حكومة المشيشي تواجه غموض مواقف الأحزاب

خلال جلسة منحها الثقة أمام البرلمان التونسي

جلسة سابقة للبرلمان التونسي (أ.ف.ب)
جلسة سابقة للبرلمان التونسي (أ.ف.ب)
TT

حكومة المشيشي تواجه غموض مواقف الأحزاب

جلسة سابقة للبرلمان التونسي (أ.ف.ب)
جلسة سابقة للبرلمان التونسي (أ.ف.ب)

يعرض رئيس الحكومة التونسية المكلف هشام المشيشي، اليوم، تركيبة حكومة الكفاءات المستقلة التي شكلها على البرلمان، في ظل تباين كبير في مواقف الأحزاب، إذ قرر بعضها (39 مقعداً) رفض منح الثقة للحكومة الجديدة، فيما أعلنت أحزاب أخرى (37 مقعداً) دعمها المشيشي، فيما بقيت كتلتان برلمانيتان وازنتان من دون موقف حاسم، وهما «حركة النهضة» (54 مقعداً) وحزب «قلب تونس» (27 مقعداً).
وتتطلب عملية منح الثقة للحكومة حصولها على 109 أصوات من إجمالي 217، وهو رقم ما زال بعيد المنال، وفق التصريحات الإعلامية المتواترة لقيادات الأحزاب الممثلة في البرلمان.
في هذا الشأن، أكد رئيس «حركة الشعب» زهير المغزاوي، أن حظوظ مرور حكومة المشيشي أمام البرلمان ما زالت غير واضحة، خصوصاً أن بعض الكتل التي عبرت عن دعمها، أو رفضها للتركيبة المقترحة لا تكفي لمرورها أو إسقاطها، مضيفاً: «أعتقد أن المسألة متحركة جداً وكل شيء وارد» في جلسة منح الثقة.
حسابياً، لم تعلن غير ثلاث كتل برلمانية عن دعمها الصريح لحكومة المشيشي، وهي «حركة تحيا تونس» (10 نواب)، و«الإصلاح الوطني» (16 نائباً) و«الكتلة الوطنية» المنشقة عن «قلب تونس» (11 نائباً)، وهذه الكتل الثلاث لا تمثل مجتمعة إلا 37 صوتاً. وفي المقابل، أعلن كل من حزب «التيار الديمقراطي» (22 نائباً) و«ائتلاف الكرامة» (19 نائباً) عن رفضه منح الثقة لحكومة المشيشي، وهذا يمثل 39 صوتاً فقط. ووفق مراقبين، ستبقى لغة الحسابات طاغية على المشهد البرلماني حتى اللحظات الأخيرة، ومن المنتظر أن تكون مواقف «النهضة» و«قلب تونس» محددة لمصير حكومة المشيشي، فأصواتهما كفيلة بتمرير الحكومة إذا تم ضمها إلى الكتل الداعمة، حتى إذا انضمت «حركة الشعب» (15 نائباً)، و«الحزب الدستوري الحر» (16 صوتاً) إلى قائمة الأحزاب الرافضة لمنح الثقة للحكومة المرتقبة.
وكشف القيادي في «حركة النهضة» سيد الفرجاني، عن توجه هياكل الحزب نحو دعم حكومة المشيشي «في إطار اتفاق مسبق يقضي بإجراء تعديل وزاري على الحكومة إثر نيلها ثقة البرلمان»، وهو موقف لم تعبر عنه بقية القيادات بشكل واضح.
وأشارت مصادر سياسية إلى أن دعم حكومة المشيشي من قبل الكتل البرلمانية الأكثر وزناً، سيؤدي إلى تفادي إجراء انتخابات برلمانية مبكرة من شأنها أن تفرز نتائج مغايرة قد تضر بالموقع الحالي لبعض الأحزاب في المشهد البرلماني، كما ستمكن من هامش مناورة وتنسيق قوي مع حكومة المشيشي، بحيث يكون قريباً منها بدلاً من ولائه للرئيس التونسي قيس سعيد، الذي أقصى الأحزاب الممثلة في البرلمان من المشاركة في التركيبة الحكومية.
على صعيد غير متصل، أكد رئيس الهيئة العليا التونسية للانتخابات نبيل بفون، أن نسبة الإقبال على التصويت في الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت، الأحد، في ست بلديات تونسية كانت ضعيفة، ولم تتجاوز حدود 24.4 في المائة عند غلق مراكز الاقتراع. وأفاد بأنها على رغم مما سجلته من نسب إقبال ضعيفة فهي أفضل من الانتخابات البلدية الجزئية التي جرت في يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال بفون إن «هيئة الانتخابات وضعت كل إمكاناتها على ذمة البلديات على رغم عدم برمجة هذه المحطات الانتخابية ضمن ميزانيتها، وهو ما أرهقها مالياً وبشرياً». ودعا أعضاء المجالس البلدية إلى «ضرورة التريث وتغليب المصلحة العامة قبل اتخاذ قرار بحل تلك المجالس، والتوجه إلى هيئة الانتخابات لإجراء انتخابات جديدة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم