أقدم مهرجان عالمي يؤكد حضور السينما

«الشرق الأوسط» في «فينيسيا الدولي»

من فيلم ياسميلا زبانيتش «كوفاديس، عايدا؟»
من فيلم ياسميلا زبانيتش «كوفاديس، عايدا؟»
TT

أقدم مهرجان عالمي يؤكد حضور السينما

من فيلم ياسميلا زبانيتش «كوفاديس، عايدا؟»
من فيلم ياسميلا زبانيتش «كوفاديس، عايدا؟»

كل شيء على حاله وكل شيء تغير في الوقت نفسه. ها هي جزيرة الليدو تتراءى من بعيد داخل القارب السريع الذي يتّجه إليها. رجلان فوق القارب أولهما السائق الذي انطلق من مطار ماركو بولو، قبل ثلث ساعة، والناقد المليء بالتوقعات رغم أنها ليست المرّة الأولى قطعاً التي يحضر فيها هذا المهرجان لينقل فاعلياته ونشاطاته وأفلامه إلى القراء والمهتمّين.
على ذلك، هناك توقعات في كل مرّة وتوقعات هذه المرّة مختلفة عن كل مرّة سابقة. فالمهرجان يُطلق دورته السابعة والسبعين (من الثاني من هذا الشهر وحتى الثاني عشر منه) وسط أزمة صحية عالمية لا يعرف أحد كيف ستنتهي ومتى. تدابير وقائية عديدة تم اتخاذها هنا مسبقاً لانطلاق الدورة يوم غد الأربعاء (الثاني من سبتمبر (أيلول) ليس أقلها أن علينا، نحن معشر المشاهدين (أو المجانين كما يسمينا البعض)، مشاهدة الأفلام بالكمّامات.
تخيّل نفسك «زورو» أو قاطع طريق في فيلم وسترن إذا أردت، لكن الكمّامة واجبة. تبدو للبعض غريبة، لكنها في الواقع، وبعد تداولها في الحياة العامة لعدة أشهر، لم تعد كذلك. إلى هذا الاعتبار، فإن الفيلم لا يُشاهد بحاستي الشم والذوق، بل بالنظر.
في كل الأحوال أكل العنب من دون قتل الناطور هو ما يصبو إليه كل موجود. تقدير العدد هذا العام، وفي ظل الظرف المُشار إليه، ما زال باكراً اعتماده، لكن مصادر صحافية تابعة للمهرجان أعربت قبل نحو أسبوع عن دهشتها من «كثرة عدد الإعلاميين الراغبين في حضور هذه الدورة»، كما قيل لنا.

واجب فعلي
‫فيلم الافتتاح أميركي كما جرت عادة المهرجان الإيطالي لكن عوض قصص الفضاء التي سادت بعض السنوات الأخيرة، كحال «جاذبية» لألفونسو كوارون (2013) و«فيرست مان» لدنيس لداميان شازيل (2018)‬ ثم «أد أسترا» لجيمس غراي (2019) ستدور أحداث فيلم افتتاح هذه الدورة على الأرض.
الفيلم هو «نومادلاند» الذي هو في واقعه فيلم مستقل عن الاستوديوهات الكبيرة لهوليوود تبنته شركة «فوكس سيرشلايت» التي هي فرع من «فوكس» لكنها تحتضن الأعمال الصغيرة التي تبدو أنها آيلة لحضور فني كبير كحال هذا الفيلم.
«نومادلاند» من بطولة فرنسيس مكدورماند وإخراج كليو زاو ومقتبس عن رواية وضعتها جسيكا برودر حول امرأة في العقد السادس من عمرها، تعيش وحيدة وتجد نفسها بلا عمل بعدما أفلست الشركة التي تعمل فيها. القرار الذي اتخذته ينم عن حلم قديم لها كما عن الوضع الماثل. تعمد إلى سيارتها فتضع فيها حاجياتها وتنطلق بها لتسبر غور المساحة الجغرافية الكبيرة للولايات المتحدة.
لم نر الفيلم بعد، بالطبع، لكنه محاط بالتوقعات، ذلك لأن السبب الداعي لاختياره للافتتاح والمسابقة كذلك، لا بد أنه يبرر وجوده في رأس حربة الأفلام المحتشدة للعرض.
تمهيداً لذلك العرض الافتتاحي، قام مدير المهرجان ألبرتو باربيرا (تسلم مهامه قبل تسع سنوات وعززه بحيث بات في أفضل موقع له منذ انطلاقته سنة 1932) بالتأكيد على أن الدورة الحالية لم يكن لها أن تغيب هذه السنة بسبب وباء كورونا. قال في مؤتمره الصحافي قبل أسبوعين:
«بصراحة، حتى مطلع شهر مايو (أيار) كنت في ريب حول ما إذا كنا سنقوم بإنجاز دورة هذا العام. لكننا بعد ذلك تأكدنا من أن المسألة هي واجب فعلي صوب الفن السابع وصانعيه وأن علينا ألا نغيب أو نعمد إلى عروض منزلية من باب التعويض».
هذه مسألة بالغة الأهمية كان مهرجان «كان» ومهرجانات أخرى (لوكارنو وتورونتو مثلاً) يتمنى لو أنه تمتع بما يلزم للقيام بها على النحو ذاته. لكن «كان» وجد نفسه في زوبعة الوباء والحكومة الفرنسية كانت صارمة (وبحق) في منع التجمّعات وحجب المظاهرات والعروض والمهرجانات. لم يكن بيد «كان» من حيلة سوى تأجيل ثم إلغاء الدورة كلياً فيما بعد.
على هذا الأساس هو معذور، لكن الواقع لا يحفل بالأعذار وهو يُشير، في هذه الحالة، إلى أن مهرجان فينيسيا أمسك بالقيادة بحزم كونه أول مهرجان دولي يُقام وسط الوضع الذي فرضه الوباء من جهة، والمهرجان الكبير الوحيد الذي يحافظ على حضوره ويواظب على فاعلياته كاملاً في غضون هذا الوضع.

رايات فنية
عمد باربيرا إلى استفتاء بعثه إلى نحو ألف من صانعي السينما والأفلام والقرارات الضخمة. حاول عبره استطلاع الآراء. في حديث هاتفي قال: «كان الاستفتاء أمر لا بد منه لأن المسألة ليست مرتبطة بقرار شخصي، بل يخضع لعوامل وحال تأكدنا من أن هناك غالبية تريد لهذا المهرجان أن يقام رغم كل الظروف عدنا إلى أجواء العمل الفعلي وبدأنا التنفيذ».
من غير شك لاقى قرار مهرجان «فينيسيا» بإقامة دورته هذه السنة كالمعتاد صدى إيجابياً. بدا المعنيون توّاقين للمشاركة في التحدي المتمثل بالعودة إلى العمل وإطلاق المهرجانات الفعلية والتوقف عن اعتماد الاشتراكات المنزلية المباشرة كحل لا يشكل أي بديل فعلي.
باربيرا مرّة أخرى: «لم نفكّر باعتماد العروض المنزلية كحل بديل لهذه الدورة. حين تم طرح الموضوع سارعت لاستبعاده لأنه من غير الممكن تحويل مهرجان يحفل بتقاليد وشروط العروض السينمائية إلى سهرة مسائية يقضيها المشاهد أمام شاشة الكومبيوتر في راحة منزله».
يؤكد باربيرا أن المسألة ليست عناداً بل تحدياً: «المسألة هي أن قرار إقامة هذه الدورة هو قرار صائب، ولأنه صائب علينا جميعاً تحمّل الوضع الخاص الذي نعيشه جميعاً».
يضيف في حديث هاتفي: «لم يكن الأمر سهلاً على الإطلاق لا في كيفية تحضير هذه الدورة ولا في جمع الأفلام واختيارها وتوخي الحرص الشديد في تنوّعها وعدم سقوطها عن المستوى المنشود. في هذا الشأن لا فرق بين هذه الدورة وبين الدورات السابقة».
واحد من هذا «التنوّع» إتاحة المهرجان لعنصر المخرجات عرض أفلامهن على نحو أكثر اتساعاً من السنوات السابقة. في العام الماضي صرّح لنا قائلاً: «هناك فيلمان فقط من إخراج نساء. ما العمل إذا لم نجد ما يستحق العرض؟».
هذا العام يقول: «وجدنا الكثير من الأفلام التي تستحق العرض حققتها مخرجات بينها بالطبع فيلم الافتتاح. لكني أؤكد أنها في الأساس أفلام تستحق المشاركة وليس إذعاناً لقرارات غير إدارية مفروضة علينا».
ولعلها الصدفة، ولو مجازاً، أن تطل السينما برأسها من جديد من خلال بابين في وقت واحد.
في العروض السينمائية الأوروبية والعالمية الأخرى ينطلق فيلم كريستوفر نولان «تَنَـت» بنجاح تجاوز في أيام عروضه الثلاث الأولى، وفي أوروبا فقط، 66 مليون دولار. الفيلم يتقدّم (بشجاعة) محاولة السينما لإعادة الثقة إلى نفوس المشاهدين والتأكيد على أن الشاشات المنزلية لا تستطيع أن تعوّض السينما سكوب وعروض الـ70 مم ونظامي إيماكس والـD3.
وفي الصين يواصل فيلم «الـ800» جذب ملايين المشاهدين في استعادة مهمّة للوضع الذي كان سائداً قبل محنة «كورونا»، إذ حقق الفيلم 80 مليون دولار في ثلاثة أيام أولى من بداية عرضه.
في الوقت ذاته، ينطلق مهرجان فينيسيا في الركب ذاته والغاية نفسها. هو أيضاً يؤكد أنه لا مجال لتغييب السينما عن الحضور حتى في أزمات كتلك التي نعايشها حالياً.
ومن يبحث في اختيارات مهرجان فينيسيا من أفلام هذه الدورة لن يجد كبير فرق بين طبيعة الأعمال المختارة هذه السنة وأي من السنوات السابقة. أفلام الدورة الجديدة تتحلّى بما تحلّت به أفلام الدورات السابقة: حشد من الأفلام التي تحمل راياتها الفنية عالياً وتطرح مواضيع إنسانية مختلفة. صحيح أن الإجادة ستتنوّع هذا العام كما تتنوّع في كل عام، لكن لا تنازل عن المستوى الذي تمتع به المهرجان ولا عن الرسالة التي تؤديها المهرجانات السينمائية كافة.

فيلمان عربيان
ثمانية عشر فيلماً في المسابقة «نومادلاند» أحدها. وهناك فيلم أميركي آخر في عدادها هو «العالم المُقبل» لمونا فاستفولد. أما الأفلام الأخرى فتمتد خارطتها في كل اتجاه تقريباً.
* إيطاليا: «نوتورنو» لجيانفرانكو روزي (رابح ذهبية برلين قبل أربعة أعوام عن «نار في البحر»)، و«بادرينوسترو» لكلاوديو نوسي، «مس ماركس» لستوزانا نكياريللي و«الأخوات ماكولوزو» لإيما دانتي.
* بوسنيا: «كوفاديس، عايدا؟» لياسميلا زبانيتش (بدورها عرضت أفلاماً في برلين وحازت جوائز أولى).
* ألمانيا: «وغداً كل العالم» لجوليا فون هاينز.
* كندا: «أجزاء امرأة» لكورنل ماندروشو
* اليابان: «زوجة جاسوس» لكيوشي كورساوا
* روسيا: «رفاقي الأعزاء» لأندريه كونتشالوفسكي.
* إيران: «أولاد الشمس» لماجد ماجيدي.
* فرنسا: «عشاق» لنيكول غارسيا.
* المكسيك: «نوفو أوردن» لميشل فرانكو.
* إسرائيل: «ليلى في حيفا» لآموس غيتاي.
* أذربيجان: «بين لحظات الموت» لهيلال بيدروف.
بينما تخلو المسابقة من فيلم يمثّل بلداً عربياً، لا تخلو أفلام مسابقة «آفاق»، التي ستعرض 19 فيلماً، من مشاركتين عربيّتين. فمن تونس لدينا فيلم كوثر بن هنية الجديد «الرجل الذي باع بشرته». من فلسطين فيلم الأخوين طارزان وعرب ناصر «غزة حبي» (فيه تمويل أوروبي آت من فرنسي وألماني وبرتغالي).
لا يعني ذلك عدم وجود أفلام عربية أخرى، موزعة، كالعادة، ما بين مظاهرات جانبية وعروض منفردة ولو أنه من غير المتوقع أن ترتفع إلى حجم ملحوظ في حضوره أو أهميته.
وإذ تبدأ الكرة دورانها في ملعب المهرجان، تبقى التوقعات الساخنة محط اهتمام المجتمع السينمائي حول العالم.
كلمة السر هنا هي النجاح. نجاح الدورة ونجاح المهرجان ونجاح التحدي ثم نجاح رغبة العالم بأسره الانضواء تحت راية الوضع المجتمعي الذي كان سائداً قبل هذه المحنة التي يمر بها اليوم.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».