كان آرسنال في حالة جيدة للغاية عندما سافر لمواجهة ساوثهامبتون على ملعبه في أبريل (نيسان) عام 1988، ولم يكن قد خسر في آخر ثماني مباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز. ورغم أن آرسنال كان يدخل هذا اللقاء وهو يفتقد لخدمات كل من توني آدمز وديفيد أوليري، فلا بد أنه كان يشعر بالثقة عندما عرف أن ساوثهامبتون سيلعب بدون مهاجمه الأساسي داني والاس. وكان اللاعب الشاب الذي سيلعب بديلاً لوالاس – وهو آلان شيرر - قد تألق بشكل لافت في صفوف فريق الشباب، وشارك في مباراتين كبديل في الأسابيع الأخيرة، لكن من المؤكد أن دفاع آرسنال كان يفضل مواجهة شيرر بدلاً من والاس.
وكان كشاف نادي ساوثهامبتون، جاك هيكسون، قد اكتشف شيرر عندما كان يلعب مع نادي وولسيند بويز في نيوكاسل وهو في الثالثة عشرة من عمره. انتقل شيرر إلى ساوثهامبتون بعد ذلك بعامين، وسرعان ما أثبت أن هيكسون كان محقاً عندما توقع أن يكون له شأن كبير في عالم كرة القدم. وبعد أن سجل شيرر 48 هدفاً مع فريق الشباب بنادي ساوثهامبتون، كان من الواضح أنه مهاجم فذ يعرف طريق الشباك جيداً، لكن ما حدث في أول مشاركة أساسية مع ساوثهامبتون ربما تجاوز ما حلم به هو نفسه في أفضل أحلامه.
وقال المدير الفني لساوثهامبتون آنذاك، كريس نيكول، لشيرر في صباح يوم المباراة إنه سيشارك في التشكيلة الأساسية للمباراة. وبعد مرور خمس دقائق فقط من بداية المباراة، افتتح شيرر النتيجة، مستغلا خطأ من دفاع آرسنال ومحرزاً هدفاً في مرمى جون لوكيتش. وفي الدقيقة العاشرة، سجل لاعب ساوثهامبتون كيفين بوند هدفاً في مرمى فريقه عن طريق الخطأ ليعادل النتيجة، لكن شيرر تقدم لساوثهامبتون مرة أخرى بعد ذلك بـ20 دقيقة، محرزاً الهدف الثاني بضربة رأس من مسافة قريبة. وأحرز مارك بليك هدفاً آخر ووسع الفارق لتصبح النتيجة تقدم ساوثهامبتون بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد قبل نهاية الشوط الأول، ويبدو أن لاعبي آرسنال كان يخشون من عودتهم إلى غرفة خلع الملابس خوفاً من الانتقادات اللاذعة التي ستوجه إليهم من المدير الفني للفريق جورج غراهام.
وقال غراهام بإحباط بعد المباراة: «لقد حاولت أن أجعلهم يلعبون بكل حماس وأن أجعلهم يشعرون بأنه لا يوجد أي لاعب في الفريق يضمن مكانه في التشكيلة الأساسية للفريق، وبالتالي يتعين على كل لاعب أن يبذل قصارى جهده داخل الملعب حتى يكون ضمن التشكيلة الأساسية. لكن الساعة الأولى من عمر هذا اللقاء كشفت الأخطاء التي وقع فيها اللاعبون التي كنت أحاول أن أحذرهم منها. أعتقد أن ساوثهامبتون قد استغل هذه الأخطاء تماماً».
لكن الغضب الشديد الذي صبه غراهام على لاعبيه بين شوطي المباراة لم ينجح في تغيير مجريات اللقاء خلال الشوط الثاني، حيث أكمل شيرر الهاتريك بإحرازه هدفاً آخر بعد مرور 4 دقائق فقط من بداية الشوط الثاني، عندما سجل من داخل منطقة الست ياردات بعد أن سدد في البداية الكرة لتصطدم في العارضة وتعود إليه ليضعها في الشباك. وبعد إحراز هذا الهدف، ركض شيرر بطريقته، التي أصبحت مألوفة خلال العشرين عاما التالية. وكان قد مر 21 عاماً منذ أن سجل لاعب ثلاثة أهداف في أول مباراة له في كرة القدم الإنجليزية - عندما سجل كولين فيلجوين ثلاثة أهداف لإيبسويتش تاون في مرمى بورتسموث في عام 1967 - وكان ذلك في دوري الدرجة الثانية.
وسجل بول ديفيس هدف تقليص الفارق لآرسنال لتصبح النتيجة تقدم ساوثهامبتون بأربعة أهداف مقابل هدفين، لكن بعد نهاية المباراة كان الجميع يتحدثون عن النجم الجديد في خط هجوم ساوثهامبتون، الذي نجح وهو يبلغ من العمر 17 عاماً و240 يوماً فقط في تحطيم الرقم القياسي المسجل باسم جيمي غريفز كأصغر لاعب يسجل ثلاثة أهداف في مباراة واحدة في الدوري الإنجليزي الممتاز. ومع ذلك، لم يسارع غراهام بالإشادة بالمهاجم الشاب لساوثهامبتون، قائلاً: «لقد كانت أهدافاً سهلة من أخطاء واضحة لخط دفاعنا. هذه أسوأ مباراة لعبناها منذ أن توليت مهمة تدريب الفريق. أنا سعيد لأننا قد تلقينا هذه الخسارة الآن، في ظل وجود عدد قليل من المباريات قبل أن نتوجه إلى ملعب ويمبلي لخوض المباراة النهائية لكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة». لكن آرسنال خسر تلك المباراة النهائية أمام لوتون بثلاثة أهداف مقابل هدفين في وقت لاحق من ذلك الشهر، بعد أن عانى الفريق مرة أخرى من الأخطاء الدفاعية القاتلة.
أما المدير الفني لساوثهامبتون، كريس نيكول، فقال عن شيرر: «لقد كان ينتظر الحصول على فرصة، وبمجرد أن حصل عليها قدم أداءً رائعا. لكن من الضروري أن يحافظ على المستوى نفسه. عندما يأتي النجاح بسرعة، فإن الخطر يتمثل في أن اللاعب الشاب قد لا يدرك أن العمل الجاد فقط هو الذي سيبقيه في هذا المستوى». لكن لم تكن هناك أي فرصة لأن يشعر شيرر بالغرور، ففي اليوم التالي لتلك المباراة، حرص المدير الفني لفريق الشباب بالنادي، ديف ميرينغتون، على أن يكون شيرر في الملعب يقوم بتنظيف أغراض ومعدات اللاعبين. يقول شيرر عن ذلك في وقت لاحق: «عندما أنظر إلى الوراء، أدرك أن هذا العمل كان رائعاً بالنسبة لي».
ورغم أن شيرر قد تألق بشكل لافت للأنظار في بداية مسيرته، فإنه تأقلم مع متطلبات كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز بشكل تدريجي خلال المواسم القليلة التالية. فاز شيرر بجائزة أفضل لاعب في ساوثهامبتون في موسم 1990 – 1991، وبحلول عام 1992 كان يشق طريقه إلى تشكيلة المنتخب الإنجليزي. وتألق شيرر أيضاً في أول مباراة يلعبها مع المنتخب الإنجليزي في فبراير (شباط) عام 1992، عندما سجل في المباراة التي انتهت بفوز إنجلترا على فرنسا بهدفين دون رد على ملعب ويمبلي. وسجل غاري لينيكر الهدف الآخر للمنتخب الإنجليزي.
أما الباقي فنعرفه جميعاً، فبعد انتقال شيرر إلى بلاكبيرن في صفقة قياسية بلغت 3.6 مليون جنيه إسترليني في صيف عام 1992، سجل هدفين في أول ظهور له في الدوري الإنجليزي الممتاز بشكله الجديد، وقاد النادي للفوز باللقب في موسم 1994 - 1995. وفاز شيرر بالحذاء الذهبي في بطولة كأس الأمم الأوروبية عام 1996، ثم عاد إلى نادي طفولته نيوكاسل يونايتد، الذي سجل معه 260 هدفاً في الدوري الإنجليزي الممتاز، في رقم قياسي ظل صامداً لفترة طويلة من الوقت.
وقد قدم شيرر لمحة لنا جميعاً في أول ظهور له في عام 1988 عما يمكنه أن يقدمه بعد ذلك. ويجب أن نشيد بمهاجم ساوثهامبتون في ذلك الوقت، كولين كلارك، الذي توقع أن يكون لشيرر مستقبل كبير، حيث قال: «كان الجميع في النادي يعلمون أن هذا اللاعب يمتلك فنيات وإمكانيات هائلة. إنه يمتلك كل المقومات التي تجعله لاعباً كبيراً، كما أن سلوكه رائع. إنه يجيد ألعاب الهواء، ويجيد التحكم في الكرة، ويمكنه أن يكون لاعبا جيداً للغاية». وقد أثبت اللاعب البالغ من العمر 17 عاماً، الذي كان يتقاضى 35 جنيهاً إسترلينياً في الأسبوع في ذلك الوقت، أن كلارك كان محقاً تماماً في كل ما قاله.
آلان شيرر و«هاتريك» في أول ظهور... وراتب 35 جنيهاً في الأسبوع
ذكريات لا تنسى في حياة المهاجم الأسطوري وهو يحتفل بعيد ميلاده الخمسين
آلان شيرر و«هاتريك» في أول ظهور... وراتب 35 جنيهاً في الأسبوع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة