لبنان يزدان بحلة العيد وطرقاته تتلألأ بأشجار الميلاد

لكل عيد بهجته وألوانه في لبنان؛ فكما في عيدي الفطر والأضحى، كذلك في عيدي الميلاد ورأس السنة، فهو ينفض عنه غبار الجراح والأحزان ليعيش فرحة المناسبة بعيدا عن الواقع المرير الذي يسود أجواءه.
ولعل مشهد طرقات وشوارع لبنان من شماله إلى جنوبه، التي أنيرت بزينة استثنائية هذه السنة، مما جعل إحدى مدنه (جبيل) تدخل العالمية، هو خير دليل على تمسك اللبنانيين بعاداتهم وتقاليدهم، مهما بلغت بهم المآسي والأحزان.
وكعادته في كل سنة، فإن وسط بيروت كان السبّاق في إطلاق أول معالم عيد الميلاد، حيث رفع شجرة العيد لتضيء قلب العاصمة، التي بلغ طولها 15 مترا، صُنعت وتزينت من مواد صديقة للبيئة. وما يميّز هذه الشجرة عن غيرها في المناطق الأخرى بثها أغانٍ وموسيقى العيد المشهورة، الأمر الذي يستقطب الكبار والصغار معا للوقوف إلى جانبها والتقاط صور تذكارية لهم بقربها.
ولم تكتف الساحة المقابلة لمسجد محمد الأمين المستضيفة شجرة الميلاد وسط بيروت بذلك، إذ أضافت إلى حلة العيد هذا العام مجسما مضاء يحمل عبارة «أحب لبنان»، كما سيرت على الطرقات الموازية لها شخصيات مستوحاة من أجواء العيد معروفة عالميا كـ«سنو مان» و«سانتا كلوز». أما أسواق بيروت فقد زينت بقباب ضخمة يصل قطر كل منها إلى 6 أمتار، بالإضافة إلى مصابيح متميزة على شكل مجوهرات. وتلألأت على مداخل السوق طابتان بلّوريتان ضخمتان (بقطر 6 أمتار) يمكن عبورهما من قبل المارة.
معالم الزينة هذه طالت الساحات العامة وسط بيروت، إن في المنطقة التاريخية أو شارع الأورغواي ومنطقة (حي الفنون) في الصيفي فيلادج. كما استحدثت أيضا شركة «سوليدير» للمناسبة مساحة أخرى للأطفال بعنوان «اكتشاف كوكب في بيروت»، التي تقدّم لهم فيها نشاطات منوعة محورها التسلية والترفيه.
ومن بيروت إلى الشمال، وبالتحديد إلى مدينة جبيل التاريخية. فقد احتلت شجرة العيد فيها المرتبة الثانية عالميا (وفقا لمجلة «وول ستريت» الأميركية)، بعد تلك المرفوعة في ساحة (رودريغي فرتاس) في مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية. فسبقت بذلك شجرة العيد المقامة في ساحة كاتدرائية نوتردام في باريس، التي احتلت المرتبة الثالثة في هذا الإطار. ويبلغ ارتفاع هذه الشجرة التي اهتم بوضعها شباب جبيل إلى نحو الـ40 مترا، بقطر 10 أمتار، وهي مصنوعة من 2500 قطعة حديدية مطلية باللون الذهبي، وقد أضيئت بـ400 ألف لمبة، وبلغت كلفتها نحو 125 ألف دولار، تكفّلت بها إدارة بنك بيبلوس في المنطقة. كما تزينت أيضا شوارع المدينة وأسواقها، فتألقت بشلالات من الإنارة وبمجسمات منازل «سانتا كلوز» التي أضفت عليها مشهدية رائعة. وفي بلدة زغرتا الشمالية أيضا ارتفعت شجرة العيد على ضفاف بحيرة بنشعي الواقعة في جوارها، وذلك تحت عنوان «الموسيقى» كونها، بحسب القيمين على زينتها، بمثابة اللغة الأشهر في العالم، التي تحاكي مختلف الحضارات والأذواق، وقد بلغ طولها 30 مترا. وكان أحد أبناء بلدة مجدليا في قضاء زغرتا ويدعى شادي الشامي، قد استحدث في باحة منزله منزل «سانتا كلوز» المتوقع أن يدخل كتاب «غينيس» للأرقام القياسية، إثر اتصالات يقوم بها صاحب المشروع مع مكتب «غينيس» في دولة الإمارات العربية دبي، وذلك لروعة هندسته ودقة تفاصيله المصنوعة بتأنٍّ. وقد أنير بـ300 ألف لمبة ويحتوي على أكثر من 300 منزل لـ«سانتا كلوز» بمختلف الأحجام، كما تضمن حجر الطاحون القديم والمحدلة إضافة إلى مجسم «سانتا كلوز» وعربته التي تجرّها الغزلان ويتساقط عليها الثلج الاصطناعي. كما تتضمن مجسمات لشخصيات مشهورة ترتبط ارتباطا وثيقا بالشخصية الأساسية كـ«ماما كلوز» و«تشيلدرن كلوز» و«رجل الثلج» وغيرهم.
أما عاصمة الشمال طرابلس فقد أضيئت في ساحتها (على مستديرة الميناء) شجرة الميلاد في مبادرة من فعالياتها للتأكيد على تمسكهم بمبدأ العيش المشترك، كما ترتفع شجرة أخرى على مستديرة النيني، وتم تزيين شارع «عزمي» التجاري في المدينة.
أما في منطقة البقاع، وبالتحديد في عروسها مدينة زحلة، فقد ازدان بارك جوزف سكاف قرب ساحة الشهداء فيها بإضاءة تضمنت 700 ألف لمبة ملونة، وذلك تحت عنوان «إيد بإيد تنضوي الشجرة». وشملت هذه الزينة طرقات المدينة من مستديرة الطريق الدولية مرورا بالمنارة وتمثال الشعر، وصولا إلى أسواقها التجارية، أي على طول مسافة 300 متر. فتزينت بـ460 شجرة أُضيئت بـ9 ألوان يمكن التحكم بها عن بعد. أما المبلغ المتبقي من زينة العيد، فقد حوّل لإعانة عائلات شهداء الجيش في المنطقة.
ومن زحلة إلى الجنوب، حيث ارتفعت في هذه المناسبة أيضا شجرة الميلاد في مدينة صور، التي بلغ طولها نحو 15 مترا، والتفّ حولها خلال تدشينها فعاليات المدينة من رجال دين مسلمين ومسيحيين، وأبناء المدينة الذين احتفلوا بارتفاعها وسط مدينتهم وهم يؤدون التراتيل والترانيم الدينية وأغاني العيد.
وكانت الكتيبة الإيطالية العاملة في إطار منظمة الأمم المتحدة (يونيفيل)، قد وزعت الهدايا والألعاب على طلاب المدارس في منطقة صور، ومن بينها مدرستا الضهيرة ورامية الحدودية في قضاء بنت جبيل.
وكما في المدن الرئيسية كذلك في شوارع العاصمة وطرقاتها، قامت بلديات مناطق الدكوانة وبيت مري وسن الفيل والمكلس، تماما كما في شوارع الحمراء وفردان وغاليري سمعان، بتزيين طرقاتها بأشجار الميلاد والنجوم البراقة والمصابيح المضاءة إيذانا باقتراب الاحتفالات في العيد.
وتشارك بدورها أيضا التلفزيونات اللبنانية مشاهديها بفرحة العيد، بحيث اعتمدت غالبيتها شبكة برامج خاصة في المناسبة. فتلفزيون «إم تي في» حرص على تقديم برامج ثقافية وترفيهية وأخرى حوارية تحكي عن معاني العيد وتترجمه في فقرات لمساعدة المحتاجين، كما في برنامج «الحلّ عنا» مع ربيكا أبو ناضر، وكذلك في برامج «هاشتاغ» و«أغاني أغاني» و«اسألوا مرتي» و«هيدا حكي» و«الليلة جنون»، وغيرها من البرامج التي ستدور في إطار عيد الميلاد بامتياز.
أما قناة «إل بي سي آي» فقد ارتأت هذا العام تقديم برامجها العادية الملونة بفقرات من وحي العيد تحت عنوان «عيّد معنا»، فتقدم ليلة العيد 24 ديسمبر (كانون الثاني) الحالي سهرة يواكب فيها إعلاميون من مختلف التلفزيونات الأخرى حملة تبرعات ومساعدات للأطفال الذين نجوا من الأمراض، وذلك من خلال الدعم المادي الذي حصلوا عليه في برنامج «من القلب». وبين هؤلاء المشاركين ندى شويري من تلفزيون لبنان وسعيد غريب من «إن بي إن»، ولينا دوغان من «المستقبل» واسبرانس غانم من «أو تي في» وجولي ناكوزي من «سات7» ويزبك وهبة من «إل بي سي» ومنار صبّاغ من تلفزيون «المنار».