لا يمكن وصف حادثة احتجاز الرهائن التي وقعت مطلع الأسبوع الماضي في سيدني الأسترالية، والتي نفذها الإيراني هارون مؤنس، بالسيناريو الشائع في تاريخ الجهاديين الأستراليين.
فقد قام مؤنس، يوم الاثنين 15 ديسمبر (كانون الأول)، باحتجاز سبعة عشر شخصا كرهائن في مقهى «ليندت» في سيدني طوال ست عشرة ساعة، وانتهت الأزمة باقتحام قوات الأمن الخاصة الأسترالية المقهى ومقتل الإرهابي ورهينتين. أما مُنفذ هذا العمل فصنف «كشخص مختل عقليا وخطير عمد إلى اعتقال رهائن بعد أن فشل باستئناف حكم سابق صادر بحقه»، وفق الخبير الأسترالي رودجر شاناهان، الباحث في مركز «لوي للسياسة الدولية» في مداخلة لصحيفة «الشرق الأوسط».
«مؤنس كان يعرف باسم محمد حسن منطقي في إيران، غيّر اسمه في ما بعد، وهو معروف لدى الشرطة، هرب إلى أستراليا عام 1996، وكان يملك في إيران وكالة سفريات، حيث كان ملاحقا بتهم الاحتيال والنصب»، وفق رئيس الشرطة الإيرانية إسماعيل أحمدي مقدم. والحال أن تصرفات هارون مؤنس يمكن وصفها بناء على المعلومات المتواترة عنه بأنها غاية في التناقض. فمن غير المألوف أن نجد إيرانيا يؤيد تنظيم داعش، بما أن الإيرانيين ينتمون بأغلبية ساحقة إلى الطائفة الشيعية، في حين يغلب السنة على مقاتلي «داعش» الذين يعتبرون أنفسهم في عداء مع الشيعة. كما أن السلطات والقوات المسلحة الإيرانية تجهد في العراق للقضاء على «داعش»، وتؤيد نظام الأسد في سوريا. ويشرح الخبير شاناهان أن مؤنس حصل على «وضع (لاجئ) في أستراليا قبل بضع سنوات، وهو لا يملك أي مؤهلات رسمية في العلوم الدينية، وكان يبعث برسائل كراهية لأسر جنود أستراليين قتلوا في أفغانستان، وسبق أن تم اعتقاله بتهم خطرة تتعلق بالقتل والاعتداء الجنسي، غير أنه لاحقا أخلي سبيله بكفالة».
وهذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها الأستراليون ضحية الأعمال الإرهابية، إذ سبق لأستراليا أن تكبدت خسائر بشرية جسيمة جراء عمليات إرهابية، كانت أولاها خلال هجوم نفذ في جزيرة بالي الإندونيسية في 12 أكتوبر (تشرين الأول) 2002 أسفر عن مقتل نحو مائتي شخص بينهم ثمانية وثمانون أستراليا، ومن ثم في عام 2005 حين شهدت الجزيرة الإندونيسية نفسها سلسلة من الهجمات أدت إلى مقتل عشرين شخصا بينهم أربعة أستراليين وإصابة مائة وتسعة عشرين جريحا منهم تسعة عشر أستراليا. فضلا عن ذلك، واجهت البلاد عددا من التهديدات الإرهابية، ففي عام 2005 ألقي القبض على خمسة رجال، وتراوحت الأحكام بحقهم بالسجن ما بين 23 و28 عاما بتهمة التخطيط لتنفيذ سلسلة من الهجمات في سيدني. وعثر المحققون حينها على أسلحة وذخائر وأدلة لصنع أسلحة كيميائية وأشرطة فيديو لعمليات قطع الرأس. وفي عام 2009، ألقي القبض على أربعة رجال كانوا على صلة بمنظمة «شباب» الصومالية اشتبه فيهم في التحضير لهجمات إرهابية ضد منشآت عسكرية في منطقة سيدني، وحكم على ثلاثة منهم بالسجن لمدة ثمانية عشر عاما. وفي نهاية شهر سبتمبر (أيلول) من العام الحالي، إبان مناشدة الدولة الإسلامية المسلمين قتل الرعايا الغربيين، قام شاب اشتبه ارتباطه «بالإرهاب» بطعن اثنين من ضباط الشرطة قبل إطلاق النار عليه.
وعلى الرغم من أن «الزي الجهادي الإسلامي كان مجرد واجهة تضليلية لمؤنس» وفق شاناهان، فإن المخابرات الأسترالية تشعر بالقلق من وجود خلايا جهادية على أراضيها. وقد شددت حكومة رئيس الوزراء الأسترالي توني أبوت قوانين مكافحة الإرهاب، كما نقلت في أوائل سبتمبر مستوى تحذيرها من «المتوسط» إلى «مرتفع» للمرة الأولى منذ عام 2013، وهو الإجراء الذي يشير إلى احتمال وقوع هجوم إرهابي.
وفي محاولة لمنع وصول الطامحين إلى الجهاد إلى سوريا أو العراق، أصدرت قوانين جديدة حظرت السفر إلى بلدان تعتبر معاقل للإرهاب الدولي.
تعد أستراليا حليفا رئيسيا للولايات المتحدة، فهي كانت جزءا من «التحالف» الذي شن هجمات على أفغانستان والعراق، ودخلت في «الحرب على الإرهاب» التي أطلقتها الولايات المتحدة، ومؤخرا شاركت في الضربات ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا. غير أن أستراليا تعد أيضا البلد الأول من حيث توريد الجهاديين من خارج منطقة الشرق الأوسط، مع تورط نحو 150 أستراليا في الشبكات الإرهابية في سوريا والعراق حسب مجلة «التايمز». ووفقا للأرقام الرسمية، توجه ما يقارب السبعين مواطنا أستراليا للقتال مع الجماعات الإرهابية عاد عشرون منهم إلى أستراليا، ويوجد نحو مائة آخرين يقدمون الدعم المالي أو المساعدة لتجنيد المقاتلين في صفوف الحركات الجهادية، علما بأن نحو 60 في المائة من هؤلاء المجاهدين هم من الجنسية اللبنانية.
عديدة هي الأسباب التي تفسر هذه النزعة لدى الأستراليين من أصل لبناني. ففي الثمانينات والتسعينات شهدت أستراليا إعادة هيكلة اقتصادية واستبدلت وظائف التصنيع التي لا تتطلب مهارات متقدمة بالخدمات المالية، مما أثر على موجة المهاجرين اللبنانيين الجدد.. «فالمهاجرون اللبنانيون في الثمانينات لم يتمكنوا من الاندماج في النسيج الاجتماعي في البلد واللحاق بالحراك الاجتماعي الصاعد، على عكس من سبقوهم الذين انتقلوا إلى أستراليا في الستينات والسبعينات. فكثير من أفراد الجيل الثاني ولدوا في كنف أسرة كان الأب فيها عاطلا عن العمل»، وفق بول طبر، المختص في هجرة اللبنانيين إلى أستراليا من الجامعة اللبنانية الأميركية، في تصريحه لـ«الشرق الأوسط».
ويتمثل السبب الثاني في تاريخ بعض الأشخاص الإجرامي الذي يسهم في تحولهم إلى الجهاد. فالسجون الأسترالية، أضف إليها بعض العوامل الهيكلية في نظام السجن، تلعب دورا في انتشار الفكر المتطرف، إذ، وفقا لطبر، يوضع عادة جميع المسلمين بغض النظر عن خلفياتهم الجرمية في السجن معا لأغراض لوجيستية بما أن الأكثرية تتبع نظاما غذائيا حلالا. ولتسهيل عملية توزيع الطعام يجد المجرمون الذين ارتبكوا مخالفات بسيطة أنفسهم في نفس الزنزانات مع أشخاص يتبنون وجهات نظر وعقائد راديكالية، مما يجعل من عملية تلقين الفكر المتطرف أمرا سهلا.
فضلا عن ذلك، قد يعزى انتشار الفكر المتطرف إلى العلاقات الأسرية القائمة بين جيل الجهاديين المؤيدين لتنظيم القاعدة والجيل الجديد من الجهاديين الذين يتدفقون إلى سوريا، وفقا لشاناهان. ذلك أن عديد من الأشخاص المتهمين بدعم «داعش» في أستراليا تربطهم علاقة عائلية وثيقة بأشخاص لعبوا دورا في الشبكات الإرهابية، فمحمد العمر على سبيل المثال هو ابن شقيق محمد علي العمر، أحد الذين شملتهم تحقيقات بندنيس عام 2009.
والجدير ذكره أن قسما كبيرا من اللبنانيين المتورطين في الشبكات الإرهابية في أستراليا هم من السنة من شمال لبنان، المعقل الرئيسي للسلفية في البلد. فهذه المنطقة شهدت العديد من الهجمات الإرهابية منذ عام 2000 حين وقعت مواجهات في منطقة الضنية بين الجيش اللبناني وجماعة التكفير والهجرة. ولاحقا بين يونيو (حزيران) وسبتمبر 2007 خاض الجيش اللبناني حربا ضد «فتح الإسلام» في مخيم نهم البارد، كما نجح الجيش مؤخرا في تفكيك العديد من الشبكات الإرهابية التابعة لمتمردين سوريين في شمال لبنان.
تميزت عملية احتجاز الرهائن في سيدني بحدث استثنائي آخر. ذلك أنه وكرد على الاتهامات التي وجهت ضد الإسلام بعد هذه الحادثة، وضع الأستراليون غير المسلمين أيديهم بأيدي المسلمين، واقترح سكان إحدى المدن الأسترالية على سكان مسلمين مرافقتهم خلال رحلاتهم بواسطة وسائل النقل العام.. وتم إطلاق هذه المبادرة من قبل مستخدم على «تويتر» تحت هاشتاج «#illridewithyou»، وتم تناقلها عشرات آلاف المرات.
* باحثة زائرة في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط
أستراليون في الشبكات الإرهابية.. والعائدون أخطر
حادثة احتجاز الرهائن الإرهابية تعيد للذاكرة أحداث 2002 و2005 التي تعرض فيها أستراليون لهجمات إرهابية
أستراليون في الشبكات الإرهابية.. والعائدون أخطر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة