلى آرسنال كان يكره فكرة أن يصبح مدافعاً وكان يطالب فينغر بأن يلعب في مركزه القديم في خط الوسط، لكن المدير الفني لم يصغ أبدا لتلك المطالب.
وقال فينغر عن ذلك في وقت لاحق: «لقد تعاقدت معه كظهير أيمن، لكنه لم يكن يعرف ذلك». وأكد فينغر على أن لورين يمتلك شخصية قوية ويمتاز بالقوة والسرعة، وهي الصفات التي تجعله لاعبا مثاليا لكي يلعب في مركز الظهير الأيمن بآرسنال، لكن قدراته وفنياته الكبيرة وقدرته على تمرير الكرات بسهولة من الخلف للأمام كانت أيضا من الصفات الأساسية التي ساعدته على التألق في هذا المركز.
ومهما كانت نظرتك لتلك الصفقة، فإن تعاقد آرسنال مع اللاعب الكاميروني الذي نشأ في إسبانيا - والذي اضطرت والدته إلى الفرار من غينيا الاستوائية أثناء حملها به - من فريق يحتل مركزا متوسطا في جدول ترتيب الدوري الإسباني الممتاز وتغيير مركزه لكي يتألق في صفوف واحد من أكبر أندية العالم هو شيء يحسب بالتأكيد للمدير الفني الفرنسي، الذي لم يبرم هذه الصفقة عن طريق الصدفة، لكنه كان دائما ما يعقد صفقات من هذا القبيل، وهو الأمر الذي يعكس رؤيته الثاقبة. لكن كان هناك شيء واحد فقط لم يجعل هذه الصفقة مثالية أو نموذجية بالنسبة لفينغر، وهو سعر الصفقة، حيث كلف لورين خزينة آرسنال ثمانية ملايين جنيه إسترليني في عام 2000 وبعد عشر سنوات كاملة من هذا التاريخ، ظل لورين واحدا من أغلى عشر صفقات عقدها فينغر في تاريخه.
وقبل أن يفرض لورين هيمنته على الجهة اليمنى في آرسنال، كان يتعين عليه أن يدخل في منافسة شرسة على صفقة أخرى تعاقد معها فينغر بسعر أقل بكثير. لقد تعاقد آرسنال في ذلك الوقت مع اللاعب الإيفواري كولو توريه مقابل 250 ألف جنيه إسترليني فقط، وهي الصفقة التي ظل فينغر يفخر بها على مدى سنوات قادمة. ولعب توريه في مركز الظهير الأيمن كما لعب في مركز خط الوسط المدافع لفترة قصيرة. وفي صيف عام 2003 غير فينغر مركز توريه لكي يلعب في خط الدفاع - حيث جرب المدير الفني الفرنسي هذه الخطة في مباراة ودية أمام بشيكتاش التركي، وقد نجحت هذه الخطة نجاحا كبيرا، ولم يتراجع عنها فينغر منذ ذلك الحين.
وقد لعب لورين وتوريه جنبا إلى جنب في فريق آرسنال الذي لا يقهر، لكن في نهاية المطاف فقد لورين مكانه في التشكيلة الأساسية لحساب لاعب آخر من مسقط رأسه مدينة أبيدجان، وهو الإيفواري إيمانويل إيبوي - الذي ما زال كثيرون يتذكرون اليوم الذي شارك فيه كبديل أمام ويغان، قبل أن يتدخل على زميل له في الفريق ويتعرض لصافرات الاستهجان ويتم استبداله - لكنه بعد ذلك قدم مستويات رائعة، وخاصة في المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا عام 2006.
وعندما تألق إيبوي، الذي تعاقد معه آرسنال مقابل 1.5 مليون جنيه إسترليني فقط من نادي بيفيرين، أمام أفضل الأندية الأوروبية، بدا الأمر للجميع وكأن فينغر قد أبرم صفقة استثنائية مرة أخرى. وقبل تعرض لورين للإصابة في بداية عام 2006 لم يكن إيبوي قد لعب سوى أقل من 180 دقيقة في الدوري الإنجليزي الممتاز والبطولات الأوروبية في غضون عام كامل.
ولعل الغريب في الأمر هو أنه في يناير (كانون الثاني) 2005، قدم فينغر إيبوي فور التعاقد معه على أنه «مدافع يمكنه اللعب في مركز الظهير الأيمن أو في خط الوسط». ومع ذلك، لم يلعب إيبوي سوى مباراة واحدة فقط في مركز قلب الدفاع، وكان ذلك بعد بعد 13 عاماً كاملة من انضمامه للنادي، وكان ذلك في مباراة ودية لأساطير نادي آرسنال! لكن الفترة التي تألق فيها إيبوي في مركز الظهير الأيمن للمدفعجية لم تدم طويلا، حيث تعاقد فينغر مع لاعب آخر في هذا المركز في عام 2007.
وفي ذلك الوقت، وفي العام الحادي عشر من ولايته في آرسنال، كان فينغر قد تعاقد مع لاعب فرنسي واحد على الأقل في كل مركز من مراكز الفريق، باستثناء مركز الظهير الأيمن. ثم تعاقد مع اللاعب الفرنسي باكاري سانيا، الذي كان يلعب في الدوري الفرنسي الممتاز. ومع ذلك، بدت هذه الصفقة غريبة للغاية في ذلك الوقت، خاصة أن آرسنال كان يعاني من صعوبات مالية، لذلك كان من الغريب أن يدفع النادي ثمانية ملايين جنيه إسترليني للتعاقد مع لاعب يلعب في مركز لا يعاني من عجز من الأساس. لكن التعاقد مع سانيا كان بمثابة بداية النهاية لإيبوي، الذي غير فينغر مركزه لكي يلعب في خط الوسط.
وبدا سعر سانيا مرتفعا بعض الشيء، لكن اللاعب الفرنسي أثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يستحق هذا المقابل المادي وأنه صفقة رابحة للنادي الإنجليزي. وخلال الثماني سنوات التي قضاها سانيا مع آرسنال، كان أحد أفضل لاعبي الفريق وأكثرهم ثباتا في المستوى. لكن الطريقة التي رحل بها عن ملعب «الإمارات» كانت بمثابة قصة مثيرة في حد ذاتها، ففي الوقت الذي عادة ما يرحل فيه اللاعبون وسط غضب أو استياء أو خيبة أمل من جانب الجمهور، قوبل قرار سانيا بالرحيل إلى مانشستر سيتي في صفقة انتقال حر بتفهم كبير وأمنيات بالتوفيق من جانب جمهور آرسنال. وتشير الأرقام والإحصاءات إلى أنه خلال الـ22 عاما التي تولى خلالها فينغر تدريب آرسنال، فإن هناك لاعبين اثنين فقط - هما توريه ولوران كوسيلني - لعبا مباريات أكثر من سانيا مع نادي آرسنال.
وبعد رحيل سانيا، بات يتعين على فينغر أن يبحث عن حلول مبتكرة لتعويض هذه الخسارة الكبيرة، فتعاقد مع ماثيو ديبوتشي البالغ من العمر 29 عاماً ومع كالوم تشامبرز البالغ من العمر 19 عاماً في صفقتين كلفتا خزينة النادي 30 مليون جنيه إسترليني. لكن لم ينجح أي منهما في تعويض الفراغ الذي تركه سانيا - قدم تشامبرز أفضل أداء له في مركز قلب الدفاع، في حين قدم ديبوتشي بداية واعدة لكنه تعرض لسلسلة من الإصابات. ووجد فينغر بالفعل حلاً جديداً طويل المدى للنقص الذي كان الفريق يعاني منه في مركز الظهير الأيمن.
لقد اعتمد آرسنال على موهبة فينغر في اكتشاف وتطوير أفضل اللاعبين الشباب من جميع أنحاء أوروبا، وكان هيكتور بيليرين هو آخر قصص النجاح في هذا الصدد، حيث يعد الظهير الأيمن الحالي لنادي آرسنال بمثابة مثال آخر على اللاعبين الذين تم تغيير مركزهم لكي يتألقوا في هذا المركز. كان بيليرين يلعب كجناح في نادي برشلونة، لكنه تعلم أساسيات مركزه الجديد تحت قيادة ستيف بولد مدرب الفريق تحت 23 سنة، على مدار عامين، قبل ظهوره لأول مرة مع الفريق الأول لآرسنال في مباريات كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة في عام 2013، حين شارك كبديل للمدير الفني الحالي لنادي آرسنال، ميكيل أرتيتا. وكما كان الحال مع إيبوي من قبله، استغل بيليرين سوء حظ الآخرين وحجز مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق. والآن، أصبح بيليرين على بُعد موسم واحد من معادلة عدد المواسم التي قضاها سانيا مع الفريق الأول لآرسنال. وتُكمل قصة بيليرين سلسلة التعاقدات التي أبرمها فينغر في مركز الظهير الأيمن.
فينغر وسر عبقريته في التعاقد مع لاعبين مميزين في مركز الظهير الأيمن
هيكتور بيليرين المطلوب من أندية أوروبية عريقة آخر قصص نجاح المدرب الفرنسي
فينغر وسر عبقريته في التعاقد مع لاعبين مميزين في مركز الظهير الأيمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة