أوباما يتوعد كوريا الشمالية بالرد.. وسيول وطوكيو تدعمانه

توعد الرئيس الأميركي باراك أوباما كوريا الشمالية بالرد بعد الهجوم الإلكتروني الذي استهدف شركة سوني للأفلام، بعد إعلان عن عرض فيلم أثار غضب بيونغ يانغ، بينما أكدت طوكيو وسيول عزمهما على التعاون بشكل وثيق مع واشنطن في مكافحة الجرائم المعلوماتية.
وقال الرئيس الأميركي في مؤتمر صحافي مساء أول من أمس: «لقد تسببوا في خسائر كبيرة وسوف نرد؛ سنرد بشكل مناسب وسنرد في الوقت والطريقة اللذين نختارهما». وجاءت تصريحات أوباما بعدما أكد مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي (إف بي آي) أن كوريا الشمالية مسؤولة عن عملية القرصنة المعلوماتية الضخمة في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ضد الاستوديوهات السينمائية لشركة سوني التي كانت تنوي عرض فيلم يسخر من الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ويحمل عنوان «المقابلة». وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي في بيان إن «لديه ما يكفي من أدلة لاستنتاج أن حكومة كوريا الشمالية مسؤولة عن هذه الأعمال»، مضيفا أن «مثل هذه الأعمال الترهيبية ليست سلوكا مقبولا من دولة».
لكن كوريا الشمالية نفت أمس مسؤوليتها واقترحت على الولايات المتحدة إجراء تحقيق مشترك حول الهجوم المعلوماتي على مجموعة سوني. وقالت وزارة الخارجية الكورية الشمالية: «لأن الولايات المتحدة تنشر ادعاءات لا أساس لها من الصحة وتشوه سمعتنا، نقترح عليها إجراء تحقيق مشترك». وأضافت الوزارة في بيان نشرته وكالة الأنباء الكورية الشمالية: «من دون أن نلجأ إلى التعذيب كما فعلت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، تتوافر لدينا الوسائل لنؤكد أن لا علاقة لنا بهذا الحادث». وأكدت الخارجية: «لن نسمح أبدا لأي كان بإهانة أعلى سلطة في بلدنا»، مؤكدة في الوقت نفسه أنه «إذا أردنا القيام بأعمال انتقامية فلن نهاجم متفرجين أبرياء في دور للسينما بل هجمات ضد الذين يمارسون نشاطات معادية لنا».
وحصلت الولايات المتحدة على دعم حليفين مهمين في المنطقة؛ فقد رأت كوريا الجنوبية أمس أن الهجوم الإلكتروني على سوني يحمل بصمات بيونغ يانغ، مؤكدة أنها «ستقاسم الولايات المتحدة المعلومات بشأن الهجوم» وعبرت وزارة الخارجية الكورية الجنوبية عن «أسفها العميق وإدانتها للنشاطات الكورية الشمالية التي تقوض انفتاح وأمن الإنترنت وتشكل جريمة أدت إلى خسائر في الممتلكات». وفي طوكيو، قال ناطق باسم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إن «الحكومة اليابانية على اتصال وثيق مع الولايات المتحدة وتدعم أسلوب تعاملها مع هذه القضية». وأضاف أن «الهجمات الإلكترونية تطرح مشكلة خطيرة تتعلق بالأمن القومي والحكومة اليابانية تدين بشدة عمليات القرصنة».
وقال أوباما إن شركة سوني «ارتكبت خطأ» عبر إلغائها عرض الفيلم الذي يدور حول خطة خيالية لاغتيال زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. وأضاف: «لا يمكن أن نسمح لديكتاتور في مكان ما أن يبدأ بفرض الرقابة هنا في الولايات المتحدة».
إلا أن المدير العام لشركة سوني مايكل لينتون أكد أن الشركة «لم ترضخ» للقرصنة المعلوماتية، موضحا أنه أجبر على التخلي عن عرضه خلال أعياد الميلاد كما كان مقررا؛ لأن صالات السينما «اتصلت الواحدة تلو الأخرى» لتقول إنها لن تعرضه في ظل التهديدات التي أطلقها قراصنة المعلوماتية. وأعلنت سوني في بيان منفصل أنها «لا تزال تأمل» عرض الفيلم على «منصات مختلفة». غير أن لينتون أوضح أن هذا الأمر صعب لأن أي «موقع تجاري» لم يوافق حتى الآن على بث الفيلم، سواء بنسخة رقمية أو على قرص مدمج.
وفي بكين، وصفت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية «بالوقاحة الثقافية» الفيلم الأميركي الذي يسخر من الزعيم الكوري الشمالي. وقالت الصحيفة التي تملكها صحيفة الشعب الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني إن «فيلم (المقابلة) الذي يسخر من زعيم بلد عدو الولايات المتحدة لا يمكن أن يكون مصدر فخر لهوليوود والمجتمع الأميركي». وأضافت أن «الأميركيين يعتقدون دائما أنهم يستطيعون المزاح حول قادة دول أخرى فقط لأنهم أحرار في انتقاد قادتهم والسخرية منهم»، مؤكدة أن «نظرة المجتمع الأميركي إلى كوريا الشمالية وكيم جونغ أون لا أهمية لها. كيم ما زال قائد البلاد، والسخرية منه ليست سوى وقاحة ثقافية عبثية».
من جهته، وجه رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز، على الفور رسالة إلى وزير الخارجية جون كيري طالب فيه إدراج كوريا الشمالية على لائحة الدول الداعمة للإرهاب بعد «هذه السابقة الخطيرة». من جهته، وصف السيناتور الجمهوري جون ماكين الذي سيترأس الشهر المقبل لجنة القوات المسلحة النافذة في مجلس الشيوخ الهجوم على سوني «بالعمل الحربي».
وتعرضت استوديوهات سوني إلى هجوم معلوماتي واسع النطاق تبنته مجموعة تحمل اسم «غارديانز أوف بيس» (حراس السلام) جرت فيه سرقة قاعدة بيانات هائلة نشر بعضها على الإنترنت. كما تلقت لاحقا تهديدات باستهداف دور العرض التي تعرض الفيلم. وبالإضافة إلى سرقة بيانات حساسة تتعلق بالشركة والحياة الخاصة للعاملين فيها، أدت القرصنة إلى «تدمير» نظامها المعلوماتي، ما جعل الآلاف من كومبيوترات الشركة غير قابلة للتشغيل، واستدعى فصل كامل شبكتها عن الإنترنت.
وهذه القرصنة التي تعد من أكبر العمليات التي تعرضت لها شركة في الولايات المتحدة على الإطلاق، تسببت بتخريب النظام المعلوماتي لشركة سوني للأفلام وسرقة المعطيات السرية لـ47 ألف موظف وأطراف أخرى على علاقة بالشركة بينهم مشاهير، وبثها على الإنترنت، وبث رسائل إلكترونية محرجة، كما عرضت على الإنترنت 5 أفلام للاستوديو بعضها لم يعرض بعد. ويقدر خبراء خسائر سوني في هذه العملية بنحو نصف مليار دولار.
وأوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) أول من أمس أن قرصنة سوني نسبت إلى كوريا الشمالية بسبب أوجه التشابه مع هجمات شنت العام الماضي على مصارف ووسائل إعلام كورية جنوبية. ورمز الفيروس المعلوماتي الذي اجتاح سوني للأفلام هو نسخة معدلة لتوائم، خصيصا شبكة الشركة السينمائية للبرنامج الفيروسي «ديستوفر» الذي استخدم أثناء قرصنة مصارف كورية جنوبية. وأكد تيم ستيفنز الذي يدرس في قسم الدراسات العسكرية في كينغز كوليدج بلندن: «إن كوريا الشمالية تحت المجهر منذ سنوات لسعيها إلى تطوير قدراتها في النزاعات المعلوماتية».
وأضاف: «إنه سلاح رخيص نسبيا. وتشير بعض المعلومات إلى (أن كوريا الشمالية) نشرت وحدة قراصنة معلوماتية من الصين مع موافقة ضمنية على الأقل من» بكين. لكن الرئيس أوباما أعلن أنه ليس هناك دليل على أن بيونغ يانغ تلقت مساعدة من بلد آخر لتدبير هجومها على سوني.