قبل أسبوعين من الآن، هيمن موضوعان رئيسيان على مباريات الأدوار الإقصائية لدوري أبطال أوروبا التي أقيمت في لشبونة؛ الأول هو انهيار برشلونة وخسارته بثمانية أهداف مقابل هدفين أمام بايرن ميونيخ، والثاني هو خروج مانشستر سيتي مرة أخرى مبكراً من البطولة الأقوى في القارة العجوز. وبصفة عامة، فإن لمّ شمل النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، والمدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا، معاً مرة أخرى بات منطقياً تماماً، وهو مزيج من قصتين تسيطران حالياً على عالم كرة القدم، وإحياءً لإحدى أعظم اللحظات الرومانسية في تاريخ الساحرة المستديرة.
وبالعودة إلى عام 2011، كان المدير الفني العبقري الذي غيّر الطريقة التي تُلعب بها كرة القدم يتولى تدريب اللاعب العبقري الذي يمتلك قدماً سحرية وعقلاً استثنائياً، ليكوّنا معاً أفضل فريق لأي نادٍ في تاريخ كرة القدم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: من كان يتوقع عندما كان هذان النجمان يحتفلان على ملعب ويمبلي بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا للمرة الثانية معاً وهما في مقتبل حياتهما ويملأهما التفاؤل ويهيمنان على عالم كرة القدم، أن يقضيا بقية حياتهما وهما يحاولان تكرار هذا الإنجاز مرة أخرى؟
وشهد الموسم التالي انتقام المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو على المستوى المحلي، ولم يتمكن غوارديولا، المنهك آنذاك، من الرد. أما على المستوى القاري، فخرج برشلونة من دوري أبطال أوروبا بشكل غير مفهوم أمام تشيلسي، بعدما لعب مباراتين قدم فيهما كل شيء لكنه فشل في تحويل الفرص إلى أهداف، واستقبلت شباكه ثلاثة أهداف من هجمات مرتدة قاتلة للبلوز. وفاز ميسي بلقب دوري أبطال أوروبا مرة أخرى، في عام 2015، لكن غوارديولا اكتفى باللقبين اللذين فاز بهما مع ميسي، ولم يحصل على أي لقب أوروبي منذ ذلك الحين، ليأتي في المرتبة الثانية بين المديرين الفنيين الحاصلين على أكبر عدد من بطولات دوري أبطال أوروبا، خلف بوب بيزلي وزين الدين زيدان.
ونظراً لأن كرة القدم الحديثة أصبحت تعتمد على استخلاص الكرة أكثر من الاستحواذ على الكرة، فقد بدأت تثار أسئلة مشروعة حول ما إذا كان غوارديولا لا يزال هو أفضل مدير فني من حيث الخطط التكتيكية، أم لا. وعلاوة على ذلك، بدأ البعض يعرب عن تحفظاتهم بشأن أداء ليونيل ميسي أيضاً. صحيح أن ميسي يقدم مستويات رائعة دائماً، والدليل على ذلك أنه للعام الحادي عشر على التوالي يسجل 25 هدفاً أو أكثر في الدوري، بعيداً عما يفعله في المسابقات الأخرى، لكن السؤال الذي يطرحه البعض الآن هو: هل وجود ميسي يؤدي إلى «عدم توازن» في الفريق الذي يلعب له؟ ولمَ بدأ كل من برشلونة ومنتخب الأرجنتين يفشل بطرق مماثلة خلال السنوات الأربع الماضية أو نحو ذلك؟ وهل يستحق لاعب يبلغ من العمر 33 عاماً ولم يعد قادراً على الركض كثيراً داخل الملعب أن يحصل على 100 مليون جنيه إسترليني سنوياً؟
وخلال الموسم الأخير لغوارديولا مع برشلونة، كان هناك بعض الغضب البسيط من جانب ميسي، الذي بدأ يشعر بالضجر من مطالب غوارديولا المستمرة، لكن لا يمكن أن تكون هناك خاتمة أفضل لمسيرة ميسي من أن يلعب مجدداً تحت قيادة غوارديولا ويعملا معاً مرة أخرى على إحياء ما بدآه معاً في برشلونة. وعلى الرغم من جميع المؤشرات التي تدل على قرب لمّ شملهما مرة أخرى، فهناك واقع محرج يتمثل في أن كرة القدم ليست لعبة رومانسية وأن كل المعطيات قد تغيرت كثيراً عما كانت عليه عندما كانا معاً في برشلونة. وتشير الأرقام والإحصائيات إلى أنه في موسم 2009 - 2010 كان معدل استخلاص ميسي للكرة من الفريق المنافس يصل إلى 2.1 في المباراة الواحدة في الدوري الإسباني الممتاز، لكن هذا المعدل انخفض بحلول موسم 2011 - 2012 إلى 1.2. ومنذ أن رحل غوارديولا، لم يرتفع هذا المعدل على 1 فقط!
وعندما نعقد مقارنةً بين أداء ميسي ومن يلعب في مركز الجناح الأيمن في مانشستر سيتي سوف تتضح الأمور تماماً. ففي الموسم قبل الماضي، كان يتقاسم اللعب في هذا المركز كل من رياض محرز، وبرناردو سيلفا، ورحيم ستيرلينغ، الذين استخلص كل منهم الكرة بمعدل 1.4 مرة في المباراة الواحدة (على الرغم من أن برناردو سيلفا كان أكثر فاعلية في هذا الصدد من محرز). وفي الموسم الماضي، لعب محرز على الجانب الأيمن 20 مرة في الدوري الإنجليزي الممتاز، وبلغ معدل استخلاصه للكرة 1.3 مرة في المباراة الواحدة، بينما لعب برناردو في هذا المركز 11 مرة وبلغ متوسط استخلاصه للكرة 1.8 مرة. قد يكون الرقم الخاص بمحرز في هذا الصدد منخفضاً نسبياً، لكنه لا يزال أكثر من ميسي بنحو الثلثين.
ربما يحصل ميسي على طاقة إضافية مع خوضه تحدياً جديداً، لكن برشلونة هو النموذج الأصلي لطريقة الضغط على الفريق المنافس بقوة واستخلاص الكرة والاستحواذ عليها لأطول فترة ممكنة. وإذا لم يتمكن ميسي من قطع واستخلاص الكرات بشكل جيد في الدوري الإسباني الممتاز، فإن هذا قد يعني أنه لم يعد قادراً على القيام بهذا الدور. ولكي يضم أي فريق بين صفوفه لاعباً لا يقوم بدوره الدفاعي كما ينبغي، فإن ذلك يتطلب إعادة هيكلة الفريق بشكل كبير حتى يتغلب على هذا الأمر.
وبافتراض أن ميسي، الذي قضى مسيرته الكروية بالكامل مع نادٍ واحد فقط، سيكون قادراً على التكيف مع اللعب في دوري مختلف وبلد مختلف، فمن المؤكد أن النجم الأرجنتيني سيكون إضافة قوية لخط هجوم مانشستر سيتي. ويمكن القول إن ميسي هو أعظم مراوغ في تاريخ كرة القدم، كما أنه قادر على رؤية زوايا وخيارات داخل الملعب لا يراها غيره من اللاعبين. وسواء لعب ميسي مهاجماً وهمياً أو لعب ناحية اليمين، فإنه سيجعل مانشستر سيتي، كما سيجعل أي فريق في العالم، أقوى كثيراً من الناحية الهجومية، خصوصاً أنه يمتلك القدرة على تغيير نتيجة أي مباراة في أي لحظة.
لكن مشكلة مانشستر سيتي لا تكمن في خط الهجوم على الإطلاق، والدليل على ذلك أن الفريق كان الأكثر تسجيلاً للأهداف في الدوري الإنجليزي الممتاز الموسم الماضي، كما أنه سجل أربعة أهداف أو أكثر في 11 مباراة من 38 مباراة بالدوري. لكن مانشستر سيتي يعاني من مشكلة واضحة عندما يفقد الكرة، وهو الأمر الذي يتفوق فيه المدير الفني لليفربول يورغن كلوب، وغيره من المديرين الفنيين الألمان. ويدرك غوارديولا هذا الأمر جيداً، وهو ما جعله يغيّر طريقة اللعب بشكل كبير في مباراة دور الثمانية بدوري أبطال أوروبا أمام ليون، لأنه يعرف أن النادي الفرنسي سيشكل خطورة هائلة على فريقه في الهجمات المرتدة السريعة.
ومن المؤكد أن ميسي لن يجعل مانشستر سيتي أفضل من الناحية الدفاعية، بل العكس هو الصحيح تماماً. وفي عام 2017 خرج برشلونة من دوري أبطال أوروبا بعد أن استقبلت شباكه أربعة وثلاثة أهداف في مباراتي خروج المغلوب؛ وفي عام 2018 ودّع المسابقة بعد أن استقبلت شباكه ثلاثة أهداف؛ وفي عام 2019 خرج بعد استقباله أربعة أهداف؛ وفي عام 2020 ودّع المسابقة بعدما استقبل ثمانية أهداف. وخلال تلك السنوات تغير المديرون الفنيون، وتغير اللاعبون، وتغيرت طرق اللعب، ولم يبقَ سوى ميسي!
على أي حال، هذه هي المرة الأولى التي يعمل فيها غوارديولا مع نادٍ واحد للموسم الخامس على التوالي. ويعود الفضل في جزء كبير من تألق غوارديولا وتميزه إلى أنه دائماً ما يسعى لتطوير الفريق الذي يتولى قيادته. وحتى الصيف الماضي، كان هناك تذمر بين لاعبي مانشستر سيتي لأن غوارديولا دائماً ما يطلب منهم المزيد؛ وبالتالي سيكون من الصعب أن نتخيل أن خيبات الأمل التي مُني بها الفريق الموسم الماضي ستجعله يتعامل مع الأمور باسترخاء. في الوقت الذي يجب أن تكون فيه أولوية مانشستر سيتي هي إعادة ضبط طريقة ضغطه على الفرق المنافسة والحد من خطورة الهجمات المرتدة السريعة، فإن التعاقد مع لاعب رائع في النواحي الهجومية -لكنه لا يقوم بأدواره الدفاعية كما ينبغي- سوف يكون مُرضياً للجماهير بشكل كبير، لكنه سيزيد الأمور تعقيداً داخل الملعب.
بعيداً عن «الرومانسية»... ميسي لن يجعل مانشستر سيتي أفضل
تعزيز خط الدفاع أكثر أهمية من التعاقد مع هداف من طراز رفيع
بعيداً عن «الرومانسية»... ميسي لن يجعل مانشستر سيتي أفضل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة