العراق على إيقاع خطوات الكاظمي

الحلفاء والخصوم والشركاء يعيدون النظر في حساباتهم

العراق على إيقاع خطوات الكاظمي
TT

العراق على إيقاع خطوات الكاظمي

العراق على إيقاع خطوات الكاظمي

خلال أسبوع واحد، عقد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي «قمة»، وُصفت بالناجحة، مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين «الشريكين»، وفق العرف العراقي، و«الحليفين»، بالمصطلح الأميركي. ومع أن المباحثات تناولت أطر الحوار الاستراتيجي الذي بدأت جولته الثانية، وهو ما يعوِّل عليه الجانبان في رسم ملامح العلاقة المستقبلية بينهما، فإن أطرافاً أخرى - سواء في الداخل من خصوم الكاظمي أو في المنطقة، ولا سيما إيران - لا تنظر بعين الرضا عن هذا الحوار.
خصوم الكاظمي في الداخل ممن كانوا يمطرون «المنطقة الخضراء» والتاجي والمطار بصواريخ «الكاتيوشا» توقفوا عن إطلاق هذه الصواريخ أثناء زيارة الكاظمي إلى واشنطن وبعدها، من دون معرفة الأسباب. وبينما كان الكاظمي يحزم حقائبه للعودة إلى بغداد طلب منه الديمقراطيون، خصوم الجمهوريين في «الكونغرس» الأميركي، تمديد زيارته يوماً واحداً. وحقاً، التقى رئيس الوزراء العراقي رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي، وإن لم يسمع منها كلاماً يختلف في الإطار العام عما سمعه من خصمها اللدود دونالد ترمب.
في الرحلة من واشنطن إلى بغداد، عاد مصطفى الكاظمي مطمئناً إلى أن الولايات المتحدة الأميركية «دولة مؤسسات». وبالتالي، لن تتأثر كثيراً بتغيير الإدارة... جمهورية كانت أم ديمقراطية في الملفات الاستراتيجية. وفي أسبوع الزيارة نفسه، وبينما كانت طائرة الكاظمي فوق المحيط الأطلسي سلم الأميركيون معسكر التاجي حيث يتمركزون في جزء من تلك القاعدة إلى العراقيين، كجزء من إثبات حسن النية بشأن جدوَلة الانسحاب الأميركي من العراق، على مدى 3 سنوات، التي بحثها مع ترمب.
- معاناة البصرة
ولكن، قبل أن تحط الطائرة في مطار بغداد من رحلتها الطويلة، كانت البصرة كبرى مدن الجنوب العراقي تحترق، وكانت الطبيبة الشابة رهام يعقوب قد قتلت. من مطار بغداد حيث حطت الطائرة الآتية من واشنطن. لم يتغير شيء سوى أعضاء الوفد المرافق للكاظمي. فالوفد العائد من واشنطن توجّه إلى بغداد، بينما كان وفد آخر ينتظر عند باب الطائرة يضم وزير الداخلية ومستشار جهاز الأمن الوطني ورئيس جهاز مكافحة الإرهاب، من أجل مهمة أخرى لن تستغرق هذه المرة سوى 45 دقيقة، بينما استغرقت الرحلة من واشنطن إلى بغداد 12 ساعة. كانت هذه الرحلة إلى البصرة التي وصل إليها الكاظمي متعهداً بتحقيق الأمن والعدالة معاً.
- القمة الثلاثية في عمّان
في الأسبوع نفسه، كان على الكاظمي أن يحزم حقائبه مرة أخرى، لكن للمشاركة في قمة لفتت الأنظار بقوة هي «قمة عمّان»، في العاصمة الأردنية، التي جمعته مع الملك عبد الله الثاني عاهل الأردن، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أما الهدف فهو ما أطلق عليه رئيس الوزراء العراقي مشروع «المشرق الجديد». وبالتزامن، أعلنت إيران عزمها إجراء «حوار استراتيجي» مع العراق. لا أحد يعرف طبيعة هذه الخطوة الإيرانية، وما المقصود بهذا الحوار الاستراتيجي، وما إذا كان على غرار الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة الأميركية. بين كل هذا وذاك وعلى مدى الأسبوع الحاسم المكلل بالقمم واللقاءات والزيارات والتحولات، بقيت جبهة الصواريخ هادئة.
- هدنة «الكاتيوشا»
في أي حال، رغم البيان الشديد اللهجة الذي أصدرته الفصائل المسلحة بشأن النتائج التي انتهت إليها زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة، كانت المفارقة اللافتة أن الفصائل التي كانت أعلنت في بيان لها أنها «سترفع مستوى المواجهة مع الأميركيين في العراق» توقفت عن إطلاق الكاتيوشا، وهو ما جعل عملية تسليم الأميركيين لقاعدة التاجي (شمال بغداد) وإنسحابهم الذي أخذ صيغة إعادة الانتشار عملية هادئة تماماً.
بشأن عملية إعادة الإنتشار يقول الخبير الاستراتيجي العراقي الدكتور معتز محيي الدين، رئيس المركز الجمهوري للدراسات السياسية والمتخصص بالشؤون الأمنية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الرئيس الأميركي دونالد ترمب ربط موضوع انسحاب القوات الأميركية من العراق بموضوع آخر، حين قال إن الحكومة العراقية تصبح قادرة على حماية أمنها الداخلي. وحدد الإعداد لذلك على ضوء هذه الحالة، التي تُعتبر حالةً غير طبيعية في الوقت الحاضر، فضلاً عن وجود (داعش) وما يشكله من مخاطر». وأضاف أن «ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو حين التقيا الكاظمي كانت رؤيتهم متطابقة في موضوع الانسحاب الأميركي، وقد تم تحديده بتوقيتات، حسب رأي الخبراء الأمنيين بقدرة العراق وقدرة الأطراف السنّية التي تطالب بإبقاء الوجود الأميركي لحماية أمن مناطقها حالياً». وأردف أن «أكثر من طرف سياسي أوصل رسالة للجانب الأميركي بضرورة بقائهم؛ لأنهم لا يستطيعون توفير الحماية لمناطقهم بأنفسهم في ضوء قدرة الفصائل المقرّبة من إيران على ضرب وزعزعة المدن السنّية». ثم أوضح الأمور في ضوء هذه الرؤى فإننا حيال وضع جديد، إذ إن الأميركيين يحاولون حالياً إعادة الانتشار مرة ثانية، وهو ما يعني أن القوات الأميركية تناور هنا وهناك، حسب حاجة القوات العراقية في التدريب والتأهيل وإدارة هذه القوات في مرحلة لاحقة طبقاً للاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة. وبالتالي، فإن انسحابهم من التاجي، وقبل شهر من موقع آخر، هو بسماية، يدل أن القوات الأميركية تأخذ أسلوب المناورة والتكتيك بوضع خطط جديدة في هذا المجال.
لكن الفصائل الرافضة أعلنت، في بيانها الذي حمل اسم «فصائل المقاومة الإسلامية»، وهي المصنّفة بقربها من إيران، أنها كانت تنتظر النتائج، مثلما وعد الكاظمي قبيل زيارته بشأن جدولة الانسحاب الأميركي من العراق. وبيّنت أنها كانت تتوقع أن «يجعل على رأس أولوياته تنفيذ قرار الشعب العراقي الذي خرج بتظاهرات مليونية. واتخذ قراره بأن وجود الاحتلال الأميركي وخرابه ودماره وتمويله للإرهاب وصناعة الأزمات، وخلق الفوضى، ليعيث في اقتصاد العراق وأرضه فساداً وينهب خيراته (حسب البيان)، يجب أن ينتهي». وأضاف البيان أن المفاجأة كانت أن «زيارة رئيس الوزراء لم تتضمن تنفيذ قرار إخراج القوات المحتلة الأميركية بشكل كامل، ونعد ذلك التفافاً على سيادة العراق». وعليه، حذّرت هذه الفصائل من أن «عودة رئيس الوزراء من غير تحقيق قرار الشعب والبرلمان والحكومة، وما قطعه من وعد على نفسه بإنهاء الاحتلال» سيجعلها تنتقل «من مرحلة العمل المقاوم التدريجي السابق، ومنح فرصة للحوار السياسي إلى مرحلة التصعيد واستهداف كل المصالح الأميركية».
- تأسيس جديد للعلاقات
إيقاع عمل مصطفى الكاظمي المتسارع - بالقياس إلى أسلافه رؤساء الحكومات السابقة في العراق - جعلت الحلفاء والخصوم، وبينهم الشركاء يعيدون النظر بحساباتهم حيال هذه الخطوات، بما في ذلك إعلانه موعداً مبكراً للانتخابات لم تكن تتوقعه القوى السياسية... سواء تلك التي تحمّست لمجيئه إلى السلطة أو التي وجدت نفسها مرغَمة على القبول به. ومع أن الكاظمي رمى الكرة في ملعب القوى السياسية التي لم تتمكن بعد من حسم قانون الانتخابات الجديد، فإنه أخذ على عاتقه صياغة توجهات السياسة الخارجية للعراق على أسس جديدة. فمن لقاءات مكثفة ومثمرة في البيت الأبيض، انتقل فور عودته إلى بغداد إلى الأردن لحضور القمة الثلاثية مع الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي طارحاً مشروع «المشرق الجديد»، الذي بدأ يثير مخاوف القوى السياسية التي جاءت به إلى السلطة، وعلى رأسها الكتل الشيعية.
وحول المدى الذي يمكن أن تصل إليه العلاقات الخارجية للعراق، وبالذات زيارة الكاظمي إلى واشنطن، يقول الدكتور ظافر العاني، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي لـ«الشرق الأوسط» إنه «بغضّ النظر عن التهويل غير المبرّر في نتائج زيارة الكاظمي إلى الولايات المتحدة، أو التهوين المقصود من إنجازاتها، فإن هذه الزيارة تبقى بداية ناجحة بكل المقاييس». وأضاف أن «اكتمال نتائجها يبقى مرهوناً بقدرة الحكومة على إجراء إصلاحات فعالة، ومن دون توقف، لكسب ثقة المجتمع الدولي من جهة، ودعم العراقيين لها من جهة أخرى».
ومن جهته، يرى الدكتور خالد عبد الإله، عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية ببغداد لـ«الشرق الأوسط» أن «الملف العراقي مهم على صعيد الانتخابات الأميركية التي باتت على الأبواب، خصوصاً أن زيارة الكاظمي جاءت في وقت حساس على صعيد الصراعات الإقليمية الحالية. وبالتالي، فإن ترمب سيسعى إلى استثمار هذه الزيارة، لا سيما بعد حسم الديمقراطيين ترشيح جو بايدن رسمياً للانتخابات الرئاسية». أيضاً يرى الدكتور عبد الإله إن «اختلاف الأولويات والمفاهيم هو الذي يهيمن على الزيارة، سواءً لجهة عدم حسم توصيف العراق أميركياً الآن لجهة كونه صديقاً أم حليفاً أم شريكاً حتى يمكن البناء عليه. والأمر نفسه في بغداد، حيث كل طرف يريد للكاظمي أن يحقق ما يريده هو لا ما يفرضه سياق العلاقات الدولية وجو المفاوضات. وتابع: «هناك أطراف عراقية طالبت الكاظمي بضمانات على صعيد إخراج القوات الأميركية من العراق، بينما أميركا تتحدث عن محاربة داعش». وبشأن أولويات الكاظمي، يقول عبد الإله إن «الكاظمي يسعى إلى الاتفاقيات الثنائية عبر تفعيل بنود الاتفاقية الموقعة بين الطرفين لجهة الاقتصاد والطاقة والنفط والاستثمار والكهرباء والمساعدات، ومجمل أبعاد الدعم الذي يحتاج إليه الآن لحكومته». ويضيف أن «توقيع اتفاقية مع شركة أميركية كبرى على صعيد الكهرباء بأكثر من مليار دولار إنما هو مفتاح عودة الشركات الأميركية إلى العراق».
إلى ذلك أكد فرهاد علاء الدين، رئيس المجلس الإستشاري العراقي لـ«الشرق الأوسط» أن «الحوار الاستراتيجي بين بغداد وواشنطن يبقى هو المحور الأهم في هذه الزيارة، رغم أهمية الجوانب الأخرى في جو المباحثات، مثل النفط والاقتصاد وجائحة (كورونا)، وبخاصة أن هذه الزيارة تأتي من أجل استكمال الجولة الثانية من هذا الحوار الذي بدأت جولته الأولى في شهر يونيو (حزيران) الماضي، والذي يراهن على مخرجاته كثيرون داخل العراق».
وبحسب علاء الدين، فإن «الولايات المتحدة الأميركية شددت كثيراً على الحوار الاستراتيجي، لجهة كون الحكومة العراقية بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة لمواجهة تحدياتها المالية والاقتصادية المستمرة، فضلاً عن المساعدة في محاربة تنظيم داعش». ولفت إلى أن «هذا الدعم لن يأتي من دون شروط، لا سيما بعد قرار إخراج القوات الأميركية من العراق الذي أصدره البرلمان العراقي أوائل هذا العام».
ويرى علاء الدين أن «الكاظمي يخضع في كل حواراته في واشنطن تحت ضغط سياسي هائل من قوى الداخل العراقي الرافضة للعلاقة مع الولايات المتحدة». وبشأن الرؤية التي تحكم سياق العلاقة بين الجانبين، يعتقد علاء الدين أنه «رغم المصلحة المشتركة التي تحققها المشاركة في الحوار، يتضح وجود فجوة بين المطالب والتوقّعات الأميركية والعراقية... مع أن الجهتين تحافظان على التفاؤل الحذر بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة يتفق عليها الطرفان». ويمضي علاء الدين قائلاً إنه «رغم أن الأميركيين يركزون باستمرار على أن هدفهم هو تحقيق شراكة ثنائية دائمة ومستدامة سياسياً مع العراق، فإن الشيطان يكمن في تفاصيل هذه الرؤية؛ إذ تتجاوز المطالب الأميركية هذه النقاط العامة، وتشمل شروطاً محددة قد تجد الحكومة العراقية صعوبة في الوفاء بها».
- قمة «المشرق الجديد»... معانيها وأبعادها
> «قمة عمّان» الأخيرة جاءت امتداداً لقمتين سابقتين بين العراق ومصر والأردن على عهد رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، وبالتالي، لا جديد فيها من هذه الزاوية. إلا أن المصطلح الجديد الذي صاغه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وهو «المشرق الجديد» بدا جديداً، بل ومفاجئاً لكل قادة العملية السياسية في العراق.
الخوف من المصطلح حرّك نظريات المؤامرة باتجاهات مختلفة، كونها تتزامن مع الحديث عن التطبيع مع إسرائيل بعد الخطوة الإماراتية. بيد أن الكاظمي، الذي كان قد أعلن رفضه «سياسة المحاور» يتعيّن عليه خلال الفترة المقبلة خوض جولة صعبة من المفاوضات مع الكتل السياسية حول صياغة مصطلحه الجديد، وكيفية تسويقه، وهذا في ظل الوضع الراهن الذي يمر به العراق. وللتذكير، حكومة الكاظمي «انتقالية» مهمتها الأساسية الإعداد للانتخابّات المبكرة.
مع ذلك، ثمة مَن يرى أن هذا المشروع يمكن أن يكون دعامة تعزز مفهومي الأمن والسيادة معاً. وهنا يعلق الدكتور حسين علاوي، أستاذ الأمن الوطني، في حديث لـ«الشرق الأوسط» قائلاً إن «العراق يتوجه نحو مصر والأردن لبناء محوَر بديل في المنطقة، يتوازى مع مصالح العراق اقتصادياً وأمنياً وسياسياً عبر ‏مبادرة المشرق الجديد، وهو ما طرحه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في لقائه بصحيفة (واشنطن بوست)». وتابع: «الفكرة جديدة، ومحور في المنطقة يقوم على التعاون الاقتصادي والسياسي من العراق والأردن ومصر، محور فاعل. ونحن نحتاج الآن إلى محور اقتصادي - سياسي لتفكيك تحديات كثيرة في البنى التحتية».
ومن جهته، يرى الدكتور فاضل البدراني، أستاذ الإعلام الدولي، في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «الزيارة تُعدّ خطوة لدعم حكومة الكاظمي في وجه المعارضين له من اتباع إيران، ولدعم ترمب في الحملة الانتخابية. ولقد جرى إحياء الحوار بإحياء اتفاقية الإطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق وأميركا عام 2008». ويضيف البدراني: «على ما يبدو، أرادت واشنطن جرّ العراق إليها وربطه معها ومع حلفائها في المنطقة. وهذا يرمي في النهاية إلى تطويق إيران وعزلها عن العراق».
أما الدكتور إحسان الشمّري، أستاذ العلوم السياسية ورئيس «مركز التفكير السياسي في العراق»، فقال لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «زيارة الكاظمي للعواصم الثلاث تمثل زيارة توازن في علاقات العراق الخارجية وتوجهات الكاظمي. فهو يريد أن يوجه رسائل إلى هذه العواصم الثلاث بأن العراق يقف على مسافة واحدة ويمتلك علاقات متوازنة معها». وأضاف أن «الكاظمي سيدفع حسب طبيعة نوع العلاقة مع هذه الدول بملفات مشتركة، لكن يبقى الملف الأبرز الذي سيُطرح عراقياً هو أنه ينبغي أن يكون هناك تفهم لحساسية العراق ووضعه الداخلي، وإمكانية أن يكون هناك نأي بالعراق عن ساحة الصراع الأميركي - الإيراني”. وبيّن الشمّري أن «العراق يحاول فرض المزيد من الاستقرار الداخلي، ومحاولة تحييد هذا الصراع بين واشنطن وطهران عن الداخل العراقي». وأوضح أن «الكاظمي خلال هذه الزيارة يقدم نفسه كوسيط ناجح يمكن أن يلعب دوراً أكثر من ناقل الرسائل، لا سيما أنه يمتلك علاقات إيجابية»، مع عدد من الأطراف الإقليمية.
وبشأن ما يمكن أن تسفر عنه الزيارة من نتائج، يقول الشمّري: «لكل دولة خاصية مختلفة سوف تنعكس على طبيعة النتائج التي ستترتب عليها، خصوصاً إذا ما نظرنا إلى طبيعة الملفات التي تختلف من دولة إلى أخرى». وأوضح أن «الملف الأهم في واشنطن، مثلاً، هو اتفاقية الإطار الاستراتيجي، واستكمال الحوار بين بغداد وواشنطن، ووجود القوات الأميركية، وإمكانية الدعم الأميركي إلى العراق في مختلف المجالات. وفيما يرتبط مع السعودية فإن التركيز على الجانب الاقتصادي، خصوصاً أن الرياض تعد مركزاً اقتصادياً مهماً في المنطقة، وبالتالي أتوقع إنه سيخرج باتفاقات مهمة مع المملكة في مختلف الميادين والمجالات، وبالأخص، في ظل انفتاح السعودية على حكومة الكاظمي». وحول النتائج المرتقبة من زيارة المبرمجة إلى إيران يقول الشمّري إن «الكاظمي سيركز على قضية رسائل التطمين. إذ يحاول الكاظمي أن يعطي رسالة لإيران بأنه ليس أميركياً... بل سيقف في المنتصف، وربما يذهب إلى أكثر من ذلك... باتجاه محاولة التهدئة في الداخل العراقي مع تقديم الضمانات الممكنة بشأن ذلك».



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.