الإدارة المستدامة لأنقاض الحرب في العراق

الأمم المتحدة: الحل البيئي في التدوير وإعادة الاستعمال

آثار الدمار الذي لحق بمدينة الموصل (يونيب)
آثار الدمار الذي لحق بمدينة الموصل (يونيب)
TT

الإدارة المستدامة لأنقاض الحرب في العراق

آثار الدمار الذي لحق بمدينة الموصل (يونيب)
آثار الدمار الذي لحق بمدينة الموصل (يونيب)

بعد انقضاء ثلاث سنوات على إعلان الموصل منطقة محررة من التنظيمات الإرهابية، لا تزال المدينة تعاني إلى الآن من مشكلات متعددة تحول دون عودة بعض أبنائها النازحين واستقرار العائدين منهم. فوفق المنظمة الدولية للهجرة، لم يعد نحو 150 ألف نازح من الموصل إلى ديارهم، في مقابل أكثر من مليون بقليل عادوا؛ لكن ظروفاً صعبة للغاية تواجه العائدين، مما يزيد من مخاطر نزوحهم مجدداً لاعتبارات اجتماعية واقتصادية.
وقد أجرى برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)، عبر الإدارة المختصة بمعالجة الآثار البيئية للنزاعات، مجموعة من التقييمات في مناطق متعددة من العراق، بينها الموصل، وتقدم بتوصيات تشمل معالجة الأنقاض بأساليب سليمة بيئياً.
خلال الفترة الماضية، نجحت الأمم المتحدة في إعادة بناء ألفي منزل ومحطة لمعالجة المياه، ومحطات توليد للطاقة، وتشغيل عدد من المستشفيات، وتأهيل 150 مدرسة ومركز شرطة. ولكن هذه الجهود بقيت غير كافية لعودة الحياة الطبيعية إلى المدينة التي كان يقطنها نحو مليوني شخص؛ خصوصاً في المدينة القديمة التي تقع على الجانب الأيمن من نهر دجلة؛ حيث ما زالت أكوام كبيرة من الأنقاض تغطي كثيراً منها. لكن الطرقات أصبحت سالكة، وأعيد افتتاح الأسواق، وعاد إليها كثير من السكان.
وتحُول البيروقراطية وسوء الإدارة والتشاحن السياسي، بالإضافة إلى الترتيبات التي وُضعت لتجنب الفساد، دون إنجاز عملية إعادة الإعمار بالسرعة المطلوبة، بعد أن تعهدت جهات مانحة بتقديم 30 مليار دولار لتحقيق ذلك في مؤتمر عُقد في الكويت مطلع عام 2018.
ومن أبرز الأسباب التي تُعيق إعادة الإعمار التناحر على الصلاحيات بين السلطات البلدية والمحافظات والحكومة المركزية، ما منع وجود قرار منسق وموحد، وجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق حول خيارات في مواضيع مثل إدارة الأنقاض، ووضع خطة لتحديد مواقع التخلص منها وسبل معالجتها وتدويرها.
ومع الانخفاض الكبير في سعر برميل النفط، وانكماش الاقتصاد الوطني بنسبة 10 في المائة، إلى جانب الأزمة العالمية الناتجة عن تفشي فيروس «كورونا» المستجد، تبدو نهضة الحواضر العراقية التي طالتها الحرب من تحت الأنقاض أبعد بكثير مما كان متوقعاً.
- دمار واسع ومخاطر بيئية
إلى جانب كونها حجر عثرة أمام إعادة الإعمار وعودة النازحين الذين يقدر عددهم في العراق بحوالي 1.4 مليون نسمة حسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة في يونيو (حزيران) 2020، تحتوي أنقاض الأبنية المتضررة بالأعمال الحربية على مجموعة من المخلفات والمواد التي تلحق ضرراً بالإنسان والنبات والحيوان والبيئة المحيطة.
وأهم مخاطر الأنقاض هي العبوات الناسفة، أو «مصائد المغفلين» كما تُعرف في العراق، والألغام والذخائر غير المنفجرة، وبعض مواد البناء الخطرة كالأسبستوس. كما من المحتمل أن تحتوي الأنقاض على النفايات الخطرة كالزيوت والمواد الكيميائية في المناطق الصناعية، والنفايات الطبية ضمن المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية المدمرة.
وعدا التكاليف المرتفعة لإزالة الأنقاض، وما يكتنف ذلك من تجاذبات سياسية واجتماعية وسوء في الإدارة، تعتبر هذه العملية معقدة نسبياً؛ لأن 70 في المائة من العبوات الناسفة والمخلفات الحربية غير المنفجرة لا تزال تحت الأنقاض، وفقاً لتقديرات «دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام في العراق».
ويخلُص مسح الأضرار الصادر عن الجهاز المركزي العراقي للإحصاء في سنة 2018 إلى تضرر 63 مدينة و1556 قرية نتيجة الأعمال الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ منتصف 2014. وتبلغ القيمة التقديرية لإجمالي أضرار المباني السكنية للقطاع الخاص في المحافظات التي شملها المسح نحو 16 مليار دولار.
وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن عدد المباني السكنية التي طالها الضرر يزيد عن 147 ألف مبنى بمساحة طابقية إجمالية تتجاوز 73 مليون متر مربع. وتعد المباني السكنية في محافظة نينوى الأكثر تضرراً من حيث المساحة الطابقية بنسبة 45 في المائة، تليها محافظتا الأنبار وصلاح الدين بنسبة 19 في المائة لكل منهما، ثم محافظتا كركوك وديالى بنسبة 7.5 في المائة لكل منهما، بينما تعرضت المباني السكنية في محافظتي بابل وبغداد لضرر بنسب أدنى.
وبالاعتماد على تقييم الأضرار من تحليل صور الأقمار الصناعية، والتقييمات الميدانية التي أجرتها مؤسسات تابعة للأمم المتحدة، تُقدر كمية الأنقاض الناتجة عن الحرب في مدينة الموصل مركز محافظة نينوى، بأكثر من 11 مليون طن.
وتصل نسبة التدمير في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار إلى 80 في المائة، وتبلغ كمية الأنقاض الناتجة عن الحرب في المدينة نحو 7 ملايين طن. كما طال التدمير الواسع مدناً عدة في المحافظة، مثل القائم وهيت وحديثة. وفي محافظة كركوك دُمر أكثر من 135 قرية؛ حيث تقدر السلطات المحلية الأنقاض الناتجة من ذلك بحوالي 6 ملايين طن.
- برتو: خطة تجمع البيئة والاقتصاد
ويقول حسن برتو، المسؤول في برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي يتولى من سنوات مهمات للبرنامج في العراق: «استناداً إلى الإحصائيات الرسمية للضرر الذي طال المباني السكنية، يمكن أن نقدر كمية الأنقاض الناتجة عن ذلك بشكل متحفظ بحوالي 55 مليون طن تقريباً. وإذا زدنا الضرر الذي لحق بالمباني الحكومية، فستكون الكمية الإجمالية أعلى إلى حد كبير». ويضيف أنه «من المهم أن يعتمد ملف ضخم بحجم موضوع الأنقاض في الأماكن المتضررة على رؤية وخطة موحدة لإنجاز أهداف اقتصادية واجتماعية وبيئية محددة، وألا يجري التخلص من الأنقاض بطرق عشوائية مشتتة؛ لأن هذا ينقل المشكلة من مكان إلى آخر؛ بل يعقدها مستقبلاً».
وخلال السنوات الثلاث الماضية التي شهدت انحساراً في الأعمال الحربية، قامت السلطات المحلية برفع الأنقاض من الشوارع الرئيسية في مناطق عراقية عدة بدعم من مرفق تمويل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحقيق الاستقرار الفوري. ولكن المشكلة تكمن في أنه لم تُخصص أماكن للتخلص من هذه الأنقاض بطريقة سليمة، أو أنها لم تكن مطابقة للمواصفات اللازمة، ناهيك عن الحاجة إلى إدارة تلك المواقع. فكانت النتيجة رمي الأنقاض بطرق عشوائية. ولا تزال هناك كميات كبيرة من الأنقاض بحاجة إلى الترحيل، بالإضافة إلى عدد كبير من المباني المتضررة التي يجب هدمها ورفع مخلفاتها. فكميات الأنقاض التي ستنتج من إزالة المباني المتضررة تضاعف كثيراً كمية الأنقاض التي تم رفعها من الطرق حتى الآن. وخير صورة على ذلك الكمية الهائلة من الأنقاض التي تمتد لعدة كيلومترات على مشارف مدينة الموصل، من طريق بغداد على طرف نهر دجلة.
ويؤخذ على عمليات رفع الأنقاض إنجازها على نحو غير مخطط يؤدي إلى مخاطر صحية وبيئية كبيرة، وعواقب اقتصادية مرهقة في المستقبل. ومن المتوقع أن تضطر السلطات المحلية لإزالة الأنقاض التي جرى التخلص منها عشوائياً في أكثر من مكان، مما سيرتب تكاليف مالية إضافية، بينما تعاني هذه السلطات أصلاً من مصاعب مالية.
- البحث عن حلول لمشكلة الأنقاض
توصلت دراسة ميدانية أعدها باحثون عراقيون من جامعتي الأنبار والمستنصرية إلى أن تدوير الأنقاض في مدينة الرمادي، من خلال سحقها واستخدامها في طبقات الأساس وما تحت الأساس لإنشاء الطرقات في محافظة الأنبار، هو أمر مجدٍ من الناحية الفنية؛ حيث تتميز الأنقاض المعاد تدويرها بالجودة العالية ومطابقتها للمعايير الهندسية.
ووجدت الدراسة التي نشرت في دورية «آي أو بي» البريطانية في مطلع 2020، أن كلفة سحق المتر المكعب من الأنقاض تقل بنحو 25 في المائة من كلفة شراء المتر المكعب من المواد (الحصى والرمل) المستخرجة في المقالع، وذلك من دون الأخذ بعين الاعتبار تكاليف النقل التي تميل لصالح الأنقاض، وذلك لقربها من أماكن الحاجة إليها. وتوصي الدراسة بتدوير مخلفات الأنقاض من أجل صون الموارد الطبيعية في محافظة الأنبار وحماية مدينة الرمادي من التلوث.
ولإعادة إعمار مدينة الموصل يتم استخراج الرمال والحصى من قاع نهر دجلة وروافده، كنهر الزاب الكبير والخازر، لاستخدامها كمواد بناء، ما يلحق دماراً كبيراً بالنظام البيئي للنهر، في ضوء الضغط الذي يتعرض له من مجموعة السدود المقامة في أعلى دجلة وعواقب تغير المناخ العالمي. علماً بأن التشريعات الوطنية تحظر تجريف الرمال والحصى من أحواض الأنهار.
ويقول حسن برتو إنه «إذا أخذنا في الاعتبار أن إعادة بناء المباني السكنية المتضررة يتطلب على الأقل 55 مليون طن من مواد المقالع، فبالإمكان أن نتصور مدى الضرر البيئي الذي سينتج عن ذلك. وهنا تكمن أهمية إعادة تدوير الأنقاض لتخفيف تلك العواقب البيئية والاجتماعية. ويكمن التحدي في أنه ليس لدى المهندسين العراقيين بشكل عام القناعة أو الثقة الكافية بإمكانية إعادة تدوير الأنقاض، وذلك لقلة الخبرة والتجربة في هذا المجال. لذا لا بد من وضع معايير وطنية لاستخدام الأنقاض المعاد تدويرها».
ضعف إدارة الأنقاض الناتجة عن الأعمال الحربية، في بلد يعاني أصلاً من مشكلات في إدارة مخلفات الهدم والبناء في الأحوال الطبيعية، دفع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالتعاون مع وزارة الصحة والبيئة العراقية، إلى إصدار «مبادئ توجيهية للإدارة البيئية لمواقع إعادة تدوير الأنقاض» في شهر يونيو 2020.
وإلى جانب ورش العمل حول تدوير الأنقاض التي عقدت في مدن الموصل وكركوك والرمادي، أطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة والمنظمة الدولية للهجرة، بدعم من الحكومتين اليابانية والألمانية، مشروعات رائدة في مدينة الموصل ومحافظة كركوك، تقوم على تدوير الأنقاض وتحويلها إلى مواد يمكن استخدامها بسهولة في فرش الطرقات وتطبيقات بسيطة مماثلة.
ويدعو حسن برتو الحكومة العراقية والجهات المانحة إلى «تعميم ممارسة إعادة تدوير الأنقاض في الأماكن المتضررة، مع العمل على أن يتمدد هذا التوجه مستقبلاً إلى المخلفات الناجمة عن أعمال البناء والهدم الاعتيادية. وهذا يدعم العراق في تطبيق نهج الاقتصاد الدائري الذي يعزز الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية».
ويقول حسن نصيف، مدير ناحية الملتقى في كركوك التي دُمرت قراها البالغ عددها 36 قرية: «إن تكسير وطحن الأنقاض هو حل بسيط ومباشر، ويمنح بصيصاً من الأمل في التعامل مع التحديات الجسيمة، ومن بينها خلق الوظائف للشباب النازحين».
إن حل مشكلة الأنقاض في العراق من جميع جوانبها لا ينطوي على تسهيل العودة الآمنة للسكان فحسب، وإنما يشمل أيضاً توفير فرص كسب العيش من خلال العمل في إعادة تدوير الأنقاض واستخدامها على نحو مستدام، صوناً لموارد الطبيعة وترشيداً للنفقات.
- بالتعاون مع فريق الأبحاث في مجلة «البيئة والتنمية»



ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
TT

ارتفاع الحرارة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بوتيرة أسرع من مثلي المعدل العالمي

عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)
عامل يقف تحت أشعة الشمس وسط درجات الحرارة المرتفعة (رويترز)

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير، إن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سجّلت أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق في عام 2024، حيث ارتفعت درجات الحرارة بوتيرة تزيد بمقدار المثلين عن المتوسط العالمي في العقود الأخيرة.

وأصبحت الموجات الحارة في المنطقة أطول وأكثر حدة، وفقاً لأول تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يركز على المنطقة.

وقالت سيليست ساولو الأمينة العامة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية: «ترتفع درجات الحرارة بمعدل مثلي المتوسط العالمي، مع موجات حرّ شديدة ومرهقة للمجتمع إلى أقصى الحدود».

وخلص التقرير إلى أن متوسط درجات الحرارة في عام 2024 تجاوز متوسط الفترة من 1991 إلى 2020، بمقدار 1.08 درجة مئوية، فيما سجّلت الجزائر أعلى زيادة بلغت 1.64 درجة مئوية فوق متوسط الثلاثين عاماً الماضية.

وحذّرت ساولو من أن الفترات الطويلة التي زادت فيها الحرارة عن 50 درجة مئوية في عدد من الدول العربية كانت «حارة للغاية» بالنسبة لصحة الإنسان والنظم البيئية والاقتصاد.

درجات الحرارة المرتفعة سجلت أرقاماً قياسية (أرشيفية - رويترز)

وأشار التقرير إلى أن موجات الجفاف في المنطقة، التي تضم 15 بلداً من أكثر بلدان العالم ندرة في المياه، أصبحت أكثر تواتراً وشدة، مع اتجاه نحو تسجيل موجات حرّ أكثر وأطول في شمال أفريقيا منذ عام 1981.

وخلص التقرير إلى أن مواسم الأمطار المتتالية، التي لم يسقط فيها المطر، تسببت في جفاف في المغرب والجزائر وتونس.

وقالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن أكثر من 300 شخص في المنطقة لقوا حتفهم العام الماضي بسبب الظواهر الجوية القاسية، ولا سيما موجات الحر والفيضانات، في حين تضرر ما يقرب من 3.8 مليون شخص.

وأكّد التقرير الحاجة الماسة للاستثمار في الأمن المائي، عبر مشروعات مثل تحلية المياه وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، إلى جانب تطوير أنظمة الإنذار المبكر للحدّ من مخاطر الظواهر الجوية. ويمتلك نحو 60 في المائة من دول المنطقة هذه الأنظمة حالياً.

ومن المتوقع أن يرتفع متوسط درجات الحرارة في المنطقة بمقدار 5 درجات مئوية، بحلول نهاية القرن الحالي، في ظل مستويات الانبعاثات الحالية، استناداً إلى التوقعات الإقليمية الصادرة عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ.


دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
TT

دراسة جينية تكشف مرحلة فارقة في تاريخ استئناس القطط

قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)
قطة سوداء تظهر بين قطط أخرى في ملجأ للحيوانات بجنوب إسبانيا (أ.ف.ب)

تعيش مع البشر مئات الملايين من القطط في جميع أنحاء العالم، سواء أكانت سيامية أو فارسية أو من سلالة ماين كون أو غيرها. لكن على الرغم من شعبيتها كحيوانات أليفة، ظلّ تاريخ استئناسها وتربيتها بالمنازل سرّاً صعباً يستعصي على العلماء.

وتقدم دراسة جينية جديدة نظرة في هذه المسألة، من خلال تحديد التوقيت الزمني لمرحلة رئيسية في تدجين القطط، عندما استُقدمت القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا.

ووجد الباحثون أن القطط الأليفة وصلت إلى أوروبا منذ ما يقرب من ألفي عام، في أوائل عصر الإمبراطورية الرومانية، ربما من خلال التجارة البحرية.

ويحتمل أن يكون البحارة قد جلبوا بعض هذه القطط لاصطياد الفئران على متن السفن التي كانت تجوب البحر المتوسط حاملة الحبوب من حقول مصر الخصبة إلى الموانئ التي تخدم روما والمدن الأخرى في الإمبراطورية الرومانية مترامية الأطراف.

تتناقض هذه النتائج مع الفكرة السائدة منذ فترة طويلة بأن الاستئناس حدث في عصور ما قبل التاريخ، ربما قبل 6 إلى 7 آلاف سنة، حينما انتقل المزارعون من الشرق الأدنى والشرق الأوسط القديم إلى أوروبا لأول مرة، حاملين القطط معهم.

قطة (أ.ف.ب)

وقال عالم الجينات كلاوديو أوتوني، من جامعة روما تور فيرجاتا، المؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت اليوم (الخميس)، في مجلة «ساينس»: «أظهرنا أن أقدم جينومات للقطط المنزلية في أوروبا تعود إلى فترة الإمبراطورية الرومانية وما بعدها»، بداية من القرن الأول الميلادي.

استخدمت الدراسة بيانات جينية من بقايا القطط من 97 موقعاً أثرياً في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأدنى، وكذلك من قطط تعيش في الوقت الحاضر. قام الباحثون بتحليل 225 عظمة من عظام القطط، الأليفة والبرية، التي ترجع إلى نحو 10 آلاف سنة مضت إلى القرن التاسع عشر الميلادي، وأنتجوا 70 جينوماً قديماً للقطط.

ووجد الباحثون أن بقايا القطط من مواقع ما قبل التاريخ في أوروبا تنتمي إلى القطط البرية، وليس القطط الأليفة القديمة.

كانت الكلاب هي أول حيوان مستأنس من قبل البشر، إذ انحدرت من فصيلة ذئاب قديمة مختلفة عن الذئاب الحديثة. وجاءت القطط الأليفة في وقت لاحق، منحدرة من القط البري الأفريقي.

قال ماركو دي مارتينو، عالم الحفريات بجامعة روما تور فيرجاتا، والمؤلف المشارك في الدراسة: «دخول القطط الأليفة إلى أوروبا مهم لأنه يمثل لحظة مهمة في علاقتها طويلة الأمد مع البشر. فالقطط ليست مجرد نوع آخر وصل إلى قارة جديدة. إنها حيوان أصبح مندمجاً بعمق في المجتمعات البشرية والاقتصادات حتى المعتقدات».

وحدّدت البيانات الجينية مرحلتين لدخول القطط إلى أوروبا من شمال أفريقيا. فمنذ ما يقرب من 2200 سنة، جلب البشر القطط البرية من شمال غربي أفريقيا إلى جزيرة سردينيا، التي تنحدر قططها البرية الحالية من تلك القطط المهاجرة.

لكن هذه القطط لم تكن أليفة. فهناك هجرة منفصلة من شمال أفريقيا بعد نحو قرنين من الزمان، شكّلت الأساس الجيني للقطط المنزلية الحديثة في أوروبا.

تشير نتائج الدراسة إلى أنه لم تكن هناك منطقة أساسية واحدة لترويض القطط، بل لعبت عدة مناطق وثقافات في شمال أفريقيا دوراً في ذلك، وفقاً لعالمة الآثار الحيوانية والمؤلفة المشاركة في الدراسة، بيا دي كوبير، من المعهد الملكي البلجيكي للعلوم الطبيعية.

وقالت دي كوبير: «يتزامن توقيت الموجات الوراثية لإدخال القطط من شمال أفريقيا مع الفترات التي تكثفت فيها التجارة حول البحر المتوسط بقوة. ومن المرجح أن القطط كانت تسافر لصيد فئران على متن سفن الحبوب، لكن ربما أيضاً كحيوانات ذات قيمة دينية ورمزية».

كانت القطط مهمة في مصر القديمة، وكان ملوك مصر يحتفظون بقطط أليفة، وأحياناً يحنطونها لدفنها في توابيت أنيقة.

ولعب الجيش الروماني القديم، الذي انتشرت مواقعه العسكرية في جميع أنحاء أوروبا، وحاشيته، دوراً أساسياً في انتشار القطط الأليفة في جميع أنحاء القارة، وتشهد على ذلك بقايا القطط التي اكتشفت في مواقع المعسكرات الرومانية.

ويرجع تاريخ أقدم قط مستأنس في أوروبا تم تحديده في الدراسة، وهو قط مشابه وراثياً للقطط المنزلية الحالية، إلى ما بين 50 قبل الميلاد و80 ميلادية من بلدة ماوترن النمساوية، وهي موقع حصن روماني على طول نهر الدانوب.

ومع ذلك، لم تكشف الدراسة عن توقيت ومكان التدجين الأولي للقطط.

قال أوتوني: «تدجين القطط أمر معقد، وما يمكننا قوله حالياً هو توقيت دخول القطط المنزلية إلى أوروبا من شمال أفريقيا. لا يمكننا أن نقول الكثير عما حدث قبل ذلك، وأين حدث».


إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
TT

إسطنبول تتجه لحظر الكلاب الضالة في الأماكن العامة

رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)
رجل يحمل كلباً على كتفه (أ.ف.ب)

أصدرت السلطات المحلية في إسطنبول، اليوم (الاثنين)، مرسوماً يقضي بحظر إطعام الكلاب الضالة داخل المدينة في المستقبل، وكذلك منع وجودها في الأماكن العامة بالمدينة.

وقالت السلطات إنه سيتم منع الكلاب الضالة من الوجود على الأرصفة، والمرافق الصحية والتعليمية، والمطارات، ودور العبادة، والمتنزهات، وذلك بهدف منع انتشار الآفات والتلوث البيئي.

ولم يتم تقديم أي تفاصيل حول العقوبات المحتملة، وفقاً لوكالة الأنباء الألمانية.

وتهدف الإجراءات الجديدة أيضاً إلى تسريع عملية الإمساك بالكلاب التي لا مالك لها وتعقيمها، وإيوائها في ملاجئ الحيوانات. وستكون البلديات مسؤولة عن تنفيذ القواعد الجديدة.

وأصبحت هذه القضية محل جدل كبيراً منذ صدور قانون العام الماضي، يسمح في حالات معينة بإعدام الكلاب الضالة. ويمكن الآن إلزام البلديات بإمساك الحيوانات الضالة وإيوائها في ملاجئ خاصة.

وتقوم هذه الملاجئ بالبحث عن مالكين جدد للاعتناء بهذه الحيوانات.