مصائر «غامضة» لخصوم الكرملين

بعد واقعة «تسميم» نافالني...

المعارض الروسي أليكسي نافالني (أرشيفية - رويترز)
المعارض الروسي أليكسي نافالني (أرشيفية - رويترز)
TT

مصائر «غامضة» لخصوم الكرملين

المعارض الروسي أليكسي نافالني (أرشيفية - رويترز)
المعارض الروسي أليكسي نافالني (أرشيفية - رويترز)

قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن أليكسي نافالني منتقد الكرملين الذي يُعالَج في وحدة الرعاية المركزة بأحد مستشفيات برلين، سُمم بغاز الأعصاب نوفيتشوك في محاولة لقتله. وبحسب وكالة «رويترز» للأنباء، دفع ذلك بعض الساسة والدبلوماسيين في ألمانيا لاقتراح رد أوروبي يتعلق بخط أنابيب الغاز «نورد ستريم2».
وفي ما يلي بعض التفاصيل عن وقائع سابقة سقط فيها خصوم للكرملين ضحايا تسميم أو محاولات تسميم أو أثاروا ضجة بعدما مرضوا فجأة:
سيرغي سكريبال
عميل مزدوج سابق روسي الجنسية نقل أسراراً للمخابرات البريطانية. كان يبلغ من العمر 66 عاماً، عندما عُثِر عليه مع ابنته يوليا (33 عاماً) فاقدَيْ الوعي على أريكة أمام مركز تجاري بمدينة سالزبري في إنجلترا، مارس (آذار) 2018.
ونُقل الاثنان إلى المستشفى في حالة خطيرة، وقال مسؤولون بريطانيون إنهما سُمما باستخدام «نوفيتشوك»، وهو مجموعة من غازات الأعصاب طورها الجيش السوفياتي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي.
ونفت روسيا أي دور لها في تسميمهما وقالت إن بريطانيا «تثير حالة هوس مناهض لروسيا».
وقال اختصاصي العقاقير غاري ستيفنس الأستاذ في جامعة ريدينغ إن هذه المادة الكيماوية «تبطئ ضربات القلب وتضيّق مسارات الهواء مما يؤدي للموت اختناقاً»، وأضاف: «من الأسباب الرئيسية لتطوير هذه العقاقير أن مكوناتها ليست على قائمة المحظورات».

فلاديمير كارا مورزا
ناشط روسي معارض يقول إنه يعتقد أنه كانت هناك محاولتان لتسميمه عامي 2015 و2017، ووجد مختبر ألماني في وقت لاحق مستويات مرتفعة من الزئبق والنحاس والمنغنيز والزنك في جسمه، وفقاً لتقارير طبية اطلعت عليها «رويترز»، ونفت روسيا أيّ دور لها في ذلك.

ألكسندر ليتفنينكو
ضابط سابق في جهاز «كيه جي بي»، ومعارض بارز للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال مسؤولون بريطانيون إنه توفي عن 43 عاماً بعد أن احتسى في فندق «ميلينيوم» في لندن الشاي الأخضر ممزوجاً بمادة «بولونيوم - 200»، وهي مادة فعالة ونادرة من النظائر المشعة.
وخلص تحقيق بريطاني عام 2016 إلى أن بوتين وافق على الأرجح على القتل، لكن الكرملين نفى أي دور له.
ووجد تحقيق قاده قاضٍ بريطاني بارز أن عميل «كي جي بي» السابق أندريه لوغوفوي وروسيا آخر هو ديمتري كوفتون نفذا القتل، في إطار عملية قال إن جهاز الأمن الاتحادي الروسي (إف إس بي)، وريث «كي جي بي» السوفياتي، أمر بها على الأرجح.
وكان ليتفنينكو قد فرّ من روسيا إلى بريطانيا قبل ست سنوات من تسميمه.

ألكسندر بريبليتشني
روسي يبلغ من العمر 44 عاماً عُثر عليه ميتاً قرب منزله الفاخر الواقع في مدينة سكنية مسيجة خارج لندن بعد أن خرج للتريض في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012.
وطلب بريبليتشني اللجوء في بريطانيا في 2009، بعد أن ساعد في تحقيق سويسري بشأن خطة تبييض أموال روسية، وأثارت وفاته المفاجئة تكهنات باحتمال تعرضه للقتل.
واستبعدت الشرطة البريطانية أن تكون الوفاة جنائية رغم الشكوك في احتمال قتله بسم نادر. والتحقيق في وفاته لم يظهر بعد نتيجة قاطعة عن سبب الوفاة.
وقيل في جلسة سابقة على التحقيق إنه تم العثور على آثار سم نادر مستخلص من نبتة الجلسيميوم في معدته.
وكان بريبليتشني قد تناول طبقاً كبيراً من حساء روسي شهير يحتوي على حامض.

فيكتور يوشتشينكو
كان زعيماً أوكرانياً معارضاً وسُمّم أثناء حملة لانتخابات الرئاسة عام 2004 ترشح فيها على قائمة موالية للغرب تُنافس رئيس الوزراء المناصر لموسكو فيكتور يانوكوفيتش.
وقال إنه سُمم أثناء تناول العشاء خارج كييف مع مسؤولين من جهاز الأمن الأوكراني، ونفت روسيا أي صلة بالأمر.
وعثر في جسمه على نسبة أعلى من الطبيعي ألف مرة من الديوكسين، وشُوّه وجهه وجسمه بفعل السم وأُجريت له عشرات الجراحات.
وفاز يوشتشينكو بالرئاسة في انتخابات إعادة بعدما ألغت المحكمة العليا في أوكرانيا النتائج المعلنة بفوز يانوكوفيتش وسط احتجاجات حاشدة أُطلق عليها «الثورة البرتقالية».

جورجي ماركوف
أديب وصحافي بلغاري معارض للقيادة الشيوعية في بلاده في ذلك الوقت، فرّ إلى الغرب عام 1969 وتُوفّي عام 1978 بعد أن شعر بلسعة حادة في فخذه، وهو ينتظر حافلة على جسر ووترلو في لندن.
وتفيد الروايات المتعلقة بالواقعة بأن ماركوف نظر خلفه، ورأى رجلاً يلتقط مظلّة سقطت منه على الأرض، وتمتم الرجل قائلا: «آسف»، قبل أن يمضي.
وتوفي ماركوف متأثراً بمادة سمية يعتقد أنها «الريسين» الذي لا يوجد له ترياق. واتهم منشقون جهاز «كي جي بي» السوفياتي بقتله.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟