رئيس الحكومة التونسية يتعهد وقف النزيف الاقتصادي

رئيس الحكومة الجديدة يتسلم مهامه من رئيس الحكومة المستقيلة أمس في قصر قرطاج (أ.ب)
رئيس الحكومة الجديدة يتسلم مهامه من رئيس الحكومة المستقيلة أمس في قصر قرطاج (أ.ب)
TT

رئيس الحكومة التونسية يتعهد وقف النزيف الاقتصادي

رئيس الحكومة الجديدة يتسلم مهامه من رئيس الحكومة المستقيلة أمس في قصر قرطاج (أ.ب)
رئيس الحكومة الجديدة يتسلم مهامه من رئيس الحكومة المستقيلة أمس في قصر قرطاج (أ.ب)

شهد قصر الضيافة بقرطاج، أمس، موكبا رسميا خصص لتسلم وتسليم المهام بين حكومة إلياس الفخفاخ المغادرة، وحكومة هشام المشيشي التي نالت ثقة البرلمان التونسي قبل يومين بتصويت 134 نائبا لصالحها، في ظل غضب رئاسي من الأحزاب السياسية ومن مناوراتها داخل الغرف المظلمة.
وخلال هذا الموكب وعد المشيشي، رئيس الحكومة التونسية الجديدة، أن تكون حكومته «منفتحة على النقد والنصح»، وأكد لدى تسلمه المهام من رئيس الحكومة المستقيل، على ضرورة التعاون والتنسيق مع رئاستي الجمهورية والبرلمان وكل القوى الحية من أحزاب ومنظمات. كما تعهد بـ«بذل كل الجهود لوقف النزيف الاقتصادي، ومساعدة البلاد على النهوض، واسترداد أنفاسها المنهكة، رغم المناخ الصعب».
وأدى رئيس الحكومة الجديدة وأعضاء فريقه، البالغ عددهم 28 وزيرا، أول من أمس، اليمين الدستورية في قصر الرئاسة بقرطاج أمام رئيس الجمهورية قيس سعيد، ومباشرة بعد ذلك قاموا بالتصريح بمكاسبهم لدى الهيئة التونسية لمكافحة الفساد، وهي خطوة تمثل أحد شروط مباشرة المهام بالنسبة لكبار مسؤولي الدولة ونواب البرلمان.
وكان الرئيس الجديد قد ألقى بعد موكب أداء اليمين الدستورية خطابا حاد اللهجة، وشن هجوما عنيفا على خصومه، معلنا الحرب على من اتهمهم بـ«الكذب والافتراء، وتزييف إرادة الناخبين والغدر والخيانة، والارتماء في أحضان الاستعمار، واللجوء إلى المناورات والمؤامرات في الغرف المظلمة وفي جنح الظلام»، كما وصف أحزابا في البرلمان بالخيانة، وتعهد بأنه سيكون لها بالمرصاد، وهو ما خلف جدلا سياسيا كبيرا بين القيادات السياسية، التي دعته إلى كشف المعطيات المتوفرة لديه وتسمية الأطراف المتهمة باسمها.
من جانبه، أكد راشد الغنوشي، رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، خلال موكب تسلم السلطة بين حكومة الفخفاخ وحكومة المشيشي، أن تونس «تحتاج إلى هدنة سياسية واجتماعية، واستقرار لمواجهة كل التحديات». مبرزا أن حكومة المشيشي «بحاجة لمساندة كبيرة حتى تتمكن من تحقيق النجاح».
وكان رئيس الحكومة الجديدة قد حدد في تصريح إعلامي، عقب منح حكومته الثقة، أولويات حكومته ولخصها في «وقف نزيف المالية العمومية واختلال التوازنات الاقتصادية»، مؤكدا أن حكومته «ستكون حكومة إنجاز وعمل منذ اليوم الأول من تولي مهامها، وذلك عبر تفعيل الخطط والآليات لتنفيذ البرامج الخاصة بمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية».
بدوره، قال إلياس الفخفاخ رئيس الحكومة المستقيل في كلمة ألقاها خلال حفل تسليم السلطة إلى المشيشي: «نعيش اليوم لحظة حضارية لمشاعر متداخلة، بين الرضا والقلق، والأمل والألم لما آلت إليه الأمور في وطننا العزيز». مؤكدا أن تونس «تتعثر وتتهددها الفئوية، وهناك نزعة نحو تحقيق المصالح الضيقة، فيما الوطن بصدد الضياع بين أيادي الانتهازيين... وقد حان وقت للتحرك... تونس اليوم في أشد الحاجة لأدوار المسؤولية على كل المستويات». كما أكد أن تشويها ومغالطات كثيرة طالته، وقال إنه سيجيب عليها حال نزعه جبة الدولة، على حد تعبيره.
من جهته، قال زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب، إن خطاب الرئيس جاء للرد على الحملة الموجهة ضده، موضحا أن حزبه كان يأمل أن يكون الخطاب أكثر وضوحا، وألا يكتفي بالحديث العام، بل بتسمية الأطراف المعنية بأسمائها، اعتباره المسؤول عن الأمن القومي، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، قال مصطفى بن أحمد، قيادي حركة «تحيا تونس»، أن المشكل في خطاب رئيس الدولة وتناوله الخلافات والدسائس، هو أنه «مبني كله للمجهول، لأنه لم يوضح ما المقصود بالخيانات والمشاورات المغلقة والدسائس، وغيرها من المسائل التي تبقى محل استفهام»، على حد قوله.
أما سمير ديلو، القيادي في حركة النهضة، فقد أكد أن خطاب رئيس الجمهورية «تضمن لهجة قوية، ولم يقم بتسمية المستهدفين من خطابه»، واعتبر أنه من مصلحة تونس أن تكون العلاقات بين مؤسسات الدولة والسلطات، وتحديدا بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان، «هادئة وتحت سقف الدستور، وإذا كانت هناك نقاط سوء تفاهم عليهم جميعا بذل كل الجهود من أجل رفعها».
من جانبه، اعتبر زياد كريشان، المحلل السياسي التونسي، أن قيس سعيد «أعلن الحرب بوضوح على النهضة وحلفائها، وداعميهم من وراء الستار». وتساءل إن كانت تونس أمام التهديد بإعلان الحرب بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، خاصة بعد التصريحات المستفزة لبعض قيادات «النهضة» وحزب «قلب تونس»، و«ائتلاف الكرامة» بعد منح الثقة لحكومة المشيشي، التي لم تعد ترضي قيس سعيد، على حد قوله.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».