مطاعم بيروت تلفظ أنفاسها الأخيرة

جانب من الدمار الذي خلفه الانفجار في الجميزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلفه الانفجار في الجميزة (أ.ف.ب)
TT

مطاعم بيروت تلفظ أنفاسها الأخيرة

جانب من الدمار الذي خلفه الانفجار في الجميزة (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي خلفه الانفجار في الجميزة (أ.ف.ب)

لم يكن ينقص قطاع المطاعم اللبناني الذي عانى طوال الأشهر الماضية من أزمات متلاحقة أدت لتقلصه بشكل كبير وفقدان مئات الآلاف وظائفهم، إلا انفجار مرفأ بيروت ليقضي على ما تبقى منه، خاصة أن منطقتي مار مخايل والجميزة اللتين تضررتا بشكل كبير تعتبران وجهتين أساسيتين في العاصمة لرواد المطاعم والمقاهي التي تدمرت وسوي الكثير منها بالأرض.
وفي إطار مسح أولي للقطاع، أجرته نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري، في أقضية بيروت الكبرى والمتن وبعبدا، تبين أن مجموع عدد المؤسسات المطعمية المتضررة بلغ 2096 مؤسسة من أصل 4343. وفي تخمين أولي أيضاً، قدّرت النقابة حجم الخسائر بـ315 مليون دولار.
وتتحدث أمينة سرّ النقابة مايا بخعازي نون، عن وضع كارثي على صعيد واقع المطاعم، لافتة إلى أنه «قبل (كورونا) كنا نتحدث عن إطلاق رصاصة الرحمة على القطاع، أما اليوم فبعد تفشي الوباء وأخيراً انفجار المرفأ أصبحنا في مراحل متقدمة جداً من الكارثة». وتشير نون في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «قسماً كبيراً من أصحاب المطاعم المتضررة في المنطقة المنكوبة، علّق أي عملية إعادة إعمار بانتظار أن يتحدد مصير البلد»، مشددة على أن «القطاع لا يعول على تعويضات ستقدمها الدولة اللبنانية، لذلك بدأت النقابة تسعى لدى جهات مانحة دولية».
ولا تزال فرق تابعة لوزارة السياحة تقوم بكشوفات ميدانية لإجراء المسح اللازم للمؤسسات المتضررة، وتشير مصادر الوزارة إلى أنه يتم الاعتماد بشكل أساسي على الرسائل الإلكترونية التي يرسلها المتضررون من أصحاب المؤسسات والتي تتضمن صوراً للأضرار، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حجم الخسائر في مؤسسة واحدة فاق المليون و200 ألف دولار وهناك مؤسسة أخرى بحجم خسائر قريب جدا للمبلغ المذكور، ما يعني أن الوضع سيكون صعبا لدفع التعويضات كاملة للمتضررين، علما بأننا لم ننته حتى الساعة من إجراء المسح النهائي وتحديد القيمة الإجمالية للخسائر.
ويمكن لزوار شارعي مار مخايل والجميزة الشهيرين أن يلاحظا تعليق العمل في كل المطاعم المتضررة بشكل كبير. فبعد إزالة الركام والقيام بأعمال التنظيف اللازمة تم إقفال معظم المطاعم بألواح خشبية علق على الكثير منها متعهدو التصليحات أرقام هواتفهم... تصليحات لا يبدو أنها تعني كثيراً لأصحاب هذه المحال في المرحلة الراهنة. وفيما رفع البعض لافتات كتب عليها «باقون»، كتب آخرون على الجدران عبارة: «هل يعقل هذا؟»؛ بإشارة إلى حجم الدمار في المنطقة المنكوبة.
ورغم النقمة الكبيرة التي يعبّر عنها جو لحود صاحب سلسلة مطاعم الذي تضرر أحد محاله في منطقة مار مخايل تضرراً كبيراً وسقط 4 جرحى في صفوف الموظفين إصاباتهم بالغة، إلا أنه يبدو متمسكاً بالبقاء في لبنان رغم قراره توسيع عمله خارج البلد. وفي هذا الإطار يقول لحود لـ«الشرق الأوسط»: «بعد 8 سنوات من تكريس كل وقتنا لإنجاح تجربتنا التي بدأت من الصفر، أصبح لدينا 25 فرعاً في كل المناطق اللبنانية، ولكن بدل أن نتجه إلى مزيد من التوسع ترانا نتجه لتقليل عدد الفروع خاصة وأننا منذ 6 أشهر لا نحقق أي أرباح تذكر نتيجة الأوضاع الاقتصادية المتردية والصفعات المتتالية التي نتلقاها وكان آخرها انفجار المرفأ».
ويحتاج فرع مار مخايل ما بين 60 و70 ألف دولار لإعادة إعماره وهو المبلغ الذي صرفه لحود لإنشاء الفرع. ويقول: «كيف نؤمن هذا المبلغ اليوم في ظل احتجاز أموالنا في المصارف وانقطاع الدولار من السوق دون أن نذكر وجود 6 تسعيرات للدولار في بلد لا تتخطى مساحته الـ10452 كلم؟».
وكانت النقابة أعلنت في وقت سابق هذا العام عن 25 ألف موظف طردوا من عملهم منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، في وقت يعمل قسم كبير من باقي العمال بدوام جزئي وبنصف راتب، بسبب تدني أرقام المبيعات بنسبة 75 في المائة. وسُجل خلال الفترة الممتدة من الأول من سبتمبر 2019 حتى الأول من فبراير (شباط) 2020 إقفال ما يناهز الـ800 مؤسسة تتعاطى الطعام والشراب بينها 240 أقفلت في شهر يناير (كانون الثاني) وحده.
ويُدخل قطاع المطاعم إلى الدورة الاقتصادية بالبلد، بحسب «الشركة الدولية للمعلومات»، 5 مليارات دولار، ويساهم بنسبة 10 في المائة من الناتج المحلي.
ويتداعى اليوم الثلاثاء المئات من المعنيين بالقطاع السياحي للقاء في منطقة الأشرفية بدعوة من اتحاد النقابات السياحية إلى لقاء، للإعلان عن مبادرة «واتخاذ قراره في وجه الحالة المأساوية التي وصل إليها القطاع السياحي المتضرر وتجاهل السلطات اللامبالية»، كما ورد في بيان تم توزيعه.



الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
TT

الحوثيون يعدون بسداد ديون صغار المودعين خلال 17 عاماً

الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)
الحوثيون سيطروا على البنك المركزي وصادروا الدين العام الداخلي والخارجي وأرباحه (أ.ف.ب)

أطلقت الجماعة الحوثية التي تختطف العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات أخرى في شمال البلاد، وعداً بسداد جزء من الدين الداخلي لصغار المودعين على أن يتم دفع هذه المبالغ خلال مدة زمنية قد تصل إلى نحو 17 عاماً، وذلك بعد أن صادرت الأرباح التي تكونت خلال 20 عاماً، وقامت بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية.

وتضمنت رسالة موجهة من فواز قاسم البناء، وكيل قطاع الرقابة والإشراف على المؤسسات المالية في فرع البنك المركزي بصنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة، ما أسماه آلية تسديد الدين العام المحلي لصغار المودعين فقط.

وحددت الرسالة المستحقين لذلك بأنهم من استثمروا أموالهم في أذون الخزانة، ولا تتجاوز ودائع أو استثمارات أي منهم ما يعادل مبلغ عشرين مليون ريال يمني (40 ألف دولار)، بحسب أرصدتهم الظاهرة بتاريخ 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

وسيتم الصرف - بحسب الرسالة - لمن تقدم من صغار المودعين بطلب استعادة أمواله بالعملة المحلية، وبما لا يتجاوز مبلغ نحو 200 دولار شهرياً للمودع الواحد، وهو ما يعني أن السداد سوف يستغرق 16 عاماً وثمانية أشهر، مع أن الجماعة سبق أن اتخذت قراراً بتصفير أرباح أذون الخزانة قبل أن تعود وتصدر قراراً بتحويل تلك الودائع إلى حسابات جارية، ما يعني حرمان المودعين من الأرباح.

جملة شروط

حدد الحوثيون في رسالتهم التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط» موعد تقديم طلب الاستعاضة بدءاً من شهر فبراير (شباط) المقبل، وبشرط الالتزام بالتعليمات، وإرفاق المودع البيانات والتقارير المطلوبة، وضرورة أن يتضمن الطلب التزام البنوك الكامل بتنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة فرع البنك المركزي.

وهددت الجماعة بإيقاف الاستعاضة في حال المخالفة، وحمّلوا أي بنك يخالف تعليماتهم كامل المسؤولية والنتائج والآثار المترتبة على عدم الالتزام.

صورة ضوئية لتوجيهات الحوثيين بشأن تعويض صغار المودعين

ووفق الشروط التي وضعتها الجماعة، سيتم فتح حساب خاص للخزينة في الإدارة العامة للبنك لتقييد المبالغ المستلمة من الحساب، ويكون حساب الخزينة منفصلاً عن حسابات الخزينة العامة الأخرى، كما سيتم فتح حسابات خزائن فرعية مماثلة لها في الفروع، على أن تتم تغذيتها من الحساب الخاص للخزينة في الإدارة العامة.

ومنعت الجماعة الحوثية قيد أي عملية دائنة بأرصدة غير نقدية إلى حسابات العملاء بعد تاريخ 30 نوفمبر، إلا بموافقة خطية مسبقة من قبل فرع البنك المركزي بصنعاء.

ويشترط البنك الخاضع للحوثيين تسليمه التقارير والبيانات اللازمة شهرياً أو عند الطلب، بما في ذلك التغيرات في أرصدة العملاء والمركز المالي، وأي بيانات أخرى يطلبها قطاع الرقابة، خلال فترة لا تتجاوز خمسة أيام عمل من بداية كل شهر أو من تاريخ الطلب، مع استمرار الفصل الكامل بين أرصدة العملاء غير النقدية والأرصدة النقدية، وعدم صرف الإيداعات النقدية للعملاء لسداد أرصدة غير نقدية.

ومع ذلك، استثنى قرار التعويض صغار المودعين المدينين للبنك أو الذين عليهم أي التزامات أخرى له.

1.2 مليون مودع

وفق مصادر اقتصادية، يبلغ إجمالي المودعين مليوناً ومئتي ألف مودع لدى البنوك في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة الحوثية، في حين تقدر عائداتهم بثلاثة مليارات دولار، وهي فوائد الدين الداخلي، لكن الجماعة الحوثية تصر على مصادرة هذه الأرباح بحجة منع الربا في المعاملات التجارية والقروض.

الحوثيون حولوا مقر البنك المركزي في صنعاء إلى موقع للفعاليات الطائفية (إعلام حوثي)

وبحسب المصادر، فإن هذه الخطوة تأتي محاولةً من الجماعة الحوثية للتخفيف من آثار قرارهم بمصادرة أرباح المودعين بحجة محاربة الربا، حيث يعيش القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحوثيين حالة شلل تام بسبب التنفيذ القسري لقانون منع التعاملات الربوية، والذي قضى على مصداقية وثقة البنوك تجاه المودعين والمقترضين، كما ألغى العوائد المتراكمة لودائع المدخرين لدى البنوك، وعلى الفوائد المتراكمة لدى المقترضين من البنوك.

وأدى قرار الحوثيين بشطب الفوائد المتراكمة على أذون الخزانة والسندات الحكومية إلى تفاقم مشكلة ندرة السيولة في القطاع المصرفي؛ إذ تقدر قيمة أذون الخزانة والسندات الحكومية والفوائد المتراكمة عليها لأكثر من 20 سنة بأكثر من 5 تريليونات ريال يمني، وهو ما يعادل نحو 9 مليارات دولار، حيث تفرض الجماعة سعراً للدولار في مناطق سيطرتها يساوي 535 ريالاً.

كما جعل ذلك القرار البنوك في تلك المناطق غير قادرة على استرداد قروضها لدى المستثمرين، والتي تقدر بنحو تريليوني ريال يمني، والتي كانت تحصل على عوائد منها بما يقارب مليار دولار، والتي تبخرت بسبب قانون منع التعاملات الربوية.