المحكمة الإسرائيلية العليا تصدر حكماً يُجيز بعض الاستيطان ويحظر بعضه

مثيرةً غضب المستوطنين والفلسطينيين على السواء

فلسطينيون يحتجّون على شروع بعض المستوطنين في بناء منازل على أراضيهم جنوب الخليل (إ.ب.أ)
فلسطينيون يحتجّون على شروع بعض المستوطنين في بناء منازل على أراضيهم جنوب الخليل (إ.ب.أ)
TT

المحكمة الإسرائيلية العليا تصدر حكماً يُجيز بعض الاستيطان ويحظر بعضه

فلسطينيون يحتجّون على شروع بعض المستوطنين في بناء منازل على أراضيهم جنوب الخليل (إ.ب.أ)
فلسطينيون يحتجّون على شروع بعض المستوطنين في بناء منازل على أراضيهم جنوب الخليل (إ.ب.أ)

أثار القرار الذي أصدرته المحكمة العُليا الإسرائيلية، بإجازة مصادرة أراضٍ بملكيّة فلسطينية خاصّة، بشكل جزئي وإخلاء مستوطنة قائمة على أرض فلسطينية أخرى، غضب الطرفين الفلسطينيين الضحية والمستوطنين الذين توقعوا إجازة استيطانهم. وخرج قادة الاستيطان يطالبون الحكومة بتقييد صلاحيات المحكمة، فيما طالب الفلسطينيون باعتبار القرار مساندة لجرائم الحرب وخرقاً للقانون الدولي.
وكانت المحكمة العليا قد أمرت، في قرارها مساء أول من أمس (الخميس)، بإخلاء البؤرة الاستيطانية «متسبيه كرميم» القائمة على أراضٍ فلسطينية بملكية خاصة تابعة لقرية دير جرير الواقعة شمال شرقي رام الله. واستجابت بذلك لطلب أصحاب الأرض الفلسطينيين، وأبطلت قراراً كانت قد أصدرته في عام 2018 المحكمة المركزية في القدس، والذي أجازت فيه سيطرة المستوطنين على الأرض بدعوى أنهم «أقاموا البؤرة الاستيطانية بناءً على قرار خاطئ اتخذته الإدارة المدنية التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي».
وقالت المحكمة المركزية في حينه، إن «المستوطنين هم أناس أبرياء، لم يقرروا الاستيلاء على أرض ليست لهم بشكل بلطجي بل نتيجة لخطأ موظفين في الدولة. ويجب ألا يتحملوا مسؤولية الخطأ ويفقدوا بيوتهم». ورفضت المحكمة حتى أن يتم تعويض الفلسطينيين عن الأرض التي خسروها، بدعوى أنهم لم يثبتوا بالوثائق ملكيتهم للأرض.
لكن الفلسطينيين لم يسلِّموا بهذا القرار فتوجهوا قبل سنتين إلى المحكمة العليا يطالبون بإبطاله بوصفه قراراً تعسفياً يمنح الشرعية لإجراء سرقة الأرض بشكل يتناقض مع القانون الدولي والحقوق الإنسانية. وقبلت المحكمة الاستئناف الفلسطيني وأمرت بوقف جميع أعمال البناء وتجهيز الأرض في القسائم 13 و23 في المربع رقم 19 في هذه الأراضي، ومنع تشييد المباني غير القانونية في الموقع وإخلاء المباني الموجودة في قطع الأرض التي تم تحديد موقعها بشكل غير قانوني وهدم معظم المباني التي أقامها المستوطنون. لكنها في المقابل صادقت على لائحة تسمح بمصادرة الأراضي الفلسطينية الخاصة، في خطوة جاءت بعد التماس قدّمه فلسطينيون، ضد البؤرة الاستيطانية، في وقت سابق. وقبلت بمبدأ «تخصيص أراضٍ للاستيطان في حال حصلوا عليها بالخطأ وبقرارات اتُّخذت ببراءة وحسن نية».
وأبدت المحكمة تعاطفاً مع 250 مستوطناً «لا ذنب لهم سوى أنهم نفّذوا التعليمات الرسمية». وانتقدت الموظفين في الإدارة المدنية وطالبتهم بأن «يفحصوا الأمور بشكل أفضل». ولخصت المحكمة القضية بالقول إن «الدولة لم تنجح في اختبار (حسن النية)». والمستوطنون لم ينجحوا في إثبات حسن النية. والفلسطينيون لم ينجحوا في إثبات الملكية.
وأعلن المستوطنون أنهم أُصيبوا بالصدمة من قرار محكمة العدل العليا وعدّوه «قرار تخريب»، وهي الكلمات التي يستعملها الإسرائيليون للعمليات المسلحة التي ينفّذها بعض الفلسطينيين. وقال رئيس مجلس مستوطنات «شومرون» (القائمة على أراضي نابلس)، يسرائيل غانتس: «محكمة العدل العليا التي يُفترض بها أن تدافع عن الإنسان ضد تعسف السلطة تقلب مهمتها رأساً على عقب. تحمي (سلطة القانون) الرمزي، (حق الملكية) الذي ليس له وجه وليست له مطالب، وإلى الجحيم بالعائلات والأطفال الذين يبنون منذ عشرين سنة بيتهم في استيطان طليعي. كل خطيئتهم أن أجهزة الدولة أخطأت فخصصت لهم الأرض غير الصحيحة. ولعل خطيئتهم أنهم مستوطنون، نوع من الناس في نظر قضاتنا الذين لا يرون حقوقهم الإنسانية».
وهاجم وزير المواصلات السابق بتصلئيل سموتريتش، المحكمة، وطالب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالإسراع في سن قانون يقيد صلاحيات المحكمة ويمنعها من إصدار أحكام كهذه. وانتقد نتنياهو نفسه قرار المحكمة ودعا رئيستها القاضية إستر حيون، إلى إعادة النظر في قرارها وإصدار أمر يمنع هدم البؤرة الاستيطانية. ودافع وزير القضاء، أفي نيسان كورن، عن المحكمة وأكد أن «قرارها يمنح الشرعية لمئات البيوت السكنية التي بُنيت (بنيّة طيبة) على أراضٍ فلسطينية خاصة». وانتبه الفلسطينيون أيضاً إلى أن القرار يمنح الشرعية للمئات من الوحدات الاستيطانية التي أُقيمت على أراضيهم المنهوبة ودعوا السلطة الفلسطينية إلى ضم هذه القضية إلى ملف الدعوى الذي طرحته أمام محكمة الجنايات الدولية باعتبار أن المحكمة العليا الإسرائيلية تعطي غطاءً لنهب الأراضي الفلسطينية بما يخالف القانون الدولي ويزيد في العسف ضد الشعب الفلسطيني المنتهكة حقوقه».



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.