لنتخيل الحوار التالي بين إدارة نادي يوفنتوس الإيطالي واللاعب السابق أندريا بيرلو، الذي تم تعيينه مديراً فنياً للفريق الأول: ما هي مؤهلاتك بالضبط لهذا المنصب يا سيد بيرلو؟ لعبت 119 مباراة مع نادي يوفنتوس بالدوري الإيطالي الممتاز، وفزت بأربعة ألقاب للدوري. حسناً، لكن ما هي مؤهلاتك في التدريب؟ تقدمت للحصول على رخصة للتدريب في شهر أغسطس (آب) الماضي. حسناً، لكن هل لديك أي خبرات في مجال التدريب؟ أنا المدير الفني لفريق يوفنتوس تحت 23 عاماً. عظيم، ومنذ متى وأنت تشغل هذا المنصب؟ منذ تسعة أيام· وماذا عن النتائج، هل حققت نتائج جيدة؟ في الواقع، لم نلعب أي مباراة حتى الآن. لكن، هل كانت الحصص التدريبية تسير بشكل جيد؟ حسناً، لقد ذهبت لمشاهدة فريق النادي تحت 19 عاماً وهو يلعب الأسبوع الماضي. ممتاز، هنيئاً لك هذه الوظيفة!
في الحقيقة، قد يبدو عالم الأندية الكبيرة لكرة القدم غريباً جداً في بعض الأحيان؛ فكرة القدم عبارة عن صناعة مهووسة بالمال والمكانة، لكنك في الوقت نفسه قد تجد نادياً يحقق إيرادات سنوية تبلغ 400 مليون جنيه إسترليني يقوم بتعيين شخص ليس لديه أي خبرة في منصب إداري كبير! قد يكون من المثير للاهتمام أن نتخيل وجود اللاعب الإيطالي السابق أندريا بيرلو على رأس القيادة الفنية ليوفنتوس؛ نظراً لأنه يمتلك شخصية جذابة ولديه ثقة كبيرة في نفسه، لكن لا يوجد ما يضمن أن يحقق بيرلو نتائج جيدة مع يوفنتوس خلال الفترة المقبلة، وبالتالي فإن إسناد مهمة تدريب يوفنتوس لبيرلو، الذي لا يملك أي خبرات في مجال التدريب، يحمل قدراً كبيراً من المخاطرة، كما أنه قرار غريب للغاية من الناحية التجارية!
قد يكون من السهل للغاية تفهم الأسباب التي دفعت إدارة يوفنتوس لاتخاذ هذا القرار؛ نظراً لأنها ربما تعتقد أن المطلعين على الأمور من داخل النادي – مثل بيرلو – هم الأقدر والأصلح على قيادة الفريق، بالإضافة إلى أن كل نادٍ يريد أن يقوده إلى المجد شخصية أسطورية من أبناء النادي، في محاولة لتكرار تجربة المدير الفني الإسباني جوسيب غوارديولا مع نادي برشلونة.
لقد كان غوارديولا في برشلونة مثالاً فريداً من نوعه على المدير الفني الذي كان يجسد إحساس ناديه بالذات، حيث كان ناشئاً بأكاديمية «لا ماسيا» للناشئين بالنادي الكتالوني، كما كان يؤمن بأفكار الأكاديمية، وقاد النادي للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا في أول عام له على رأس القيادة الفنية للفريق، الذي كان يضم كوكبة من النجوم الرائعين، من بينهم سبعة لاعبين من أكاديمية «لا ماسيا» للناشئين.
وغالباً ما كان غوارديولا يستخدم لغة «شبه دينية» في حديثه، حيث قال إنه كان يعمل فقط على صيانة «الكاتدرائية» التي بناها يوهان كرويف. لكنه لم يكن منقذاً مرسلاً من السماء، بل كان لاعب كرة قدم ذكياً للغاية قضى السنوات الأخيرة من مسيرته الكروية في إعداد نفسه ليكون مديراً فنياً، وعاش ثقافة كروية مختلفة تماماً في إيطاليا، وعمل في المكسيك مع معلمه خوانما ليلو، الذي يساعده الآن في تدريب مانشستر سيتي، وسافر حول العالم للتحدث إلى أعظم المديرين الفنيين.
وقد عيّنه برشلونة مديراً فنياً للفريق الأول بعد أن قدم موسماً ناجحاً للغاية في قيادة الفريق الرديف بالنادي. صحيح أن المؤشرات على أن غوارديولا سيكون مديراً فنياً رائعاً كانت محدودة، لكن كانت هناك بعض المؤشرات على ذلك. وحتى زين الدين زيدان كان قد أشرف على القيادة الفنية للفريق الرديف بنادي ريال مدريد، وإن لم يحقق معه نجاحاً كبيراً، قبل توليه قيادة الفريق الأول للفريق الملكي. ولجأ مانشستر يونايتد إلى المدير الفني النرويجي أولي غونار سولسكاير في البداية؛ لأنه كان أسطورة من أساطير النادي وكان يمثل النقيض تماماً للمدير الفني البرتغالي جوزيه مورينيو الذي لم ينجح مع الفريق، لكن سولسكاير كان قد حقق نجاحاً بالفعل في مجال التدريب مع نادي مولده النرويجي، كما خاض تجربة أقل نجاحا مع نادي كارديف سيتي. ولم يسند تشيلسي مهمة تدريب الفريق الأول إلى فرانك لامبارد لمجرد أنه لعب 13 عاماً بقميص النادي، لكن لأنه قاد نادي ديربي كاونتي وحقق معه نتائج جيدة وقاده لملحق الصعود للدوري الإنجليزي الممتاز.
ومن الإنصاف أن نشير إلى أن بيرلو نفسه قد أشار في سيرته الذاتية إلى أنه لا يمتلك مقومات المدير الفني بالفطرة، حيث قال «لم أكن لأراهن بسنت واحد على أن أصبح مديراً فنياً. إنها ليست الوظيفة التي أنجذب إليها؛ نظراً لأن بها الكثير من مصادر القلق، كما أن نمط حياة المدير الفني بعيدة كل البعد عن نمط حياة اللاعب. لقد قمت بواجبي، وفي المستقبل أود أن أعود إلى ما يشبه الحياة الطبيعية». لقد كتب بيرلو هذه الكلمات قبل سبع سنوات من الآن، لكن من الطبيعي أن يشكو أي لاعب من الحياة الروتينية، لكنه يغير رأيه بعد الحصول على وقت من الراحة ويقرر العودة مرة أخرى لكرة القدم من خلال بوابة التدريب. لكن هناك تفاصيل أخرى تثير الشكوك، حيث قال بيرلو، على سبيل المثال «أنا أكره عمليات الإحماء بكل ذرة من كياني. إنها تثير اشمئزازي في واقع الأمر. ليس لدي أي اهتمام على الإطلاق بالركض من أجل إجراء عمليات الإحماء لعضلاتي، فالعضلة الأكثر أهمية هي القلب وعضلاتي دائماً جاهزة بنسبة 100 في المائة».
لكن المشكلة هنا لا تكمن في بيرلو، لكنها تكمن في نادي يوفنتوس الذي قرر إسناد مهمة قيادة الفريق إلى شخص ليس لديه أي خبرة في مجال التدريب. وتعد هذه هي ثالث مغامرة كبرى يقوم بها النادي الإيطالي في غضون عامين فقط، حيث قام النادي في البداية بدفع 100 مليون يورو، بالإضافة إلى مكافآت ضخمة وراتب سنوي يبلغ 31 مليون يورو من أجل التعاقد مع النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو البالغ من العمر 33 عاماً، على أمل أن يقود النادي بأهدافه الحاسمة للحصول على لقب دوري أبطال أوروبا.
وخلال الصيف الماضي، أقال النادي ماسيميليانو أليغري على الرغم من قيادته النادي للحصول على لقب الدوري الإيطالي الممتاز خمس مرات متتالية، وتم تعيين ماوريسيو ساري بدلاً منه، على أمل أن يجعل النادي يقدم كرة قدم حديثة وممتعة. وربما كان التعاقد مع ساري سيجعل الفريق أقرب للفوز بلقب دوري أبطال أوروبا، لو لم يكن الإنفاق السخي على رونالدو يعني خفض التكاليف في أماكن أخرى، ولو لم يكن وجود رونالدو يفسد الطريقة التي يلعب بها الفريق من الأساس!
وبالنظر إلى أن مجلس الإدارة يريد على ما يبدو شيئين غير متوافقين تماماً - كرة قدم سلسة ورونالدو في الوقت نفسه – وهو الأمر الذي لا يمكن لأي مدير فني محنك القيام به، فما بالنا بالتعاقد مع شخص لا يملك أي خبرات في مجال التدريب من الأساس!
وبعد أن شعر يوفنتوس بالملل من مجرد الفوز بلقب الدوري الإيطالي الممتاز كل عام، فإن النادي منفتح هذه الأيام تماماً - مثل الأندية الكبرى الأخرى – على فكرة تسويق الهوية وأسلوب الحياة، والدليل على ذلك أنه عندما أطلق النادي شارته الجديدة قبل ثلاث سنوات فإنه كان يتحدث عن الذهاب إلى «ما وراء كرة القدم»، في محاولة «للتسويق للأشخاص الذين لا يهتمون بالضرورة بكرة القدم».
لقد كان التعاقد مع رونالدو مدفوعاً جزئياً على الأقل بعوامل تسويقية للنادي، لكن إسناد مهمة تدريب الفريق لبيرلو تبدو غريبة للغاية في ظل عدم امتلاكه أي خبرات في هذا المجال. وحتى الهوس بالحصول على لقب دوري أبطال أوروبا للمرة الأولى منذ عام 1996 لا يبدو في كثير من الأحيان مجرد بحث عن الحصول على بطولة رياضية بقدر ما هو وسيلة لتحسين حصة النادي من السوق العالمية.
قد يحقق بيرلو نجاحاً كبيراً، لكن حتى لو حدث ذلك فلن يكون له أي علاقة بالتخطيط؛ لأنه ليس قراراً عقلانياً من الأساس!